التجربة الشخصية في الصحة هي عملية يقوم بها شخص واحد ويقوم بإجراء التجربة على نفسه ليثبت فعالية مادة معينة، أو ليدرس تأثير متغيرات معينة في حياته اليومية وليحصل على نتائج أفضل. وهي أمر مثير للجدل وقد لا يكون خياراً صحيحاً في كثير من الحالات المرضية وحالات تجربة تأثير بعض المواد على الصحة. قد يرفض كثير من الأطباء ومختصي الصحة، لكنها في الوقت نفسه أمر نعلم أن الكثيرين منا يقومون به وغالباً لعدم وجود وسيلة أخرى سواه، أو لأننا فقط نرغب بتجريب أشياء جديدة غير خطيرة. نتائج التجربة الشخصية الناقصة أو الخاطئة هي أفكار مغلوطة عن الجسد والصحة، ومن ثم انتشار تلك الأفكار بين الناس بعد الحديث عنها كما كانت وما زالت الخرافات والأفكار الخاطئة تنتشر بين الناس.

سنغطي هذا المقال بأمثلة حول حالات عديدة منها مرض السكري الذي يعد أحد أهم الحالات المرضية التي يقر كثير من الأطباء فيها بوجود بعد هام للتجربة الشخصية في ضبط السيطرة على المرض، وسنغطي أيضاً امثلة لمعالجة القشرة وبناء الاجسام. سنتناول شروط التجربة الشخصية أولاً ثم المحاذير المرتبطة بها وبكل شرط من تلك الشروط والخيط الفاصل بين انتاج فكرة خاطئة والتوصل لفكرة صحيحة.

وقبل البدء نذكر مثالين نستشهد بهما مع شرح الشروط والمحاذير:

المثال الأول:

يظن الشخص (س) أن الليمون سيعالج قشرة الرأس لديه بعد أن سمع أن ذلك الأمر نجح مع صديقه الذي قال له إن الاغتسال بماء حار جداً ومن ثم القاء عصير الليمون على الرأس سيؤدي إلى زوال قشرة الرأس مع شرط القيام بذلك يومياً. ولا يهم ما هي المواد التي يستخدمها لغسل رأسه من صابون أو شامبو لكن عليه أن يقوم بهذا الاجراء معها.

المثال الثاني:

يعاني الشخص (ص) من داء السكري من النوع الأول (أي الذي لا تنتج فيه خلايا البنكرياس الانسولين). لديه الكثير من المتغيرات التي يتعامل معها ليقوم باحتساب الجرعة المطلوبة والتي تقاس بعدد غرامات الكاربوهيدرات مقابل وحدات الانسولين سريع المفعول. تؤثر متغيرات مثل نوع الطعام، الرياضة التي قام بها في اليوم نفسه، الوقت خلال اليوم (صباحاً، ظهراً، عصراً، مساءاً) على مقدار الجرعة. وهو يعتقد أن الجرعة التي يأخذها هي جرعة كافية وصحيحة اذ يقوم بأخذ وحدة انسولين واحدة لكل خمسة غرامات من الكاربوهيدرات طيلة اليوم، لكنه يعاني من حالات نقص سكر الدم في أوقات معينة في المساء. هذا ما لاحظه الطبيب الذي نصحه بالقيام بتجربة شخصية حول جرعات الانسولين التي يأخذها للمساء بتقليل الجرعة الى وحدة واحدة لكل عشر غرامات من الكاربوهيدرات. (ص) يستخدم دليلاً للمكونات الغذائية وميزاناً للطعام ليساعده في احتساب الكاربوهيدرات لكل وجبة.

جهاز لفحص نسبة السكر في الدم

جهاز لفحص نسبة السكر في الدم

المثال الثالث:

سمع الشخص (ع) عن تأثير بروتين مصل اللبن على البناء العضلي، قيل له أنه سيكتسب بنية عضلية مختلفة تماما فيما لو بدأ بأخذ أربعة وحدات منه يومياً (أربعة ملاعق كبيرة خاصة بعلب بروتين مصل اللبن)، وأنه سيرى النتائج خلال أربعة أشهر. الشخص (ع) كان يمارس بناء الأجسام لستة أشهر سابقة وكان يسجل خلالها وزنه وعرض ذراعه بشريط القياس لكل شهر خلال تلك الفترة.

