مرض السكري هو أحد أكثر الأمراض المزمنة انتشارا حول العالم. ومع توفر وسائل التوعية بطبيعة المرض وأنواعه وأعراضه وعلاجه ومضاعفاته، إلا أن الكثير من المعتقدات الخاطئة، للأسف، ما زالت شائعة بين الناس سواء أكانوا من العامة أو من عمال القطاع الصحي. جمعنا في هذا المقال أكثر المعتقدات الخاطئة شيوعا وحاولنا تصويبها بعد الاطلاع على مجموعة من الكتب، الدراسات، المقالات العلمية، وكان هدفنا هو تقديم الفهم العلمي الموضوعي بعيدا عن مهاجمة أي معتقدات شخصية. أحد كتَّاب هذا المقال مصاب بالسكري، وقد سمع أكثر هذه المعتقدات الخاطئة مرارا كل يوم، وجرب عدة أساليب علاج بديلة كالأعشاب والعلاج بالكهرباء. هذا سيضيف إلى المقال نكهة التجربة الشخصية! أعد المقال عمر المريواني ورمزي الحكمي

1.       ليس هناك مرض اسمه السكري، هناك أكثر من مرض.

يقسم الأطباء السكري إلى نوعين: السكري1 type-1 diabetes والسكري2 type-2 diabetes. في السكري1، يتوقف إنتاج الإنسولين بشكل تام في الجسم بالشكل الذي يجعل استقلاب السكريات غير ممكن، والسبب هو مهاجمة الجهاز المناعي لجُزُر لانغرهانز في البنكرياس (خلايا بيتا β-cells) وهي المسؤولة عن صناعة الإنسولين، ولا يُمكن تنشيط الأجزاء المتضررة من البنكرياس أو إحياؤها بعد حدوث الإصابة، ما يُمكن فعله هو أخذ الإنسولين بواسطة الحقن أو بطرق أخرى [1].

أما النوع الثاني فيحدث بسبب عدم قدرة الجسم على الاستفادة من الإنسولين أو عدم صنع الكمية الكافية من الإنسولين نتيجة عوامل معينة تتعلق بالعادات الغذائية أو بطبيعة الجسم.

وهما مرضان مختلفات من حيث الشعور بأعراض المرض وعلاجه ومضاعفاته وطبيعة حدوث الارتفاع والانخفاض حيث لا يحدث الانخفاض المعروف لدى النوع الأول عند مرضى النوع الثاني مثلًا. يكمن التشابه في وجود قصور لدى الجسم في التعامل مع السكر في الدم بغض النظر عن طبيعة ذلك القصور[2].

2.       السكري1 ليس للأطفال فقط والسكري2 ليس للكبار فقط.

لا يُشترط أن يصاب الأطفال فقط بالسكري1، هناك شباب وأشخاص مسنون يصابون بالمرض وإن كانت نسبة الإصابة أكثر بين الأصغر سنًا. وكذلك الحال مع السكري2، فلا يشترط أن يحدث للكبار، بل يقترن غالبًا بالوزن الزائد[3]. أما فيما يتعلق بالوراثة، فالسكري2 أكثر قابلية للتوريث (بنسبة 90% بين التوائم المتطابقة) من السكري1 (50% بين التوائم المتطابقة)[4].

3.       لست بحاجة لقياس السكر في الصباح فقط، بل في كل وقت.

لطالما ذهبت الى المختبر عندما لم يكن لدينا أجهزة فحص وصدمت بعدم قبولهم قياس السكر لي لأنني أكلت، إثر ذلك بدأت بالكذب والادعاء أنني لم آكل شيئًا. في السكري يرتفع السكر نسبيًا مع الوجبات وينخفض مع أخذ الإنسولين، وتنسيق هذه المقادير يؤدي الى الحاجة الدائمة لقياس السكري سواء الأول أو الثاني. لعل القياس في الصباح ضروري في حالات معينة يود الطبيب رؤيتها للسُّكَّري 2، لكن بالنسبة للسُّكَّري 1 وحتى الثاني فإن عدم أخذ الجرعة الكافية ستؤدي الى صعود حتمي في الصباح، وكذلك أكل كمية كبيرة من الحلويات قبل النوم.

