تنتشر اليوم شركات عالمية تحاول الاستفادة من أحدث البحوث العلمية والطبية بشكل تجاري، وبالطبع لا يمكن إغفال مدى جاذبية المصطلحات الجينية والوعود بحياة طويلة وصحية بشكل حصريّ لكَ وفقاً لجيناتك، لجذب عدد أكبر من المهتمين.

الحمية الجينية  موضوع رائج هذهِ الأيام، حيث تزعم من خلالها الشركات بأن بإمكانها –بعد أن تُجري لك تحليل الحمض النووي الدنا- أن تصمم لكَ نظاماً للتغذية، نمط حياة مخصص، بل وبإمكانها حتى أن تخبركَ بما تفضله من أطعمة، فإذا كانت شركة مثل اوريغن 3 تزعم أنّها ستصمم لكَ حمية مناسبة لكَ وفقاً لجيناتك، تقوم شركة أسمها “هيلكس” ببيع النبيذ المفضل لكَ وفقاً لجيناتك بطريقة تقول الشركة أنها مثبتة علمياً.

رأي العلماء

ينظر العلماء إلى مثل هذهِ المزاعم بالكثير من التشكيك، إذ يقول روبرت غرين عالم الجينات في جامعة هارفرد “لا يزال الأمر بحاجة إلى إثبات”. دراسات قديمة كانت قد اقترحت وجود رابط بين بعض الطفرات في الجينات المرتبطة بِأيض الدهون والكربوهيدرات، وقد توصلت دراسة ايطالية لكون الاشخاص الذين يتبعون حمية مصممة خصيصاً لهم بناء على معلوماتهم الجينية يفقدون الوزن بنسبة أفضل ب33% من اولئك الذين يتبعون حمية عشوائية. لكن دراسة جديدة ضخمة لِفريق من العلماء يقودهم كريستوفر غاردنر من مركز ستانفورد للأبحاث، تعد من أكثر الدراسات دقة وصرامة في تحري مدى صحة الحميات المبنية على الفحص الجيني بعد تتبعها لمدى سنة كاملة توصلت هذهِ الدراسة إلى عدم صحة هذهِ المزاعم.

دراسة أخرى في مجلة الطب الأمريكي أوضحت أن لا علاقة بين نتائج الفحص الجيني ونجاح الحمية، إذ فقد الأشخاص أوزاناً متقاربة بغض النظر عن نوع الحمية التي اتخذوها، وإن نتائج الأشخاص الذين اتبعوا الحميات الموصوفة وفقاً لجبناتهم لم تختلف عن أولئك الذين اتبعوا حمية لا تتوافق مع فحصهم الجيني.

وأخيراً فَإن إقتراح حمية معينة أو رياضة معينة لكَ مصممة حسب مقاييس حمضك النووي، هو أمر ليسَ كما يُصور له، وكما يتمنى من يعانون من صعوبة فقدان الوزن، إذ تقول اريكا راموس الرئيسة المنتخبة للمجمع الوطني للمستشارين الجينيين، والتي تعمل بدورها باحثة في مختبر إختصاصي تدعمه شركة هليكس نفسها:

“ما أوجدته الدراسات أن الفرق في الوزن الذي تم فقده عند اعتماد حمية جينية أكثر بقليل فقط ممن لم يعتمد حمية جينية، لكن هذا لا يعني أنّك لنْ تكسب وزناً ما دمت تعتمد هذهِ الحمية الجينية، فَفقدان الوزن يعتمد على نشاطك ومقدار ما تحرق من سعرات مقارنة بما تستهلك، أكثر من اعتماده على جيناتك”.

تجارب شخصية

من التجارب الشخصية المثيرة للإهتمام تجربة فانيسا تشارلز، الصحفية المختصة بأمور التغذية والصحة التي خضعت لثلاث فحوصات من ثلاث شركات جينية مختلفة، وياللعجب كل شركة أعطتها نتائج مختلفة بل تكاد تكون مناقضة لبعضها البعض:

إحدى الشركات أخبرتها أن جسمها يعاني من صعوبة في هضم اللاكتوز، وشركة أخرى أخبرتها بالضبط أن عليها أن لا تقلق بشأن اللاكتوز لأنها ليست متحسسة منه. وأيضاً إحدى الشركات أخبرتها أن لديها جينات تؤدي بها إلى الميل بِالأفراط بالأكل، وبطء الإحساس بالشبع، بينما تٌخبرها شركة أخرى أنّها من الأشخاص قليلي الشهية، القادرين على التحكم بما يأكلونه بسهولة. شركة تقول أنّها حساسة لِملح الصوديم، الأخرى تخبرها أن جسمها ليس حساساً للملح!

سبب الأخطاء

  فك جينات الشخص هو أمر ليس بهذهِ الصعوبة، لكن مصدر الخطأ هو ترجمة تلك البيانات الى وقائع، صحيح أن الجينات المختصة بِالوزن والسمنة تمت معرفتها، لكن عن قريب فقط، ولم يستطع العلماء بعد إيجاد طريقة للإفادة من هذهِ المعلومات. وإذ تعتمد الشركات في مزاعمها على بحوث، لكنّها في الغالب بحوث صغيرة الحجم، وما ينطبق إحصائياً على مجموعة من البشر، لا ينطبق بالضرورة على الأفراد كلهم. كما أن هذهِ البحوث لم يتم تكرار نتائجها في أكثر من بحث ليتم التأكد من صحتها، والسبب أن تمويل بحوث كبيرة في هذا المجال هو أمر مُكلفُ للغاية، لذا لا تحصل المختبرات التي تود تأكيد تلك النتائج أو رفضها على المال لتمويلها، وفي الواقع يفضل العلماء استخدام المال في بحوث أكثر جدية من موضوع الحمية والوزن، وتحديد نوع النبيذ المفضل لشخص ما! والشركات التجارية العاملة في هذا المجال لا تمول أمثال تلك البحوث الجادة، بسبب الكلفة العالية أولاً، وبسبب الخوف من أن لا توافق النتائج مزاجهم، فيتسبب لهم الأمر بخسارة كبيرة.

كما أنه من المهم الإشارة  لمسألة مهمة في موضوع الجينات: وهو أن حصولك على جين ممرض لا يعني بالضرورة إصابتك بالمرض. وأيضاً مسألة كونك في خطر للاصابة بمرض معين، لا يجزم بكونك ستصاب بهِ بالفعل.

المصادر:

ROBBIE GONZALEZ, “YOU DON’T NEED A PERSONAL GENETICS TEST TO TAKE CHARGE OF YOUR HEALTH”, wired.com, 02.21.18

Can a home DNA test kit help me lose weight?”, bbc.com

Sarah Klein, “Can a DNA Test Really Pinpoint Your Perfect Diet and Workout? Here’s What Science Says”, health.com

Vanessa Chalmers, “I took three DNA genetic tests for diet and fitness and got three VERY different results”, healthista.com, February 06, 2018