شروط التجربة الشخصية

أجهزة القياس ووحدات القياس

للقيام بالتجربة الشخصية يجب أن تكون هناك آلية للقياس، قد تكون جهازاً يستطيع المريض استخدامه، وقد تكون فحصاً مختبرياً يستطيع اجراءه كل فترة بالتوجه الى المختبر، وقد تكون آلية بسيطة مثل معدات قياس الوزن أو اشرطة قياس الطول. ويجب أن يكون لآليات القياس وحدات قياس واضحة يمكن تدوينها. في ابسط الحالات يُمكن أن يكون القياس بحضور الظاهرة أو غيابها (مثل قشرة الرأس). لا يُمكن أن تعتمد العملية على الإحساس الشخصي، أو ما يراه الآخرون (تخبرك أمك أنك تبدو أنحف الآن مثلاً).

في المثالين أعلاه، ستكون آلية القياس للشخص (س) هي وجود قشرة الرأس أو عدم وجودها. أما للشخص (ص) فسيكون جهاز فحص السكري المتوفر لدى المريض (ص) هو آلية القياس. لا توجد وحدة قياس لدى الشخص (س)، بينما توجد مقاييس واضحة لكل المتغيرات لدى الشخص (ص). أما الشخص (ع) فعليه أن يستمر بقياسه المعتمد، وربما عليه أن يقوم بقياس الكتلة العضلية الذي له معادلة خاصة.

 

تدوين النتائج بشكل منتظم

لا قيمة للقياسات الدورية التي يجريها الشخص ما لم يقم بتدوينها لكي يطلع عليها، أو يقوم بتحليلها أو بعرضها على المختصين. تدوين النتائج يجب أن يكون بشكل منتظم ولجميع المرات. يجب أن تذكر التواريخ، وفي بعض الحالات أن تذكر ملاحظات حول بعض التغيرات التي حدثت في ظروف التجربة.

في المثال الأول، سيرى الشخص إن كانت القشرة ما زالت موجودة أم لا، لكل فترة، وقد تكون الفترة هذه ثلاثة أيام أو أسبوع، وسيقوم بالاجراء بينما يكون شعره جافاً وسيقوم بتدوين ذلك مع التواريخ. أما في المثال الثاني، فسيقوم الشخص بفحص سكر الدم بأوقات محددة في المساء (حيث كان يعاني من نقص سكر الدم) وسيقوم بتسجيل النتائج مع مقادير الطعام الذي تناوله (بوحدات الكاربوهيدرات)، الملاحظات ستدون أيضاً في حال قيامه بأي نشاط رياضي، فضلاً عن تدوين بقية الوجبات والقياسات وجرعات الانسولين للفترات الأخرى. جدول تدوين المعلومات اليومية للسكري معروف لدى المختصين وكثير من مرضى السكري من النوع الأول وهو يبدو كالآتي (الجدول ليوم واحد):

القيم الوقت الوقت الوقت الوقت
الانسولين سريع المفعول
الانسولين الأساسي
عدد غرامات الكاربوهيدرات
قراءة السكر
مقدار الجرعة التصحيحية
ملاحظات  اخرى

 

ليس هذا الجدول ثابتاً تماماً فهو يعتمد على ما يقترحه الطبيب، أحياناً تضاف الجرعة التصحيحية ضمن قيمة الانسولين سريع المفعول مع كتابتها بشكل منفصل (3 (للطعام) + 2 (تصحيحية)) على سبيل المثال. واحيانا يكون لها حقل خاص بها.

اما المثال الثالث، فالتدوين الشهري مع القياس الذي كان يقوم به قد لا يكون كافياً دون ذكر أمور أخرى سنتطرق اليها في تثبيت المتغيرات.

مدة التجربة

يجب ان تكون مدة التجربة معلومة، فلا يُمكن أن تكون قصيرة جداً وبذلك لا يمكن تعيين أثر المؤثر الجديد. كما لا يُمكن أن تكون التجربة طويلة جداً وخارج الوقت المتوقع لحدوث الأثر. والمدة هذه تكون مترافقة مع الشروط (7) و (8).

