ولد ويلدر غرافيس بينفيلد (Wilder Graves Penfield) في احدى بلدات ولاية واشنطن غربي الولايات المتحدة الامريكية في عام 1891 وسرعان ما تنقل في مراحل دراسية عديدة ابتدأت بجامعة برينستون، ليحصل بعدها على زمالة دراسية في جامعة اوكسفورد ببريطانيا عام 1915 ثم حصل على شهادته كطبيب من مدرسة جون هوبكنز الطبية في الولايات المتحدة ليعود بعدها الى اوكسفورد، وقطعت دراسته تلك رحلات دراسية أخرى الى نيويورك وألمانيا لينتهي بعدها الى ممارسة الطب في مونتريال بكندا حيث قضى معظم سنوات خبرته.

يسجل لبينفيلد ان احد المشارط الجراحية يحمل اسمه مشرط بينفيلد والذي يستخدم لفتح الجمجمة، ويسجل له عدد كبير من العمليات الجراحية على المرضى المصابين بحالات مختلفة على رأسها الصرع. تعرف العملية التي يعزى انشاؤها له بعملية مونتريال (Montréal Procedure) حيث يقوم بتدمير الخلايا العصبية التي تتفرع منها نوبات الصرع. وعرفت العمليات التي قام بها بينفيلد بيقظة المرضى أثناء القيام بالعملية. 

كسب العلم الكثير من المعرفة حول المناطق المختلفة في الدماغ ودورها من خلال العمليات التي اجراها بينفيلد والتي كانت بمثابة تجارب حيث شوهد كيف يستجيب المرضى بشكل مختلف حينما تتعرض مناطق معينة في ادمغتهم للأقطاب الكهربائية. وقد طور بينفيلد نتيجة لذلك خرائط للدماغ تشير لاكتشافاته تلك.

لاحظ بينفيلد أن تحفيز بعض المناطق في الدماغ يثير ما يشبه أن يكون شرائط فيديو لتجارب معينة فريدة كالأحلام، الروائح، الرؤى، الهلوسات وتجربة الخروج من الجسد (ربما هذه فرصة لمن يؤمنون بأي روحانية للظاهرة لكي اليها كظاهرة دماغية بحتة)، الديجافو، الخوف، الوحدة، وغيرها. غير أن رأي بينفيلد رغم تجاربه التي توضح بدقة الصلة بين التجربة الذهنية والدماغ فقد كان يميل الى الثنائية بالنظرة الدماغ والعقل والسبب في ذلك هو عدم قدرته على رصد تجارب دماغية أخرى اكثر تعقيداً كالرحمة والمنطق والحساب والاحساس بالعدالة. يقول مثلاً انه لم تأت نوبة صرع لأحد المرضى لتمنعه من القيام بالحساب مثلاً؟ ولعل لبينفيلد وجهة نظر في ذلك فبعض التجارب الدماغية لا يمكن اختزالها بإشارة دماغية بسيطة يمكن تحفيزها عبر قطب كهربائي.

من غير الواضح إن كان لدى بينفيلد المزيد من الاعتقادات حول ما اذا كانت عدم قدرته على الحصول على إجابة وافية لجميع التجارب الدماغية من خلال تجارب التحفيز التي قام بها تعد دليلاً كافياً على قضايا ما ورائية. لكن الكثيرين اليوم يستشهدون بتساؤلات بينفيلد حول موضع تلك التجارب المعقدة مثل المنطق والإرادة كدليل على وجود الروح. 

في كتابه الذي يلخص فيه تجاربه وآراءه: لغز العقل (Mystery of the Mind: A Critical Study of Consciousness and the Human Brain) يوضح بيتفيلد نبذة عن تجاربه ثم يترك فصولاً لتساؤلاته المنطقية حول عدم إيجاد أجوبة. غير أن المهم هو أن بينفيلد لم يخطو حاجز التساؤل العلمي، والأمر الثاني المهم هو أن العلم قدم الكثير من الأجوبة لاحقاً لتساؤلات بينفيلد وبطرق علمية أحدث.

توفي بينفيلد عام 1976 نتيجة سرطان الجهاز الهضمي وقد حصل على الكثير من التكريمات في حياته وحقق الكثير من المنجزات والاكتشافات. 

تكريماً للعالم ويلدر بينفيلد قامت الرسامة والكاتبة والمترجمة في موقع العلوم الحقيقية رؤى الشيخ برسم صورته التي نضعها على غلاف المجلة العدد 53 والصادر في الذكرى الحادية عشرة لانطلاق الموقع عدد يناير فبراير 2023.