يرفض الناس الحقائق العلمية ويشككون بها لأسباب عديدة قد تكون سياسية أو أيديولوجية أو دينية. وقد عزز انتخاب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب -المنكر للتغير المناخي- من موقف المشككين بالعلم بشكل عام ومنكري التغير المناخي بشكل خاص.

تقول مارشا ماكنت (Marcia McNutt) الرئيسة السابقة للمرصد الجيولوجي الأمريكي والمحررة في مجلة ساينس (Science) المرموقة: “العلم ليس مجرد مجموعة من الحقائق، العلم هو طريقة لتحديد إذا ما كان الشيء الذي اخترنا تصديقه يعتمد على قوانين الطبيعة أم لا“. يؤدي العلم بالطبع إلى حقائق أقل بديهية. فعندما اكتشف جاليليو أن الأرض تدور حول الشمس، فهو لم يعارض معتقدات الكنيسة فحسب، بل خالف أيضاً المنطق الدارج في ذلك الوقت، فالشمس تطلع من الشرق ثم ترتفع في السماء لتهبط باتجاه الغرب لتعود وتطلع مرة أخرى من الشرق وهكذا… فيبدو أن الشمس  تدور حول الأرض، كما أننا لا نشعر بدوران الأرض وحركتها. حتى عندما نقتنع بهذه الحقائق العلمية، فإننا نبقى متمسكين بشكل لا واعي بحدسنا الذي يمكن أن يخالف هذه الحقائق. في دراسة أجراها أندرو شتلمان (Andrew Shtulman) من الجامعة الغربية (Occidental  College) في الولايات المتحدة على مجموعة من الطلبة ذوي مراحل تعليمية متقدمة في العلوم، استغرق الطلاب وقتاً أطول لتحديد صحة الحقائق العلمية التي تتعارض مع حدس الإنسان مثل أن الإنسان تطور من كائنات بحرية، بينما استغرقوا وقت أقصر لتحديد صحة أن الإنسان تطور من كائنات تسكن الأشجار- وهي حقيقة أسهل للإدراك – وحقيقة أن القمر يدور حول الأرض – وهي حقيقة بديهية. يظهر هذا البحث أننا عندما نصبح مثقفين في العلوم، نحن فقط نكتم معتقداتنا السابقة البسيطة ولا نتخلص منها كلياً.

إضافةً إلى ما سبق، يتعرض معظم البشر إلى الانحياز التأكيدي (confirmation bias)، وهو ميل الشخص للبحث عن المعلومات التي تدعم معتقداته وتجاهل المعلومات التي تدحضها. فقد تجد شخص يتمسك ببحث علمي يشكك بالتغير المناخي من سبعينيات القرن الماضي ويتجاهل آلاف الأبحاث العلمية الحديثة التي تثبت حدوثه. ولأن العلماء بشر، فهم يتعرضون للانحياز التأكيدي، ولذلك يتم تقييم الأبحاث العلمية عن طريق ما يسمى بمراجعة الأقران (Peer review) (وهو مراجعة البحث العلمي وتقييمه عن طريق مجموعة من العلماء من نفس اختصاص كاتب هذا البحث) وبالتالي، تضمن عملية مراجعة الأقران عدم وجود انحياز تأكيدي أو أي نوع  آخر من الانحياز المعرفي في الأبحاث العلمية.

وقد يرفض بعض الأشخاص الأدلة العلمية المخالفة لمعتقداتهم. في دراسة أجريت عام 2015 ونشرت نتائجها في دورية الشخصية وعلم النفس الاجتماعي، تم اختبار 174 مشارك ممن يؤيدون أو يعارضون زواج مثليي الجنس. عندما تم عرض حقائق علمية تعارض آرائهم، قال المشاركون – من الجانبين – أن الموضوع لا يتعلق بالحقائق العلمية، بل هو موضوع أخلاقي. بينما عندما تم عرض أدلة علمية تؤيد آرائهم، ادعوا أن آراءهم مبنية على الحقائق العلمية.

أيضاً، تؤثر مشكلة ضعف التواصل بين العلماء وعامة الناس في فهم العلم، حيث يؤدي غياب طرق فعالة لإيصال العلم إلى عامة الناس إلى سوء فهم العلم في بعض الأحيان. حتى أن هناك بعض الدراسات التي تقترح إضافة برامج لتدريب الطلاب على كيفية إيصال المعلومات العلمية إلى العامة ضمن المناهج الدراسية الجامعية. كما ان وسائل الإعلام تساهم أحيانا في تعقيد المشكلة. على سبيل المثال، تحتوي حوالي نصف النصائح الطبية المقدمة ضمن البرنامجين التلفزيونيين الطبيين The Doctors  وDr. Oz على معلومات إما خاطئة أو تفتقد للأدلة، حيث أن هدف هذه البرامج هو الربح المادي بالدرجة الأولى.

قد لا يبدو الوضع مبشراً، حيث ينتشر الجهل العلمي حاليا بدرجة كبيرة. حسب إحصائية للمنظمة الوطنية للعلوم (NSF)، يعتقد 26 بالمئة من الأمريكيين أن الشمس تدور حول الأرض! بالإضافة إلى انتشار الحركات المشككة بالعلم والتي قد يصل بعضها إلى مستوى الحماقة مثل: مجتمع الأرض المسطحة . وقد وصف العالم الشهير ستيفن هوكنج هذا الأمر “بأننا نشهد تمرد عالمي ضد الخبراء”. وإذا كنا متشائمين أكثر، فقد تتحقق في المستقبل أحداث فيلم الخيال العلمي Interstellar  حيث يصبح المجتمع رافض للعلم بدرجة كبيرة، فتنص الكتب المدرسية على أن رحلة أبوللو إلى القمر كانت كذبة كما تضطر ناسا أن تعمل في الخفاء.

المصادر:

Joel Achenbach, Why Do Many Reasonable People Doubt Science?, National Geographic, Mar 2015

Troy Campbell & Justin Friesen, Why People “Fly from Facts”, Scientific American, 3 Mar 2015

Jeff Nesbit, A Quarter of Americans Think the Sun Orbits the Earth … Sigh (Op-Ed), Live Science, 22 Feb 2014

Fiona Macdonald, Stephen Hawking Says We’re in the Middle of a “Global Revolt Against Experts”, Science Alert, 29 Mar 2017