عند نشر هذه الدراسة لأول مرة في 12 أكتوبر 2015، تعرضت أساليب الدراسة إلى كثير من الانتقادات من قبل الباحثين. ومن المنتقدين كان أندرو غيلمان (Andrew Gelman)، من جامعة كولومبيا في نيويورك، حيث قال إن نتائج الدراسة غير صحيحة من ناحية الدلالة الإحصائية. ورد توك نيجان (Tuck Ngun) الباحث المساعد من جامعة كاليفورنيا في لوس انجلوس، على الانتقادات والانتقادات الإحصائية الأخرى. على الرغم من أنه اعترف بأن الانتقادات الأخرى أضعفت دراسته. وقال أنه لم يجعل التفاصيل الأخرى لتحليله متاحة بعد، لكنه مع معاونيه سيصدرون بيانا.

الأسئلة المتعلقة بالميول الجنسية للأحياء أكثر إرباكا في علم الوراثة البشرية، لكونها مشحونة سياسياً. وللمرة الأولى يجد الباحثون ارتباطا بين المثلية وعوامل جينية على الحمض النووي والتي تتأثر بالعوامل البيئية.

فالدراسة على التوائم وشجرة العائلة تقدم أدلة قوية على أن التوجه الجنسي هو على الأقل وراثي بشكل جزئي. فعندما يكون أحد التوائم مثلي الجنس، يكون هنالك احتمال 20% أن يكون الطرف الأخرى مثلي أيضا. ولكن هذا المعدل لا يتكرر 100% ويعتقد أن العوامل البيئية تلعب دوراً أيضا. وأفضل وصف لهذا هو “تأثير الأخ الأكبر” (older brother effect): والذي يقترح أن احتمالية كون الرجل مثلي الجنس تزداد بنسبة 33% لكل أخ أكبر لديه. والسبب غير واضح، على الرغم من أن هنالك فرضية واحدة تقول، أن الجهاز المناعي للأم يبدأ بالتفاعل ضد المستضدات الذكورية، ويغير وضع الجنين.

وقام اريك فيلاين (Eric Vilain) من جامعة كاليفورنيا في لوس انجلوس وزملاءه بفحص المؤشرات الجينية، للبحث عن العوامل التي تتوسط العلاقة بين البيئة والجينات والوراثة، فالتغيرات الكيميائية في الحمض النووي تؤثر على الكيفية التي تعبر بها الجينات وليس على المعلومات التي تحتويها. وهذه العلامات الوراثية يمكن أيضا أن تتأثر بالعوامل البيئية، مثل التدخين. ولا يتم مشاركتها دائما بين التوائم.

جمع الباحثون عينات من الحمض النووي في لعاب 37 زوج من التوائم المتطابقة، كان أحدهم فقط مثلي الجنس، و10 أزواج من التوائم المتطابقة كلاهما مثلي الجنس. وعن طريق مسح العلامات الجينية للتوائم، وجد الباحثون خمسة علامات جينية أكثر شيوعا من غيرها في الرجال مثليي الجنس من الإخوة المتطابقين وراثيا. وقد تم وضع خوارزمية على أساس خمس علامات جينية بحيث يمكنها التنبؤ بالتوجه الجنسي وبشكل صحيح لحوالي 67% من الرجال الذين شملتهم الدراسة. وعالم الوراثة توك نيجان سوف يقدم الدراسة في الجمعية الامريكية لعلم الوراثة البشرية والاجتماع في بالتيمور في ماريلاند.

ويقول فيلاين أنه ليس مستغربا أن نجد ارتباط بين علم التخلق (epigenetics) والتوجه الجنسي، على الرغم من أنه هنالك من يقول أن من السابق لأوانه محاولة الربط المباشر بين العوامل الوراثية والتعرض لعوامل بيئية معينة أو التعبير عن جين معين. ويقول نيجان أن الباحثين يريدون تكرار الدراسة على عدد من الرجال غيريي الجنس والمتنوعين جنسيا. وقد وجدت الجمعيات أن الدراسات الصغيرة يمكن أن تظهر نتائج مختلفة عند إجراءها على عينات كبيرة.

المجهول في البيولوجيا

يعترف فيلاين أن هنالك قصور في الدراسة، على سبيل المثال العلامات الجينية تختلف بين الأنسجة في الجسم، وربما الموجودة في الدماغ هي الأقرب للميول الجنسية.

لكن الباحثين رحبوا بإضافة البيانات الضئيلة والخاصة بالتوجه الجنسي للأحياء. وقال عالم الوراثة ألان ساندرز (Alan Sanders) من معهد بحوث نورث شور في إيفانستون، إلينوي، أنه “لدينا وبكل تأكيد القدرة على إضافة بعض المعرفة”.

كما يحذر الباحثون من المعلومات القليلة التي تقدمها المجموعات الجينية بخصوص آليات التوجه الجنسي، لأننا لا نتمكن سوى استخلاص القليل من مواقع العوامل الجينية. حيث ترتبط أحدها مع جينات الجهاز المناعي، والثانية مع نمو المخ. بينما الثلاثة الباقية تقع في مناطق من الحمض النووي والتي لا ترتبط مع أي جينات.

ويقول عالم الوراثة التطورية في جامعة كاليفورنيا في سانتا باربرا، وليام رايس (William Rice)، أنه “نحن نعلم بأن (جين المثلية) ليس موجوداً”. ويضيف أنه إذا كان هنالك جين للمثلية الجنسية فإنه سيظهر في واحدة من الدراسات الكبيرة التي تفحص الجينوم بالكامل وتجد المتغيرات المشتركة لدى الأشخاص مثليي الجنس. وكانت أكبر دراسة أجريت على 409 زوج من الأخوة مثليي الجنس، وكان من ضمنهم بعض التوائم الغير متطابقين. ووجد الباحثون أن الرجال المثليين مشتركين في منطقتين من الجينوم: كروموسوم X وكروموسوم 83. ولكن ساندرز يقول أنه وزملاءه لا يزالون يحاولون إيجاد وتحديد جينات معينة أو المكونات الأخرى في هذه المناطق والتي يمكن أن تساهم في التوجه الجنسي.

ويقول رايس أن الباحثون يرغبون في تحديد الأهمية البيولوجية لهذه المجموعات الجينية، فالكثير منا يرغبون في معرفة المزيد عن جذور ميولهم الجنسي. وأضاف “عندما يتم تطوير علم الأحياء، يمكننا على الأقل فهمه”.

تعقيب بعد 4 سنوات

بعد أربعة سنوات من نشر هذا المقال المترجم من موقع نيتشر (Nature) ينتشر اليوم في أغسطس 2019 خبر آخر حول دراسة ذات عينة أكبر تغاير نتائج الدراسة السابقة والمنشورة في عام 2015. الدراسة الحديثة منشورة في مجلة ساينس (Science) والعينة فيها تصل إلى 500 الف شخص. تصرح الدراسة أنه لا يوجد أثر لجين محدد على السلوك الجنسي وتضيف الباحثة الرئيسية في الدراسة اندريا غانا (Andrea Ganna) أنه “لا يوجد جين مثلي”. وتضيف الباحثة أن 25% من السلوك الجنسي يمكن عزوه لعوامل وراثية، أما الباقي فهو نتاج للعوامل البيئية والثقافية.

المصادر:

Reardon, S. (2015, October 8). Epigenetic ‘tags’ linked to homosexuality in men. Retrieved February 16, 2017

Jonathan Lambert, “No ‘gay gene’: Massive study homes in on genetic basis of human sexuality“, Nature, 29 AUGUST 2019