ترجمة مرام الصراف. هناك أنواع مختلفة من العلوم الزائفة الطبية التي نتعامل معها هنا، تعد بعض العلاجات والادعاءات علم زائف لأنها ليست صالحة من الناحية المفاهيمية، فهي تنتهك القوانين الفيزيائية، أو تعتمد على مفاهيم عفا عليها الزمن أو خرافات أو مجرد مفاهيم خاطئة لعلم الأحياء والصحة. في الغالب، يعتمدون على بعض الظواهر مثل <<قوة الحياة>> التي لا يبدو أنها موجودة، ويعتمد البعض الآخر على ظواهر علمية حقيقية، لكنه يسيء استخدامها إلى حد كبير. على سبيل المثال الديتوكس أو (التخلص من السموم) ينتمي إلى هذه الفئة، صحيح أن هناك سموم يمكن أن تسبب الضرر وبالتالي يمكن أن تكون إزالتها مفيدة، لكن علاجات التخلص من السموم الشائعة لا تستهدف السموم، ولا يوجد دليل على أن هذه العلاجات تزيل أي سموم، كما لا يوجد دليل على أي فوائد صحية.

هناك فئة ثالثة من العلوم الطبية الزائفة وربما هي الأكثر ضررًا وشرعية والتي يتم البحث عنها وتطويرها حاليًا، لكن المعلمين عديمي الضمير يقدمون ادعاءات بعلاجات محددة تسبق العلم بسنوات أو ربما عقود، في محاولة للاستفادة من الدعاية. العلاج بالخلايا الجذعية هو أفضل مثال لهذه الفئة – حيث يعد إستخدام الخلايا الجذعية لعلاج الأمراض الخطيرة مجالاً نشطًا للبحث، لكننا على الأرجح على بعد عقود من هذا النوع من التطبيقات التي يفكر بها الناس. مع ذلك فقد بدأت عيادات الخلايا الجذعية الاحتيالية في الظهور منذ ما يقارب الـ20 عامًا.

يتناسب تحفيز الدماغ أيضًا مع هذه الفئة، باستخدام ترددات وكثافات ومواقع كهربية محددة(سواء تيار مباشر أو تيار متناوب) أو تحفيز مغناطيسي لتغيير وظائف الدماغ. من الناحية المفاهيمية، ليس لدي مشكلة مع هذا النهج ويجب اعتباره أمر شرعي تمامًا، فالدماغ عضو كهربائي تعتمد وظيفته على النشاط الكهربائي لخلايا معينة في الدماغ، لذلك يجب أن تكون زيادة أو تقليل النشاط الوظيفي لمناطق أو دوائر دماغية معينة آلية ممكنة للتدخل.

الدعاية 

كما هو الحال مع الخلايا الجذعية، لا زال الأمر مبكرًا لهذا النوع من النهج، مع بعض المداخلات الفعلية المعتمدة (وإن كانت أساسية) مثل علاج النوبات واضطرابات الحركة أو الصداع النصفي، لكن تحفيز الدماغ ليس الدواء الشافي. فلا يوجد أي دليل ولا سبب للاعتقاد بأنه يغير بيولوجيا الدماغ ( صحة خلايا الدماغ)، ولكن يمكن أن يغير النشاط الكهربائي للدماغ على الفور. التحدي هو أن هناك العديد من المتغيرات التي يجب مراعاتها، وبالتالي سيستغرق الأمر وقتًا طويلًا من البحث لتحديد أي نوع من التداخلات التي سيكون لها التأثير المحدد وفي أي نوع من الأشخاص. تشمل هذه المتغيرات نوع التحفيز (التيار المتناوب، التيار المباشر، المغناطيسي) وشدة العلاجات ومدتها، والجزء المستهدف من الدماغ، وتواتر التحفيز.

مع ذلك، هناك بالفعل عدد من أجهزة تحفيز الدماغ المنزلية في السوق، لكن ما هي نوع الادعاءات التي تقدمها هذه الأجهزة؟ قائمة مألوفة من الادعاءات الغامضة والمسموح بها كتحسين الحالة المزاجية والتركيز وتقليل التوتر وتحسين النوم. كما يشمل بعضها << تحذير ميراندا الزائف>> على أن هذا الجهاز لا يهدف إلى علاج مرض ما، ونظرًا الى أن هذه أجهزة وليست أدوية، فيمكن بسهولة الحصول على <<تصريح>> من إدارة الدواء دون الحاجة إلى إثبات فعاليتها.

لسوء الحظ، فإن خلفية البحث المشروع في تحفيز الدماغ تُغذي عن غير قصد هذه الصناعة عديمة الضمير من خلال التقارير الأقل تشككًا، حيث أظهرت دراسة حديثة أحدث ما في تحفيز الدماغ لوظيفة الذاكرة. كان العنوان الرئيسي للبي بي سي بخصوص هذه الدراسة هو <<تحفيز الدماغ يعزز الذاكرة لمدة شهر>> وهذا يجعل الأمر يبدو وكأن وظيفة الذاكرة تتحسن لمدة شهر بعد العلاج، لكن هذا مضلل، الدراسة ذاتها في الواقع جيدة جدًا، دعنا نراجع ما تظهره بالفعل.

