فكر بمن حولك، قد تجد شخصاً أو عدة أشخاص يشبهون المغناطيس للعلم الزائف والخرافات. هل جربت مناقشة هؤلاء؟ ربما. لكن هل جربت أن تفكر في تصنيفهم علمياً ولماذا يتبعون هذه الطريقة بالتفكير؟ هذا ليس بالأمر السهل وهو أيضاً عرضة للنقاشات في مجال علم النفس وأيضاً لإقامة التجارب العلمية من أجل فهم طريقة اكتساب الناس للموثوقية ببعض الأفكار.
العلم الزائف هو المجالات التي تلبس ثوب العلم لكنها ليست بعلوم، فهي تستخدم مصطلحات علمية وطريقة سرد علمية ويتنكر مروجوها خلف ألقاب علمية لكنها رغم كل ذلك ليست علوماً وهي تتضمن إشكاليات معرفية بارزة ومغالطات منطقية وتعارضات مع العلم. وفي العقود الأخيرة تزايدت أهمية دحض وتفنيد العلوم الزائفة لفداحة أضرارها على صحة الناس وأموالهم ومختلف جوانب حياتهم، فضلاً عن تأثيراتها في السياسة والاقتصاد. من أجل ذلك نجد الباحثين يفصلون في فهم الانتشار الوبائي للعلوم الزائفة.

النموذج الأكثر شيوعاً لانتشار العلم الزائف هو ما يعرف بنموذج الخلط أو التشويش. يفترض هذا النموذج أن الأشخاص الذين يؤمنون بالعلم الزائف سيكتسبون قناعتهم به عندما تكون هناك سلطة معرفية معتبرة للعلم في مجتمعاتهم. وأيضاً، يفترض هذا النموذج أن الأشخاص حينما يكونون عاجزين عن فهم الفرق فعلياً بين العلم والعلم الزائف فهم يتبنون العلم الزائف بسهولة. 

لكن الباحث في فلسفة العلم أنجيلو فاسكي من جامعة فالينسيا بإسبانيا له رأي آخر حول نماذج انتشار العلم الزائف. في بحثه المنشور حديثاً استعرض فاسكي تلك النظرة التقليدية (نموذج الخلط) لدينا حول انتشار العلم الزائف، والتي تصل في بعض الأحيان إلى تمجيد العلم الزائف بشكل غير مباشر. 

لو افترضنا أن الخلط البريء بين العلم والعلم الزائف لوحده هو المسؤول عن الانتشار الوبائي للعلوم الزائفة، فإن ذلك قد يعني عدم وجود تعارض بين كمية المعرفة التي يمتلكها الشخص وبين اقتناعه بالعلوم الزائفة، طالما أن المسألة متعلقة بالخلط الذهني والقضايا المتعلقة بالفهم فقط. لكن في الحقيقة إن الأمر ليس كذلك فينقل لنا فاسكي دراسة ثبت فيها أن الاقتناع بالعلوم الزائفة يتناسب عكسياً مع مقدار المعرفة التي بحوزة الشخص. 

أيضاً، لو كان الخلط والجهل لوحدهما مسؤولان عن انتشار العلم الزائف لافترضنا أن شرح المنهج العلمي والتفكير النقدي وتدريسهما سيحلان المشكلة وستكون لدى الأشخاص مناعة ضد العلم الزائف. لكن هذا أيضاً غير صحيح وفقاً لإحدى الدراسات التي وجدت أن تحفيز الطلبة على نزع الثقة من العلم الزائف بشكل مباشرة كان له حظ أوفر في تقليل التصديق بالعلم الزائف من تدريس التفكير النقدي والمنهج العلمي وشرحهما للطلبة.

أما ما يجعل القضية انتصاراً غير مباشر للعلم الزائف فهي ما يقال أن الناس قد تتجه إلى شروحات العلم الزائف نتيجة لعدم القدرة على فهم العلم واستيعابه بشكل جيد أو نتيجة لحدوث أزمة في الثقة تجاه العلم. في الواقع ليس هناك دليل على ذلك، وإن تغير ثقة الشخص بقضايا علمية معينة لن تغير من معتقداته تجاه العلم الزائف كما يوضح فاسكي. 

ما هو السبب إذاً في تبني العلوم الزائفة؟ يقدم فاسكي نموذجه الموازي لنموذج الخلط، فهو لا ينفي نموذج الخلط كلياً. ويعتمد نموذج فاسكي المعروف بالشرح والاستقطاب على جاذبية شرح العلوم الزائفة لفئة معينة من الناس، وحالما تجمع تلك الفئة في جعبتها مجموعة من الاعتقادات الزائفة فإنهم يكونون حلقات للتعزيز والدعم عبر المجاميع على أرض الواقع أو افتراضياً كما هو ممكن اليوم بسهولة. ويلعب الاستقطاب هنا دوره في استدامة وتعزيز تلك الأفكار في المجموعة.

ما الرسالة التي نأخذها من هذه الدراسة؟ الأمر الأول، بدلاً من الشرح المستفيض للعلم وللمنهج العلمي والتفكير النقدي ربما يكفي أن ننتقد العلم الزائف الذي يؤمن به الأشخاص الذين نحرص على مصلحتهم وأن ننقده بشكل مباشر وواضح. أما اذا كان الشخص يتواجد ضمن مجاميع افتراضية او حقيقية لتداول أفكار مماثلة فربما فات الأوان. علينا أن نفهم أيضاً أن هذا الشخص لجأ لتلك الأفكار نظراً لسهولة اكتسابها ولانجذابه لطريقة شرحها للأمور، وربما في أحيان كثيرة ومع أشخاص كثيرين لن يجدي الأمر نفعاً في محاولة انقاذ الشخص من الزيف والخرافة. 

الدراسة:

Fasce, Angelo. “The explanation-polarisation model: Pseudoscience spreads through explanatory satisfaction and group polarisation.” (2021).