ذلك الجهاز الذي يعمل بالوقود النووي (يورانيوم أو بلوتونيوم)، ويُستَخدَم لبدء التفاعلات النووية وللتحكُم بها؛ هو ما يُعرَف بالمُفاعِل النووي. كان سابقًا يُعرف بالـ”كومة الذرية”: حيث كان كومة من اليورانيوم والجرافيت.

يُعتبر الفيزيائي إنريكو فيرمي من أوائل الذين اقترحوا بناء مُفاعل نووي.

انريكو فيرمي

انريكو فيرمي

وبالفعل عام 1942 بُنِى (شيكاغو بايل-1) أول مفاعل نووي في جامعة شيكاغو، بالولايات المُتحدة، خلال الحرب العالمية الثانية، كجُزء من مشروع مانهاتن؛ غرضُه الرئيسي هو تصنيع الأسلحة النووية، ثُمَّ عام 1951 في الولايات المتحدة استُخدِم مُفاعل “أيداهو” وللمرة الأولى لتوليد الكهرباء. بينما في 27 يونيو 1954 قام الإتحاد السوفيتي ببناء أول محطة نووية في العالم مُخصَّصّة لإنتاج الطاقة الكهربية وهي “أوبنينسك”.

إليك القصة:

في الثاني من أغسطس 1939 وَقَّع الفيزيائي الشهير ألبرت أينشتاين رسالة إلى رئيس الولايات المُتَحدة فرانكلين روزفلت تُلَمِّح إلى تَطَوُرات إِثرْ اكتشاف اليورانيوم المُشِع، يمكن أن تُؤدي إلى تطوير أسلحة وقنابل هائلة القوة من نوع جديد؛ مما يُعطي بِدَورِه دفعة قوية للتركيز على دراسة المُفاعِلات والانشطار. لكن أينشتاين لم يُفكِر مُطلَقًا في هذه الإمكانية الرهيبة للطاقة النووية حتى ذُكِرَت له؛ فبدأ سعيُّه لتنبيه الحكومة الأمريكية التي كانت -ومن المُفتَرض أَنها- مَنوُطَه بالسلام العالمي. وقد عَلَّق فرانكلين بأن الغرض من إجراء البحوث هو التأكُد من أن النازيين لن يُدمِروا العَالم.

بعد فترة وجيزة احتَلت ألمانيا بولندا، وحينها لم تكن الولايات المتحدة رسميًا في حالة حرب.

في العام التالي تَلَقَت حكُومة الولايات المُتحدة مُذَكِرة (فريشش-بيرلز) من المملكة المتحدة؛ تُفيد أن كمية اليورانيوم اللازمة لسلسلة من ردود الفعل كانت أقل بكثير مما كان يُعتَقَد سابقًا.

في نهاية المطاف، تم بناء أول مفاعل نووي اصطناعي، شيكاغو بايل-1، بواسِطة فريق بقيادة الفيزيائي/ إنريكو فيرمي.

مُفاعل شيكاغو بايل

مُفاعل شيكاغو بايل

مُفاعل شيكاغو بايل

لا يخلو أي مُفاعل نووى من هذه المُكونات: الوقود النووي (يورانيوم)، ومُهَدِّئ نيوتروني، وقُضبان كادميوم تمتص النيوترونات الزائدة، ومُكثِّف للماء، وبُرج تبريد، وعنفة بُخارية، وخزان للوقود المُستهلَك‏، ومُولد كهربي.

المفاعل النووي

المفاعل النووي

وبهذا تتحول الطاقة النووية إلى حرارية، ثُم إلى طاقة حركة تُعمل على تشغيل المولد الكهربي الذي بدوره يُنتِج الكهرباء.

*تُفْرَض احتياطات سلامة صارمة جدًا لتشغيل المفاعلات، وطُرق التعامُل مع مُنتجاتها المُشِعَة، وطُرق التخلص من ‏النفايات النووية.

