أجريت هذه الدراسة بتعاون جامعة فلوريدا قسم الانثروبولوجيا مع جامعة كاليفورنيا قسم التاريخ.

تعتبر دراسة تطور اللغات وسيلة فعالة لفهم تاريخ البشر. وبالتالي فإن دراسة أصل اللغة السامية وطبيعة انتشار البشر الناطقين بها يوفر لنا فهم التاريخ القديم للشرق الأوسط والقرن الافريقي. الناطقين بالسامية مرتبطين بأقدم اللغات المكتوبة والحضارات في المنطقة؛ الأمر الذي يفسر ظهور أول التقاليد الدينية العظمى في العالم. قام الباحثون في هذه الدراسة باستخدام تقنيات التطور الوراثي التي تم تطويرها مؤخرًا في علم الأحياء التطوري لتحليل البيانات المعجمية السامية. كما قاموا بتأريخ تشعبات اللغة السامية واستخدموا الأدلة التي هي عبارة عن كتابات ونقوش من أجل أخذ عينات لتواريخ اللغات السامية المنقرضة لمعرفة معدل تطور اللغات. تدعم اختبارات الإحصاء التي قاموا بها فرضية تشعّب الأكادية من السامية السلفية. وقدّروا أن أصل العصر البرونزي المبكر للسامية حوالي 5750 سنة في بلاد الشام، وهناك مقترح آخر يقول بأن تاريخ دخول اللغة السامية الأثيوبية من جنوب شبه الجزيرة العربية يعود إلى 2800 سنة.

أسباب الدراسات الكثيرة حول اللغات السامية

تعتبر اللغات السامية من أكثر اللغات التي أجريت عليها دراسات وذلك لارتباطها بالحضارات القديمة في بلاد ما بين النهرين وبلاد الشام والقرن الافريقي والتي أدت إلى ظهور أقدم الأعراف الدينية الكبرى (اليهودية والمسيحية والإسلامية) والأعمال الأدبية المبكرة مثل ملحمة جلجامش.

وتعود أهمية تاريخ اللغات السامية الذي يزيد عن 4300 عاماً في بلاد ما بين النهرين حيث حلّت اللغة الاكادية مكان السومرية. ومن هذا التاريخ وصاعداً تشير الأدلة الأثرية للسامية بين العبرية والفينيقية في بلاد الشام والأكسومية في القرن الافريقي إلى أن السكان الناطقين باللغات السامية قد تعرضوا مع لغاتهم إلى تاريخ معقد من التوسع الجغرافي والهجرة والانتشار والتي ارتبطت بظهور أقدم الحضارات في المنطقة.

تستمر الشكوك حول التفاصيل الأساسية لهذا التاريخ على الرغم من الدراسات الجينية والأثرية واللغوية الواسعة للجماعات السامية. ركزت معظم الدراسات الجينية التي أُجريت على الأطر الزمنية؛ إما حديثة جداً (أصل المجتمعات اليهودية في الشرق الأوسط وأفريقيا) أو قديمة جداً (هجرة الإنسان الحديث خارج إفريقيا) لتزودنا برؤية حول أصل اللغة السامية وانتشار السكان الناطقين بها. أما الدراسات التاريخية اللغوية للغات السامية فقد اعتمدت على أسلوب المقارنة للاستدلال على علاقات الخاصة بالنسب بين اللغات السامية.

تنقسم اللغة السامية إلى السامية الشرقية والتي تضم لغات منقرضة مثل الأكادية والإبلاوية. والسامية الغربية التي تضم اللغات السامية المتبقية المتوزعة من بلاد الشام إلى القرن الافريقي وتقسم السامية الغربية بدورها إلى مجموعتين: الجنوبية والتي تضم الاثيوبية السامية ونقوش كتابات خط المُسند (الخط الحميري) واللغة العربية الجنوبية الحديثة. المجموعة الثانية هي المركزية. لكن علاقة الأنساب بين هاتين المجموعتين بالكاد يمكن تحديدها.

يثير تأريخ الاختلافات اللغوية الكثير من الجدل لأنه يفترض بأن اللغات تتطور بمعدل ثابت، في حين أن هناك أدلة على الاختلاف في معدلات التغيير بين الكلمات واللغات ولا يوجد سبب واضح لتطور اللغات بمعدلات ثابتة.

في هذه الدراسة، قاموا بتحليل البيانات المعجمية من 25 لغة سامية موزعة في جميع أنحاء الشرق الأوسط والقرن الأفريقي باستخدام طريقة الاستدلال البايزي في التطور النسبي (Bayesian inference in phylogeny  ) (يستخدم في الإحصاء وبشكل خاص في التحليل الديناميكي لتسلسل البيانات وله عدد من التطبيقات في علم الوراثة الجزيئي. سمي يالبايزي نسبة إلى توماس بايز). استخدمت هذه الطريقة لاستنتاج علاقات الأنساب في وقت واحد ولتقدير تواريخ اختلاف اللغات السامية. استخدمت البيانات الكتابية (نص محفور بالحجرمن اللغات السامية المنقرضة كالأكادية، الآرامية، الجعزية، العبرية القديمة والأوغاريتية) مع الأدلة الأثرية لتواريخ أخذ العينات من البيانات الكتابية المنقوشة (الوقت الذي نقشت به). في النهاية، قاموا بدمج تقديرات تاريخ الاختلافات مع أدلة كتابية وأثرية من جميع اللغات السامية المعروفة لإنشاء نموذج متكامل من التاريخ السامي.

