الفضول .. لماذا يحدث ولماذا نعرض انفسنا للخطر بسببه . ان سلسلة هاري بوتر المحبوبة أسرت جيل من القرّاء مع قصص وروايات عن الإكسير السحر والأدوات السحرية اخرى، والتي شملت على سبيل المثال عباءات التخفي، ضفادع الشوكولاتة قابلة للاكل، الصور الناطقة وأحجار القيامة. معظم تلك الأشياء الرائعة  خيالية بحتة، لكن عدد قليل من تلك البدع الموجودة في السلسلة متاحة الان للشراء من قبل Muggles ( الشخص الذي لم يقرأ قصص هاري بوتر).

احد تلك الأشياء هو رزمة من بيرتي بوتس حبات فول الجيلي- صندوق صغير يحتوي على حبات حلوى بنكهات فريدة، مثل نكهة التوت، توتي-فروتي والمارشمالو برفقة نكهات مقززة مثل نكهات شمع الإذن، القيء، القذارة والمخاط.

لم أكن متفاجئة عندما أراد ابني المراهق علبة جيلي من تلك العلب، افترضت انه سيقوم بمقلب مع اخوانه، يجعلهم يتذوقون تلك الحبات والمخاطرة بتذوق حبات بطعم المخاط. لكن قد وجدت نفسي متفاجئة عندما وجدته يفتح الصندوق مباشرة وبدأ بالتذوق هو بنفسه- مع الأخذ بعين الاعتبار انه يعرف بانه ذاهب الى تذوق بعض العينات المثيرة للاشمئزاز الموجودة ضمن ذلك الصندوق.

لماذا يرغب اي شخص في هذا العالم تعريض نفسه اختيارياً لاشياء تعتبر غير محببة او كريهة ؟

أشار كريستوفر هسي وباون روان الى اجابة بسيطة لهذا السؤال وهو الفضول وحب الاستطلاع. انها طبيعة البشر تلك التي تنطوي على حب البحث عن المعلومات، التنقيب عن التفاصيل، للوصول الى الحقائق ومعرفة النتائج. يمكننا ان نرى قوة حب الاستطلاع تلك في هوسنا بمواقع التواصل الاجتماعي مثل الفيس بوك وتوتير، نجاح مجلات الإشاعات والنميمة مثل مجلة People، ومع الانتظار بلهفة للجزء اللاحق من اي مسلسل تلفزيوني يشرف على الانتهاء. لكن ما مدى قوة الفضول تلك؟ هل يمكن لها ان تحفزنا على تقبل الالم عن طيب خاطر بدون اي نتائج إيجابية ؟ هسي وراون يعتقدان بذلك. هم يعتقدون ان الرغبة في إيجاد الاجوبة عن الحالات المشكوك في معرفة طبيعتها، قوية جداً لدرجة تجعل من الشخص قابل لان يعرض نفسه لعواقب كريهة في سبيل الوصول الى الاجوبة عن تلك الأشياء.

أشار هسي وراون الى تلك الرغبة في تجربة العواقب السلبية لارضاء الفضول الشخصي “بتأثير باندورا”. في الرواية الأسطورية الكلاسيكية، أعطوا لباندورا صندوق وحذروها من فتحه مهما كانت الظروف. قامت باندورا بفتح ذلك الصندوق، لتطلق جميع الشياطين في العالم. يوجد العديد من تلك القصص التحذيرية المشابهة في التاريخ، مثل آدم وحواء، الذي أراد ان يتذوق التفاحة المحرمة، وزوجة لوط التي ارادت ان تلقي نظرة اخيرة على مدينة سدوم الملعونة. رغم كل تلك التحذيرات، فان الفضول وحب الاستطلاع تدفع الانسان للانخراط في سلوكيات خطرة قد تؤدي الى عواقب مدمرة، والتي تشمل العمل على اكتشاف التضاريس والأماكن الخطرة، أخذ العينات من مواد محظورة، المقامرة في الكازينوهات او حتى قرأة رسائل اثناء قيادة السيارة.

الفضول له حدود

مع ذلك لا يقوم الجميع بتسلق جبال ايڤرست او يقامر على عجلة الروليت، لذلك قام هسي وراون بمجموعة من التجارب لمعرفة اذا ما كان الأشخاص الاعتياديين سيرغبون بتعريض انفسهم الى اشياء مكرهة بدون اي نتائج إيجابية مرجوة  واضحة تعود عليهم، اي يقومون بذلك فقط لارضاء فضولهم. في دراستهم الاولى، جلس المشاركون في غرفة بانتظار المشاركة في التجارب.

