بدايةً ما هي قطة شرودنغر (Schrödinger’s cat)؟ هي تجربة ذهنية فكرية تخيلية قدمها عالم الكم الفيزيائي النمساوي إرفين شرودنغر (Erwin Schrödinger) الحائز على جائزة نوبل في الفيزياء عام 1933م  بإسهامه في معادلة شرودنجر، ليبين بهذه التجربة المشاكل التي رآها بتفسير كوبنهاغن (Copenhagen interpretation) وتأثير الوعي الإنساني في عملية الرصد والقياس الفيزيائي خصوصا في الحالات الكمومية. تخيل شرودنغر صندوق معدني مغلق لا يتأثر بالمحيط الخارجي; وتوجد بداخله قطة، وعداد لقياس الإشعاعات يدعى عداد جايجر-مولر (Geiger counter)، وزجاجة تحتوي على مادة سامة، وأخيراً مادة مشعة في طور الاضمحلال لتصبح أكثر استقراراً، في حال أصدرت المادة المشعة جسيما خلال اضمحلالها باتجاه العداد، تتحرك المطرقة الموصولة بخيط من عداد جايجر-مولر إلى الأسفل لتكسر زجاجة السُم لينطلق السم قاتلا القطة، الاتجاه المعاكس لا يقتل القطة. وبدون الاستعانة برصد بشري مباشر تكون حالة المادة المشعة المتفككة عبارة عن دالة موجية (Wave Function) في حالة تراكب كمي (Quantum superposition) باحتمال 50 % إطلاق جسيم بالاتجاه القاتل و 50 % بالاتجاه غير القاتل أي أن حالة القطة هي حالة مركبة من الموت والحياة.

قطة شرودنجر

Wikimedia Commons, the free media repository CREDIT:

وللتذكير، فإن حالة الجسيمات الذرية وما دون الذرية مثل-الفوتونات والإلكترونات الطبيعية هي التراكب وبالتالي تُكون دالة موجية ذات طبيعة مزدوجة (موجة-جسيم). وكمثال على هذه الطبيعة، تجربة شقي يونج (Double-slit experiment) والتي عندما نقوم بعملية رصد على الجسيمات المقذوفة لنفترض أنها فوتونات، سنجد هذه الفوتونات بحالة الجسيمات أي أنها تسلك سلوك الجسيمات الاعتيادية، وهذا يشبه عملية فتحنا الصندوق للحٌكم على القطة إن كانت حية أم ميتة. وعند عدم وجود أي عملية رصد للفوتونات، تماماَ مثل عملية وقوفنا أمام الصندوق قبل فتحه، ستكون الجسيمات المضمحلة- جسيمات ألفا، بيتا، جاما بدوال موجية وبالتالي لا نستطيع الحكم على صفته.

ولكن ما الذي يمكن أن يحدث إذا ما أخذت نظرات خاطفة تكراراً- الآف المرات في الثانية ؟. يمكنك من خلال هذه النظرات إما تأخير مصير القطة أو تسريعه ويعرف التأخير بتأثير زينون الكمي (quantum Zeno effect) ويعرف التسارع بتأثير زينون المضاد الكمي (quantum anti-Zeno effect).

سُمي هذا التأثير قياساً على مفارقة السهم (the arrow paradox) التي تصورها الفيلسوف اليوناني زينون (zeno) حوالي 490-430 قبل الميلاد والتي تنص على أن السهم الطائر في الهواء هو في الحقيقة ساكن غير متحرك، لأنه في كل لحظة من طيرانه لا يكون إلا في نقطة واحدة في الفضاء، أي أنه يكون ساكناً. وبالمثل، إذا كان بالإمكان قياس ذرة باستمرار لمعرفة ما إذا كانت في حالتها الأولية أو اضمحلت، ستكون دوماً في تلك الحالة.

كٌل من تأثير زينون وتأثير زينون المضاد حقيقة! وتحدث هذه التأثيرات في الذرات الموجودة في عالمنا هذا. ولكن كيف تعمل هذه التأثيرات؟ كيف يمكن للقياس المجرد أن يؤخر أو يسرع اضمحلال المادة المشعة؟ ما هو “القياس” على أي حال؟

الإجابة الفيزيائية هي أن من أجل الحصول على معلومات حول نظام الكم، يجب أن يقترن النظام بقوة إلى البيئة المحيطة به لفترة قصيرة من الزمن. وبالتالي فإن الهدف من القياس هو الحصول على المعلومات، ولكن اقتران قوي بالبيئة يعني أن عمل القياس أيضا يشتت نظام الكم بالضرورة.

لكن ماذا لو كان النظام قد شٌتت ولكن لم ينقل أي معلومات للعالم الخارجي؟ ماذا سيحدث بعد ذلك؟ هل ستظل الذرة تحمل تأثيرات زينون وزينون المضاد الكمية؟

اكتشفت مجموعة كاتر مورش في جامعة واشنطن في سانت لويس (Kater Murch’s group at Washington University in St. Louis) هذه الأسئلة باستخدام ذرة اصطناعية تسمى كيوبت (qubit) لاختبار دور القياس في تأثيرات زينون، ابتكروا نوع جديد من القياس التفاعلي الذي يشتت الذرة ولكن لا يعلم شيئا عن حالتها، يطلق عليه اسم كوازيميجوريمنت (quasimeasurement). ولا تزال هذه المجموعة قائمة على اكتشاف المزيد من المعلومات حول هذه الأسئلة.

