ما الذي يمكن ان يسببه ارتفاع درجة الحرارة في أجسادنا، هل يؤثر ذلك على كيمياء الدم و بالتالي على حالتنا النفسية؟ هل أنت في الجو الحار تماما كما انت في الجو البارد؟ ما تأثير الجو على نمو أجسامنا و استجابتنا  لمختلف التغيرات التي تحدث في الوسط الذي نعيش فيه؟ أقيمت العديد من الدراسات لمعرفة تأثير ارتفاع درجة الحرارة على الهرمونات التي تجري في الدم، فما هو تأثير الطقس الحار على هذه الهرمونات؟

التوتر لدى الفئران تحت الجو الحار

خلال دراسة التوتر وعلاقته بدرجة الحرارة في مجاميع من ذكور الفئران، تم قياس درجة حرارة هذه الفئران على التعاقب و بفاصل زمني مقداره دقيقة بين قياس فأر وآخر، وجد ان درجة حرارة الفئران التي تقاس آخراً  قد ازدادت بمقدار 1.5°C اكثر من الفئران المقاسة درجة حرارتها اولا، نتيجة للتوتر الذي تسبب بارتفاع درجة الحرارة. حيث وجد ان ارتفاع درجة الحرارة بسبب التوتر يرافقه زيادة في الهرمون المحفز لقشرة الكظر، هورمون الكورتيكوستيرون وارتفاع نسبة الجلوكوز في بلازما الدم. واوضحت الدراسة ان هناك زيادة متزامنة للحرارة و هرمونات التوتر في بلازما الدم مما يعني أن ارتفاع الحرارة يؤدي الى اضطراب وتوتر في الجسم، هذه العلاقة المتزامنة بين الحرارة و التوتر يمكن ان تستخدم في دراسة خصائص بعض العلاجات التي يتم تجربتها لعلاج التوتر.

تأثير درجة الحرارة على الانسولين، هورمون النمو والغلوكاغون

اقيمت دراسة لغرض معرفة تأثير ارتفاع درجة الحرارة (Hyperthermia) على تراكيز بعض الهرمونات في المجرى الدموي، حيث أقيمت الدراسة على ثمانية رجال متطوعين ذوي صحة جيدة تم وضعهم في حوض ماء ساخن بدرجة حرارة °C  39.5، و هناك مجموعة اخرى تم وضعهم في ماء معتدل تقريبا بدرجة حرارة °C 34.5، تم أخذ عينات دم قبل التجربة وعند درجة حرارة °C 38 ، أثناء السخونة °C 39، عند °C 39.5 ، بعد ساعة من إخراجهم من الحوض و كذلك بعد ساعتين.

اما المجموعة الاخرى تم أخذ عينات من دمهم بنفس الاوقات لغرض المقارنة، حيث وجد ان تركيز هرمون النمو ارتفع أضعافاً عند درجة حرارة °C 38 وبلغ اعلى ارتفاع له عند درجة °C 39 بينما هبط تركيزه عند °C 39.5 و ايضا هبط كثيرا بعد ساعة من إخراجهم من حوض الماء الساخن.

أما الاندورفين فارتفع عشرات المراتعند درجة °C 39  وايضا عند °C 39.5 ، مستويات الكلوكاكون ايضا ارتفعت في درجة حرارة °C 39 و °C 39.5 ، أما تركيز الانسولين لم يتأثر بدرجة الحرارة، في حين ازداد سكر الجلوكوز في الدم ازداد عند درجة °C 39 و °C 39.5 . وتم التوصل إلى ان ارتفاع درجة الحرارة يتسبب في ارتفاع تركيز العديد من هورمونات المجرى الدموي.

قد تشير نتائج هذه الدراسة حول هورمون النمو إلى حقائق كثيرة حول دور هورمون النمو ولا يعني ذلك أن نسقط الأمر مباشرة على سن البلوغ وأعمار الأشخاص لكن في مجالات طبية عديدة. فيما يتعلق بسن البلوغ فقد أثبتت احدى الدراسات أن الأمر لم يكن مؤثراً لاسيما بعد مقارنة سن بلوغ مئات الفتيات بين نيجيريا وبريطانيا التي كانت ذات سن أبكر في البلوغ من نيجيريا.

