قياس الروح هي الترجمة الحرفية للكلمة الانجليزية (psychometry) والذي يمكن أن نقول عنه أيضاً القياس الروحاني. قياس الروح بزعم البعض من الدجالين هي القدرة على التكهن بالغيب عن طريق لمس أشياء محددة، حيث غالباَ ما يقوم الوسيط الروحاني بإمساك قطعة من الأحجار الكريمة، رسالة، معدن، أو قماش معين، مدعياً مقدرته على لمس الهالة الروحية للشخص الذي لمسها من قبل او الشعور لذلك، ثم يبدأ الوسيط بالهمهمة بصوت خافت حال لمسها مدعياً اقتباسه مشاعر او معلومات عبر ذلك اللمس. العديد من الوسطاء الروحانيين يدعون حيازتهم قوى للقياس الروحاني، ويفسر المشككون هذه المزاعم بأنها ليست سوى مزيج من التفكير السحري، القراءة الباردة [أحد مجالات الدجل والذي يتضمن زعم معرفة معلومات كثيرة عن الشخص حال رؤيته]، التحقق الذاتي، والتفكير الانتقائي. 

قوة تأثير ممارسي القياس الروحاني تتضح من الرسالة الالكترونية التالية التي استقبلتها من شخص أراد أن يُعلمني بأن القياس الروحاني هو أمر حقيقي: 

“أَعلم أن الادراك الفائق للحواس هو أمرٌ حقيقي، فقد كُنت اشكك في صحته سابقا، لكنني رأيت أول دليل ملموس في جامعة سيمون فريزر من وسيطة روحانية جلبها الأستاذ الى قاعة الدرس، وحتى أنني أجريت اختباراً عليها أمام جميع الطلبة، فقد اخبرتني عن حادثة حصلت لي، تتعلق بقارب كنت امتلكه، وهذه الحادثة لا يعلم بها أحد من الحضور غيري. فقد قامت بما يسمى بقياس الروح، وذلك بحمل احدى المقتنيات الشخصية المعدنية للطلبة، كالمفاتيح او الساعات، او الخواتم، والمعدن يختص بصفة غريبة، فيبدو أن للمعادن القدرة على الاحتفاظ بالطاقات العقلية لمقتنييها، فتساعد هذه الخاصية الوسيط الروحاني على تفعيلها وكشفها. الكون أغرب مما تعتقد، كانت هذه الوسيطة الروحانية قد حذرتني من صديق كنت أمارس الغوص العميق معه، حيث أخبرتني أنه محاط بالأسلحة وأنه يعيش أسلوب حياة خطرة؛ بعد 6 أشهر أطلق النار على رأسه بأحد الأسلحة التي كان يحوزها، بعد أن هجرته رفيقته وذهبت مع زميل له.  وفيما بعد أخبرتني الوسيطة الروحانية مورين ماكجواير أنها كانت قد تواصلت معه [المنتحر] في الحياة الآخرة، وأخبرها أنه لم يتعمد الانتحار، بل كان مجرد حادث، تحت تأثير الخمر. باعتقادي انه يجب ان نبقي مجالاً للتسامح في كيفية عمل الكون، خصوصاً مع وجود غرابة فيزياء الكم مثل: مبرهنة بيل [مبرهنة المستحيلات أي إنها مبرهنة لا تساو، تعالج مفارقة أينشتاين-بودولسكي-روزن التي تتعلق بعدم اكتمال ميكانيكا الكم]، الانسياب العكسي للزمن، والابعاد المتعددة…. الخ. وانه لمن التشدد ان نتمسك فقط بنموذج نيوتن الفيزيائي للكون، أينشتاين بنفسه قال ان المجال هو الحقيقة الوحيدة الان، والفكرة التي تقول بأن الأجزاء الصلبة للمادة هي محض فكرة ميتة منذ فترة طويلة.

أنا أعتقد بأن دين رايدن، إدغار ميشيل، روبرت جان، هلمت شميدت.. الخ، على المسار الصحيح، فقد كتب ألبرت أينشتاين مقدمة كتاب (Mental Radio) المذياع العقلي (كتاب يروج للإدراك الفائق للحواس كُتب في الثلاثينات)، والذي قال فيها ان نزاهة الكاتب ابتون سنكلير فوق مستوى الشبهات.

