منذ منتصف القرن التاسع عشر، تشارك علماء الأحياء عموما الاعتقاد بأن جميع الكائنات الحية تنحدر من سلف مشترك واحد، استنادا إلى الأدلة الأحفورية والتشريح المقارن. اقترح تشارلز داروين أن البشر والقردة العليا أو (Great Apes) – التي تشمل الشمبانزي والغوريلا والأورانج أوتان – تتشارك سلفا مشتركا عاش قبل عدة ملايين من السنين. وقد دعم بحث مؤخرّا نظرية داروين حول الأصل المشترك (وتسمى أيضا النسب المشتركة): يكشف تحليل الجينوم أو ” المحتوى الوراثي” أن الفرق الجيني بين البشر والشمبانزي هو أقل من 2%، أو بعبارة أخرى، فإن البشر والشمبانزي لديهم تسلسل حمض نووي ذو نسبة تماثل أكبر من 98%.

من الأنواع الأربعة من القردة العليا، والمعروفة أيضا باسم (الهومينيد – hominid)، يحمل الشمبانزي (بان تروجلودايتس – Pan troglodytes) تسلسل الحمض النووي الأكثر مماثلة للإنسان، مما يجعله وراثيا أقرب إلى الإنسان العاقل أو (homo sapiens). ومن المثير للاهتمام، إذا أخذ أحدهم نظرة عن كثب على المظهر الجسماني الإجمالي (النمط النووي) للكروموسومات أو “الصبغيات” لدى كل من البشر والشمبانزي، سيجد أن جميع الكروموسومات يمكن أن تتطابق بين الأنواع، باستثناء كروموسوم الإنسان 2، في حين أن القردة العليا لكل منها 48 كروموسوم ( 24 زوجا)، والبشر لديهم 46 فقط (23 زوجا). بينما يعزز التشابه الجيني بين الإنسان والقردة نظرية داروين، لا يزال هناك تباين كبير غير مبرر، إذا كان للبشر والقردة سلف مشترك، ألا ينبغي أن يكون لكليهما نفس عدد الكروموسومات في خلاياهم؟

المراحل التي من خلالها يُستنسخ الكروموسوم وينقسم، يُخلط، ويُعاد دمجه غير تامة، كما أن الحمض النووي عرضة لطفرات عشوائية، تلك الطفرات لا تنتج دائما نتائج ضارة. بل في الواقع، العديد من الطفرات يرى أنها معتدلة التأثير، وبعضها يؤدي إلى سمات مفيدة حتى، ولتعزيز نظرية داروين، سيحتاج العلماء إلى إيجاد تفسير صحيح لسبب فقدان زوج من الكروموسوم في البشر في حين وجوده لدى القردة.

علماء الأحياء التطورية الحديثة لا يدّعُون أن البشر تطوروا من الشمپانزي أو أي من القردة الحية الأخرى كما هو شائع بين هؤلاء الذين لم يقرأوا عن النظرية أو لم يفهموها حقًا، بدلا من ذلك، يقترحون أن البشر والقردة العليا كلها تطورت بشكل منفصل من سلف مشترك منقرض الآن من خلال خطوط تطورية مستقلة. جزء أساسي من العملية التي يعمل من خلالها العلم هو إيجاد تنبؤ قابل للاختبار، والمعروف أيضا باسم الفرضية، قدم العلماء اثنين من التفسيرات المحتملة لمعضلة الكروموسوم المفقود: إما أن الجد المشترك كان له 24 زوجًا، والبشر يحمل كروموسوما مدموجا، أو أن السلف كان له 23 زوجًا، والقرود الأخرى تحمل كروموسوما منقسما، وأدت أبحاثهم المركزة إلى إيجاد طفرة في أحد كروموسومات الإنسان لتفسر لنا ما حدث.

