كلمة ميكروب (الكائن الدقيق) في الأساس تعني الكائن الذي هو أصغر من أن يُرى؛ و هذا يضم البكتريا، الفيروسات، البكتريا العتيقة (الأركيا)، و الاوليات الحيوانية الدقيقة، و حتى بعض الفطريات كذلك يمكن أن تُصنف تحت لافتة الميكروبات إذا كانت بأحجام صغيرة.

الميكروبات والبكتريا بشكل خاص غالباً ما تصور للفرد العادي بلا خلفية علمية بهيئة أعداء يجب الحذر منها، و على أساس أنها مصدر العدوى و تُروج على أساس ذلك الكثير من المنتجات كمعقمات الغرض منها الحفاظ على صحتك، صحيح أن الميكروبات مصدر أساسي للأمراض، لكنها نصف الحقيقة فقط فالعديد من الميكروبات مهمة للإنسان و نافعة، أضف إلى ذلك أن الدراسات واضحة في عدم وجود دليل على كون أستخدام الصابون الحاوي على مواد تعقيم يٌحسن صحتك بأي شكل من الأشكال، فلا فرق بينه و بين الصابون العادي، بل علی العكس إذ يشكل خطراً أكبر على صحتك و ذلك بقتل حتى ميكروباتك النافعة، فاسحاً المجال لتطور ميكروبات جديدة و ضارة لها القدرة على مقاومة هذهِ المعقمات.

حتى تكون الصورة واضحة لديك فإن الميكروبات تغطي جسدك الخارجي بالكامل، كما تتواجد في بعض الأعضاء الداخلية كذلك. وجود هذهِ الميكروبات قائم على أساس وجود منفعة تبادلية بينك و بينها، فوجودها يشبه عملية مسك الأرض لدى الجيش إذ تُغطي كل خلية لمنع غزوها من قبل الميكروبات الأخرى، في مقابل أن تزودها الخلايا بما تتغذى عليه، هذا لا يمنع أن تكون اغلب هذهِ الميكروبات انتهازية أي أنّها تستغل الوضع لإصابتك بالمرض إذا ما حدث جرح في جسدك يسمح لها بالدخول إلى مجرى الدم، أو بالغت في استخدام المضادات الحيوية فحدث تخلل للتوازن في بيئتك.
أكثر مكان تتواجد فيه الميكروبات بغزارة هي الأمعاء و ووجودها ضروري لمساعدتك في هضم الطعام و أنتاج بعض المواد المفيدة مثلما لابد أن تكون قد سمعت أن البكتريا في امعائك هي ما يزودك بفيتامين (k) الضروري للجسم و خصوصاً في عملية النزف و تخثر الدم. حیپ تُشبه الأمعاء غابة مطرية واسعة التنوع يستوطنها عدد هائل من الميكروبات.
في العام 1972 كان عالم الميكروبات توماس لوكي قد قدم لأول مرة المقولة الشهيرة في كون أعداد البكتريا تعادل عشر مرات أعداد الخلايا البشرية في جسم الأنسان، و قد تم أخذ مقالته كحقيقة علمية خصوصاً مع أنتهاء مشروع الجينوم البشري الذي وضح أن الجينوم البشري يحتوي على 20 ألف جين بشري مقابل 20 مليون جينا من جينات الميكروبات. هذهِ النقطة شكك فيها أخصائي الأحياء المجهرية الأمريكي جودا رونسر في مقال شهير في العام 2014 و كانت حجته في كون أن العدد الكلي لخلايا الإنسان لا يمكن الجزم بهِ، و أن البكتريا وباقي الميكروبات مادامت تتنوع بتنوع الغذاء و البيئة التي يعيشها الإنسان فلا يمكن القول أن عدداً معيناً من البكتريا يتواجد في شخص ما، يساوي بالضرورة ما يوجد عند شخص اخر.

لكن لا تزال مسألة الواحد إلى عشرة تبدو كحقيقة مسلمة مع ذلك، كما نرى في الكورس الرائع الذي قدمته جامعة كولورادو عبر موقع كورسيرا و الذي يضم نخبة واسعة من العلماء حول العالم من مشروع الميكروبات البشرية و غيرهم و الذين يبدو أنهم متفقين مع مسألة الواحد إلى عشرة و التي لم تخالفها سوى دراسة واحدة مشتركة بين جامعة من كندا و جامعة من اسرائيل نشر ملخص عنها في مجلة الطبيعة قبل عامين تقول الدراسة ان النسبة هي واحد إلى واحد، لكن لا توجد دراسات أخرى تُثبت أو تنفي ذلك بشكل قاطع بعد.