بنظري إن مجتمع المشككين أصبح كنيسة جديدة، انهم يرفضون النظر عبر عيني الحقيقة عندما يدافعون عن النموذج المادي الميت وغير الموجود، فالكون أكثر إثارة بوجود الادراك الفائق للحواس، منه بوجود الكون القديم القائم على القطع المادية البلهاء.”

مع التحية

روس 

من الجدير بالذكر ان التجربة التي تعرض لها روس حدثت قبل 25 عام، وإن معتقداته وتجاربه ربما أثرت على ذكرياته حول الاحداث، وأن من التعقل أن نشكك بموثوقية الذكريات بخصوص التفاصيل المذكورة، كذلك؛ يجب أن نلاحظ أن الدرس الذي كان يقدمه روبرت هاربر المناصر للادراك الفائق للحواس، والذي ربما لا يكون من أكثر المُدرسين نزاهة. 

بالتأكيد لم أكن هناك عندما أجرت الوسيطة الروحانية مورين مكجواير القياس الروحاني، لذلك قد أخمن أنه هل يجب عليّ أن أعيد صياغة المشهد لأشرح كيف اضاف روس المزيد من التفاصيل للقصة التي حدثت. من الشائع ان الوسيطة الروحانية تقول بأنها تشعر بشيء يشبه الحادثة التي حصلت للزبون، وان الزبون أضاف فقرة القارب ضمن القراءة، لاحقاً تذكر الزبون ان الوسيطة قد أخبرته بخصوص حادثة القارب، وفي الحقيقة هي لم تفعل ذلك، وكذلك من الشائع بالنسبة للزبون، ألا يتساءل لماذا لم تعطه الوسيطة تحذيراً محدداً عن الخطر المحدق الذي قد يتعرض له “الانتحار بحادث”، بالإضافة لذلك هناك الكثير من الحقائق المثيرة حول القياس الروحاني، والذي قد يراها روس وغيره مثيرة فعلا. 

لقد وضع جوزيف رودوس بوكانان (1814-1899) مصطلح القياس الروحاني، وكان يشير به الى الفكرة التي تقول بوجود تأثير شخصي للفرد حين يتعلق بشكل دائم بجسم مادي ما، عند مساس الفرد لهذا الجسم. وقد يتساءل العقل المنطقي كيف يمكن للوسيط الروحاني أن يفصل بين التأثيرات الشخصية المتعددة التي تخللت كل تلك الأجسام المادية، تحت هذا التفسير السحري للواقع. (نفس السؤال يُطرح بخصوص ادعاء ممارسي العلاج المثلي إن للماء ذاكرة ذات صفات شفائية اكتسبتها من مواد كانت متصلة به في وقت ما، وقد فقد الماء هذه الذاكرة بشكل سحري بسبب الملايين من الملوثات التي كانت ترتبط بالماء قبل ألف سنة)، بعد عدة سنوات نشر بوكانان نتائج “بحوثه” التي استمرت لعدة سنوات تحت عنوان: (الدليل العملي لقياس الروح، فجر حضارة جديدة).

مارس بوكانان وزوجته القراءة بطريقة قياس الروح على مدة 50 عاماً، وتربح جيداً من هذه الممارسة، في الوقت الذي كانت ممارسات مثل التنويم المغناطيسي، والروحانية[لا يعني هذا مصطلح روحانية العام بل يشير الى اعتقاد ظهر في أمريكا خلال منتصف القرن التاسع عشر وينص هذا الاعتقاد على ان البشر قادرون على الاستمرار بالحياة بعد الموت والتواصل مع الأحياء من خلال وسائط حساسة]، لذلك؛ ادعى بوكانان انه حاز على عِلمه من علم فراسة الدماغ [علم زائف يدعي قياس الشخصية والقدرات العقلية من شكل وحجم الجمجمة]، بالنظر الى شخصيات مثل بوكانان فإنه يصعب تحديد ما إذا كانت هذه الممارسات محض استغلال لسذاجة البشر، او وهم ذاتي، او كلاهما معاً.

