تطور الطيور وآلياته: كيف انكمشت الديناصورات لتصبح طيوراً؟ ان الطيور الحديثة بدأت بالظهور في لحظة من الزمن التطوري. لكن الأبحاث الجديدة قد أنارتنا بسلسلة طويلة من التغيرات التطورية التي جعلت من هذا التحول ممكناً.
الطيور الحالية تنحدر من مجموعة من الديناصورات ذوات القدمين والمعروفة “بالثيروبودات “Theropods والتي تضم في فصيلتها الديناصور الضخم تي ريكس Tyrannosaurus rex والديناصور الصغير فيلوسيرابتور، وان الثيروبودات هي الأكثر ارتباطا بالطيور، إذ يقدر وزنها بين 100 إلى 500 رطل، وتعد عملاقة بالنسبة للطيور الحديثة، كما وتملك انوف وأسنان كبيرة ومساحة ليست بالكبيرة بين الأذنين. وعلى سبيل المثال فديناصور الفلوسيرابتور (velociraptor) كانت جمجمته بحجم جمجمة الذئب ودماغه بحجم دماغ الحمامة.
لعقود من الزمن كانت حفريات الأركيوبتركس (Archaeopteryx) هي الرابط الوحيد بين الطيور والديناصورات بالنسبة لعلماء الحفريات، والأركيوبتركس هو مخلوق هجين ذو أجنحة ريشية وذيل عظمي طويل ، إذ كانت ملامحها تشبه العصافير من حيث الريش والأجنحة وكذلك الطيران. وفي 10 مليون سنة التي تفصلها عن الطيور الحديثة كان التطور يحدث في اللحم فقط. ويقول البروفيسور بنتون (Pinton) عالم في الحفريات ورئيس كلية العلوم البيولوجية في جامعة بريستون-انجلترا “يبدو ان الارركيوبتركس قد ظهر له الريش بشكل كامل على جسمه كخصائص الطيور الحديثة”.
ولتوضيح هذا التحول العجيب أثار العلماء نظرية غالبا ما يطلق عليها “الوحوش المتأملة” “Hopeful Monsters”، وفحوى هذه النظرية ان التطور يحدث بواسطة القفزات بالطفرات بين الانواع وتكون هذه التغيرات الجوهرية في نطاق ووقت قصير، لذا فمن الممكن حساب التحول المفاجئ من الثيروبودات الى حجم عصفور الايبرومسورنس (Iberomesornis) في عصور ما قبل التاريخ.
ولكن من الواضح ان قصة تحول الديناصورات الى طيور اصبحت اكثر تعقيدا بشكل متزايد، ولقد أظهرت الاكتشافات ان ميزات الطيور كالريش قد ظهرت قبل وقت طويل من تطورها، مبينة أنها قد تكيفت ببساطة على عدد من الميزات الموجودة مسبقا لغرض الاستخدام الجديد. كما وتشير الابحاث الاخيرة ان بضعة تغيرات بسيطة قد حدثت من بينها اتخاذ شكل جمجمة طفل في مرحلة البلوغ. وان مثل هذه التعديلات قد مهدت الطريق لميزات الطيور الحديثة، كقدرتها على الطيران وامتلاكها لمناقير رشيقة. وهذا العمل يوضح كيفية حدوث تطورات يمكن ان تنجم عن سلسة من الخطوات التطورية الضخمة.
الطفرات الوهمية
في عام 1990 وجدت أحافير للديناصورات في الصين حيث كانت اغلبها أحافير ريشية، بالرغم من ان العديد من هذه الأحافير تفتقر الى الاجنحة، الا انها كانت مجموعة كاملة من أحافير الديناصورات ذات الريش، من شعيرات دقيقة الى ريشات بالغة الوضوح. ويعد اكتشاف هذه الانواع الجديدة من الأحافير الذي يحوي سجلاً احفورياً غير مكتمل، قد تسبب في تغيير كيفية تصور العلماء للمرحلة الانتقالية من الديناصورات إلى الطيور. ان الريش فكرة فريدة من نوعها حيث انها تطورت في الديناصورات بفترة طويلة قبل تطورها في الطيور الحديثة.
ان التحليلات الجديدة والمتطورة من هذه الحفريات التي تتبعت التغييرات الهيكلية وكيفية ترابط العينات في ما بينها، تدعم فكرة ان سمات الطيور قد تطورت على مدى فترات زمنية طويلة. وفي بحث نشر قبل سنتين بواسطة البروفيسور ستيفن بروست (Stephen Brusatte)، عالم الطبيعيات في جامعة ادنبرة-اسكتلندا، مع مجموعة من الباحثين، عن دراسة حول ديناصور كويلوروصوريا (Coelurosaurs)، وهي مجموعة فرعية من الثيروبودات التي تطورت منها طيور الاركيوبتركس والطيور الحديثة، وقد تابع الباحثون التغيرات في عدد من الخصائص الهيكلية مع مرور الوقت، وكذلك اثبتت انه لم يكن هناك طفرات كبيرة تميز الطيور عن ديناصورات الكويلوروصوريا.
“ان الطيور لم تتحول من تي ركس في عشية وضحاها وإنما هنالك ملامح ومميزات كلاسيكية قد تطورت في الطيور واحدة تلو الأخرى، ثم جاء الريش. ويقول البروفسور بروست ان أول تطور حدث للثيروبودات من ناحية حركتها، ومن ثم عظم الترقوة ثم الريش، وكذلك فإن الريش مر بمراحل معقدة حتى بدا مثل ريشة القلم، ومن ثم الأجنحة”. “والنتيجة النهائية هي انتقال سلس من الديناصورات إلى الطيور، لدرجة انه لا يمكنك رسم خط سهل بين هاتين المجموعتين”.
وجدت دراسة البروفيسور بروست على الكويلوروصوريا أنه بمجرد ظهور طيور الاركيوبتركس وغيرها من طيور ما قبل التاريخ، حيث بدأت تتطور بسرعة أكبر بكثير من الديناصورات الأخرى. ويقول بروست “وهذا أدى إلى انفجار تطوري وبدوره أدى إلى حصول الطيور على هيئة جديدة وناجحة ونوع جديد من البيئة، إذ تحلق لمسافات قصيرة”.
أهمية ان يكون الطائر صغيرا في تطور الطيور
بالرغم من ان اغلب الناس تميز الطيور عن الديناصورات من خلال الريش او الاجنحة، الا ان الفرق بالحجم بين الطيور الحديثة والديناصورات يعد أمرا في غاية الأهمية. وتشير البحوث الجديدة ان أسلاف الطيور تقلصت بسرعة، ومشيرا إلى ان الحجم الصغير للطيور كان سمة هامة ومفيدة، ومن المحتمل ان تكون عنصرا أساسيا في تطور الطيور. ومثل ميزات الطيور الأخرى وتناقص حجم الجسم، حيث من المرجح انها بدأ قبل فترة طويلة من تطور الطيور نفسها. حيث وجدت الدراسة التي نشرت في السنة الماضية، ان عملية التصغير هذه بدأت قبل ذلك بكثير مما كان يتوقعه العلماء. حيث بدأت بعض الكويلوروصوريا تتقلص منذ ما يقارب 200 مليون سنة، وقبل 50 مليون سنة ظهرت طيور الاركيوبتركس. وفي ذلك الوقت كانت هذه الديناصورات تتطور بشكل كبير.
المصدر:
Emily Singer, “How Dinosaurs Shrank and Became Birds“, Quanta Magazine, June 12, 2015