هل للتطور البيولوجي دور في الأزمة المالية العالمية؟
خسر ملايين الأشخاص في العالم بيوتهم وأعمالهم في الأزمة العالمية التي بدأت في سنة 2008 وشهد جميع من ادخروا الأموال للتقاعد أو تعليم أطفالهم تضاؤل استثماراتهم لتصبح جزءا صغيرا من قيمتها. وسرعان ما تحولت تلك الأزمة التي بدات في الولايات المتحدة إلى أزمة عالمية ، إذ فقد عشرات الملايين أعمالهم في جميع أنحاء العالم – 20 مليونا في الصين وحدها- وسقط عشرات الملايين في براثن الفقر ،راجعوا على سبيل المثال كتاب السقوط الحر للحائز على جائزة نوبل للأقتصاد أ.د جوزيف ستيغليتز لمعرفة حجم الأزمة وتداعياتها.
تلك الأزمة الخانقة انتجت خيبة عظيمة وشرخ كبير في الكبرياء البشري ككائن شديد الذكاء وقادر على خلق أنظمة شديدة التعقيد من اجل استغلا امثل للموارد المتاحة ، وانتجت اسئلة ما بعد الكارثة واقع غامض الى حد ما حول الأسباب التي ادت الى هذه الإنهيارات الكبيرة للنظم الإقتصادية ،ألقي اللوم على مراكز صنع القرار الإقتصادي ورؤساء البنوك ومؤسسات التصنيف الإقتصادي ومحافظي البنوك المركزية واتهموا بالجشع وإيثار الربح السريع على حساب الرقابة.
وهنا لابد من الوقوف مطولا لتحليل هذه الأزمة من وجهة نظر بيلوجية وتأثيراتها المهمة والمركزية في صناعة هذه الأزمة وكثير من ازماتنا الاجتماعية والفردية وهو الجزء المتعلق بكيفية صنع القرار وتأثير انطباعاتنا المسبقة عن سلوكيات البشر في ذلك، في كتاب لاعقلانية متوقعة يقول دان ارييلي (عقولنا وأبداننا قادرة على أفعال رائعة. يمكننا أن نرى كرة تُرمى من مسافة، فنحسب آنيا مسارها وتأثيرها، ثم نحرك جسدنا ويدينا للإمساك بها. يمكننا تعلم لغات جديدة بسهولة، خصوصا كأطفال صغار. يمكننا أن نبرع في الشطرنج. يمكننا إنتاج الموسيقى، الثقافة، التقنية والفن—وتستمر القائمة. رغم أن شعورا بالإعجاب تجاه قدرات البشر له ما يبرره بوضوح، فهناك فرق كبير بين حس عميق بالإعجاب وافتراض أن قدراتنا الفكرية متكاملة) وهنا يطرح الكاتب نقطة مثيرة متعلقة بالأسس النظرية للأنظمة الإقتصادية التي بنيت وفق مسلمات تفرض سلوكيات عقلانية للأفراد في حياتهم اليومية وان أي سلوك لاعقلاني تصححه قوى السوق….لكن ماذا لو كنا لاعقلانيين بصورة أكبر مما تفترضه النظريات الإقتصادية التقليدية؟؟ وهل هذه اللاعقلانية عشوائية ومختلفة من فرد لآخر أم انها مشتركة وموروثة من أسلافنا؟؟ سأحاول الأجابة على السؤال الثاني بقدر اكثر تفصيلا
الدكتورة لوري سانتوس الأستاذة في قسم علم النفس في جامعة يال تقدم لنا اجابة مثيرة على اسئلتنا في هذا الجانب من خلال اجراء تجربة على القرود عن طريق ابتكار نظام اقتصادي مبسط دربت فيه القرود على استعمال عملة نقدية مقابل الحصول على الطعام …اظهرت التجربة تطابقا مبدئيا في السلوك الاقتصادي بين القردة والانسان ،بعد ذلك تم تعريض القردة لنفس المشاكل الاقتصادية التي تواجه البشر لمعرفة ردود افعالهم وكانت النتيجة متطابقة الى حد كبير في مجال انفاق المال والمجازفة به في رهانات اقتصادية في محاكاة لتجربة البورصة لدى البشر……هذه النتيجة تطرح بعدا تطوريا للمشاكل الاقتصادية التي تمر بنا فدماغ تطور على مدى ملايين السنين يحمل أستراتيجيات هذا الوقت الطويل من الطفرة والانتخاب ،فنحن نتعامل مع انظمة معقدة انطلاقا من استراتيجيات السافنا قبل اكثر من اربعين الف سنة عندما اصبح الدماغ بحجمه الحالي بل بالواقع هي استراتيجيات اقدم من هذا التاريخ بفترة طويل بدليل امتلاك الكائنات القريبة عنا تطوريا لها اذن هي وسائل حافظت على تطورنا وبقائنا لملايين السنين تشبه ميلنا لتناول الدهون هي متأصلة في الشفرة الوراثية……هذا هو ما قاد المستثمرين الى تعميق الأزمة المالية وفقدان السيطرة على الأسواق ، لكن مالفائدة من طرح هذه المشكلة اذا كانت متأصلة لدينا ولايمكن تغييرها الأجابة تكمن في الذكاء العام الذي نمتلكه كجنس أعلى في السلسة التطورية وهو ذكاء خاص بحل مشكلات لم نواجهها تطوريا من قبل مثل هذه المشكلات أي هي قدرة تمكننا من كسر القيود البيلوجية وذلك من خلال تغيير ردود افعالنا وقراراتنا المالية عبر معرفة هذه الحقائق وتغيير النظم الاقتصادية من خلال الحد من قيمة الافتراض القائل بعقلانية الانسان في اتخاذ قراراته والاعتماد على التحليل الالكتروني للمعطيات الاقتصادية لتفادي مخاطر هذه النزعة التطورية.

المصادر
السقوط الحر ،أ.د جوزيف ستيغليتز
لاعقلانية متوقعة ،دان ارييلي
محاضرة للدكتورة سانتوس في مؤتمر لTed