العلم

يقوم الباحثون بتوسيع الأبحاث الحالية حول تحفيز الدماغ لتحسين الذاكرة العاملة (Working memory WM) والذاكرة طويلة المدى (Long term memory LTM) ولم تكن الأبحاث السابقة حاسمة، كما يلخص مؤلفو الدراسة الحالية:

“يُعتقد أن النشاط الإيقاعي في نطاقات تردد ثيتا وجاما يساهم في وظيفة كل من الذاكرة العاملة WM)) والذاكرة طويلة المدى LTM)) خاصة أثناء التذكر الحر (free recall). مع ذلك، فقد أسفرت المحاولات السابقة لتعديل هذه الإيقاعات من أجل تحسين الذاكرة عن نتائج غير متسقة، على الرغم من وجود بعض الاقتراحات للتحسينات في الذاكرة العاملة مع تعديل إيقاعات ثيتا الجدارية إلا أن تغيير إيقاعات ثيتا في المناطق الأمامية وإيقاعات جاما في المناطق الجدارية والأمامية قد أسفر عن نتائج متناقضة”.

أن تصميم دراستهم شامل للغاية، فهم ينظرون أولاً إلى فرضيتهم بناءً على الأبحاث السابقة، واستخدام التحفيز منخفض التردد في القشرة الجدارية (parietal cortex) واستخدام التحفيز عالي التردد في القشرة الجبهية (pre-frontal cortex). عرَضوا الأشخاص إلى 10 دقائق من التحفيز يوميًا لمدة أربعة أيام، واستخدموا الذاكرة اللفظية المشفرة للكلمات أثناء التحفيز، كما درسوا تأثيرها على كبار السن الأصحاء من 65-88 واختبروا استدعائهم الفوري في أيام التحفيز، ثم استدعوهم لتذكر الكلمات بعد شهر واحد، وجدوا أن هناك تحسنًا ذا دلالة إحصائية على المدى القصير والطويل لهذه الأنواع من التحفيز، وعلاوة على ذلك، بدا أن هناك استجابة للجرعة مع تعاقب الأيام من التحفيز لها تأثير أكبر، وأدى تحسن الذاكرة في اليوم الرابع إلى التنبؤ بالتحسن في شهر واحد، عندها استخدموا بروتوكولاً مزدوج التعمية يتم التحكم فيه بشكل صوري.

تعجبني حقيقة أنهم قاموا بعد ذلك بإجراء ضابطين داخليين، وأجروا دراسة ثانية قاموا بعكس التحفيزات عالية ومنخفضة التردد، والتي لم تظهر أي فائدة. هذا مهم لاستبعاد التأثيرات غير المحددة، على سبيل المثال، ربما جعل التحفيز (الذي يمكن أن يشعروا به) الأشخاص أكثر يقظة بشكل عام. كما أظهرت التجربة الثانية أن النتائج تعتمد على التواتر، ثم أجروا تجربة ثالثة وهي تكرار نتائج الدراسة الأولى في عينة جديدة، ومرة أخرى أظهروا نتائج مهمة. لقد ذكرت في ما سبق أن التكرارات الداخلية يجب أن تصبح قياسية لتقليل نشر الإيجابيات الخاطئة.

أوجه القصور

لذلك كانت هذه سلسلة رائعة من الدراسات التي تشير إلى أن التحفيز باستخدام التيار المتردد عبر الجمجمة في مواقع وترددات محددة قد يحسن استدعاء الكلمات على المدى القصير والطويل، لكن أي تقرير عن هذا، خاصة في سياق صناعة مشكوك فيها لتحفيز الدماغ في المنزل، ينبغي أن يشير بعناية إلى ما لا تظهره هذه الدراسة وهي أولاً: أن الدراسة تنظر فقط للذاكرة أثناء التحفيز، فالعنوان الرئيسي يشير إلى استمرار التأثير على مدار الشهر، كما لو أن وظائف المخ تحسنت لمدة شهر بدلاً من مجرد تأثير فوري لتحسن الذاكرة للكلمات أثناء التحفيز.

هذا بالطبع يحد بشكل كبير من تطبيقات هذا النهج، فسيتوجب عليك استخدام الجهاز أثناء الدراسة، ولن تتأثر ذاكرتك خارج نافذة التحفيز، لا نعرف إلى متى يستمر هذا التأثير. وتشير الأبحاث السابقة إلى انخفاض تأثير التحفيز المستمر، نحتاج أيضًا إلى دراسة الآثار طويلة المدى (على كل من مدة التحفيز الطويلة وعدد الأكبر من الجلسات) من المعقول أن يكون هناك تأثير سلبي طويل المدى. هل يمكن أن تتدهور وظيفة الذاكرة بين الجلسات؟ هل يمتد هذا التأثير إلى ما وراء الذاكرة للكلمات؟

يجب الإشارة أيضًا إلى أن هذا ليس علاجًا لمرض، بينما ورد ذكر مرض الزهايمر في كل من الدراسة والتقرير، فإن مرض الزهايمر هو مرض بيولوجي في الدماغ. وفي أحسن الأحوال، سيكون هذا علاجًا للأعراض لكنه لن يبطئ أو يعكس التقدم.

ما زال الوقت مبكرًا على هذا النوع من البحث، في حين أنني آمل أن تكون إمكانات التدخلات الكهربائية على وظيفة المخ، يقر المؤلفون بأن تطبيقات محددة من المحتمل أن تكون بعيدة في المستقبل، لكن المؤكد أنه من السابق لأوانه إختراق الدماغ منزليًا من خلال الأجهزة المحمولة.

المصدر:

Steven Novella, Brain Stimulation for Memory, Science-Based medicine, August 24, 2022

راجعت المقال لغويا ريام عيسى وتم نشره في مجلة العلوم الحقيقية العدد 52 شهري نوفمبر-ديسمبر 2022