ترتيب العمليات

ترتيب العمليات ضروري جداً فيما لو كانت إجراءات القياس وظروف التجربة معقدة. ففي المثال الثاني لمريض السكري من النوع الأول، هناك تفاصيل تحدث فرق مثل وقت اخذ جرعة الانسولين قبل أم بعد أم اثناء الوجبة (وينصح المختصون لمعظم أنواع الطعام الحاوي على الكاربوهيدرات بأخذ الجرعة قبل نصف ساعة او ربع ساعة من الوجبة بالاعتماد على نوع الانسولين). في المثال الأول قد لا يعرف الشخص أثر العملية التي يقوم بها عند غسل رأسه قبل أم بعد غسل الشعر بالصابون مثلاً؟ وفي حالات كثيرة قد يعني الفارق الكبير في ترتيب العمليات إيجاد تجربة أخرى تماماً ومضاعفة العينات (التكرارات) التي سنتطرق لها في النقطة القادمة، وقد يعني الأمر عدم إمكانية التجربة من الأساس.

العينات او التكرارات

لكل تجربة هناك عدد من العينات التي يجرى عليها الاختبار. في التجربة الشخصية لدينا شخص واحد، والعينات بالنسبة له هي ما يحدث عليه شخصياً لكن بفترات مختلفة مع ثبوت المتغيرات أي ببساطة هي التكرارات. زيادة عدد التكرارات هنا يعني زيادة عدد المرات التي يقوم بالفحص والتدوين فيها وهي ليست عينات بالمعنى الحرفي وهذا ما يجعل التجربة الشخصية عرضة للشك والضعف وما يجعلها غير معتمدة ما لم تكن هي الحل الوحيد، وما لم تكن فقط أفضل من عدم وجودها فنحن نقوم بتجربة أشياء جديدة او ظروف مختلفة والقيام بها ضمن ظروف أفضل سيجعل ما نقوم به أفضل من لا شيء.

للأمثلة الثلاثة ستكون المرات التي تم تدوين القيم الاحصائية فيها والتي شرحنا كيفية تدوينها في (2)، وهي ما سيجري عليها التحليل الاحصائي وملاحظة المختص، ثم سيتم تقرير النتائج على ضوءها.

تثبيت المتغيرات

تثبيت المتغيرات أمر أساسي جداً، لا يمكن أن تقوم بقياس شيء وأنت تقوم بتغيير خمسة أشياء معه في الوقت نفسه. عندها سيختلط مسبب التأثير ولن تعرف ما هو المسبب الحقيقي. يتجلى هذا في المثال الأول، حيث نصح الشخص (س) من قبل صديقه بغسل شعره بعصير الليمون، والماء الحار جداً، والقيام بذلك يومياً! ما هو المتغير الذي سيحدث فرقاً إذاً؟ لا يمكن للشخص (س) اعتماد ما قاله صديقه على الاطلاق، ما لم يقم باختبار كل من المؤثرات المذكورة سوية. فقد يكون غسل الرأس يومياً هو السبب في زوال قشرة الرأس وقد يكون الماء الحار، وقد يكون الليمون.

في الحالة الثانية لتثبيت المتغيرات، يجب أن يكون المريض (ص) واثقاً تماماً من دليل المكونات الغذائية الذي يعتمده، يجب أن تكون الأطعمة التي يتناولها تحتوي فعلاً على مقادير الكاربوهيدرات التي يقوم باحتسابها، من يدري، لعله كان يعاني من نقص سكر الدم نتيجة احتساب خاطئ لأحد الأطعمة التي يتناولها وهو يظن أنها تحتوي على قدر أكبر من الكاربوهيدرات؟ لكن مع تدوين كل شيء وللفترة الكافية سيستطيع المختص أن يحدد العوامل المسببة لنقص سكر الدم. وربما يقترح المختص أن يتم تثبيت بقية المتغيرات مثل كميات الكاربوهيدرات وكيفية احتسابها قبل أن ينصحه بتقليل الجرعة. وبعدها لو كان واثقاً من بقية المتغيرات كالرياضة والطعام، سينصحه حينئذ بتقليل الجرعة المسائية للطعام.