يصف بوكانان نفسه بـ “الدكتور” وأنه تتلمذ في مدرسة طبٍ غريبةٍ في عصره، لكن يبقى تعليمه الحقيقي غير معروف، ألا أن المعروف هو ان اطلاقه وصف “العلم” على قياس الروح، هو مجرد وصف خاطئ بكل ما تعنيه الكلمة من معنى؛ ولدينا كل الحق أن نصفه بـ “العلم الزائف”، بالرغم من ذلك، فإن قصة بوكانان تستحق الدراسة.

التالي؛ يستند على الفصل الرابع والعشرين من كتاب جاسترو (الخطأ والانحراف في الاعتقاد البشري).

في عام 1842 ادعى بوكانان أنه اكتشف وضع قطعة معدنية على جبين “الحساس”، وبذلك يتمكن الحساس [الشخص المفحوص]، من إعادة تركيب الإحساس او “النفس”، لكنه لم يُعلن عن اكتشافه الكبير حتى عام 1849، على كل حال؛ توسع بوكانان مع زوجته بالفكرة خلال الخمسين عام اللاحقة، بالادعاء بأنه عند وضع قطعة معدنية على الجبين فإن القطعة المعدنية سوف تولد انطباعات تعود لمن كان له تماس مع هذه القطعة. 

أضاف “الدكتور” أوصاف تُظهر جعجعة ذات طابع طبي عند شرحه لهذه الظاهرة، بمصطلحات تبدو مقنعة حين يقول: “شخصٌ ذو تحسسية عالية” او “التقلب العصبي المزاجي” (مثل السيدة بوكانان)، التي كانت قطعة من المعدن على جبهتها تمكنها من تذوق أشياء حلوة، او مالحة، او حامضة، بـ “تأثير غريب” يسري من الذراع الى الرأس، ثم ضخم بوكانان تجربته، بوضع إصبعه على قطعة المعدن، كيف؟ “خلق ممر الى التأثير العصبي، او الهالة العصبية من هيئتي خلال المادة (القطعة المعدنية)” وبالفعل؛ جمع عدة رجال من المعهد الطبي الإلكتروني في سينسناتي، يقسمون على أنهم أحسوا بتأثير بعدما قاموا بلف قطع من الدواء حول أيديهم.

لاحقاً، اكتشف بوكانان ” إنه بوضع توقيع على جبهة المُتحسس، سَيظهر عليه المظهر الكامل، وسيرة حياة، والصفات الشخصية، للكاتب” بسرعة؛ سوف يدرك بوكانان إن أي شخص يستطيع فعل ذلك، متحسساً او غيره، (طالما يمتلك الفاحص مخيلة غنية ليتماشى مع سذاجة المفحوص)، وهذه احدى العاب الصالون [هي لعبة جماعية تلعب في الداخل باستخدام الكلام. كانوا يلعبون في كثير من الأحيان في صالة الاستقبال، وكانت هذه الألعاب شائعة للغاية بين الطبقات العليا والمتوسطة في بريطانيا العظمى والولايات المتحدة خلال العصر الفيكتوري. يعتبر العصر الفيكتوري في بعض الأحيان “العصر الذهبي” للعبة صالون]والتي تتلخص بالقيام بقراءة من توقيع لأحد المشاهير، مثل: جورج واشنطن، ستونوول جاكسون، دانيال وبستر، جون آدامز، ونادراً ما تكون التجربة ذات نتائج عكسية، وإن حدث ذلك، فإن المؤمن الحقيقي لن يرتدع. 