القياس مطلوب في كل وقت، في الحالات المثالية يجب أن يتم من 5-7 مرات بحسب بعض المختصين [8]، بل وحتى القياس المستمر عبر المضخة. لن تستفيد شيئًا إذا كان معدل السكر لديك في الصباح جيدًا ثم يعود ليرتفع طيلة النهار ويهوي في اليوم التالي، إنها حماقة كبيرة وتجهيل مستمر في الوسط الطبي.

4.       لا يوجد علاج نهائي للسُّكَّري.

عندما ينتهي الأمل بإيجاد علاج للسُّكَّري1 في الأزقة المظلمة ودكاكين العشابين والسحرة والمشعوذين ستنتهي عندئذ الكثير من الخرافات والأباطيل، وستتحسن حالة الكثير من المرضى.

حتى وقت كتابة هذا المقال لا يوجد علاج نهائي للسُّكَّري من قبيل الأدوية والمواد المأخوذة ولا يوجد سوى عمليات الزرع عبر زرع خلايا البيتا (خلايا البنكرياس المنتجة للإنسولين) أو عبر الخلايا الجذعية أو بالعمليات الجراحية مثل جراحة المَجازة المعدية أو gastric bypass [9]3,.

5.       السكري بنوعيه لا يستهدف القدرة الجنسية بشكل رئيسي.

ذكرت الدراسات الحديثة أن معدل حدوث الضعف الجنسي ازداد ضعفين إلى ثلاثة أضعاف بين مرضى السكري مقارنة بغير المصابين، وأن الضعف الجنسي المتعلق بالتقدم في العمر يحدث أسرع بعشر إلى خمسة عشرة سنة في مرضى السكري مقارنة بغيرهم من غير المصابين [10].

للسُّكَّري بنوعيه مضاعفات كثيرة تُصيب القلب والجهاز العصبي والكلى والعيون واللثة والأسنان بصورة رئيسية لأنها تستهدف الأوعية الدموية الشعرية وذلك عبر تراكم السكر في تلك الشرايين إثر المرات المتوالية التي يرتفع فيها السكر. السكري بنوعيه ليس مرضًا جنسيًا أو مرضًا في الأعضاء التناسلية، وإصابة العضو الذكري بالتصلب المؤلم لن تحدث إلا بالتزامن مع أو قرب حدوث مضاعفات أشد خطرا على القلب والكليتين والجهاز العصبي [11] فهل سيبقى العضو الذكري هو المهم بعد كل هذه المتاعب؟

إحدى أكثر الإصابات خطورة من مضاعفات السكري هي أمراض القلب والجلطات ويليها ضغط الدم المرتفع ومن ثم حالات البتر (بسبب قدم السكري diabetic foot) ولا تقل عنها كثيرًا مشكلات بتر الأعضاء، وتشترك إصابات العضو الذكري في النسبة مع إصابات الجهاز العصبي عمومًا والتي تصيب الإحساس في الأطراف[12]. لا نقول هنا أن الأمر قليل الأهمية أو أنه لن يحدث، لكنه ليس المستهدف الأول وليس الخطر الأكبر.

في إحدى الدراسات التي أجريت في الهند لوحِظ أن اعتلال الفعالية الجنسية يحدث بنسبة 3-4% مقارنة بنسبة 45-72% من مضاعفات السكري التي استهدفت العينين، و 29-72% مما استهدف الكليتين مع نسبة لا يستهان بها من الحالات المتعلقة بالجهاز الدوري وقد احتوت الدراسة على نسب تتعلق بالمناطق الحضرية والريفية وأشارت إلى ضعف الوعي في المناطق الريفية [13].

6.       السكري بنوعيه مجهول السبب إلى حدٍ ما.

من أكثر الاسئلة المطروحة على المصاب بالسكري بنوعيه هي إن كان المرض وراثيًا. في الواقع عند متابعة الأوراق البحثية عن الموضوع سيجد الباحث نفسه في دوامة من الأسباب التي قد تصل حتى إلى ما يشبه العدوى والإصابة الموسمية، لكن حتى الآن لا يمكن الجزم نهائيا بأي من الأسباب. ولو عرف سبب السكري بنوعيه ستكون نهايته وشيكة [14].

7.       الإنسولين لا يحتاج إلى التبريد الدائم.