في عام 2005، نشرت مجلة علمية مُرَاجعة من قبل النظراء نتائج الاختبارات. لقد تبين أن الكروموسوم 2، الذي هو فريد من نوعه للنّسَب البشري التطوري، ظهر كنتيجة لاندماج اثنين من كروموسومات الأجداد بينما بقيا منفصلين عند الرئيسيات “Primates” الأخرى، هناك العديد من المؤشرات الوراثية التي توفر أدلة قوية إن لم تكن قاطعة على هذا الإندماج:  (أنظر الشكل 2).

  • يمكن للكروموسومات (2B و 2A) في القردة العليا غير البشرية، عندما توضع نهاية إلى جانب نهاية أن ترى على أنها تشكل هيكلا متتطابقا مع كروموسوم الإنسان
  • (السينترومير – centromere) أو “القطعة المركزية” من كروموسوم الإنسان 2 يصْطف بالتساوي مع سينترومير الكروموسوم 2A لدى الشمبانزي.
  • تفاصيل هذه المنطقة (سلسلة ما قبل التيلوميرية، سلسلة تيلوميرية، سلسلة تيلوميرية عكسية، سلسلة ما قبل التيلوميرية) هي بالضبط ما نتوقع رؤيته في ذلك الاندماج.
  • بقايا السلسلة التي تكون على نهايات الكروموسوم (التيلومير) وجدت في منتصف كروموسوم الإنسان 2 حيث دمجت كروموسومات الأسلاف.
  • في المكان الذي نتوقعه على الكروموسوم البشري نجد بقايا سينترومير الكروموسوم 2A لدى الشمبانزي.
  • هذه المنطقة التيلوميرية في الكروموسوم هي بالضبط ما سنتوقع إيجاده إذا كان الاندماج قد حدث في منتصف كروموسوم الإنسان

لنقوم بتكرار ما نجده على الكروموسوم البشري 2، سينترومير الكروموسوم 2 هو في نفس مكان كروموسوم الشمبانزي 2A لنجد تشابها تسلسليا بينهم، بل وأكثر من ذلك نرى أن على ذراع من كروموسوم الإنسان 2 بقايا من الكروموسوم الأصلي من الجد المشترك للإنسان وكروموسوم الشمبانزي 2B، في نفس موضع سينترومير كروموسوم الشمبانزي 2B (هذه السلسلة عند الإنسان لم تعد بمثابة سينترومير للكروموسوم 2).

يصعب الأمر على المشككين في نظرية التطور يومًا بعد يوم، سواءً كان ذلك بسبب مرجعية غير علمية، معتقد أو حتى عدم إلمام ببدائيات علوم الأحياء، لأن الكثير من الأدلة منها التشريحية، الأحفورية وغيرها الكثير وصولًا للأدلة الجينية، تؤكد حدوث تلك العملية البيولوجية، فهل سيتخلى البعض عن الجهل والتفسيرات الصبيانية لطريقة عمل عالمنا بل وكوننا ويفتح عينيه ليبصر الحقيقة؟ فالأدلة على أن الكروموسوم 2 للإنسان هو ناتج اندماج اثنين من كروموسومات السلف المشترك هي أدلة قاطعة.

المصادر:

  • ncbi.nlm.nih.gov/mapview
  • IJdo JW, Baldini A, Ward DC, Reeders ST, Wells RA, Origin of human chromosome 2: an ancestral telomere-telomere fusion. Proc Natl Acad Sci U S A 1991 Oct 15;88(20):9051-5
  • Avarello R, Pedicini A, Caiulo A, Zuffardi O, Fraccaro M, Evidence for an ancestral alphoid domain on the long arm of human chromosome 2. Hum Genet 1992 May;89(2):247-9
  • Yunis, J. J., Sawyer, J.R., Dunham, K., The striking resemblance of high-resolution g-banded chromosomes of man and chimpanzee. Science, Vol. 208, 6 June 1980, pp. 1145 – 1148
  • Alec MacAndrew, Human Chromosome 2 is a fusion of two ancestral chromosomes.
  • Fischer, G., James, S.A., Roberts, I.N., Oliver, S.G. & Louis, E.J. Chromosomal evolution in Saccharomyces. Nature 405, 451 – 454 2000.