عندما يخلط الممارس لقياس الروح بين احساسه تجاه رسالتين أحدهما من الكاتب الشهير تشارلز ديكنز، والأخرى من كاتب مجهول، فإنه سوف يبرر ذلك بأن الرسائل أثرت في بعضها البعض روحانياً بعد أن يفشل في زعمه بأنه قادر على معرفة شيء ما من لمس الرسالة (وهذا الحدث يذكّرنا بالشرح الذي قدمه أحد الوسطاء الروحانيين، والذي كان متيقناً من أعواد الغطس التي يمتلكها، لها القدرة على استكشاف أي قارورة من قوارير المياه تمتلك طاقة روحانية: لم يتمكن من ذلك لأن قارورة الماء المشحونة بالطاقة الروحانية أثرت في بقية القوارير التي أصبحت كلها مشحونة).

قد يوصف سحر المعالجة المثلية (homeopathy)، يمكن شرحه عن طريق القياس الروحاني كمرض معدي، ولكن لا حاجة للقول، ان د. بوكانان كان يُفضّل الروحانية، والتي وجد الروحانيون ولعاً بأفكاره.

كذلك وُجدت أفكاره ولعاً من قِبل العُلماء المصابين بالحُمى الروحانية، كتب بوكانان ان المدارس النفسانية سيكون لها استخدام بالنهاية في علوم الطب، والفَسلجة، والتاريخ، وعلم الإحاثة، والفلسفة، وعلم الإنسان، وعلم الأرض، والفلك، وعلم اللاهوت… الخ من التسميات، وبالطبع كان على حق، فقد رأينا العديد من الرجال والنساء من مختلف مشارب الحياة، وهم يمارسون الوساطة الروحانية على مختلف مجالاتهم.

احدى التطبيقات الشهيرة للقياس الروحاني من قبل بوكانان في القرن الـ 19، كانت مع أحد أتباعه وهو عالم الأرض ويليام دينتون، حيث استخدمت اخته؛ (آن دينتون) القياس الروحاني لاختزال العمل الميداني، حيث وضعت عينة على جبهتها فرأت “تاريخ حياتها يمر أمام عينيها”:

من قطعة حمم بركانية من كيلاويا في هاواي، (لا يعلم المتحسس طبيعة العينة ولا مصدرها)، أحسست بالصورة الآتية: “لقد رأيت المحيط وسفناً تُبحر خلاله، فلقد كانت جزيرة بالتأكيد، حيث الماء يُحيط بها من كل جانب، ثم استدرت الى حيث السفن، فرأيت صورة أكثر فزعاً، بدا لي بحراً من النار يغلي ويتصبب من على جرف، هذا المشهد اخترق كياني، واصابني بالفزع، استمر المشهد وأنا أرى النار تسقط في مياه المحيط التي تغلي بشدّة”.   

أُعطيت فحمة من الصخر الجيري، وعليها خدوش جليدية لـ آن التي تقول: “شعرت وكأنني تحت كتلة ضخمة من الماء، بعمق الى درجة إنني لا أستطيع أن أرى ما تحتي، لكنني أستطيع أن أرى ما فوقي لأميال، ثم استمر بالارتفاع، فشعرت بوجود شيء فوقي ومن حولي، ربما يكون جليد، لأنني احسست بأنني متجمدة خلاله، ولم تكن حركة الكتلة المائية ذات طبيعة متجانسة، حيث تميل الى الامام، ثم تترنح وتعود الى الميلان نحو الامام، ثم تتحرك بحركة حلزونية، ثم تندفع وتتراص على طول المسار”.  

عام 1863 نشر دينتون كتاب تحت عنوان روح الأشياء (The Souls of (Things، والذي شرح فيه كيف سيكون علم الأرض [لا يقصد به اي شيء يتعلق بالجيولوجيا الحديثة بل مجرد علم زائف في القرن التاسع عشر] في المستقبل في الظل هذا “العلم” الجديد، دون جاسترو بعض الملاحظات التي تقول: “ان هذا لأمر غريب”، “لا زالت حكومة الولايات المتحدة العنيدة والمحافِظة مستمرة في المسح الجيولوجي المُكلف، وتتجاهل الاستعانة بالقياس الروحاني”.  

نشرت ايما بولين عام 1905 كتاباً تحت عنوان (تاريخ الوساطة الروحانية لـ كليف دولوريس)، موضحة كيف أن هذا “العلم الجديد” تطبيق لعلميّ الآثار والإنسان، ولا حاجة لنا بعد الآن للفحوصات المختبرية المُكثفة، يكفينا أن نضع قرنَ ظبي على جبين أحدهم ليقوم بالعمل بوقت أسرع وبكفاءة أدق.

