نيك تيلير. ترجمة: سيف محمود علي. اثار السباح الاولمبي الاميركي مايكل فيليبس لغطاً كبيراً عندما ظهر خلال اولمبياد 2016 في ريو دي جينيرو وعلى جسمه كدمات ارجوانية اللون ، فما هي هذه الكدمات؟ ولماذا اثارت لغطاً؟
نتجت هذه الكدمات عن ممارسة صينية قديمة تسمى العلاج بالأكواب او كما تُعرف في البلاد العربية بـ الحجامة. من الشائع في هذه الايام ان يتورط بعض المشاهير في ممارسات من قبيل الخزعبلات والعلوم الزائفة، وغالباً ما ينتهي بها المطاف كخبر صغير في احدى الصحف، لكن فيليبس ليس بالرياضي العادي، فهو اكثر الابطال الاولمبيين الفائزين بالميداليات الذهبية على مر التاريخ، ولديه اكثر من 5 مليون متابع على منصات التواصل الاجتماعي، وتؤخذ اراءه في التدريب والاستشفاء بالحسبان، لذلك فإن تأييده غير المقصود للحجامة ادى الى الدفع بممارسة صينية قديمة الى واجهة الحداثة، ففي اليوم التالي لظهوره الغريب شهدت الصفحة الخاصة بالحجامة على موقع ويكيبيديا عدد غير مسبوق من الزوار، وهذا يدل على زيادة هائلة في اهتمام الجمهور بهذه الممارسة؛ حينها لم احكم عليه بقسوة بسبب تأييده للحجامة، ومن الحق ان يُقال؛ أنه لم يُعر اهتماماً لتأثير افعاله في الجمهور وربما يكون هذا نابعاً من غروره كمشهور، ولم يدل بأي ادعاء شاذ حول فائدة الحجامة او يتربح شخصياً من مبيعات.
الا ان ذلك كله تغير الشهر الماضي عندما أطلق فيليبس جهازه الخاص بالحجامة ووصفه بـ “جهاز الحجامة الثوري” وادعى انه يُحسن الكفاءة، ويُسرع الشفاء، ويسمّر البشرة، ويسبب استرخاء العضلات، هنا لم يعد مايكل يحمل مؤشرات العلم الزائف فقط؛ بل اصبح محرك لمجموعة متزايدة من الرياضيين المرموقين الذين يدعمون هذا المجال. وحسبما أذكر؛ فإن فيليبس لم يقع ضحية للادعاءات التي تقول بأن الحجامة تساعد على تدفق الطاقة واغلاق الخطوط الوهمية، وهذا نفس الاساس الذي تعتمد عليه ممارسات اخرى للعلوم الزائفة كالوخز بالابر (الابر الصينية)، الضغط الابري، والريكي (علاج بالطاقة من اليابان).
اذا كان لك اعتقاد راسخ بشيء مثل “قوة الإحياء الشاملة” والتي لم يثبت قياسها علمياً، فأنت لا تعتقد بالسحر كسبب اساسي في الاعتلالات الطبية فحسب؛ بل إنك ترفض الاكتشافات البيولوجية منذ القرن الثاني للميلاد. وللعلم فإن مجمل التخرصات حول فوائد الحجامة تم تفنيدها مراراً وتكرارا لحد الاعياء، ولن اذكرها هنا، وبدلاً عن ذلك؛ سوف اركز على كيفية قيام فيليبس وبعض المؤثرين من الرياضيين برصف جيوبهم بالأموال حينما ينفخون الروح بممارسات طبية قديمة.
وهنا يحدث تغيير مباشر في التسويق تحت اقدامنا، حيث لم يعد هناك ضرورة للإعتقاد بتدفق الطاقة او اي من المفاهيم السحرية الاخرى في الترويج للحجامة او بقية العلاجات بالطاقة، حيث تم محو تلك الادعاءات بشكل غير رسمي لصالح ادعاءات اخرى تتودد للعلم، في خضم هذه العملية تم جر وركل ممارسات طبية تقليدية – بعضها عمرها يعود الى الاف السنين- الى القرن الواحد والعشرين، ولسبب واضح وهو الامر الوحيد الذي نعرفه عن الممارسات الطبية التقليدية هي انها طيّعة للتغيير.
