يقول عالِم الفيزياء النظرية ميتشيو كاكو (Prof. Michio Kaku‎) “إِنَّهُ قد يَفُوق بريق المجرة بأكملها، إنه يُحرّر طاقة بقدر ما تمتلُكها شمسنا تريليونات المرات، عَنيفٌ لدرجة أنه لو انفجر على مقربة عشرات السنين الضوئية من الأرض لاحترق الكوكب، إنه المُسْتَعِر الأعظم، إنه أعظم جائحة في تاريخ الكون بأكمله.”

تأتي المُستعرات العُظمى أو السوبر نوفا (Supernova)  في مختلف الأحجام والأنواع وجميعُها لامعة للغاية بحيث يُمكن رؤيتها عبر الكون. إنه ببساطة أعنف موتٍ لنجم يُمكن تَصوُّره، لكن هذا التدمير العنيف للنجم هو أيضاً مَولِد كُل ما نراه حولنا. كوكبنا وشمسنا بل ونظامنا الشمسي، وبالطبع كُل شيء حولنا قد نشأ في الأصل من بقايا نجم ميت مُتفجِّر، حرفياً إن كُل ما يكوُّن أجسادنا والأُفُق أتي من المُستعرات العُظمى، دُون المُستعرات العُظمى لَمَا تواجدنا هُنا.

يقول عالِم الفيزياء النظرية/ لورانس كراوس (‎(Prof. Lawrence Krauss: “كُل ذرة في أجسادكُم كانت ذات مرة في نجم قد تَفَجَّر، والذرات في أيديكُم اليُسرى رُبما أتت من نجم مُختلف عن الذرات في أيديكُم اليمني، وما أنتم إلا غُبار نجمي.”‎

وأنَّى للنجم أن يكونَ مُستعراً أعظماً؟

النجوم -بوجهٍ عام- هي مُفاعلات نووية ضخمة. الإندماج داخل النجم يحرق الهيدروجين، ‏حيثُ يتم دَمج ذرات الهيدروجين معاً لينتُج الهيليوم والطاقة، وعندما ينفد الهيدروجين يتم دمج الهيليوم إلى كربون وتستمر العملية حتى يأتي الحديد، وهُنا تبدأ النهاية الفعلية لحياة النجم؛ إذ أن الحديد يمتص كُلياً الطاقة النووية للنجم. وأثناء حياة النجم‏ هُناك توازن بين الجاذبية -القوة التثاقُلية التي تسحب النجم للداخل-، والضغط الطارد -الطاقة الناجمة عن عملية الإندماج النووي للنجم-. لكن بمرور الوقت ينفد وقود النجم وتتوقف عملية الإندماج وتربح الجاذبية مُعتركَها الأسطوري ضد الإندماج.

يقول عالِم الفيزياء النظرية روبرت كيرشنر (Dr. Robert P. Kirshner): “بالنسبةِ للنجم الذي يُولِّد طاقة، لا تُوجد مُشكلة. لكن عندما يَخمَد توليد الطاقة فإن الضغط الطارد يضمحل وتفوز الجاذبية.”

حسناً، إن المُسْتَعِرَ الأَعْظَم هو بمثابة مرحلة تَطوُّرية أخيرة لحياة نجمٍ ضخم –كُتلته تساوي تقريباً ثمانية أو تسعة كُتل ‏شمسيّة‏-، حيث عند نهاية عُمر النجم يحدث انفجار هائل يقذف فيه النجم غلافه في الفضاء، مما ‏يؤدي إلى تَكُّون سحابة بلازمية كروية برَّاقة للغاية حول النجم. أما مركز النجم فيأخُذ بالإنهيار على نفسه ‏للداخل، مكوناً إما قزماً أبيضاً أو نجماً نيوترونياً؛ ويعتمد ذلك أساسياً على كتلة النجم، حيث يُمثل 1.4 ‏كتلة شمسية حدَّاً فاصلاً بين التطورين (القزم الأبيض والنجم النيوتروني)، وإذا كانت كتلة النجم أكبر ‏من 1.4 كتلة شمسية فإن ‏النجم يتبقى منه نجماً نيوترونياً بعد مروره بمرحلة المُستَعِر الأعظم. وفي ‏حال زادت كتلة النجم عن ما يُقارب 20 كتلة شمسية فإن النجم يتحول إلى ثقب أسود دون أن ينفجر ‏كَـمُستعرٍ أعظم.‏ وحقيقةً، يبدو هذا مُطَمّئِنٌ جداً؛ إذ لن تصير شمسنا مُستعراً أعظم ألبتة لِـصِغَر حجمها.

وهل يأخذُ النجمُ وقتاً طويلاً حتى يُصبحَ مُستعراً أعظم؟

يقول عالِم الفيزياء النظرية روبرت كيرشنر (Dr. Robert P. Kirshner) “آخر لحظات النجم مُدهِشة بحق، فقد يستغرق النجم عشرة ملايين عام في طريقه ليصيرَ مُستعراً أعظم، لكن آخر جُزء يحدث بُسرعة كبيرة. بمُجرد أن يختل التوازن بين الجاذبية والاندماج النووي للنجم، فإنه ينهار في واحد من الألف من الثانية (مللي ثانية) من حجم كوكب الأرض إلى حجم مدينة منهاتن، إنه يُسافر بحوالي ثُلث سرعة الضوء وهو ينسحق.”