ولا حاجة للمحاكم، حيث لا داعي للمحققين والشهود، وهنا أتساءل هل سيتنازل روس عن محكمة أصولية بواسطة المحلفين لأجل إقامة محاكمة تستعين بالقياس الروحاني؟ وهل سيوجّه اتهام جاد بالجريمة في هكذا محاكمة؟ 

الفكرة التي تقول بأن الماضي مُستتر بالحاضر هي فكرة ضاربة في القدم ومتجددة، حيث رأينا هذه الفكرة مجدداً عند روبرت شيلدراك في الصدى الشكلي (morphic resonance)، وفكرة غاري شوارتز حول الذاكرة الشاملة، كذلك تحيا هذه الفكرة في اعمال داريل بيم حول العِرافة، تتلخص هذه الفكرة بالقول؛ إن الوقت هو وهم، وأن المُستقبل يُسبب الحاضر، ولذلك فإن الماضي يحدث من المستقبل، وهكذا؛ فإن اللحظة الحاضرة هي مُحمّلة بكل شيء قد حدث، وكل ما سيحدث. هذه الفكرة هي محض تصوف ببساطة، ولا شيء سحري او غامض في الامر، وعلى عكس روس، فإنني أعتقد بأن الكون اكثر اثارة عندما نتفحصه باستخدام العلوم الحقيقية، بدلاً من الأدوات الخيالية للقياس الروحاني.

 من ناحية أخرى يعلق جيمس راندي قائلاً: 

” يستشعر العديد من الأشخاص بالقشعريرة عند العودة الى مرابع الصبا، حين يستعيدون ذكريات الماضي، ويمكن للوقوف امام نُصب قديم ان يجلب مشاعر غريبة، وهذا يحدث نتيجة عن الصرح نفسه لا عن وعيٍ بتاريخ الصرح والأشخاص المرتبطين به، ولو كان ذلك صحيحاً لكان من الصعب ان تتمشى في جادة ويستمنستر دون ان تغوص في ذكريات الشخصيات المشهورة التي ارتادت تلك الجادة”.

 

هذا الشعور بالارتباط مع شخصيات وأحداث الماضي قد ارتادني فعلاً حين ارتدت عدة أماكن مثل: نيوغرانج [مَعلم أثرى من عصر ما قبل التاريخ يقع في ايرلندا]، وجادة ويستمنستر، مكتب إسحاق نيوتن المُعاد تركيبه في كلية بابسون، كنيسة سانتا كروس في فلورنسا، المقبرة في باحة كنيسة المسيح في بنسلفانيا، واوكسفورد التي سار في اروقتها العديد من الفطاحل، لا يمكن إنكار هذا الشُعور، ولكن من غير المنطقي تصديق ان هذا الشعور تولد بعد الاتصال بطاقة خارقة للطبيعة تركها أولئك الذين كانوا سابقاً في هذا المكان.

من ناحيةٍ أخرى، رغم أن من غير المنطقي التصديق، على سبيل المثال، فإن الكنزة التي يرتديها السفاح ملوثة بشيء شرير، او بقايا من ذلك الشر قد انتقلت الى قطعة من قماش ارتداها ذلك القاتل، ربما يكون من الطبيعي ان تكون متطيّراً فيما يخص تلك الكِنزة، أكثر مما ان تكون متهاوناً.

 تثير الشكوكية الأسئلة حول الظواهر الخارقة، ومن ضمنها تلك المعتقدات التي تتعلق بانتقال الذاكرة عندما تتصل قطعة ما بشخص، ربما يكون هذا الامر طبيعياً، الا انه ضد الأسس التي قام عليها تاريخنا التطوري، والتجارب التي مرت بطفولتنا المبكرة. 

