في العام 2014  تم تقديم ورقة فرضية من قبل ثلاث باحثين: اباري من هنغاريا، دي سوسو من البرتغال وفيكتور ميلر من المانيا؛ الورقة التي نالت الكثير من الإهتمام وهي تحاول تفسير سبب حدوث العقم الناتج عن الأمراض المنتقلة عبر الجنس، تقدم الفرضية
لفكرة أنه قد يكون أحد الأسباب التي تقع خلف انتقاء تبني كائنات ممرضة مسببة للعقم، وَ دعمها من قبل الكائن المضيف، هو لتفادي الحمل من الأساس، ولزيادة إمكانية التنوع في العلاقات الجنسية، إذ تؤدي الأمراض المنتقلة عبر الجنس إلى منع الحمل وإنهائه مبكراً (الإجهاض) مما يُزيد من تكرار ممارسة العملية الجنسية عوضاً عن الانتظار لعدة شهور، وَ كذلك لكون العقم سيؤدي بالغالب إلى انفصال الشريكين الجنسيين للبحث عن شركاء جدد مما يوفر الفرصة للمزيد من العلاقات الجنسية، وهو ما ينسجم عدم تناظر الضرر الناتج عن هذهِ الأمراض إذ يكون الضرر الأكبر لهذا النوع من الأمراض من نصيب الشريك الأنثى، قد تصل إلى تهديد حياتها وليس العقم فقط، مقارنة بالضرر الذي يحدث للشريك الذكر – ماعدا العوز المناعي بالتأكيد-.

الأمراض الجنسية الانتقالية هي حزمة من الأمراض (تتجاوز 200 مرض) تنتقل عبر النشاطات الجنسية، وتسببها العديد من الكائنات الدقيقة كالبكتريا (مثل بكتريا السيلان، بكتريا السفلس وبكتيريا الكلاميديا المسؤولة عن ما يُعرف بداء المتدثرات) وَ الفايروسات (مثل فايروس الإيدز، وفايروس الهربس التناسلي وَ فايروس الورم الحليمي البشري ) إضافة للفطريات مثل طفيلي المشعرات المهبلية. تتنقل هذهِ الأمراض إلى الشريك الجنسي عن طريق الممارسات غير الآمنة، وَ عن طريق تعدد الشركاء، وكذلك في حالات الشذوذ الجنسي.
في العام 2013 أصدرت منظمة الصحة العالمية تقريراً حول الأمراض الجنسية الإنتقالية: أشارت في التقرير إلى حدوث مليون حالة إصابة بواحد من الأمراض الجنسية الانتقالية كلّ يوم، وأوردت كذلك أن نسبة 85% من حالات العقم في الجزء الجنوبي للصحراء الأفريقية (جنوب الصحراء الكبرى) هي حالات عقم ناتجة من إنتشار الأمراض الجنسية الانتقالية وَ التهاون في علاجها.
طبعاً الإصابة بأحد الأمراض الجنسية الانتقالية لا يعني العقم بالضرورة، فالعلاجات متوفرة لأغلب تلك الحالات، ويجدر الإشارة إلى حقيقة أنّ الكائن الإمراضي (المُسبب للعدوى) ليس دائماً هو المسبب للعقم بحد ذاته، إلا في حالات الاستعمار الكثيف للجهاز التناسلي مما قد يتسبب بانسداد في قناة السائل المنوي بالنسبة للرجل، أو انسداد انبوب فالوب بالنسبة للمرأة؛ ما يسبب العقم في واقع الحال هو التفاعل المناعي ضد العدوى، الذي يتسبب بضرر كبير للجهاز التكاثري مثل الندوب الناتجة عن عملية الدفاع ضد المرض، والتي تتسبب بأضرار لا يمكن إصلاحها، وتزيد من خطر الحمل العنقودي بالنسبة للنساء.
نقطة مهمة أخرى تم الكشف عنها في السنوات الفائتة وهي تكوين الأجسام المناعية المضادة Antibodies أثناء عملية الدفاع المناعي ضد الأمراض حتى غير الجنسية بإمكانه أن يسبب تداخلاً يوجه الأجسام المضادة لمهاجمة الحيوانات المنوية، مثلاً تم الكشف عن حالات مماثلة بعد الإصابة ببكتريا السالمونيلا (مرض التايفوئيد) وسلالات عديدة من بكتريا المكورات المسبحية، وأخيراً البكتريا المعروفة بالبكتريا الملوية البابية والتي تتسبب بالقرحة، الأجسام المناعية المتكونة ضد هذهِ الكائنات المجهرية يمكنها التوجه إلى الحيوانات المنوية وَ قتلها.