اما بشأن جهاز فيليبس الجديد فإنه: محمول، سهل الاستعمال باليد، ويُطبق سحب الجلد في مواضع يتم تجريحها، وعلى هذه الممارسة يتم القاء شبكة واسعة من التخرصات: “تحسن الاداء الرياضي، والشفاء، والحركة” [اما الادعاءات في مجتمعنا العربي فإنها ” تخلص الجسم من الدم الفاسد، تنشط الدورة الدموية، خفض ضغط الدم والتخلص من السموم”]، ويساعد في ذلك الروح التنافسية بين الرياضيين ومثال على ذلك، الذين يعتبرون ان فيليبس ايقونة راسخة لـ “الصبر، والتناغم، والتنحيف للجلد، والتخلص من ندوب ترهل الجلد والسيلوليت” وبذلك تم جذب المجاميع على الطرف الاخر من المجتمع الرياضي، اولئك الذين يبتغون التخلص من الوزن الزائد والرشاقة بالابتعاد عن عناء التمارين الرياضية وتحويل الشد العضلي الى انبساط العضلات وكذلك التخلص من التوتر والالم والتقلصات.
وهنا يصح ان يتم التشكيك بمنتجات يُدعى بإمكانيتها على استهداف طيف واسع من الاعتلالات المختلفة، وعلى كل حال فإنه لا يمكن لمُنتج يمكنه ان يُعالج كل شيء.
من ناحية فإن المؤيدون لـلحجامة يضعون العلاج بالطاقة على جانب؛ ومن ناحية اخرى فإننا قد استبدلنا مجموعة واحدة من الادعاءات اللامعقولة، بمجموعة اخرى، مثال على ذلك: اصبحت (زيادة ضخ الدم في العضلات) الالية الاعتيادية لعدد كبير من ممارسات الطب البديل ومن ضمنها :- الحجامة، الوخز بالأبر، التدليك، العلاج بالتبريد، العلاج المائي، العلاج المغناطيسي، العلاج بالاعشاب.
اما بالنسبة للدراسات المرتبطة بالحجامة يتم تنفيذها عكسيا لتأكيد صحتها، بعض الدراسات اثبتت فعلاً زيادة تدفق الدم في المواضع التي تطبق عليها الحجامة وهذا يؤدي الى رفع درجة حرارة الجلد موضعياً. ان هذه الدراسات بعيدة كل البعد عن المثالية، وتبدو انها غير رصينة، حيث انها تتشكل من تجارب عشوائية، ومجاميع سيطرة، ومحاولات لتنفيذ قياسات فسيولوجية بمعدات مناسبة. ولكن تبقى هناك مشكلة؛ بالرغم من انك تستطيع تنشيط تدفق الدم للجلد بالاستحمام بالماء الحار، او شرب كأس من النبيذ، او عندما تحمر وجنتيك خجلاً عندما يمدحك احدهم، لذلك فإن زيادة ضخ الدم بالجلد لا يعكس بالضرورة رفع تدفق الدم بالعضلات، على اية حال؛ ما المميز في رفع تدفق الدم بالعضلات؟ ان انسجة الجسم تستخرج الاوكسجين والمغذيات بالمعدل الذي تحتاجه، لكن؛ هل جرح العضلة او التقرح او الالتهاب ينتج عن نقص الاوكسجين او المغذيات؟ كلا، بالحقيقة فإن رفع تدفق الدم في جزء مجروح من الجسم ممكن أن يسبب تفاقم حالة الالتهاب واعراض مرضية اخرى.