ذٌكر في عدد 14 يونيو 2017 من مجلة فيزيكال ريفيو ليترز (Physical Review Letters)، أن قياسات كوازيميجوريمنت (quasimeasurement)، مثل القياسات الاعتيادية، تسبب تأثيرات زينون الكمية. وبالتالي أصبحت هذه القياسات مثبتة عملياً (على الأقل إلى هذه اللحظة). ومن المحتمل أن يؤدي الفهم الجديد لطبيعة القياس في الميكانيكا الكمومية إلى إيجاد طرق جديدة للسيطرة على النظم الكمومية دونما معرفة شيء عن حالتها.

ترجمة و إعداد: سلمان عبود

المصطلح التعريف
تفسير كوبنهاغن (Copenhagen interpretation) هو من أحد أهم التفسيرات شيوعاً في علم ميكانيكا الكم، ويفترض التفسير أن ميكانيك الكم لا تسفر عن وصف الظواهر الطبيعية بشكل موضوعي ولكن تتعامل فقط مع احتمالات الرصد والقياس، ولعل أغرب فروض هذا التفسير أن عملية القياس تؤثر على سلوك النظام الكمي بمعنى أن عملية القياس تسبب ما يعرف بـ انهيار الدالة الموجية، وقد وضعت المفاهيم الأساسية لهذا التفسير من قبل نيلز بور وفيرنر هايزنبرج وماكس بورن وغيرهم في السنوات 1924-1928 م
عداد جايجر-ميولر Geiger) counter) هو أحد أدوات اكتشاف الإشعاعات المؤيَّنة، مثل أشعة غاما والأشعة السينية وكذلك الإلكترونات السريعة ومنها أنواع لقياس أشعة ألفا.
دالة موجية (Wave Function) تصف الدالة الموجية في ميكانيكا الكم الحالة الكمومية إما لأحد الجسيمات الأولية أو مجموعة من الجسيمات الأولية في الفراغ، وتعين احتمال تواجده أو تواجدها في مكان معين. (احتمال تواجد جسيم في مكان معين يُعبر عنه في ميكانيكا الكم بعدد بين 1 (موجود 100%) وصفر (غير موجود 0 %). وطبقا لتفسير كوبنهاجن لميكانيكا الكم تحتوي الدالة الموجية على جميع المعلومات المتعلقة بالجسيم أو مجموعة الجسيمات.
تراكب كمي (Quantum superposition) عبارة عن تطبيق لمبدأ تراكب الأمواج (التداخل البنّاء) ضمن ميكانيكا الكم حيث يشكل مبدأ التراكب أحد المبادئ الأساسية لها

فمثلا من المفترض طبقا لميكانيكا الكم أن الإلكترون في نظام يوجد (نظرياً) في عدة حالات كمومية في نفس الوقت، ولكنه عند القياس فهو يبدي حالة معينة بذاتها. نظراً لأن الإلكترون يعامل معاملة موجة فهو يمثل بتراكب لعدة أمواج أو بِعدة حالات كمومية.

رياضياً يَصف التراكب الكمي خاصية حلول لمعادلة شرودنجر حيث أن معادلة شرودنغر معادلة خطية، وتُشكل أي مجموعة خطية من الحلول لمعادلة معينة لها ستكون أيضاً أحد حلولها. مثال لتلك الحلول-مستوى طاقة الإلكترون في الذرة.

 

تجربة شقي يونج (Double-slit (experiment هي إحدى أهم التجارب الفيزيائية التي أسهمت في البحث في طبيعة الضوء وإثبات طبيعته الموجية، ثم استخدمت في إثبات وجود خاصية موجية لجميع الجسيمات مثل الإلكترونات وغيرها.

تعتمد تجربة شقي يونغ على انعراج الضوء عند شقين رفيعين في حاجز مانع للضوء، حيث يقوم الانعراج بتحويل كلا الشقين إلى مصدرين ضوئيين متشابهين مترافقين، وينتج عنها عند استقبال الضوء على حاجز أمامهما أنماط تداخل تتميز بأهداب ضوئية شديدة الإنارة وأهداب عاتمة، وهذا ما يشابه ظاهرتي التداخل البناء والتداخل الهدام في الأمواج. تم الحصول أيضا على نتائج مشابهة عند استبدال الحزم الضوئية (حزم الفوتونات) بحزم إلكترونية (إلكترونات) مما كان أحد اثباتات ازدواجية (موجة-جسيم)

فيزياء الكم (Quantum physics) هو فرع الفيزياء المتعلق بدراسة سلوك الأجسام الصغيرة جداً

 

المصادر:

How the quantum Zeno effect impacts Schroedinger’s cat, phys.org, June 16, 2017

 

Schrödinger’s Cat, informationphilosopher.com

Is it a wave or a particle?

 

  1. Mehra and H. Rechenberg, The historical development of quantum theory, Springer-Verlag, 2001, p. 271.

Bohr, N. (1985). J. Kalckar, ed. Niels Bohr – Collected Works: Foundations of Quantum Physics I (1926 – 1932). 6. Amsterdam: North Holland.

Darling, David (2007). “Wave–Particle Duality”. The Internet Encyclopedia of Science. The Worlds of David Darling.

 

 

المصادر الثانوية:

Zeno’s paradoxes, Wikipedia.org

Dowden, Bradley. “Zeno’s Paradoxes.” Entry in the Internet Encyclopedia of Philosophy.

http://www.counterbalance.org/ghc-obs/catmean-frame.html

https://en.wikipedia.org/wiki/Erwin_Schr%C3%B6dinger

https://en.wikipedia.org/wiki/Schr%C3%B6dinger%27s_cat

https://en.wikipedia.org/wiki/Copenhagen_interpretation

https://en.wikipedia.org/wiki/Geiger_counter

https://en.wikipedia.org/wiki/Double-slit_experiment