اليات للعقم

بكتريا السيلان رغم كونها تستوطن الخلايا غير الهدبية في الطبقة المخاطية من جدار قناة فالوب، إلا أنّها تحطم وَ بشكل دائمي الخلايا الهدبية على طرفي قناة فالوب، وهذهِ الخلايا لها أهمية كبرى في نقل البويضات من قناة فالوب إلى الرحم، وهذا يحدث بسبب المادة السمية في جدار البكتريا LPS  وهي عامل من عوامل الضراوة لدى البكتريا، تستهدف هذهِ المادة الخلايا الهدبية بإعادة تنشيط عامل النخر الورمي الفا فيها (مادة دفاعية مناعية). هذا يعني إمكانية تخصيب البيضة (يحدث الإخصاب في قناة فالوب) لكن عدم إمكانية إيصالها للرحم، هذا بدوره يؤدي الى الحمل خارج الرحم وَ الذي في حالة عدم إنهائه بسرعة قد يسبب أضراراً هائلة للجهاز التكاثري الإنثوي مثل الإضطرار لرفع قناة فالوب جراحياً. المادة السمية في جدار بكتريا الكلاميديا (المتدثرة) تكون سامة للإجسام المنوية، وأصابة المرأة بها تحفز على إنتاج الأجسام المضادة للإجسام المنوية من قبل الجهاز المناعي، مما يتسبب بقتلها في حال دخولها، إذ يتعامل الجهاز المناعي معها على أعتبار أنها مواد غريبة يجب إنهاء تواجدها. بكتريا الغاردنيلا المهبلية يبدو أنها كذلك تستهدف الخلايا الهدبية فتعمل على تثبيط حركتها بإفراز مواد مثبطة، مما يسبب صعوبة الحمل.

العقم كوسيلة انتخاب تم تبنيها:

في التسعينات من القرن الماضي تم إثارة مسألة الأمراض الجنسية وَ تطورها لدى مختلف الكائنات وَ ليس الإنسان فقط، وَ كيف تطورت الكائنات الدقيقة المسببة لهذا النوع من الأمراض لتتخذ مسار دخول غير متوقع “الجنس” عوضاً عن الإنتقال بالطرق التقليدية.
بعد طرح التسلسل الجيني الكامل لطفيلي المشعرات المهبلية في العام 2007، تم ملاحظة أنّ هناك فرق بينه وبين بقية الطفيليات المشعريات والتي لا تغزو الجهاز التناسلي، إذ يبدو أنّ جينوم طفيلي المشعرات المهبلية تعرض لتوسع مفاجيء في جيناته، إذ يحتوي جينومه على مئات التكرارات (على الأقل 60% من جيناته) هذه التكرارات هي لعناصر قابلة للانتقال (من كائن لاخر، ومن مكان لآخر داخل الجينوم)، ويبدو أنّ طفيلي المشعرات المهبلية قد خضع لهذا التغيير عند انشقاقه من بقية أسلافه وتوجهه من الجهاز الهضمي إلى الجهاز التناسلي، هذهِ الزيادة في جينوم طفيلي المشعرات المهبلية تجعله اليوم واحد من أكبر الطفيليات المعروفة، مما يؤكد أنّ هناك فائدة تطورية لهذهِ الزيادة في الجينوم، وبالتالي حجم الطفيلي، إذ وفر ذلك للطفيلي مساحة سطح أكبر تساعده للالتصاق على الجدار المخاطي للمهبل، وكذلك تُعطي الطفيلة قدرة أكبر على مقاومة البلعميات وباقي خلايا الجهاز المناعي، مما يزيد من ضراوتها.
شيء مماثل حصل لبكتريا الكلاميديا (المدثرات) التي تم تبنيها من قبل الإنسان عن طريق الحيوانات أولاً ومنها حيوان الكوالا المعرض حالياً لخطر الانقراض بسبب الكلاميديا الجنسية بالذات بالإضافة لعوامل أخرى أقل أهمية، ثم أصبحت من الأمراض الانتقالية لدى الإنسان، إذا يتسبب الكلاميديا  بمرض التراخوما (إصابة للعين)، وتسبب نوعاً من انواع ذات الرئة، ثم أنتقل بعضها ليُصبح من الأمراض الانتقالية عبر الجنس، مما يطرح الاسئلة عن سبب تبني الجسم لأمراض كهذهِ، رغمَّ أنها قد تؤدي إلى انقراض الكائنات التي تحملها؟
يجادل العلماء اليوم حول فرضية أن تكون مسألة العقم الناتج عن الإصابة بالأمراض الجنسية الانتقالية، ليس مجرد مصادفة بل هي آلية إنتخاب تم تبنيها على مدى العصور، خصوصاً وأنّ حالة العقم هي ليست من صنع الكائن المسبب للعدوى والذي لا يحتاج لغير التواجد، وَ أغلب النتاجات  المؤدية للعقم هي نتاجات الجهاز المناعي.
على الرغم من كون الأمراض المنتقلة عبر الجنس عامل مهم من عوامل الإصابة بالعقم لدى النساء، إلا أنّ أثره أقل بكثير على الرجل، ومن هنا تكون رؤية المهتمين بالتطور إلى الدور الذي لعبه الإنسان في تبني هذهِ الكائنات الإمراضية خلال عمليته التطورية، حيث أنّه لو كان الضرر الأكبر يصيب الرجل ويتسبب في تعقيمه، فهذا لن يضر عملية إنتاج الجيل الجديد، إذ سيكون بوسع المرأة دائماً الإنجاب من رجل اخر غير عقيم، لكن عدم التناظر في الضرر بين الجنسين له أبعاد تطورية معناه تعقيم الأنثى وعدم إنجاب أي طفل.

