لا تحتاج لأن تكون عالماً لتكون متحمساً للمنجزات الكبيرة التي نصل اليها في الفيزياء النظرية. اكتشافات مثل موجات الجاذبية وجسيمات بوزون هيجز يمكن ان تثير العجب لديك حول جمال الكون المعقد مهما كان فهمك قليلاً لتلك الأمور.
لكن يبقى البعض من الناس يتسأل لماذا عليهم ان يهتموا بالتقدم العلمي في الفيزياء والذي لا يظهر تأثيره بشكل واضح مباشر في حياتهم اليومية- وايضاً يتسألون لماذا ننفق الكثير من الأموال لدعم مثل تلك المشاريع العلمية. بالتأكيد، انه من المذهل اننا نستطيع دراسة الثقوب السوداء والتي تبعد عنا الآف السنين الضوئية وان أنشتاين كان عبقرياً بحق اكثر مما نعتقد، لكن كل ذلك لا يغير الشيء الكثير في حياة او عمل معظم الناس.
مع ذلك أن الواقع يقول ان الدراسات النظرية البحتة في الفيزياء تؤدي في بعض الأحيان الى تغييرات مدهشة في مجتمعنا. في الحقيقية، عدد من الركائز الاساسية التي يقوم عليها مجتمعنا، من الاتصالات عبر الأقمار الصناعية الى الكومبيوترات أصبحت ممكنة بعد البحث والتنقيب لعدد من النظريات الفيزيائية رغم عدم وجود تطبيقات واضحة لها في بداية ظهورها.
قبل حوالي ١٠٠ سنة تقريباً، ميكانيكا الكم كانت مجرد موضوع نظري بحت، طورت فقط لفهم خصائص معينة للذرات. لم يكن في ذهن الاباء المؤسسين لها مثل وأرنر هزنبيرگ واروين شرودنجر اي تطبيق لقد درسوها وحاولوا تطويرها نظرياً. كان الدافع لهم هو فهم من اي شيء صنع عالمنا.
لقد نصت ميكانيكا الكم على انك لاتستطيع ان تراقب اي نظام دون احداث تغيير جذري عن طريق تلك المراقبة، وفي البداية كانت تأثيراتها للمجتمع فلسفية وليست ذات طبيعة عملية.
لكن اليوم، تعتبر ميكانيكا الكم الاساس في استعمال أشباه الموصلات في الكومبيوترات والهواتف النقالة. لبناء شبه موصل حديث للاستعمال داخل الكومبيوتر، يجب عليك فهم عدد من المفاهيم والتي منها سلوك الإلكترونات عندما تكون الذرات مجتمعة معاً في المادة الصلبة، مثل هذا الشيء يفسر بشكل دقيق فقط من خلال ميكانيكا الكم.
بدونها، كنّا الى اليوم نصنع كومبيوترات تعتمد على انابيب التفريغ.
في نفس الوقت الذي حدث فيه التقدم الكبير في نظرية ميكانيكا الكم، كان ألبرت أنشتاين يحاول الوصول الى فهم افضل للجاذبية، القوة المهيمنة في هذا الكون.
بدلاً من رؤيتها قوة تحدث بين جسمين، قام بوصفها على شكل انحناءات في الزمكان حول كل جسم، تشبه تمدد قطعة من المطاط عند وضع كرة ثقيلة عليها. هذا ما يعرف بنظرية النسبية العامة لانشتاين.
اليوم اغلب التطبيقات الشائعة لتلك النظرية يمكن ان نجدها في عمل الـ GPS. لاستعمال إشارة قادمة من قمر اصطناعي لتحديد موقعك، انت تحتاج لمعرفة وقت مغادرة تلك الإشارة للقمر الاصطناعي بدقة ومتى ستصل الى الارض.
ان النظرية النسبية العامة لانشتاين تعني ان بعد الساعة عن مركز جاذبية الارض يؤثر على سرعة تحرك ميلها (التكتكة). ونظريته النسبية الخاصة تعني ان سرعة حركة الساعة ايضاً تؤثر على سرعة تحرك ميلها (التكتكة).
بدون معرفة كيفية تعديل الساعات للأخذ بنظر الاعتبار بتلك التأثيرات، لم نكن لنقدر على استعمال الإشارات القادمة من الأقمار الاصطناعية بدقة لتحديد المواقع. رغم عقله المذهل، لم يكن لانشتاين ان يتوقع قبل قرن ان مثل تلك الأشياء سيتم تحقيقها.
الثقافة العلمية
وبصرف النظر عن التطبيقات المُحتملة لتلك الأبحاث الاساسية، هنالك ايضاً منافع مالية مباشرة. معظم الطلاب والباحثين العاملين في مشاريع بحثية كبيرة مثل مُصادِم الهادرون الكبير لن يبقوا ضمن المجال الأكاديمي، بل سينتقلوا الى مجال الصناعات.
خلال وقت عملهم في مجال الفيزياء الاساسية، هؤلاء قد تعلموا عند مستوى تقني عالي وهم سينقلون تلك الخبرات الى الشركات العاملة في الصناعة. هذا مثل تعليم ميكانيكي سيارات ضمن فريق سباق فورمولا وان.
رغم تلك المنافع المباشرة وغير المباشرة، معظم علماء الفيزياء النظرية لديهم دوافع مختلفة جداً في عملهم. هم ببساطة يريدون الوصول الى فهم افضل لهذا الكون.
بينما قد يكون هذا الامر غير مؤثر بشكل مباشر على حياة كل واحد منا، انا اعتقد انه سبب مهم لمتابعة تلك البحوث الاساسية في الفيزياء.
ان هذا الحافز ربما بدأ عندما نظر الانسان لأول مرة الى السماء في الليل في الازمان القديمة. لقد أرادوا ان يفهموا العالم الذي يعيشون فيه ولذلك أمضوا الوقت في مراقبة الطبيعة ووضعوا النظريات عنها، العديد منهم ربط الامر بوجود الآلهة او مخلوقات خارقة.
اليوم نحن قمنا بتقدم كبير جداً في مجال فهمنا للنجوم والمجرات، وفي الطرف الاخر من المقياس، حققنا تقدم في فهم من اي مادة بنيت الجسيمات الاساسية الصغيرة.
يبدو انه عند الوصول الى اي مستوى من الفهم لتلك الأشياء يأتي معها العديد من الأسئلة الجديدة. لا يكفي أبداً الاكتفاء بما نعرف اليوم. في هذا الصدد، انا اعتبر الفيزياء جزء أساسي من الثقافة الانسانية.
بإمكاننا ان ننتظر لنعرف الأشياء التي ستأتي بها الاكتشافات الكبيرة مثل بوزون هيجز وموجات الجاذبية في المستقبل. لكن علينا ان ننظر برؤى جديدة الى الطبيعة وعناصرها والتي ستأتي لنا بأسئلة جديدة تحتاج لإجابات.
http://www.sciencealert.com/what-s-the-point-of-theoretical-physics