في المثال الثالث يعد تثبيت المتغيرات أمراً صعباً، لاسيما وأن التجربة تُجرى على مدار أشهر. من الصعب القول إن هناك قيمة علمية للتجربة هذه، لكن نكرر، هي أفضل بجميع الأحوال من اعتقاده بتأثير بروتين مصل اللبن الغالي الثمن واقتناءه طيلة حياته. تدوين الأيام التي مارس بها التمارين، حجم التمارين (VOLUME) الذي يقاس بمجموع الاوزان التي قام برفعها اثناء التمارين، التمارين الهوائية طيلة الشهر، بيانات التغذية الأخرى طيلة الشهر، ومن ثم القياسات الفردية للعضلات وقياس الكتلة العضلية والوزن. كل ذلك يجب أن يكون موجوداً وثابتاً إلى حدٍ ما لكي يستطيع أن يحدد جدوى بروتين مصل اللبن. لكننا لم ننته بعد، فما زال هناك فترة أخرى للقياس لتحديد الضبط.

الضبط

الضبط في التجارب (CONTROL) هو اجراء اختباري يقام في التجارب العلمية على مجموعة من العينات او النماذج التي لم تتعرض للمؤثر ذاته، ففي تجارب تقام لتقييم فعالية لقاح معين على الفئران مثلاً، تعطى مجموعة من الفئران اللقاح، فيما لا تعطى مجموعة أخرى اللقاح، ويتم حقن المجموعتين بالفيروس المسبب للمرض وتتم ملاحظة التأثير بذلك.

في المثال الأول يُمكن اعتبار الفترة السابقة للشخص (س) الذي يعاني من القشرة كفترة ضبط، كما ذكرنا آنفاً عليه أن يحدد أي المتغيرات التي يريد فحصها وان يجعل كل شيء آخر كما كان سابقاً (درجة حرارة الماء وعدد المرات التي يقوم بغسل رأسه بها خلال الأسبوع). عند تثبيت تلك المتغيرات، سيقوم بتجربة الليمون لمدة شهر مثلاً وهو يغتسل بنفس درجة حرارة الماء التي كان عليها سابقاً وبنفس عدد المرات خلال الأسبوع، عندها سيلاحظ هل كان لليمون تأثير يذكر أم لا؟

في حالة المريض (ص)، يعتمد الأمر على درجة تدوينه السابقة، إذا لم يكن يدون شيئاً في السابق فلا يمكن الاخذ بالأمر، وعليه أن يبدأ التجربة مع بدأ التدوين. قد تنتهي التجربة باكتشاف المختص للمسبب، وهو الجرعة الزائدة مثلاً، عندها ستتوقف التجربة دون فترة أخرى ضابطة، وقد يطلب المختص من البداية عدم القيام بشيء والاكتفاء بالتدوين للحصول على فترة الضبط هذه وليلاحظ فيها ما يجري فعلياً، ثم يقوم بعدها بتغيير الجرعة فيستطيع المقارنة بين الفترتين فيما لو كانت جميع المتغيرات السابقة ثابتة او شبه ثابتة.

اما للشخص (ع) في المثال الثالث، فيجب عليه بعد أن يقوم بتدوين جميع ما قام بقياسه للكتلة العضلية والتقدم الحاصل فيها خلال فترة استهلاك بروتين مصل اللبن، ثم القيام بفترة ضابطة أخرى يتناول فيها البروتينات بشكل طبيعي لكنه لا يتناول بروتين مصل اللبن، قد يكون من الممكن له ان يقارن بين الفترتين مع الأخذ بنظر الاعتبار احتمالية أن الكتلة العضلية لها حدود معينة بعد بضعة أشهر من بدء التمارين ثم لا تستمر الزيادة فيها بنفس الشكل، في هذه الحالة قد يرى شخص جرب بروتين مصل اللبن في الأشهر الأولى بينما لا يراه شخص يمارس تمارين بناء الأجسام طيلة سنوات.