لطالما ارتفع السكري لدي لأنني خرجت دون أن آخذ الإنسولين. لكن في السنوات الست الأخيرة لم أخرج دون أن أحمل معي علبة الإنسولين. علبة الإنسولين هذه لا أضعها في الثلاجة حتى في الصيف وهي تضم جهاز القياس، السرنجة، علبتي الإنسولين سريع المفعول وبطيء المفعول، ولطالما سيطرت على السكري ولم أشهد خللًا في عمل الإنسولين حتى في أشد ايام الصيف حرًا في العراق. ما أقوم به ليس اجتهادًا بل هو تعليمات مكتوبة في جميع علب الإنسولين في ورقة التعليمات: لا تضع الإنسولين الذي تستخدمه في الثلاجة حيث يمكنه أن يتحمل حتى 28 يومًا، فقط لا تعرضه للحرارة الشديدة والشمس ولا تجمده [15].

8.   الأعشاب ستقرب من أجلك، ابتعد عن الطب البديل.

كم من شخص لم تشمله الإحصائيات قضى أشهرًا من عمره وهو يعاني من ارتفاع سكر الدم إلى ما يزيد على الـ 500 ملجم/ديسيلتر لإيمانه بأن الأعشاب ستشفيه. كان أحد كتَّاب هذا المقال واحدا منهم، لن تفيدك الأعشاب بأي شيء، ابتعد عنها فحسب [16].

9.   الإنسولين ليس ضارًا، كونه جرعة يحتاجها المريض يوميًا لا يجعله دواءًا صناعيًا أو نوعًا من المخدرات.

الإنسولين هو هورمون يفرزه الجسم (البنكرياس) بشكل طبيعي ليساعده في استهلاك السكر (الجلوكوز). والإنسولين العلاجي يُستخلص من الحيوانات (كان هذا قديما) أو تحصل عليه الشركات عن طريق إعادة بناء الحمض النووي DNA recombination البشري. إنه ليس مخدرًا أو مادة ضار أو مادة صناعية. لا تقلق، أنت فقط تقوم بما يقوم به جسمك [17]. لكن إياك أن تتهور وتأخذه كلما أردت، فقط التزم بتعليمات الطبيب لأن فرط الإنسولين قد يسبب: القلق، هبوط مستوى السكر، التشويش، الجوع الشديد، الإرهاق، عدم الاستقرار، والغيبوبة في حالة الجرعات الزائدة جدا… إلخ [18].

10.   شعورك بأنك بخير لا يعني أنك تخلصت من السكري.

السكري مرض مزمن. هذا يعني أنه لا يحدث ويختفي بسرعة كنزلة البرد أو ألم البطن مثلا. يهمل الكثير من المصابين علاجهم ومواعيد المراجعة الطبية لأنهم يشعرون أنهم بخير. لكن هذا قد يجعل مضاعفات السكري فيهم أخطر وأكثر فتكًا. لأن السكري حتى لو لم تشعر بأعراضه في وقت قصير يعملُ في الخفاء ويحب المفاجآت! قد تفاجأ بعد عشرين أو ثلاثين سنة بأن طبيب القلب أو الكلى يخبرك بأنك تحتاج إلى عملية أو علاج مزمن آخر لمرض آخر. فلا تعبث بجسمك، إذا كنت مصابا بالسكري فالتزم الدواء والحمية والتمارين طول عمرك لتتمتع بحياة أكثر جودة وأقل معناة 4.

11.   السكري لا يعدي.

يظن بعض الناس أنهم يمكن يصابوا بالسكري إذا خالطوا المصابين. كلا، السكري ليس مرضا معديا، فلا يمكن أن تصاب به بالأكل أو ممارسة الجنس مع شخص مصاب [19].

12.    إذا كنت مصابا بالسمنة، بلا شك سأصاب بالسكري.

السمنة هي أحد عوامل الإصابة بالسكري، لكنها ليست العامل الوحيد. فلكي يصاب الشخص بالسكري هناك عوامل أخرى، مثل: الوراثة، العِرق، العمر. البعض قد يهمل هذه العوامل ويعتقد أن السكري لا يصيب إلا الأشخاص السِّمان! معظم الأشخاص مفرطي السمنة لا يصابون أبدا بالسكري، بينما هناك أشخاص معتدلو الوزن مصابون بالسكري 5.

