لماذا لا تسبح الأسماك رأساً على عقب؟ إنه سؤال طبيعي بالنسبة للحيوانات التي تطفو، إلّا أن بعض العلماء قد قاموا بالتنقيب في أدق التفاصيل حول الأمر. في الحقيقة لا يوجد هناك أعلى وأسفل في الفضاء، ورغم ذلك تبدو السفن الفضائية في عروض تلفزيونية مثل ستار تريك (Star Trek) وهي تطفو بالإتجاه نفسه: متجهة الى أعلى من اليمين. وقد بقي هذا المجاز العلمي غير الضروري مزحة يتداولها محبو الخيال العلمي.

وهنا على الأرض، وجدت الأسماك نفسها في موضع مشابه لذلك بشكل غريب. عندما تنزلق السمكة في عالمها المائي عديم الوزن ثلاثي الأبعاد، فإنها دائماً ما تحافظ على موضعها منتصبة. والسؤال هنا  موجه للسفن الفضائية والأسماك، كلاهما، لماذا يحدث ذلك؟

إن إجابة هذا السؤال أسهل بكثير عندما تتعلق بالسفن الفضائية من الخيال مقارنة بالحياة الحقيقية للأسماك.

في الأفلام أو التلفزيون، يظهر المخرجون السفن الفضائية بهذه الطريقة لأن المشهد معها يبدو أكثر قابلية للفهم بالنسبة للمشاهدين، فالكائنات الأرضية، بما فيها نحن، قد أعتادت على عالم تربطه الجاذبية. يقول فرانك فيش، وهو عالم مورفولوجيا خيالية من جامعة ويست تشيستر في بنسلفينيا: “إن لدينا أفكار معدّلة بأن على كل شيء أن يكون منتصباً.” ولكن ماذا عن الأسماك؟ يبدو السؤال وكأنه لغز.

ويقول فيش: “أن لا أستطيع الولوج الى داخل عقل السمكة، وتحديد سبب قيامها بهذا السلوك على وجه التحديد.”

وما يزيد اللغز عمقاً هو معرفة العلماء بالقليل من الأسباب حول ما الذي يجعل السمكة تسبح نحو إتجاهات مخصوصة – ومع ذلك فهم لا يزالون يمتلكون الأفضلية. وعلى العكس من كائنات اليابسة، لا تقوم الأسماك بدفع الأرض بالإتجاه المعاكس للحركة. وفي أثناء تحركها، لا تكون الأسماك منظمة نحو توجه معين دون آخر. وما هو أكثر من ذلك، فإن الجزء الأمامي لمعظم الأسماك يكون هو الأثقل، كما يقول بروك فلامنغ ( Brooke Flammang) والذي درس البيولوجيا الميكانيكية في معهد نيوجيرسي للتكنلوجيا. ومثل طفل يحاول الحفاظ على توازنه فوق كرة تطوف على حوض مياه، تريد الجاذبية من الأسماك أن ينقلبوا. إذا لماذا لا يحدث ذلك لهم؟

التفسير الإرجح باللغة التطورية هو بأن الأسماك تبدأ حياتها وهي تسبح منتصبة وبالتالي لا تمتلك أي سبب لتغيير ذلك السلوك. “وليبقى هذا بيننا فقط، إنها لا تهتم بذلك الأمر أبداً” كما يقول ميلتون لوف (Milton Love) وهو عالم حيوانات بحرية شبه متقاعد في جامعة كاليفورنيا، سانتا باربرا.

ويقول بيتر وينرايت Peter Wainwright، والذي يدرس مورفولوجيا الأسماك وسلوكها في جامعة كاليفورنيا، ديفيس، إن التوجه المفضل للأسماك “يعود إلى تلك الخطوات المبكرة جدا لبناء الجانب الأيسر والجانب الأيمن، ونهاية الرأس، ونهاية الذيل.”

هناك نوعان من الحيوانات التي تمتلك جانباً أيمناً وأيسراً مختلفين، كما يقول وينرات. المجموعة الأولى هي أوليات الفم  protostomiaوتتضمن معظم اللافقريات، مثل الحشرات والرخويات. في مرحلة مبكرة من النمر، عند كونها أجنة، تطور هذه الحيوانات تجويفاً ينمو ليصبح فماً. وفي المجموعة الثانية تأتي ثانويات الفم deuterostomia، والتي تتضمن الفقريات كالأسماك والبشر، حيث تنمو فيهم الأجنة بشكل مختلف. وفي هذه الحالة يتحول التجويف الأول الى فتحة الشرج.