 

الاشراف

الاشراف أمر أساسي حتى في التجربة الشخصية، وهنا في مجال الصحة سيكون المشرف هو الطبيب او شخص من الكادر الطبي غالباً. يعلم المختص بخصوص المتغيرات أكثر منك، حتى لو كانت المتغيرات بسيطة مثل المثال الأول، كما قد يقترح عدم القيام بالتجربة من الأساس فلا يمكن تجريب كل شيء، ولا يُمكن أن تجرب شيئاً فقط لأن شخصاً ما غيرك قام بتجربته، هناك حساسيات مختلفة وهناك تاريخ طبي مختلف لكل شخص. تجربة المادة الخاطئة يمكن أن تودي بحياتك حتى! فضلاً عن العوامل والمتغيرات الخفية التي قد ينصحك المختص باختبارها.

ومرة أخرى، إذا كنت ستجري التجربة بجميع الأحوال وستقوم باجراءها دون مختص ولم تكن خطيرة على الاطلاق (مثل تناول التفاح لاعتقاد انه يخفض الوزن) فلا ضير بذلك، لكن قم بالتجربة ضمن الشروط المذكورة هنا لتعرف ما جرى فعلاً.

التحليل الاحصائي

بعد الانتهاء من التجربة بجميع الظروف السابقة، يأتي دور التحليل الاحصائي. كيف تبدو المتغيرات للوهلة الأولى؟ هل هناك علاقة واضحة بين عاملين؟ في اغلب الأحيان ستبدو الأمور بسيطة في التجربة الشخصية ويمكن الحكم على المتغيرات من خلال النظر او اجراء حسابات بسيطة مثل المتوسط الحسابي والمعدل لمقارنة الفترتين.

 

ضرورة الاطلاع على التجارب المشابهة

في كثير من الأحيان هناك تجارب علمية مشابهة، حتى لو بدت التجربة تافهة جداً فقد يكون هناك من اختبرها بشكل أكاديمي. انت لست كائناً مختلفاً، يُمكن أن يكون لك متغيرات بسيطة تختلف عن الاخرين، لكنك لست طحلباً او نباتاً من السرخسيات! معظم التجارب الطبية المحكمة تجرى على الحيوانات قبل تطبيقها على الانسان. البحث فيما تواجد من بحوث طبية سيعطي الكثير من الأجوبة، ومراجعة الأطباء والمختصين ستعطي نظرة أقرب لما هو عليه الحال في معظم من طرحوا القضية ذاتها.

في المثال الأول، وجدنا دراسات كثيرة تناولت تأثير عصير الليمون على قشرة الرأس لكننا لسنا بصدد تحليلها وذكر نتائجها هنا وسنأتي للسبب في ذلك. اما للسكري في المثال الثاني، فيصعب إيجاد تجربة دقيقة مماثلة، فبعض العوامل في احتساب الجرعة هي عوامل شخصية مثل وزن الشخص، مقاومة الانسولين لديه، وطبيعة نشاطه، لكن عند اللجوء لأحد مراكز السكري التي تتعامل مع مئات المرضى سيكون من الممكن معرفة مدى القيم المطلوبة وهل ما يقوم به الشخص معقول أم لا. مثلاً، سيكون من الواضح أن الشخص يقوم بأمر خاطئ كلياً عندما يكون مجموع وحدات الانسولين سريع المفعول التي يأخذها تزيد على 150 وحدة يومياً وهو يتناول طعاماً معتدلاً ويعاني من حالات شديدة لنقص سكر الدم.

اما الحالة الثالثة حول تأثير بروتين مصل اللبن ناقشناها في مقالات سابقة في العلوم الحقيقية وهناك الكثير من الدراسات حولها أيضاً.