أما ما نعرفه بشكل قاطع فإنه و إن كان كل شخص حول العالم يتشابه جينياً مع غيره بنسبة تصل الى 99% لكن الميكروبات بين هؤلاء الإثنان لا يتجاوز الفرق بینها في الغالب 10% مما وفر حقلاً غنياً للدراسة في العقد الأخير.

الميكروبات مهمة للغاية فبالإضافة لكونها تحرسك من غزوات الميكروبات الباقية، وتساعدك في هضم طعامك و أنتاج العديد من المواد النافعة للجسم فإنها أيضاً تُدرب الجهاز المناعي الذي يسجل ذاكرة لها، يستطيع من خلالها التعرف على أي غزوة انتهازية لها بسرعة من أجل القضاء عليها إذا ما تجاوزت حداً معيناً.
نقطة مثيرة للإهتمام يجدر ذكرها أن كل جزء من الأجزاء التي تحمل الميكروبات يحتوي على أشكال مختلفة منها، أي أنّك لو فحصت البكتيريا في فم امرأة معينة مثلاً، و البكتريا في أذنها الخارجية أو جهازها الهضمي فستجد أن البكتريا في سقف الفم تختلف عن البكتيريا بين الأسنان، و هي تختلف بالتأكيد عن تلك الموجودة في الأذن الخارجية أو في جهازها الهضمي، و لو فحصت أختها التوأم ستجد اختلافات كثيرة بينهما كذلك إلا إذا ما كانا قد مرا بنفس الأمراض، و تناولا نفس الأدوية، و يعيشان في البيئة ذاتها و يتناولان الغذاء ذاته!
قد تتسائل بعد هذا كله من أين جاءت هذهِ الميكروبات؟ الدراسات أوضحت أن الطفل حديث الولادة يحمل مايكروبات الأم؛ الطفل الذي يولد بولادة طبيعية يحمل ميكروبات الجهاز التناسلي للأم، أما الطفل الذي يولد بعملية قيصرية فيحمل ميكروبات مماثلة لجلد الأم! و الطفل يولد بلا تنوع ميكروبي إذ لا يوجد لديه هذا الأختلاف مثلما يوجد لدى الشخص الناضج، يحدث الأختلاف بالتدريج بعد التعرض للبيئات المختلفة و الأطعمة المختلفة و التعرض لبعض الأمراض، و قد لاحظ العلماء أن تناول المضادات الحيوية يعرقل التنوع الميكروبي خلال نشأة الطفل.

أخيراً لابد أنّك تتسائل بعد كل هذا عن أهمية التنوع في الميكروبات؟ و لماذا يحارب العلماء ضد الاستخدام العشوائي للمضادات الحيوية و بالأخص المضادات واسعة الطيف؟ السبب لأن المضادات تعبث بتنوعك الحيوي الداخلي و قد وجد أن التنوع مرتبط بالغالب بمعدل أعلى من الصحة البدنية و حتى العقلية؛ لعدة أسباب منها أن وجود أنواع مختلفة يعني نتاجات مختلفة بالضرورة، و أستخدام لموارد مختلفة عوضاً عن الصراع حول مورد واحد. بوجود التنوع يتوفر لديك أكثر من سلالة تقوم بالعمل ذاته مما يعني أنه في حال موت سلالة ميكروب معين مثلاً فلا بد ان توجد سلالة أخرى تؤدي العمل ذاته فلن تشعر بالنقص. كذلك يرتبط التنوع بقدرة أكبر على مقاومة الأمراض إذ لو تعرض الجسم لغزوة من ميكروب خارجي قادر على إفراز مادة سمية تقتل نوع معين من الميكروبات التي تمسك الأرض في جسدك، فتستطيع أنواع أخرى من الميكروبات أن تنجو من تلك الهجمة للدفاع عنك.

 

المصادر:

Christopher Wanjek, “10,000 Microbes Cornered in Map of Human Body”, livescience.com, June 13, 2012

Anil Kumar and Nikita Chordia, “Role of Microbes in Human Health”, Applied Microbiology: Open Access ISSN: 2471-9315, April 12, 2017

Topical Antiseptic Products: Hand Sanitizers and Antibacterial Soaps”, FDA

Alison Abbott, “Scientists bust myth that our bodies have more bacteria than human cells”, Nature, 08 January 2016

Judah L Rosner – National Institutes of Health, “Ten Times More Microbial Cells than Body Cells in Humans?”, researchgate.net, Feb 2014

Microbiome”, Coursera.org