ولدت اليزابيث آن بيتس في بلدة ويتشيتا بولاية كانساس الأمريكية عام 1947، ولم تحمل أيامها الأولى في طياتها ما ينبئ بأنها ستواجه بفرضياتها أعلام اللغويات وستْرجح كفتها. تخرجت من جامعة سانت لويس بالبكالوريوس عام 1968، ثم أتمت دراسة الماجستير والدكتوراه في نمو الإنسان بجامعة شيكاغو في الأعوام 1971 و 1974 على التوالي.  ثم عملت بجامعة كولورادو حتى عام 1981 وجامعة كاليفورنيا حتى وفاتها المبكرة عام 2003. لو أردنا أن نختصر مسيرتها البحثية بعبارات قليلة: ليس هناك جزء خاص باللغة في الدماغ. 

كانت الأسئلة حول كيفية معالجة الدماغ للغة هي أهم ما يشغل اليزابيث بيتس، وقد عملت باجتهاد وقدمت مساهمات لامعة في مجال اكتساب اللغة (language acquisition)، واضطرابات اللغة مثل الحبسة (Aphasia). عملت مع براين مكويني (Brian MacWhinney) على نظرية ونموذج معقد لمعالجة اللغة يأخذ بنظر الاعتبار المفردات والصوتيات والمعاني. ونهجت منهجاً وظيفياً في النظر إلى اللغة ومحاولة فهمها أي أنها انطلقت بشكل أساسي من وظيفة اللغة ذاتها في محاولة تفسيرها. 

ومن الرؤية الوظيفية للغة التي تنتهجها بيتس، تنطلق نحو الفرضية الشهيرة بعدم وجود جزء خاص باللغة في الدماغ، أي ليس هناك مراكز ومناطق معينة في الدماغ تختص باللغة، بل يوظف الدماغ أجزاء إدراكية عديدة ويستخدمها للتواصل بشكل عام. بالضد من هذه المدرسة هناك المدرسة التي يقودها تشومسكي والتي تعرف بالفطرية (nativist) والتي يرى فيها مع كثيرين أن اللغة مدعومة بيولوجياً من أدمغتنا، أو كما يقول بمقولته الشهيرة (نحن لا نتعلم الكلام، بل نولد ونحن نجيده). لن نحسم الجدل في هذا المقال الذي نعرف به بيتس ومسيرتها الرائعة لكن ذكره ضروري لأنه جزء مهم من تلك المسيرة. 

ما يدعم فرضية بيتس هو الكثير من الأدلة البيولوجية المساندة للغة في الدماغ والتي يجد العلماء أنها ليست خاصة بالإنسان وحده، انطلاقاً من الجين المعروف بجين اللغة FOX2P والذي وجد أن إعطاء الإصدار البشري منه للفئران يطور بعضاً من مهاراتها، وانتهاءاً بالاجزاء المهمة جداً والتي يُعتقد أنها مسؤولة بشكل رئيسي عن معالجة اللغة في الدماغ.

درست بيتس اكتساب الأطفال للغة وعملت على أبحاث مثيرة للاهتمام جداً حول الكلمات التي يبتكرها الأطفال أو التبسيط الذي يقومون به للكلمات، وينسب لها مصطلح الكلمة الابتدائية (protoword).

وجدت بيتس وزملاؤها أن المصابين ببعض الحالات مثل الحبسة، أو من يتعرضون لاصابات دماغية تؤثر على اللغة، فإن مهامً متخصصة تتأثر أيضاً مثل تمييز الأنماط والذاكرة. وهكذا فإنها ترى أن اللغة تُعالج في الدماغ كمهارة عامة. وما يؤيد ذلك هو اللدونة العصبية (neural plasticity) وهي كما يقول البروفيسور سبنسر كيلي (Spencer Kelly) الذي كثيراً ما يستشهد باليزابيث وطروحاتها: “لو أردت أن تذكر أهم صفة للدماغ على الإطلاق فلابد أن تذكر اللدونة العصبية”، حيث وجدت بيتس أن الأطفال الذين يصابون ببعض الإصابات التي تلحق بالجانب الأيمن أو الأيسر من أدمغتهم يستطيعون تعلم اللغة بشكل طبيعي. أي أن الدماغ يعيد تنظيم نفسه وتخصيص الأجزاء لكي يتعلم الإنسان اللغة، في حين أن الإنسان في بلوغه يعاني من صعوبة أكبر في ذلك نظراً لتراجع تلك القدرات في اللدونة العصبية. 

كل ما قدمته اليزابيث بيتس كان في نطاق عمر قصير نسبياً، فقد توفيت ولها 56 عاماً، تحديداً عام 2003 وذلك بعد سنة من الصراع مع سرطان البنكرياس. لكن ما تركته بلا شك كان أبلغ اثراً مما يقدمه كثيرون في حياة أطول من تلك.

راجعت المقال لغويا ريام عيسى وتم نشره في مجلة العلوم الحقيقية العدد 50  شهري يوليو-اغسطس 2022