بالرغم من اكتشافه عام ١٨٩٧ بواسطة فِليكس هوفمان الذي كان يعمل حينئذ لدى شركة باير، فإنَّ الخواص الدوائية للأسبرين لا تزال تبهرنا. في الواقع، تمتد قصة اكتشاف الأسبرين لأكثر من ٣٥٠٠ سنة مضت، حيث اُسْتُخدِم لحاء شجرة الصِّفصاف كمُسكِّن للألم وخافِض للحرارة. آخر تلك التأثيرات هي دور للاسبرين حول السرطان.

لمحة تاريخية

أدرك المصريون القدماء والآشوريون التأثير المُسكِّن لآلام المفاصل لأوراق الصِّفصاف والآس عند غليهما. بل واقترح أبقراط مضغ أوراق الصِّفصاف لتسكين الألم أثناء الولادة. آتت لدينا أقدم الأدلة على استخدام أوراق ولحاء شجرة الصِّفصاف كمُسكِّن للألم وخافض للحرارة مصادفةً عندما قام التاجر الأمريكي إدوين سميث (١٨٢٢ ١٩٠٦) الذي كان يعيش في القاهرة، بشراء زوج من المخطوطات القديمة مجهولة المصدر. تعود تلك المخطوطات، والتي تُعتبَر حالياً من بين أهم الوثائق التاريخية في الطب، لحوالي ١٥٠٠ سنة قبل الميلاد. تُعرَف إحدى هذه المخطوطات باسم «البردية الجراحية لإدوين سميث» وتصف بالتفصيل ٤٨ حالة جراحية من الإصابات والكسوروالجروح والخلع والأورام وكيفية علاجها. بينما تُعرَف الأخرى حالياً باسم «بردية إبيرس»، تُعتبَر هذه البردية سِجلاً لحوالي ١٦٠ نوعاً من العلاجات العشبية والنَّباتية. وبالطبع، فإنَّ أحد هذه العلاجات العشبية هو استخدام الصِّفصاف لعلاج الآلام. 

اكتشاف الأسبرين

لم يتم اكتشاف العنصر الفعال في لحاء الصِّفصاف حتى عام ١٨٢٨، عندما قام يوهان بوخنر (١٧٨٣ ١٨٥٢) بتحويل لحاء الصِّفصاف إلى بلورات صفراء وأطلق عليها اسم «ساليسين» (نسبة إلى جنس شجرة الصَّفصاف «ساليكس»). وقد تم تنقيح الناتج أولاً بواسطة بيير جوزيف ليرو عام ١٨٢٩ في فرنسا، ثم مرة أخرى بواسطة رافائيل بيريا عام ١٨٣٨ والذي أنتج مُركَّباً أقوى من البلَّورات المستخلصة من لحاء الصِّفصاف، وأطلق عليها «حمض السَّاليسيليك».

ولكنْ مع شيوع مضاعفات التهاب المعدة نتيجة استخدام السَّاليسين، وعزوف البعض عنه، قرر آرثر أيشنغرون (رئيس قسم الأدوية بشركة باير، والمسئول عن تطوير أدوية جديدة) تطوير نوعاً مشتقاً من السَّاليسين وحمض السَّاليسيليك لا يُسبِّب التهاباً أو تهيجاً للمعدة. وقد خصص لهذة المهمة فليكس هوفمان الذي درس الكيمياء الدوائية بجامعة ميونيخ. شرع هوفمان في محاولة تعديل حمض السَّاليسيليك الذي استخلصه من شجرة إِكْلِيلِيَّة المُرُوج، وقد نجح في النهاية في الوصول إلى حمض أسيتيل السَّاليسيليك (أي الأسبرين).

ومنذ ذلك الحين، عكف العديد من العلماء على اكتشاف الخواص الدوائية وآليات عمل الأسبرين. ففي عام ١٩٦٧، تم اكتشاف أنَّ الأسبرين يمنع (أي يُثبِّط) وظيفة الصَّفائح الدموية، بل ويقلل من إنتاج الثُّرومبوكسان والذي له تأثير مُخثِّر للدم في عام ١٩٧٥. وفي العام التالي، ثَبُتَ أنَّ الأسبرين يُثبِّط عمل إنزيمات الأكسدة الحلقية، وذلك بعد اكتشاف تأثيره المُثبِّط لإنتاج البروستاغلاندين في عام ١٩٧١. وقد ثَبُتَ فاعلية الأسبرين في الوقاية الثَّانوية من السكتات الدماغية عام ١٩٨٧، بالإضافة إلى الوقاية الثانوية من احتشاء عضلة القلب في عام ١٩٨٨، وأخيراً الوقاية الأولية من مرض كَثْرَةُ الحُمْرِ الحَقيقِيَّة في عام ٢٠٠٤. وقد أشارت أولى الأدلة في عام ٢٠١٠ إلى احتمالية استخدام الأسبرين للوقاية من سرطان الأمعاء.