النتائج

تشير النتائج إلى تقديرات أن أصل السامية يعود إلى 4400-7400 سنة من الآن ويسبق النقوش الأكادية الأولى في السجلات الأثرية لشمال بلاد ما بين النهرين بما يقارب 100-3000 سنة. تأسست مدن سومر وازدهرت في بلاد ما بين النهرين مع لغاتها التي لا علاقة لها بالسامية. لذا من غير المرجح بأن تكون اللغة الأكادية مستخدمة في سومر لفترة 3000 سنة فاصلة بين أصل اللغة السامية والظهور الأول للأكادية في السجلات الأثرية. بالإضافة إلى ذلك فإن اللغة الابلاوية التي تعتبر الأقرب للأكادية وهي الوحيدة في أسرة اللغة السامية الشرقية التي كانت تستخدم في بلاد الشام؛ تحديدا في شمال شرق بلاد الشام أي سوريا حالياً. يدل وجود المجموعتين الساميتين الأقدم (الشرقية والغربية) في نفس المنطقة من بلاد الشام مع إمكانية وجود فاصل زمني (100-3000) بين أصل السامية وأول ظهور للأكادية في سومر إلى أن أصل السامية كان في شمال شرق بلاد الشام ومن ثم انتقلت لاحقا الأكادية باتجاه الشرق إلى بلاد ما بين النهرين وسومر.

يشير التأريخ العرقي بأن التشعبات والانقسامات الأساسية في اللغة السامية حدثت منذ 5750 سنة من الان، مما يشير إلى أن السامية السلفية كانت موجودة في العصر البرونزي المبكر وهي سبب وجود كل اللغات السامية الاخرى المتضمنة في الدراسة. كما يشير التأريخ العرقي بأن الانقسامات الأربعة الرئيسية الشرقية والغربية والجنوبية والمركزية حدث بين 3300 إلى 7400سنة من الان. المركزية السامية انقسمت منذ 4450 سنة من الان الى العربية والى مجموعة من اللغات القديمة في بلاد الشام مثل الارامية والعبرية القديمة والاوغاريتية. والذين بدورهم انقسمو منذ حوالي تقريبا 4050 سنة من الان. يمكن تقدير انقسام اللغات العربية وتشعبها إلى ٨٥٠ سنة.بينما يشير التأريخ العرقي بان اللغات السامية الاثيوبية واللغات العربية الفصحى تشعبت منذ ٤٦٥٠ والذي يتزامن مع فترة الانتقال من البرونزي المبكر إلى العصر البرونزي المتوسط. السلف الافتراضي للغة العربية الفصحى يعود تاريخه إلى حوالي ٢٠٥٠ سنة الذي يرافق التوزيع الجغرافي الضيق على طول الساحل الجنوبي من شبه الجزيرة العربية مما يشير ان التنوع الذي طرأ على اللغة العربية الفصحى قد حدث في تلك المنطقة تحديدا.

يشير تطور سلالات اللغة السامية أن انقسام اللغة السامية إلى شرقية وغربية كان متزامنا تقريباً مع  انقسام الغربية السامية إلى جنوبية ومركزية وذلك منذ حوالي 5300 سنة من الآن.

توزّع اللغات السامية المركزية والجنوبية القديمة والحديثة يتوافق مع انتشار السامية المركزية غربًا عبر بلاد الشام ومع انتشار الجنوبية السامية من بلاد الشام وصولا إلى جنوب شبه الجزيرة العربية في نهاية المطاف.

تمثل اللغات أو اللهجات العربية مجموعة اللغات السامية الأكبر رغم أن التحليلات اللغوية التي تعتمد على المقارنة تضع اللغة العربية في خانة الأسرة المركزية السامية. نشأت اللغة العربية في شمال شبه الجزيرة العربية وانتشرت مع انتشار الإسلام واحتلاله النطاق الجغرافي الذي يمتد من المغرب إلى إيران في الوقت الحالي. تشير دراستنا للهجتين العربيتين في المغرب وإقليم أوجادين أنهما تباعدتا منذ حوالي ما يقارب 400-1300 سنة من الآن. وذلك بعد توسع السكان العرب المسلمين.

أما فيما يتعلق باللغات السامية الأثيوبية، بينت الدراسة أن أصلها لا يعود إلى أصل افريقي. يشير التشعب المتزامن لتلك اللغات وتوزعها الحالي في اثيوبيا إلى أنها خضعت للكثير من التنوع والامتداد وهي في طريقها للوصول إلى افريقيا.

وهكذا نجد أن الأسرة السامية تحتل مكانة ذات أهمية تاريخية ولغوية كبيرة. تنتشر اللغات المنطوقة والمكتوبة للفينيقيين والعبرانيين والعرب في جميع أنحاء آسيا وشمال ووسط إفريقيا. كما أن الحضارات السامية القديمة بدورها ساهمت بشكل كبير في الثقافة الأوروبية.

 

الدراسة:

Kitchen, A., Ehret, C., Assefa, S., & Mulligan, C. J. (2009). Bayesian phylogenetic analysis of Semitic languages identifies an Early Bronze Age origin of Semitic in the Near East. Proceedings of the Royal Society B: Biological Sciences, 276(1668), 2703–2710. https://doi.org/10.1098/rspb.2009.0408