يحدث انشطار نووي مٌستَحَث عن طريق امتصاص النيوترونات بواسطة أنوية اليورانيوم، والتي بدورها تنقسم إلى عناصر أخف تتحرك بسرعة وعشوائية، وأشعة جاما، ونيوترونات طليقة بوسعِها بدء تفاعُلات مُستَحثة اُخرى؛ فيما يُعرَف بالتفاعُل المُتتابِع أو التفاعُل المُتَسلسِل.

انشطار نووي

انشطار نووي

ويتم التحكُم في مثل هذه التفاعُلات المُتسلسِلة العنيفة باستخدام أنظمة تحكُّم، مثل قُضبان الكادميوم التي تمتص النيوترونات بشدة، وتخفض مُعدَّل سير التفاعُل إلى حدٍ هاديء.

وتُبَرَّد المُفاعلات بالماء، وأحيانًا بالغاز أو المعدن السائل. كما -بعد أن تتحول الطاقة النووية ذاتيًا إلى طاقة حرارية، بسبب التصادُمات بين جُزيئات المُهدِّئ ونواتج الإنشطار-، يتم حمل الحرارة بعيدًا ومِن ثَمَّ تُستَخدم في توليد البُخار المضغوط لتدفَع التوربيانت؛ لتوليد الكهرباء. كما يمكن -من حيثُ المبدأ- استخدام الماء الساخن المُتوَلِد من التفاعُل الانشطاري اليورانيوم في الصناعة أو التدفئة في المناطق الباردة. ولكنه غير صالِح للاستخدامات الآدمية والمدنية؛ فهو يُصبِح مُشِعًا مع الوقت، وقد يُدَوَّر في مبدل حراري إلى ماء نظيف.

 

وهُناك نوعٌ آخر من المُفاعلات النووية تُستَخدَم لتوفير الإشعاع الذري الذي بدورِه يُستَخدَم لإنتاج الوقود النووي أو عَمل نظائر مُشعَة للأغراض الطبية والصناعية، وأغراض البحث العلمي، والأسلحة النووية.

المفاعلات النووية في العالم

المفاعلات النووية في العالم

 

تكمن أكبر مُشكلات الطاقة النووية في كيفية التخلُّص من المُخلَّفات النووية الناتجة في المفاعلات النووية ذات الإشعاعات المُؤِّيِنَة النافِذة بالغِة الضرر.

من خواص المواد المُشعَة أن شدة إشعاعها تنخفض ذاتيًا مع الوقت؛ حيث التَحَلُّل الإشعاعي، وتُسَمَّى المواد المشعة وَصفًا أن لها عُمر النصف. ولِـذلك، عادًة ما يتم تخزين وحدات الوقود النووي المُستَهلَك في أحواض مائية ضخمة لـعقود طويلة؛ بغرض تقليل إشعاعها النووي إلى حد يَسهُل التعامُل معه: صناعيًا وكيمائيًا.

 

الطُرق المعروفة لمُعاملة النفايات النووية

1-  استخدام أغلفة سميكة من الخرسانة والفولاذ لتغليف النفايات، وتكون بمعزٍل عنها بغرض دفنها في الطبقات الجيولوجية العميقة (من 800 لــ 1000 متر) وبعيدًا عن التجمُعات السكنية. هذا يتناسب مع النفايات مُتوسِطة وضعيفة الإشعاع، أما تِلك شديدة الإشعاع؛ فيتم تغليفها في أسطوانات فُولاذية سميكة جدًا من الفولاذ (40 سم) قبل دفنها في الطبقات الجيولوجية العميقة.