 تناول الأسبرين والسَّرطان

هدفت الدراسة التي نحن بصدد الاطلاع عليها إلى تقييم فاعلية الجرعة اليومية المنخفضة من الأسبرين (١٠٠ مجم) في تقليل مخاطر الإصابة بالأمراض لدى كبار السن (الذين يبلغون ٧٠ عاماً فما فوق). شَمَلَت هذه الدراسة ١٩١١٤ شخصاً من أستراليا والولايات المتحدة تم تقسيمهم عشوائياً إلى مجموعتيْن: المجموعة الأولى، تَضمَّنت ٩٥٢٥ شخصاً، تلقت جرعة منخفضة من الأسبرين، والمجموعة الثانية (٩٥٨٩ شخصاً) تلقوا البلاسيبو (دواءً وهمياً لا يحتوي على أي مادة فعالة). لم يُعانِ هؤلاء الأشخاص من أمراض القلب والأوعية الدموية، أو الخرف، بل ولم تكن لديهم أي إعاقة جسدية عند بداية التجربة، وقد تم متابعتم على مدار حوالي ٤٬٧ سنوات. 

يَجْدر الإشارة أنَّه لم يتم استبعاد المرضى الذين امتلكوا تاريخاً سابقاً للإصابة بالسَّرطان من التجربة، بل ولقد كان ١٩٪ من المُشاركين مصابين به. بالرغم من ذلك، فقد توجب على جميع المشاركين أنْ يكونوا في صحة جيدة وغير مصابين بأية أمراضٍ رئيسيةٍ، ومن المتوقع أنْ يظلوا على قيد الحياة لمدة ٥ سنوات على الأقل.

بالرَّغم من أنَّه لم يكن هنالك أيَّ اختلاف في معدل الإصابة بالسَّرطان بين المجموعتيْن، فقد امتلكت المجموعة التي تلقت الأسبرين معدل وفيات مرتفع نتيجة الإصابة بالسرطان، والذي أضحى واضحاً بعد مرور ٣ سنوات على التجربة. حيث ارتبط تناول الأسبرين بزيادة خطر انتشار السَّرطان، أو تشخيصه في المرحلة الرابعة، بالإضافة إلى زيادة خطر الوفاة من السرطان في المرحلة الثَّالثة. وبالتالي، فقد يُسرِّع الأسبرين من تطور السَّرطان. 

تتناقض نتائج هذه الدراسة مع نتائج التجارب والأبحاث السَّابقة التي تم إجرائها على فئة عمرية أصغر (تتراوح أعمارهم بين ٥٠ ٥٩ عاماً). حيث أظهرت أنَّ هؤلاء الأشخاص الذين تلقوا جرعة يومية منخفِضة من الأسبرين انخفضت لديهم معدلات الإصابة والوفاة من السرطان، وبخاصة سرطان القولون والمستقيم. مما قاد فريق عمل الخدمات الوقائية بالولايات المتحدة في عام ٢٠١٦ بأنْ يُوصي بتناول جرعة يومية منخفضة من الأسبرين للوقاية الأولية من أمراض القلب والأوعية الدموية وسرطان القولون والمستقيم في الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين ٥٠ ٥٩ عاماً، والذين يمتلكون معدل للإصابة يزيد عن ١٠٪ للإصابة بأحد أمراض القلب والأوعية الدموية في خلال عشر سنوات. وبالرغم من ذلك، فلم يكن هنالك دليلاً كافياً لتطبيق هذ التوصية على كبار السن ومن تزيد أعمارهم عن ٧٠ عاماً.

يقترح القائمون على الدراسة إلى احتمالية امتلاك الأسبرين لآليات جزيئية وخلوية مختلفة في كبار السن (الذين يبلغون ٧٠ عاماً فما فوق) تُعزِّز من فرص تطور السَّرطان وانتشاره. فمثلاً، قد يقوم الأسبرين بكبح الاستجابات المناعية المضادة للسَّرطان في هذه الفئة العمرية، والضرورية للغاية في منع انتشار السَّرطان وتطوره للمراحل المتقدمة، إذا أخذنا في الاعتبار أنَّ هذه الاستجابة تَضعف فعلياً بالتَّقدُّم في السِّن. 

المصادر

McNeil, J. J., Gibbs, , *P., Orchard, S. G., Lockery, J. E., Bernstein, W. B., Cao, Y., Ford, L., Haydon, A., Kirpach, B., Macrae, F., McLean, C., Millar, J., Murray, A. M., Nelson, M. R., Polekhina, G., Reid, C. M., Richmond, E., Rodríguez, L. M., Shah, R. C., … Chan, A. T. (2020). Effect of aspirin on cancer incidence and mortality in older adults. JNCI: Journal of the National Cancer Institute, 113(3), 258–265. https://doi.org/10.1093/jnci/djaa114 

 Desborough, M. J., & Keeling, D. M. (2017). The aspirin story – from willow to wonder drug. British Journal of Haematology, 177(5), 674–683. https://doi.org/10.1111/bjh.14520