وماذا بعد الإنفجار؟

يقول مُهندس الرحلات الفضائية جنتري لي (Space Flight Engineer. Gentry Lee) “في سكرات موت المُستَعِر الأعظم، يبدو الأمرُ مُدهشاً بنجاة شيء من إنفجارٍ كوني هائل كانفجار المُستعر الأعظم.”

إحدى أغرب وأفتك الجُسيمات التي اُكتشِفَت والمعروفة بالنجم النيوتروني (Neutron Star)

صورة مُحاكاة للنجم النيوتروني

صورة مُحاكاة للنجم النيوتروني

تقول عالمة الفلك/ ميشيل تيلر (Dr. Michelle Thaller) “هذه الأشياء لا تنفكُ تُفكر فيها كـنوعٍ من الأموات الأحياء للعالم النجمي. إنها غريبة للغاية، إنها خطيرة للغاية، وتكوّنها النجوم دائماً. إنها حولنا في أرجاء الكون.”

عندما يصير النجم مُستعراً أعظم ينسحق الُّلب من حجم كوكب إلى حجم مدينة. وفي وصف النجوم النيوترونية يقول العالِم/ روبرت كيرشنر “لدى النجم النيوتروني كُتلة النجم مسحوقة لحجمٍ صغيرٍ للغاية، وهذا يعني أن الكثافة عالية للغاية.”، فقط تخيّلوا سحق مبنى كبير جداً إلى حجم حبة رمل. فلو كان لديكُم شيء كهذا وأسقطتموه فسيخترق الأرض كالسكين في الزُبدة. ملعقة واحدة من النجم النيوتروني تزن حوالي 90 مليون طن.

ويقول عالِم الفيزياء الفلكية البروفيسور ستان ووزلي (Prof. Stan Woosley) “قد تدور بعض هذه الأجسام الغريبة -يقصد النجوم النيوترونية- ألف دورة في الثانية. أعني أفترضه شيئاً مرة ونصف كُتلة الشمس يدور ألف مرة في الثانية.”

وهل هُناك ما هو أغرب؟

بالطبع، الكون دائماً يحمل في جُعبته المزيدَ والمزيد. فعندما تنفجر نجوم تفوق حجم الشمس ثلاثين مرّة فإنها تُنْتِج ما يُسمي بالنجم المغناطيسي (Magnetic Star)

صورة مُحاكاة للنجم المغناطيسي

صورة مُحاكاة للنجم المغناطيسي

قد يكون حقلُه المغناطيسي مئة تريليون مرة مقدار ما تمتلكه الأرض. هذا قوى للغاية، قد يمتص الحديد من دمائكُم من على بُعد آلاف الكيلومترات. لا تقتربوا منه أرجوكُم.

لكن لا النجوم النيوترونية ولا النجوم المغناطيسية أخطر الجُسيمات التي يُخلّفُها المُستعر الأعظم. هُناك ما هو أخطر وأعظم، إنه الثقب الأسود. عندما ينسحق لُّب النجم بالغ الضخامة فإنه لا يسحق الذرات وحسب، بل يسحق المكان والزمان أيضاً.

صورة مٌحاكاة للثقب الأسود

صورة مٌحاكاة للثقب الأسود

ويبدأ الثقب في الحال بإلتهام النجم المُحتَضِر حوله، وينتُج عن ذلك إنفجارات شديدة الطاقة تُعرَف بانفجارات أشعة جاما. وهذه الانفجارات هي أعنف شيء نعلم عنه في الكون.

ويقول عالِم الفيزياء النظرية/ ميتشيو كاكو “إن هذه الإنفجارات مُفعَمة للغاية بالطاقة بحيث يُمكنها إنارة الكون كُله، أى نُقطة في الكون ستلتقط في نهاية المطاف هذا الإشعاع المُدهش المُنبعث من انفجارات أشعة جاما. هكذا هي طاقتها.”

والسؤال هو، إن كانت هذه الانفجارات حدثت بالفعل أسَتحدُث مُجدداً؟، وهل نحنُ في آمان؟

وتقوم عالمة الفلك/ ميشيل تيلر بشرح الإجابة حين تقول “إن مُجِّر أشعة جاما ما هو إلا مُستعر أعظم مُنشَّط، أى نجم عملاق، والآن أقرب النجوم لنا وبهذه المواصفات ويُمكن أن يقوم بذلك هو “إيتا كارينا”، إنه سديم مدهش. لربما يُفجِّر إنفجارات أشعة جاما.”