إن هذا الأختلاف الأولي الطفيف يعني بأن كلا المجموعتين قد تطورا بأتجاهين متعاكسين. ويقول لورين سالان Lauren Sallan، وهو يدرس تطور الفقاريات المبكر في جامعة بنسلفينيا: “إن الإنزلاق الحاد يحدد أي أتجاه في الحيوان ستصبح قمته (ظهرية) وأيها ستصبح قاعدته (بطنية)، وكذلك المكان الذي سيعمل فيه الحبل العصبي.

في معظم اللافقريات، يعمل الحبل العصبي أسفل البطل. وتعاني الأعصاب بعض الصعوبة في التواصل مع العينين والدماغ، والتي هي ظهرية أكثر، حيث أن اللافقريات لا تمتلك في كثير من الأحيان الكثير من الأجزاء الصلبة داخل أجسادها لتقف في الطريق، كما يقول سالان.

في المقابل، فإن حتى الفقريات الأكثر بدائية تمتلك أنسجة صلبة، كالعظام، والتي تشكل حواجز داخلية داخل الجسم. وكنتيجة لكل ذلك، فإن مخطط أجسامهم أقل قابلية للتكيف. يعمل الحبل العصبي على طول ظهر الحيوان ويتطور الدماغ على الجانب الظهري ليرتبط بالأعصاب. ولأن الأعين تقع في الجمجمة قريبة من الدماغ، فإنها تنتهي الى القمة أو الجزء الأعلى أيضاً. ومع عدم توفر الجزء العلوي من الجسم، فإن المعدة وفتحة الفم تنتهي الى القاعدة أو الجزء الأسفل.

سالان غير متأكد حول ماهية السبب الذي قاد الى ذلك التغير، ولكنه قد أثر بشكل كبير على تطور الفقريات. وكما يقول: “لقد كان حدثاً طفيفاً والذي أصبح عقبة كبيرة في هيئة الأسماك.”

إذا السؤال هو لماذا تبقي الأسماك على وضعية جانبها الظهري الى الأعلى؟ الجواب لذلك يقع ضمن المبادئ الأساسية في نظرية التطور: إن كان مبدأ جديد معين لا يستطيع توفير ميزة واضحة،  فإن الأمور تميل لأن تبقى على حالها.

قام العلماء بتمشيط بعض من إمتيازات السباحة بهيئة منتصبة. على سبيل المثال، ستساعد الجاذبية على تحريك الدم من الدماغ رجوعاً الى القلب، كما يقول فلامنغ. كما تستفيد الأسماك أيضاً من وجود أعينها فوق فمها، كما يقول لوف، لأنها تبقي تلك الأعضاء الحساسة بعيداً عن الطعام والطمي، ولإستطلاع وجود الحيوانات المفترسة. وحتى أن ثقل مقدمة جسمها يمنحها بعض المنافع: فهو يزيد من قدرتها على المناورة، كما يقول فلامنغ.

وقد تعلمت بعض الأسماك السباحة بالمقلوب فيما تغزل البعض منها مستخدماً تلك الفكرة.

عانقت مجموعة من سمك السلور الأفريقي فكرة السباحة بالمقلوب في حياتها. وسلوكها هذا هو نتيجة لأن الأسماك التي تسكن القاع تتكيف للإستفادة من المياه الغنية بالأوكسجين القريبة من السطح. يقع فم سمكة السلور في الجزء السفلي، لذا فمن الأسهل بالنسبة لها أن تتحول ببساطة للسباحة بوضع مقلوب لتعامل الجزء العلوي من الماء كما تعودت في معاملة القاع، كما تقول لوران شابمان Lauren Chapman، والتي تدرس تنفس الأسماك في جامعة ماكغيل في مونتريال، كيوبيك. وتقول: “بالنسبة الى سمك السلور، فإن سطح الماء هو مجرد ركيزة أو قاعدة أخرى.”

ويقول لوف: “ولكن في الغالبية العظمى من الحالات، لا توجد هنالك أي إنتقاءات نافعة من السباحة بالمقلوب.”

الجواب، كما يقول وينرايت Wainwright، هو على الأرجح بالنسبة لأغلب الأسماك، فإن تغيير نمط السباحة لا يستحق إجراءه بكل بساطة. ومن هذه النقطة، فإن البقاء منتصباً الى أعلى أكثر ضماناً. ويقول فلامنغ: “ببساطة قد لا ترغب الأسماك في أن تكون مقلوباً في المياه.”

بعبارة أخرى، فإنها قد تعودت على هذا النمط، وهو يعمل بشكل جيد بالنسبة لها. مثل مشاهدة سباق لسفن فضائية في المجرة بهيئة منتصبة الى أعلى.