تجربة حية للتطور في تدجين الثعلب الفضي. عندما يفكر العلماء بالتدجين فأول ما يفكرون به هو الكلاب، حتى أسهب علماء التطور في البحث والحديث عن صلة الانسان بالكلاب والكيفية التي اشتق فيها الكلاب من الذئاب بواسطة تلك الصلة. ويتسائل العلماء هل حدث ذلك في بيئات ايكولوجية للذئاب بظروف طبيعية؟ ام حدث ذلك بقصد من الانسان؟ وكيف سنفهم التغيرات الفسلجية والسيكولوجية التي حصلت للذئاب حتى تحولت الى كلاب؟
للاجابة على هذه الاسئلة اقام العالم السوفيتي ديمتري بيلاييف (Dmitry K. Belyaev) تجربة استمرت 50 عاما واصلها من بعده علماء آخرون على الثعلب الفضي (Vulpes vulpes Silver) عام 1959 كنوع من الرد المستتر على الليسينكووية (علم زائف وحملة عمت في الاتحاد السوفيتي من قبل تروفيم ليسينكو ضد الجينات وقد بدأت منذ عام 1920 حتى عام 1964 وهي تدعم اللاماركية ضد التطور).
وقد ساهم العالم في تأسيس قسم بحثي في سيبيريا في مدينة نوفوسيبيرسك (Novosibirsk) بعد ان عانى من خسارة منصبه في مختبر الابحاث المركزي لبحوث تربية الكائنات ذات الفراء في موسكو فشرع بتجربته واستمر بها حتى وفاته عام 1985. وكانت لبلاييف ملاحظات اولية عن حدوث تغيرات سيكولوجية وفسلجية في الكائنات اثناء التدجين وانتخاب الصفات مثل رسم الفراء، شكل الذيول والاذان، طول الشعر، طبيعة الشعر، طول الذيل…الخ. غير انه كان يعزو تلك الفروقات الى توازن بين النواقل العصبية والهورمونات على مستوى الكائن.
بدأت التجربة بـ 30 ثعلب ذكر و 100 انثى معظمهم من مزرعة تجارية للثعالب في استونيا. ورغم ان الثعالب كانت وحشية غير انها كانت الاكثر الفة بين اقرانها عندما تم انتخابها. لا تدريب يحدث للثعالب ومعظم وقتها تقضيه في الاقفاص وقد تم انتخاب 4-5% من الذكور و20% من الاناث الاتين من الذرية للتزاوج والتربية. وكان الجراء يبقون مع امهاتهم حتى عمر الشهر او الشهر والنصف. اما اختبار التدجين فكان يجري بأعطاء الطعام للجراء مرة لوحدهم في القفص ومرة بينما يكونون مع اقرانهم ويلاحظ تعاطيهم مع الانسان ومع الجراء الاخرى للحكم على مقدار تدجينهم وكان يعاد الاختبار شهريا حتى بلوغهم الشهر السابع او السادس.
تجربة حية للتطور تحول الثعلب الفضي الى كلب by real-sciences
بعدها يجري تصنيفهم فالجراء التي تعض المدرب عندما يحركها او تنفر منه عندما يعطيها الطعام تصنف بالدرجة الثالثة وحتى لو كانت الجراء افضل من الاجيال السابقة فالثعالب الاقل تدجينا تصنف الى الدرجة الثالثة) اما الدرجة الثانية فهي تلك الجراء التي تتقبل التعامل مع المدرب غير انها لا تظهر تعاطفا وميلا شعوريا له، اما الدرجة الاولى فهي الثعالب التي تكون ودودة للمدرب فتحرك ذيولها له او تعوي عندما يأتي. وهناك درجة اعلى وهم التواقون الى التواصل مع الانسان. بالجيل العاشر 18% من الثعالب كانوا من الجيل الاول الاكثر توقا للتواصل وفي الجيل الـ 20 وصلوا الى 35% واليوم وصلوا الى 70%-80%.
اليوم وصل عدد الثعالب في المزرعة 45 الفا بعد 40 سنة (حتى تاريخ كتابة الورقة البحثية)
وبعد اجيال من الانتخاب بحسب صفات العدائية والتدجين صار السلوك كما هو موضح بالشكل اقرب الى الكلاب فالثعالب سرعان ما تبدأ بالاستجابة للاصوات وتكون اجتماعية مع البشر كما انها تصل المرحلة لان تفتح عينيها بشكل كامل دون خوف بسرعة اكبر وتدرك الخوف من غير المعرفين ايضا. رصدت تغيرات في السيروتونين للاجيال المهجنة حيث صارت ادمغة الثعالب الهجينة تحتوي على نسبة اكبر من السيروتونين. كما كان هناك انخفاضا متزنا لمستويات هورمونات الغدة الكظرية. ورغم ان الانتخاب كان بحسب السلوك فقد تغير ايضا حجم الجمجمة فنقصت طولا وعرضا.
وايضا فالثعالب الداجنة تصل البلوغ الجنسي بشهر اكثر قبل الثعالب غير الداجنة.
الصفات |
عدد الحيوانات الذين يملكون الصفة من بين كل 100 الف | التزايد | |
الداجنة | غير الداجنة | النسبة المئوية | |
التصبغ | 12،400 | 710 | +1656 |
البقع البنية | 450 | 86 | +423 |
الشعر الرمادي | 500 | 100 | +400 |
الاذان الملتوية | 230 | 170 | +35 |
الذيل القصير | 140 | 2 | +6900 |
الذيل الملتوي في دائرة | 9400 | 830 | +1033 |
تدجين ام تطور؟
نشرت مجلة bioessayes وموقع المكتبة الامريكية الوطنية للطب والمعاهد الوطنية للصحة ورقة بحثية بعنوان: تطور الحيوانات اثناء التدجين: الثعلب الداجن نموذجا. وتناولت الورقة البحثية كافة تفاصيل التجربة وانهت الاستنتاج بالعبارة:
“تحت ضوء نتائج تجربة تدجين الثعلب، الانماط المتشابهة للتحولات الشكلية والسلوكية والفسلجية في الثعالب، الكلاب او اي حيوانات داجنة التي يغلب ان تكون ناتجة من الانتخاب لصالح الترويض. هذا الانتخاب يعد آلية شاملية ومسبب للتحول التطوري للحيوانات الداجنة”.
ما يظهر أن هذه التجربة هي تطوير للصفات عن طريق الانتخاب ، وهو أمر ليس جديداً فهو يستخدم في كل الحيوانات كما حصل مع الأبقار والدجاج بالوصول بها إلى صفات إنتاجية غير متوفرة بالأجيال السابقة ، وحتى وإن كانت الصفات سلوكية فهي قد تكون مرتبطة بصفات جسمية كحجم الغدد مثلاً .
على كل حال وجود تطور جزئي لايعني أن التركيب المعقد للإنسان والحيوان والنبات يمكن أن يكون ناشئا من لاشي ، بل هو صنع الخالق سبحانه وتعالى ،
قال تعالى : ﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾
التهجين ليس تطور، توضيح لكاتب المقال