2- تُعتَبر هذه طريقة لتدوير النفايات النووية، لإعادة إستخدامها فيما يُمكن الإستفادة منها فيما بعد، فمثلًا؛ تصنيع كبسولات جديدة بالإمكان إعادة استخدامها في المُفاعِلات مرة اُخرى. والطريقة عبارة عن معالجة لليورانيوم المُستهلَك كيميائيًا لفصل البلوتونيوم-239 عن النفايات المُشعِة، وتتم هذه العملية عن بُعد باستخدام روبوتات. أما النفايات شديدة الإشعاع المُتبقية من المعاملة الكيميائية، فيتم التخلُّص منها بواسطة خلطِها بمسحوق زُجاجي، ثُمَ صهر المخلوط حتى تُصبح النفايات مُحتَجزة في اسطوانة زجاجية طويلة نسبيًا وسميكة، ثُم تُصب في أوعية أسطوانية من الحديد الصلب، ومِن ثَمَّ تُدفَن في الطبقات الجيولوجية العميقة.

 

أبريل 2018: أبلغت الوكالة الدولية للطاقة الذرية عن وجود 450 مُفاعِلًا نوَوِيًا في أكثر من 30 دولة حول العالم، وحوالي 60 مُفاعِل آخرون تحت الإنشاء، في حين أن أكثر من 150 تحت التخطيط للإنشاء.

وجديرٌ بالذِكرِ أنَّ حوالي 11% من الطاقة الكهربية بالعالَم يتم توليدها من المُفاعلات النووية.

 

إحصائية إنتاج الكهرباء من الطاقة النووية من عام 1970 حتى عام 2016

إحصائية إنتاج الكهرباء من الطاقة النووية من عام 1970 حتى عام 2016

 

إحصائية مصادر الإنتاج العالمي للكهرباء لـعام 2017

إحصائية مصادر الإنتاج العالمي للكهرباء لـعام 2017

 

إحصائية لـعام 2016 عن الدُول المُستخدمة للطاقة النووية

إحصائية لـعام 2016 عن الدُول المُستخدمة للطاقة النووية

مصدر الإحصائيات

 

وبسبب مقاومة بعض السُكان؛ في ألمانيا، النمسا، إيطاليا، وغيرهم من سُكان البُلدَان التي لا ترغب في استخدام الطاقة النووية لخطورتها في حالة الانفجار، يتوقَعُ بعض الخُبراء نقصًا في الطاقة الكهربائية المُتوَلِدة من الوقود النووي.

وبالرُغِم من ظاهرة الاحتباس الحراري التي يُعاني منها كوكبُنا الأرضي اللطيف هذه الفترة، بسبب الانبعاثات الكربونية الضارة الناتجة من الإستخدام المُفرِط للفحم والنفط والأنشطة البشرية الاُخرى؛ إلا أن ثَمَّةَ اعتقادٌ سائد بأن الطاقة النووية هي الطريق الأمثل لإنقاذ الموقِف وسد هذه الفجوة في المُستقبل.

 

المصادر:

Radioactivity Radionuclides Radiation. ‘‘Magill, Galy’’. ISBN 3-540-‎‎21116-0, Springer.

Chmielewski, A.G. (2011). “Chemistry for the nuclear energy of the future”. Nukleonika.

“How nuclear power works”. HowStuffWorks.com.

Nuclear reactor. (2018, June 27). Retrieved from https://en.wikipedia.org/wiki/Nuclear_reactor.

Tsetkov, Pavel; Usman, Shoaib (2011). Krivit, Steven, ed. Nuclear Energy Encyclopedia: Science, Technology, and Applications. Hoboken, NJ: Wiley.

Radiochemistry and Nuclear Chemistry; “Choppin, Liljenenzin and Rydberg”. ISBN 0-7506-7463-6, Butterworth-Heinemann.

“DOE Fundamentals Handbook: Nuclear Physics and Reactor Theory”. US Department of Energy. Archived from the original (PDF).

Bernstein, Jeremy (2008). Nuclear Weapons: What You Need to Know. Cambridge University Press. p. 312. ISBN 978-0-521-88408-2.

“World Nuclear Association Information Brief -Research Reactors”.

Chemistry– The Central Science (12th Edition), by T. L. Brown; Chapter21: Nuclear Chemistry.