أما فيما يتعلق بالجلوكاجون، فقد ترشدنا النتائج إلى مزيد من الحقائق حول دور الحر في واقع مرضى السكري بنوعيه. أيضاً تدل زيادة الاندروفين تحت الحرارة العالية على دور الحرارة العالية بشكل ما في تخفيض الألم وإن كان لفترة محددة.

تأثر الهورمونات بارتفاع درجة حرارة الجسد الناتجة من التمارين الرياضية

أقيمت العديد من الدراسات لمعرفة تأثير ارتفاع درجة حرارة الجسم خلال التمارين الرياضية على تركيز الهرمونات في المجرى الدموي، حيث تم دراسة العلاقة بين تنظيم درجة الحرارة و هرمونات النمو خلال تمارين مكثفة عند درجة حرارة °C 23 لمدة ساعتين مع امكانية التحكم بدرجة حرارة المحيط و زيادتها الى °C 40 من خلال التحكم بتيار الهواء في مكان الاختبار، وقد وجد ان هناك علاقة أسية بين ارتفاع درجة الحرارة وهرمون النمو والبرولاكتين (يسمى هورمون الحليب وله دور في خفض هورموني الاستروجين والهورمون الذكري) والكاتيكولامين (هورمون القتال أو الهرب، يصدر في حالات التوتر) في بلازما الدم خلال التمارين الرياضية، ايضا تم دراسة تأثير تمارين التحمل (العاب القوى)  على الهورمونات و استجابة كريات الدم البيض مع التحكم بدرجة الحرارة من خلال وضع الأشخاص في حوض ماء ساخن مرة وحوض ماء بارد في مرة اخرى، تم التوصل مجددا إلى وجود علاقة أسية بين ارتفاع درجة الحرارة والاستجابة الهرمونية، حيث اتضح ان درجة حرارة الوسط له تأثير واضح على استجابة الهرمونات والكريات البيض خلال التمرين مما يعني ان هذه الاستجابة للهرمونات والكريات البيض خلال التمرين يمكن التحكم بها من خلال درجة حرارة الوسط المحيط.

التأثيرات الأيضية والهرمونية لارتفاع درجة الحرارة في الإنسان

تم دراسة تأثير ارتفاع الحرارة على الفعاليات الايضية خلال بعض حالات الضغط مثل العدوى، الدراسة تمت على ستة رجال، ثلاثة وضعوا في حوض ماء ساخن و ثلاثة وضعوا في حوض ماء معتدل لفترة استمرت 3 ساعات، الرجال الذين وضعوا في ماء ساخن ارتفعت درجة حرارتهم مع ارتفاع ملحوظ في هرمونات النمو، هرمون الأدرينالين، الغلوكاغون والكورتيزول مع ارتفاع بسيط في تركيز هرمون الانسولين، ايضا كان ارتفاع درجة الحرارة مصحوباً بارتفاع مستوى الاحماض الامينية الحرة، مركب 3-هايدروكسيبيوتاريت، الكليسيرول و اللاكتيت، بينما سكر الكلوكوز في الدم بقي بدون تغير في حين مستوى الالانين انخفض بارتفاع درجة الحرارة. خلال ارتفاع الحرارة في الجسم تم اختبار تحمل الجلوكوز في المرحلة الاولى و استجابة هرمون الإنسولين في المرحلة الثانية و تم التوصل إلى ان التغييرات التي تحدث خلال ارتفاع درجة الحرارة تشابه التغييرات الحادثة خلال الفعاليات الايضية و التغييرات الهرمونية التي تحدث عند حالات العدوى البسيطة، مما يعطينا طريقا آخر لدراسة هذه التغييرات.