أنشأ الأخصائي في الطب النفسي بروس هود مسألة قوية في الفكرة التي تقول بأن الاعتقاد بالخوارق أكثر طبيعية من الشكوكية، وقد كتبت مراجعة على كتابه الحاسة الخارقة (SuperSense) تحت عنوان: لماذا نعتقد باللا معقول؟ 

     “ربما تكون لدينا ميولاً طبيعية لتفسير الظواهر وفق الأطر الغيبية، لكن الطبيعة المُحددة للآلهة التي نعبد، ليست بالأمر الذي وُلد معنا، وكذلك، قد نميل الى رؤية العالم على أنه محض مادة مملوءة بالماهيات، وخواص حادثة، لكن هذا لا يعني أن الماهيات والمواد موجودة خارج حدود إدراكنا. اللغة بكل مساقاتها وضمائرها ربما تعكس طبيعة نظرتنا للعالم، الا ان العقل يخبرنا ان العالم لا يتوجب عليه ان يتفق مع الطريقة الغريزية التي نُدرك بها العالم. 

اعتقاد الأطفال وكذلك العديد من البالغين بالأمور الغيبية والخارقة للطبيعة، ربما يكون حقيقياً، حتى ينكر هذا الاعتقاد تحت الشك العقلاني، ومن الحقيقي ان يتشبع الدماغ بأشخاص وأماكن محددة، وأشياء ذات أهمية، ومن ناحية أخرى؛ فإن الدماغ قادر على ان يستشعر قدسية صخرة او جبل او مَسبحة، فقط لأن بعض الأشخاص يؤمنون بقدسيتها. وكذلك فإن وجود شخص آخر لا يؤمن بأن قدم الارنب تتعلق بمزايا جلب الحظ، يتوجب ان يكون الجميع قادرين على التغلب على الميول الطبيعية المعزوة الى المادية (غير السحرية) التي تتعارض مع الميول ذات المزايا السحرية.

أحد أهم الأسباب التي جعلت جميع الناس غير عالقين في عالم تهيمن عليه الخرافات هو؛ التعليم، وبالتأكيد هناك حدود لما يمكننا ان نتعلمه، فالمعرفة بتخصص معين، لا تعني انها فعالة دائماً في تعديل المعتقدات الخاطئة، والسلوكيات المدمرة للذات. 

ومما لا مجال للشك فيه، أن العديد من معتقداتنا الزائفة والخاطئة تمثل السلوان للبعض، ووسيلة للنفع للبعض الاخر (كما دوّن هوود: الطقوس والعائد الخرافية، تخفّض التوتر الذي يسببه الشك)، الا إنه ليس بالأمر الهين اجتثاث الافكار والمعتقدات المؤذية، عن المحمود منها، من ناحية اخرى فهذا يسدي الينا خدمة كنوع بشري، للإجابة على سؤال: الى اي مدى ستبقى دلالة المقّدس والمدنس معنا؟ وهل بإمكاننا ان نفعل شيئاً، للتخلص من المحظورات والخرافات التي تكون مؤذية على الدوام.

لنحاول؛ بمساعدة علم النفس ان نفهم القياس الروحاني، على انه المعتقد الذي بموجبه يحيد العقل عن جادة الصواب، فهنا يتوشح العقل بحجاب من الأوهام، فيرى الوهم والحقيقة واحد. والمفاتيح لفهم القياس الروحاني، هي التفكير السحري، السذاجة، التخيّل، التحقق الذاتي [انحياز معرفي يعتبر الشخص من خلاله أن معلومة ما صحيحة إذا كان لها أي معنى ذاتي أو أهمية بالنسبة له]، التفكير الانتقائي، القراءة الباردة، الانحياز التأكيدي، التفكير الانتقائي، وما شاكل ذلك. 

هذا ينطبق على شعور المرء حينما يحصل على توقيع شخص مشهور، وهو ما يدعى بـ “الاحساس الزائف بالحميمية”، نفس هذا الإحساس الزائف يحدث حين يلمس بعض الاشخاص مفتاحاً ما، او جوارب شخصٍ مفقود، فهذا الإحساس يجب أن يُصنف على انه؛ إما سذاجة بشرية مطلقة، او توهم ذاتي، او الاثنين معاً