13.   يجب أن يأكل مرضى السكري “أطعمة خاصة” مدى الحياة.

لا يختلف طعام مرضى السكري عن الطعام الصحي الذي يجب على الأصحاء تناوله. مرضى السكري ليسوا مضطرين إلى التعامل مع شركات “الطعام الخاص بمرضى السكري” طول حياتهم. كل ما عليهم هو تناول أطعمة: تحتوي على دهون مشبعة أقل، أطعمة متوسطة الملح والسكر، وجبات رئيسية من البروتين ذات دهون أقل، حبوب كاملة، خضروات غير سكرية، فواكه ودهون صحية. معظم “الأطعمة الخاصة” باهضة الثمن ولا تزال ترفع مستويات سكر الدم ويمكن أن يكون لها آثار مسهِّلة (تسبب الإسهال) 5.

14.   الشوكولا محظورة على مرضى السكري.

“لا يجب أن تأكل الشوكولا” هو أحد أسوأ الأخبار التي يمكن أن تسمعها في حياتك. الحقيقة حول الشوكولا هي أنها يجب أن تؤكل بكميات قليلة وفي المناسبات وأن تكون ضمن نظام غذائي صحي، سواء أكنت مصابا بالسكري أو لا 5.

15.   مرضى السكري يصابون بالعدوى أكثر من غيرهم.

قد يكون هذا أحد أكثر الأخطاء الشائعة بين العامة والعاملين في القطاعات الصحية. مرض السكري لا يجعلك تصاب بالعدوى بسهولة أكثر من غير المرضى فهو لا يستهدف مناعة الجسم كالإيدز والأمراض الأخرى. مع أن مرضى السكري يجب أن يأخذوا لُقاحات الإنفلونزا لأن علاج العدوى في في حالة السكري يكون أصعب، وليس لأنهم يصابون بالعدوى أكثر من غيرهم 5.

المصادر

[1] Types of Diabetes, Canadian Diabetes Association, 2 Nov 2016

[2] Diabetes: Differences Between Type 1 and 2 – Topic Overview, Webmd.com

[3] Types of Diabetes, Canadian Diabetes Association, 2 Nov 2016

[4] Agabegi, E. D. (2016). Step-up to medicin. (4th ed.). Lippincott Williams & Wilkins, a Wolters Kluwer business. pp 190-202.

[5] http://www.diabetes.org/diabetes-basics/myths//

[6] Best and Worst Foods for Diabetes, Webmd.com

[7] جدول السعرات الحرارية، الحملة الوطنية لمكافحة زيادة الوزن والبدانة، وزارة الصحة السعودية، 19-6-1436

[8] Rebecca K. Abma, “Blood Sugar Monitoring: When to Check and Why“, diabetesselfmanagement.com, May 13, 2009

[9] Scott Gavura,”Naturopathy vs. Science: Diabetes Edition“, sciencebasedmedicine.org, October 22, 2015

[10] Diabetes and sexual dysfunction: current perspectives (2014). Maria Ida MaiorinoGiuseppe Bellastella, and Katherine Esposito. https://www.ncbi.nlm.nih.gov/pmc/articles/PMC3949699/

[11]Diabetes complications“, mayoclinic.org, July 31, 2014

[12]New CDC data show declines in some diabetes-related complications among US adults“, Centers for Disease Control and Prevention, April 16, 2014

[13] Kishore, J., et al. “Awareness, practices and treatment seeking behavior of type 2 diabetes mellitus patients in Delhi.” Annals of medical and health sciences research 5.4 (2015): 266-273.

[14]Causes of Diabetes“, The National Institute of Diabetes and Digestive and Kidney Diseases, August 2014

[15]Information Regarding Insulin Storage and Switching Between Products in an Emergency“, FDA.org, 05/27/2015

[16] Scott Gavura,”Naturopathy vs. Science: Diabetes Edition“, sciencebasedmedicine.org, October 22, 2015

[17] www.endocrineweb.com/conditions/type-1-diabetes/what-insulin

[18] www.webmd.com/diabetes/guide/insulin-overdose#2

[19] kidshealth.org/en/teens/transmit-diabetes.html