 

المحاذير والنصائح الأخرى

التعميم

لا يصح تعميم النتائج التي تتوصل إليها من التجربة الشخصية، وهذا يعني عدم نصح الآخرين بها لمجرد أنك قمت بتجربتها. فكما ذكرنا، انت تقوم بتجربة شيء وفق ظروفك الخاصة وعلى الاغلب لأنه لا توجد معرفة عامة عليه ولا توجد دراسات توضح تأثيره او لأنه خاضع لمتغيرات شخصية كثيرة. أيضاً، فقد تكون تجربة تناول شيء او دهن شيء معين على الجلد امراً خطراً نتيجة الحساسيات المختلفة. لذا، فعند تجربتك لشيء ما بشكل شخصي يُمكن ان تتكلم عنها كأمر خاص بك ومع ضرورة الحديث عن المخاطر وتحذير الاخرين من القيام بالأمر نفسه في بعض الحالات، وفي حالات أخرى قد يُستحسن ان لا تتكلم عن الامر أساساً.

 

خلط المتغيرات

كما أوضحنا، فإن خلط المتغيرات غير جائز ولا يؤدي الى نتائج صحيحة، ببساطة، اختبار عدة أشياء في نفس الوقت يعني عدم اختبار أي شيء منها. احياناً يلتزم الأشخاص بالتعليمات الصحية بشكل مكثف، او انهم يلتزمون بتعليمات التنحيف ويطبقون ممارسات عدة في نفس الوقت. قد تنجح جميع هذه الممارسات وتكون قد قمت بالأمر الصحيح نتيجة اخذ التعليمات الصحيحة من المختصين. لكن هذا لا يعني أنك قمت بتجربة خاصة بك، الغالب والصحيح هو الاخذ بالتعليمات كلها دون فحصها بشكل منفصل الا إذا اقتضت ضرورة حادة لذلك، فالمختص يفترض أن يعرف بحالتك أفضل مما تعرف أنت. ولو اردت اجراء اختبار شيء ما فعليك أن تختبره دون وجود مؤثرات أخرى مشابهة. هل تود اختبار الحمية الكيتونية على التنحيف؟ يمكنك القيام بذلك بعد اخذ رأي الطبيب، لكن لا تفترض أنك ستعرف تأثير الشاي الأخضر والكافيين والرياضة على التنحيف وانت تقوم بكل تلك العوامل سوية. انت تقوم بالأمر الصحيح فحسب، لكنك لا تقوم بتجربة او اختبار بالضرورة.

 

قلة التكرارات وقصر مدة الاختبار

تجربة شيء ما ليومين فقط ثم الحكم عليه ليس صحيحاً، كثير من الادوية مثلاً يقترح الأطباء استخدامها لفترة معينة لرؤية التأثير. أو انهم يقترحون جرعة معينة لفترة طويلة ثم ينتظرون نتائج الفحوصات ليقرروا بموجب ذلك. هم يفعلون ذلك لرؤية الأمر بشكل أوضح على المدى البعيد وبحسب نوع الدواء. هذا ما يتعلق بمدة الاختبار، وهو ينطبق على الأشياء التي يمكن اجراء التجربة عليها شخصياً. وينطبق الامر ايضاً على الممارسات التي تتطلب القيام بها لعدد من المرات لإيجاد التأثير المناسب.

 

انعدام القياس والاعتماد على الاحاسيس واحكام الاخرين

لا قيمة لأي شيء تجربه دون قياس، الاعتماد على الاحاسيس وعلى آراء المحيطين بك ليس له أي قيمة وهو يلعب دور الوهم هنا (Placebo)، أنت تشعر بطاقة أكبر، أنت تشعر أنك خفيف الوزن، أحد الأصدقاء قال لك أنك تبدو أنحف. ما قيمة يقوله الصديق عندما يقول الميزان شيئاً آخر؟ ما قيمة شعورك بالطاقة وانت ترى أنك تؤدي نفس الأداء في التمرين او أن أداؤك تحسن ليوم واحد بشكل بسيط؟ هل جربت ان تقوم بالقياس والتدوين لترى أن ما حصل هو فعلاً امر ملحوظ احصائياً؟ جرب التدوين والقياس الصحيح وستتفاجئ!