نقطة أخرى وهي أنّ الأمراض المنتقلة خلال الجنس تتميز غالباً بكونها بلا أعراض، مما يتسبب بتأخير الكشف عنها إلا بعد إحداث ضرر فعلي في مكان الإصابة، وعدم التناظر في الضرر كذلك يمكن تفسيره بإختلاف الاستثمار الجيني بين الجنسين إذ أن الرجل لديه انتاج مستمر للاجسام المنوية فيما تكون كمية البيوضة التي تنتجها المرأة ثابتاً، وتستثمر الأنثى في الأساس بالحمل، بينما لا يحتاج الذكر إلى تأكيد عملية الحمل.
هذا لا يعني أن الضرر طبعاً فقط للأنثى، فتواجد أي من تلك الكائنات في السائل المنوي للذكر يؤدي إلى قلة أعداد الحيوانات المنوية، وصعوبة حركتها مما يثبط عملية إنتاج الجيل الجديد، أو يجعلها أكثر صعوبة، لكن يندر أن يمتد الضرر لأكثر من ذلك.

من الجدير بالذكر إن العقم الناتج عن الأمراض الأخرى غير المنتقلة عبر الجنس (مثل العقم الناتج عن مرض التدرن، الجذام، البلهارزيا) يعتبر أقل أنتشاراً بكثير من العقم الناتج عن طريق الأمراض المنتقلة بالجنس.

 

المصادر:

Sexually transmitted infections (STIs)”, WHO 2017, August 2016

Dimitrova-Dikanarova, Dimitrina K., et al. “Association between Helicobacter pylori infection and the presence of anti-sperm antibodies.” Biotechnology & Biotechnological Equipment 31.1 (2017): 1-8.

Lockhart, Ann B., Peter H. Thrall, and Janis Antonovics. “Sexually transmitted diseases in animals: ecological and evolutionary implications.” Biological Reviews 71.3 (1996): 415-471.

Apari, Péter, João Dinis de Sousa, and Viktor Müller. “Why sexually transmitted infections tend to cause infertility: an evolutionary hypothesis.” PLoS pathogens 10.8 (2014): e1004111.

Koala chlamydia: The STD threatening an Australian icon – BBC News, Apr 25, 2013

Reed, David L., et al. “The evolution of infectious agents in relation to sex in animals and humans: brief discussions of some individual organisms.” Annals of the New York Academy of Sciences1230.1 (2011): 74-107.