ويستكمل البروفيسور/ كاكو قائلاً “لكن لربما لن يكون “إيتا كارينا” التهديد الوحيد، فهُناك نجوم مُحتضرة أُخرى هُناك. صدقوا أو لا تصدقوا أحدهم يمتد في اتجاهنا، وكأننا نُحدّق صَوب ماسورة سلاح عظيم. إنهُما نجمان مُستعران سيخضعان يوماً ما لإنفجار أشعة جاما. وليس السؤال “لو”، بل السؤال “متى”.” ويُضيف البروفيسور/ كراوس “لكن الأنباء الجيدة التي لا نعلمها عنه سلفاً أنه قد تصدمنا الصدمة قبل أن تُتاح لنا فرصة القيام بشيء. فليس هُناك معنى للقلق منهما بأى حال.”

الحقيقة أننا لن نعلم مُطلقاً أن النجم يُوشك أن يصير مُستعر أعظم ويتفجّر. على أيّة حال بُمجرد أن نراه فسيكون قد فات الأوان.

حسناً، وما الذي يُعطي النجوم كُل هذه القوة حتى تنفجر وتصير مُستعراً؟

لم يعرفْ أحدٌ لهذا السؤالِ إجابةً إلا مؤخراً. عندما حاول العُلماء مُحاكاة إنفجار المُستعر الأعظم في الحاسوب، لكنهم لم يستطيعوا الحصول على طاقة كافية من النجم المُحتضر لصُنع مٌستعر أعظم، كان هذا فاجعة في علم الفلك. لم تتمكن نماذج الحاسوبات من تفجير النجوم المُحاكَة، وكانت الطريقة الوحيدة ليتمكن العُلماء بمُحاكاتهم من مُضاهاة الحقيقة هي بإضافتهم لجُسيم غامض يُسمَّى “النيوترينو”، دُون لم تصح حساباتهم ألبتة. وكان هذا هو الجُزء السهل، والخطوة التالية هي أن يُبرهنوا أن المُستعرات العُظمى تُنتِجُ النيوترينوات. في عام 1987حالفهم الحظ وتمت البرهنة الفعلية على وجود النيوترينوات. وهي أضغر تريليونات المرات من الذرات.

لو تمكنتم من رؤية النيوترينوات فستجدونها في كل مكان، جُسيمات كالأشباح، تمُر تريونات منها عبر أجسادكم، حتى وأنتم تقرؤون هذا المقال الآن. لكُم أن تتخيلوا هذه الجُسيمات الغريبة التي تخترق كُل شيء.

لكن من أين للنيوترينوات أن تأتي بطاقتها؟

عندما ينسحق الُّلب قُبيل إنفجار المُستعر أعظم، تتفك الذرات داخله وترتفع درجة حرارة الُّلب للغاية، بحيث تتحول كُل تلك المُخلّفات الذرية إلى نيوتروينوات مُتوهجة. لكن الجاذبية لا تستطيع كبح النيوترينوات بداخل الّلب، إنها تتفجّر حُرّة في ومضة معمية من الضوء، تُمزق النجم إرباً. إن إكتشاف النيوترنيوات حقاً قد غيّر مسار فهم العُلماء ودراستهم للمُستعرات العُظمى.

إن المُستعرات العُظمي تُعطينا الوحدات البنائية للكون، وتُظهر لنا كيف تكوَّن الكون. من الصعب أن نتصور الذرات في أجسادنا اليوم صنعها مُستعر أعظم قبل بلاينن السنين.

تقول الكُتب المُقدَّسة “من التُراب إلى التُراب”، ويقول الفليكون “من غُبار نجمي إلى غُبار نجمي”؛ لذا فالمُستعرات العُظمى هى الرابطة الأساسية في دورة الحياة هذه.

يعتقد بعضُ العُلماء أن عصر المُستعرات العُظمى يتلاشى، النجوم الأصغر والأقل إحتراقاً كشمسنا ستصير أكثر شيوعاً، وستصير النجوم الضخمة أكثر نُدرة. إن المُستعرات العُظمى أعطتنا المجرّات والأنظمة الشمية والنجوم والكواكب والأقمار، إنها حيثُ يتقابل الدمارُ والخلقُ معاً. مصيرُ الكون يقع في رماد هذه المُستعرات العُظمى.

المصادر:

CosmoLearning: How The Universe Works: Extreme Supernovas | CosmoLearning Astronomy. CosmoLearning. N.p., n.d. Web.

Cappellaro, “Supernova Types and Rates“. Influence of Binaries on Stellar Population Studies. Brussels, Belgium: Dordrecht: Kluwer Academic Publishers.

Doggett, “A Comparative Study of Supernova Light Curves“. Astronomical Journal.

Astronomie-heute: Erste Paar-Instabilitäts-Supernova entdeckt.

Leibundgut, “Observations of Supernovae“. Proceedings of the NATO Advanced Study Institute on the Lives of the Neutron Stars. Kemer, Turkey: Kluwer Academic.

Matz, “A limit on the production of Ni-56 in a type I supernova“.

Schlegel, “The type Ib supernova 1984L in NGC 991“.

Beasley, “Space Movie Reveals Shocking Secrets of the Crab Pulsar“. NASA.

Detection of the Characteristic Pion-Decay Signature in Supernova Remnants.

Classification Supernovas, “US Naval Research Laboratory”.