 

تغير ظروف الحياة

أحد أهم الموانع للقيام بالتجربة الشخصية هو تغير ظروف الحياة بشكل مستمر ولدواعي لا يمكن تغييرها. كنت تعيش في نمط معين حيث تذهب للعمل من الصباح حتى المساء، ثم انقطعت عن ذلك العمل وبقيت في البيت، هل تستطيع أن تختبر تأثير سلوك معين على نزول الوزن؟ ستنقطع التجربة بالتأكيد مع هذا التغير الكبير في نمط الحياة.

 

انتبه للتغيرات غير المنطقية

أخبرني أحد الأصدقاء عن تجربة شخصية قام بها حول تأثير الطعام الصحي على الهدم العضلي. يقول إنه كان يعتمد على جهاز لقياس الكتلة العضلية وأنه تعرض لخسارة 15 كيلوغرام من الكتلة العضلية خلال شهر لم يكن يلتزم فيه بالتمارين كما كان يفعل سابقاً، ولم يكن يلتزم بالطعام الصحي وذلك نتيجة تغير في نمط حياته خلال ذلك الشهر.

من الواضح أن خسارة هذه الكمية من العضلات هي أمر غير منطقي بتاتاً، ولو حدث فعلاً فهو قد يحدث تحت ظروف الحرمان الكلي من الطعام لنفس الفترة وقد يتسبب بأضرار عديدة للجسم.

أيضاً يقول مريض للسكري أنه كان يحقن نفسه بـ 20 وحدة انسولين دون أن يأكل شيئاً ليواكب ارتفاع السكري الحاصل نتيجة ما يعرف بظاهرة الفجر حيث يرتفع السكر في الدم نتيجة حقن السكريات. من الواضح أن هناك شيء ناقص فيما يقوله، فهو لا يغطي الجرعة التصحيحية لان مستوى السكري لديه كان مرتفعا من الأساس، أو أنه لا يغطي ما يتناوله في الصباح بشكل جيد فربما يأكل من الطعام بعد فترة قصيرة لما يوازي مقدار الانسولين هذا، أو أنه لا يذكر حالة نقص سكر الدم التي يمر بها كثيراً بعد عدة ساعات نتيجة مقدار الانسولين هذا.

إذا كنت ترى قيماً غير معقولة، ولم تكن تدون جميع التفاصيل، ولم تقم بمناقشتها مع المختصين، أو تطلع على النصائح الطبية أو حتى الأبحاث حول قضية معينة فهذا يعني أنك لا ترى شيئاً، وأن حكمك حول القضية خاطئ.

 

استخدم وسائل القياس الصحيحة وإجراءات القياس الصحيحة

بالعودة الى المثال السابق للصديق الذي خسر 15 كيلوغراما من الكتلة العضلية خلال شهر، يذكر أنه كان يستخدم جهازاً يقوم بقياس الكتلة العضلية ونسبة الدهون من خلال اللمس بكلتا اليدين وبقدمين حافيتين، ثم يمرر الجهاز تيارا كهربائياً ويقدر القيم بناءاً على ذلك. لسنا خبراء بتقنيات عمل تلك الأجهزة، لكن هناك الكثير من الشكوك حولها، ومن الواضح أن القراءة التي قدمها الجهاز في ذلك اليوم لم تكن دقيقة (أو أن صديقنا لا يتذكر القراءات بشكل جيد لأنه لا يدونها).

في مرض السكري قد يتسبب الجهاز غير الدقيق بكوارث كبيرة للمريض، فظهور قراءة عالية جداً بشكل مفاجئ لنسبة السكر في الدم قد تستدعي إعادة الفحص تحت الظروف الصحيحة مثل غسل اليدين واخذ بقعة الدم من المكان الصحيح وتكرار الأمر. الأجهزة الشخصية لفحص السكر بذاتها معرضة للخطأ وقد تنتج قراءات متباينة في بعض المرات.

 

انعدام الاشراف والتحليل الاحصائي

لا قيمة لتجربة تجرى الى الابد دون لحظة للتوقف ومشاورة المختصين او اجراء تحليل احصائي بسيط لقيمها. التحليل الاحصائي الشخصي قد لا يكون ذو قيمة دون الرجوع لإشراف المختص في بعض الأحيان. قد ترى قيماً جيدة في جانب معين لكن المختص يقترح اجراء فحص آخر موازي للاطلاع على قيمة أخرى.