نشهد في هذا الزمان تطوراً في الادعاءات، فمثلاً: ممارسة تقويم العظام لم تعد تعتمد على خلع العمود الفقري كحالة اعتلالية، بالرغم من ان بعض المعالجين يستخدمون التلاعب في العمود الفقري كجزء من الممارسة، اما بالنسبة للوخز بالابر فإن هذه الممارسة تبدو اقل ميلاً نحو استخدام تدفق الطاقة خلال الخطوط الوهمية بالجسم، وبدلا عن ذلك؛ تعتمد على زيادة تدفق الدم خلال نقاط تحفيز الالياف العضلية. اما في مبحث المنعكسات فإنه بدلاً من تطبيق ضغط على الاقدام واليدين والاذنين، لزيادة تدفق الطاقة كما كان سابقاً، فالان يتم التحفيز لغرض زيادة تدفق الدم والجهاز العصبي.
ان هذه المحاولات الوقحة لاستعادة ممارسة قديمة بالية بإستخدام اليات علمية بيولوجية وجعلها قابلة للتصديق، رغم كل هذا الهراء فإننا لم نستطيع استخراج الية صحيحة تشرح كيفية عمل هذه الممارسات.
لقد كان مايكل فيليبس مؤيداً للحجامة على مدار العقد الماضي، بدون ان يقوم بدعم علامة تجارية معينة، فهو كان في رعاية مجموعة من الشركات الكبرى مثل:
Subway, Visa, Speedo, PowerBar, Under Armour, and AT&T وشركات اخرى تنتظر رعايته، فهو يملك ما يقرب من 100 مليون دولار، لذلك ليس بحاجة الى المال. فما الذي دفع شخص بثقل مايكل فيليبس ليرمي سمعته من اجل انشاء علامة تجارية للحجامة تحت اسم Flying Fish Cupping وهي شركة امريكية ناشئة ذات موقع الكتروني بدائي، وتحتوي على جهاز واحد على لائحتها؟ ولماذا الان؟ لذا افرض انه مؤمن ايمانا عميقا بهذا المنتج من ناحية كفاءته في تسكين التقرحات، وشفاء العضلات، وتنشيط التعافي، لذا فإني اشعر انه ينتعش على هذا المنتج.
ان سبب ايمان فيليبس بهذا الشكل من المغالاة، يعود الى قضاءه عقدين من الزمن يتمرن في برامج الاداء الرياضي العالية بدون ان يتعلم كيفية عمل الجسم، ولم يملك أي احد يشرح له، لذلك تتوجه لائحة الاتهام نحو الطاقم الذي يعمل معه- علماؤه، اطباؤه، مدربيه، مستشاريه- فهم من تركوه يتيه في فراغ العلم الزائف الخالي من الادلة والمعايير الاخلاقية، حيث لم يبالِ احد منهم في تركه يبذر الموارد، والمخاطرة بحروق ناجمة عن الحجامة، وترويج العلم الزائف في الاعلام. وبعبارة اخرى فإن فريقه متواطئين في التضحية بالنزاهة الفكرية من اجل تأثير مزيف والذي كان من الممكن ان يكون اقل تكلفة بكثير، واقل خطراً. لذلك اتسائل؛ هل هذه تكلفة صناعة البطل؟ بالتأكيد ليست كذلك….
يتحمل فيليبس وفريقه كل التأثير المجتمعي الناتج عن الحجامة واثارها وعواقبها المهملة، ولكونه صاحب نجاح اولمبي فريد ذا ثقل هائل؛ تتهافت الشركات الكبرى للعمل معه، ولأنه من اصحاب المجهودات العالية الاداء يتوجب عليه تحمل مسؤولية اخلاقية، لا ان يُروج لتداخلات تسبح بعيداً عن اتجاه العلوم والطب.
يبيع مروجي الحجامة الاكواب بإستغلال عواطف الناس بدعوى انقاص الوزن، او على انها مضادات الالتهاب تعالج الاضطرابات الهضمية، او كعلاج للصداع والشقيقة، او كدواء للعقم والربو والالتهابات الرئوية وحتى السرطان، بالرغم من ان فيلبس لم يدعي كل تلك الادعاءات، الا انه وفريقه يتحملون المسؤولية في اعطاء الموثوقية لنصابين معدومي الضمير ممن يروجون لهذه التخرصات.
المصادر:
Nick Tiller, “Phelps Dives Deeper into the Pseudoscience of Cupping“, skepticalinquirer.org, October 31, 2023