بينما هم ينتظرون لبدء التجارب الحقيقية، تم اخبارهم بانه بامكانهم ان يسلوا انفسهم باقلام غريبة موجودة على المنضدة ان رغبوا بذلك. بالنسبة لنصف المشاركين كان يوجد هناك (حالة العواقب المؤكدة) كان القلم يحتوي على نقطة خضراء ( وهو قلم اعتيادي) او نقطة حمراء (قلم يصدر صدمة عند الضغط عليه). بالنسبة للمشتركين الآخرين (حالة العواقب غير مؤكدة) كل الاقلام كانت تحوي على نقط صفراء، وهي إشارة الى تلك الاقلام قد تكون عادية دون صدمة او لا. بصرف النظر عن الحالة، ترك الامر للمشاركين في حرية الضغط او عدم الضغط على اي من تلك الاقلام الموجودة اثناء انتظارهم.

قد يتوقع المرء ان المشاركين ضمن مجموعة الحالة العواقب المؤكدة سيرغبون ربما بالضغط اكثر على تلك الاقلام، حيث يستطيع المشارك هنا الاختيار بين الاقلام الخضراء التي لا تسبب صدمة، او يضغطون على الاقلام الحمراء اذا أرادوا ان يعرفوا نوعية الشعور بالصدمة التي يسببها هذا القلم، او ربما يجمع البعض من المشاركين بين الاثنين. مع ذلك في حالة العواقب غير المؤكدة، خاطر المشاركون بالحصول على صدمة مع كل ضغطة قلم. وبالرغم من ازدياد مخاطر العواقب السلبية، ضغط المشاركون ضمن حالة العواقب غير المؤكدة بشكل اكثر بالمقارنة مع المشاركون ضمن حالة العواقب المؤكدة وكانت النتائج (٥١٪‏) و(٣٠٪‏) على التوالي.

ربما ضغط المشاركين على الاقلام بسبب انهم كانوا يشعرون بالملل من الانتظار، او شعروا بأنهم يجب ان يقوموا بذلك لأجل المشاركة في الدراسة. ربما تكون تلك التفسيرات مسؤولة عن حقيقة ان المشاركين في كلا الحالتين قاموا بالضغط على بعض الاقلام، لكنها غير مسؤولة عن تفسير سبب ضغط المشاركين ضمن حالة العواقب غير المؤكدة على الاقلام بصورة اكثر من نظرائهم المشاركين ضمن حالة العواقب المؤكدة. مع ذلك، انه لمن المحتمل، ان نسبة الاستجابة العالية قد تعكس رغبة المشاركين هنا في تجربة كلا النوعين من الاقلام. احصائياً، قد يحتاج الامر عدد اكبر من الضغطات لتجربة كلا القلمين في الحالة غير مؤكدة العواقب مقارنة بالحالة الاخرى.

للسيطرة على تلك الاحتمالية، قام الباحثان بتجربة ثانية فيها حصل كل المشاركين على فرصة ضغط ١٠ اقلام خضراء النقط، ١٠ اقلام حمراء النقط، و١٠ اقلام صفراء النقط. اذا كان المشترك يريد ان يجرب قلم واحد من كل نوع، فانه يستطيع ذلك بكل بساطة بالضغط على واحد احمر وواحد اخضر فقط. بدلاً من ذلك، اذا اختار المشترك ان يضغط عدد قليل من الاقلام بشكل عشوائي، فانه لديه فرصة بنسبة الثلثين لاختيار ذات العواقب المؤكدة (احمر او اخضر النقاط). كلا الخيارين تقترح نسبة استجابة عالية لحالة العواقب المؤكدة العواقب. مع ذلك، فان البيانات عكست نمط مختلف جداً عن ذلك. اختار المشاركون الاقلام غير مؤكدة العواقب بنسبة ٤٢٪‏، في مقابل ١٤٪‏ فقط اختاروا الاقلام مؤكدة العواقب. لقد كان واضحاً، ان المشاركين كانوا مولعين بحب الاستطلاع والفضول فيما يتعلق بالأقلام صفراء النقط.

انه من المهم ملاحظة ان تلك الدراسة ركزت بشكل حصري على مسألة الفضول الذي يؤدي الى نتائج سلبية او حيادية، ومن المهم ان نعرف بان صفة الفضول قادت الانسان تاريخياً للكثير من الاكتشافات المهمة والى التطور الذاتي. عندما تكون النتائج إيجابية ( مثلاً فتح هدية)، ترفيهية ( الاحتفال بالرومانسية)، او ببساطة الحصول على نتائج تحليل طبي، فانه من السهل فهم قيمة الفضول. نتائج الدراسة تلك سلطت الضوء على حقيقة مفادها ان الفضول قادر على ان يؤثر على سلوك الانسان حتى مع توقع العواقب السلبية. عظيم هو الحافز الذي يدفعنا لمعرفة ما لا نعرف.

المصدر:

http://www.scientificamerican.com/article/why-people-try-repulsive-things/