 

صعوبة اختبار عوامل معقدة جداً وعدم إمكانية اجراء التجربة الشخصية

عند تحليل ما تود اختباره عليك أن تعلم ما هي جميع العوامل المؤثرة عليه (ربما بمشاورة المختص)، وعند ملاحظتك لعدد كبير جداً من العوامل المتداخلة فهذا يعني ببساطة عدم القيام بالتجربة او الصعوبة الشديدة لضبطها. بعض الأشياء لا يُمكن قياسها وقد لا تبدو ملحوظة حتى مع وجود بعض الفحوصات او وجود دراسات أخرى تمت على عينات كبيرة. مؤثرات كثيرة للتنحيف تذكر دراساتها ان هناك نسبة لم تستجب لها مطلقاً، ودراسات أخرى تذكر أنه بوجود العامل (أ) و (ب) و(ج) فقد تحققت النسبة بشكل طفيف جداً. هل تعول على هذا؟ هل يمكنك لوحدك ان تقوم فحصه؟ لا يمكن بالتأكيد، وهذا ما يحدث في معظم الحالات.

نلاحظ أن الأطباء ما زالوا يعانون من التشخيص في حالات عديدة، هناك حالات تشخيص خاطئة، وهناك حالات لا يتم تشخيصها ونحن نتكلم عن امراض! فما بالنا بعوامل لها تأثير طفيف جداً على امر مثل القشرة أو التنحيف، وماذا سنقول تجاه أشياء تحتاج أشهر من الالتزام لكي يتحقق تأثير طفيف جداً ونحن نمر أصلاً خلالها بتغيرات كبيرة في نمط الحياة؟ لا يمكن رصد أمور كهذه الا بدراسات كبيرة جداً وحتى هذه لا تصل الى نتائج حاسمة في كثير من الأحيان.

 

متغيرات صغيرة وأخرى كبيرة

في التنحيف يتكلم أحد الأشخاص عن دور خل التفاح وعن رغبته بالشروع بتجربته الى جانب وجباته الاعتيادية التي تتكون في الغداء مثلاً من طبقين من الرز المطهو بالزيت، كما أن صاحبنا لا يدع شيئاً من الحلويات يعتب عليه، ومع ذلك فهو يراهن بشدة على تأثير خل التفاح وكيف سيظهر رشيقاً بعد شهر. لسنا هنا بصدد مناقشة تأثير خل التفاح والذي قد يكون طفيفاً إن وجد، لكن عند تجربة شيء جديد يجب أن يكون الشخص مدركاً بجميع العوامل المحيطة به، وأن يقوم باستيفاء ما هو أعظم تأثيراً منها ثم يتجه لما هو أقل، ماذا سيفعل خل التفاح امام وجبة تتكون من 1800 سعرة حرارية؟ مرة أخرى، ندعو للعودة للمختصين قبل كل شيء، لا الى فيديوهات اليوتيوب أو نصائح الصفحات الصفراء في الفيسبوك.

 

في الختام نقولها مرة أخرى، لو كنت بصدد تجربة شيء، مهما كان الأمر، ومهما كانت المتغيرات معقدة، فإن التجربة مع التدوين والتحليل ومشاورة المختصين وبقية الشروط ستكون أفضل بجميع الأحوال. فتجربة شيء غير نافع او طفيف المفعول ستقيك من الوهم، وستقي الآخرين من تبشيرك بهذا الوهم وأنت تظن أنه ناجح وفعال. ونقول أيضاً، إن الالتزام بالتعليمات الصحية في كافة المجالات هو الخيار الأسلم مهما تعقدت الحالة، وسيكون من النادر ان تحتاج لتجربة شيء جديد واجراء التجربة الخاص بك لوحدك. نأمل أن تقوم بتجربة شخصية إذا كنت تحمل معتقدات معينة حول عمل بعض المواد أو الممارسات التي تقوم بها دون دليل، وقد تجد أنها لا تعمل ولا تنفع رغم أنها لا تضر فتقوم بتركها وتخصص وقتك وجهد التزامك بها بأشياء أكثر أهمية.