هرمون النمو، الهرمون المحفز للغدة الدرقية والهرمون المحفز لقشرة الكظر تحت ارتفاع درجة الحرارة:

تم دراسة تأثير ارتفاع درجة الحرارة على الغدة النخامية، حيث تمت الدراسة على خمسة أشخاص تم وضعهم في قاعة وتعريضهم لهواء حار (لمدة ساعتين بدرجة حرارة °C 50 ) حيث تم قياس هرمون النمو، الهرمون المحفز لقشرة الكظر، البرولاكتين و الهرمون المحفز للغدة الدرقية حيث تقاس هذه الهرمونات كل 10 دقائق من زمن التجربة،  عند ارتفاع درجة حرارة الجسم لوحظ ارتفاع في مستوى هرمون النمو و وصل الى اقصى ارتفاع له بعد 80 دقيقة من وجود الحرارة ثم بعد ذلك انخفض مع قرب نهاية زمن التجربة، الارتفاع الاقصى في التركيز كان مختلف من شخص لاخر، بينما لم يكن هناك اختلاف ملحوظ في مستوى هرمون البرولاكتين، الهرمون المحفز لقشرة الكظر والهرمون المحفز للغدة الدرقية خلال فترة التجربة، هذه النتائج تشير إلى ان عملية افراز هرمون النمو أكثر حساسية للحرارة من غيرها من إفرازات الغدة النخامية.
التغير في تركيز الهرمونات في المجري الدموي نتيجة لارتفاع درجة الحرارة يعكس طبيعة العلاقة بين الانسان و البيئة التي يعيش فيها، و ما يمكن للمناخ ان يظهره من تأثير على نمو الجسم البشري، بالاضافة الى تأثير الجو على البنية الجسدية للإنسان فإن له تأثير واضح على فعالياته ونشاطاته المختلفة و ايضا ما يسببه من توتر واضطراب في النفس البشرية خاصة عند ارتفاع درجة الحرارة مما قد يؤدي الى إظهار سلوك أكثر توترا في كثير من الأحيان. منذ زمن بعيد كان الجو عاملا رئيسيا في الهجرة البشرية من مكان الى اخر بحثا عن اجواء اكثر تناسبا مع الفعاليات الطبيعية للبشر و هذا يعكس طبيعة العلاقة الواضحة بينه و بين المناخ. مع الأخذ بعين الاعتبار تأثير درجة الحرارة على الجسم و تقليل هذا التأثير من خلال تعويض سوائل الجسم وعدم التعرض المباشر لاشعة الشمس، كما ان استخدام تقنيات التبريد و غيرها من الامور الاحتياطية ادت دورا هاما في سير الفعاليات الطبيعية و النشاطات البشرية اليومية في وقتنا الحاضر .
ملاحظة:

كما أسلفنا مع تأثيرات بعض الهورمونات فإن الاطلاع على هذه التأثيرات لا يعني بأي شكل أنها قد تكون كما نتصور فليس بالضرورة أن تؤدي التركيزات الهورمونية الواردة في الدراسات هذه وللفترات المذكورة تأثيراً متوقعاً مثل زيادة النمو في حالة هورمون النمو، او تقليل الشهوة الجنسية في حالة زيادة البرولاكتين. فالهورمونات تعمل بتناغم مع بعضها ومع التأثيرات الأخرى في الجسد ويتطلب فهم تأثير هورمون معين فهماً كاملاً ببقية الظروف. الهدف من المقال هو إيضاح أثر الحرارة وأبعاد ذلك الأثر دون إسهاب في قياس مقداره أو تأثيراته الدقيقة على أعضاء وعمل الجسم.


المصادر:

Groenink, Lucianne, et al. “Stress-induced hyperthermia in mice: hormonal correlates.” Physiology & behavior 56.4 (1994): 747-749.

Kappel, M., et al. “The response on glucoregulatory hormones of in vivo whole body hyperthermia.” International journal of hyperthermia 13.4 (1997): 413-421.

Radomski, M. W., M. Cross, and A. Buguet. “Exercise-induced hyperthermia and hormonal responses to exercise.Canadian journal of physiology and pharmacology 76.5 (1998): 547-552.

Møller, N., et al. “Metabolic and hormonal responses to exogenous hyperthermia in man.” Clinical endocrinology 30.6 (1989): 651-660.

Ellis, Richard WB. “Age of puberty in the tropics.” British Medical Journal 1.4645 (1950): 85.