تم اكتشاف فك بشري قديم مصادفة بمحجر في قرية موير بالقرب من مدينة هايدلبرج في ألمانيا  عام 1907،وقد تميز هذا الفك السفلي بامتلاكه أسناناً مشابهة لنظيرتها لدى الإنسان الحديث، ولكنه كان كبيراً وسميكـاً، بحيث تم تصنيفه إلى نوع جديد.  لم يكتسب هذا النوع   مصداقية إلا في أواخر القرن العشرين، عندما تم اكتشاف حفريات إضافية تدعمه كنوعٍ منفصل – وخاصة الحفريات المكتشفة في أسبانيا عام 1997، التي امتلكت خصائص انتقالية بين الإنسان المنتصب المتأخر والإنسان البدائي.

يتميز هذا النوع بكونه طويلاً وذي أجسامٍ قويةٍ ووجوهٍ مسطحةٍ إلى حد ما – ولكنهم لم يمتلكوا ذقوناً مستدِقةً كالإنسان المعاصر. عاش هذا النوع في مجموعات مُتعاونِة، اصطادوا الحيوانات الضخمة، وقاموا بصناعة العديد من الأدوات المختلفة، مُتضمنةً الفؤوس اليدوية الحجرية. كمـا أرتبط هذا النوع بأول دليل على استخدامه للرماح.

الانتشار والعمر

تم اكتشاف حفريات تعود لهذا النوع في قارة أفريقيا تحديدًا في إثيوبيا وزامبيا، وفي قارة أوروبا  في إسبانيا والمملكة المتحدة، وفي آسيا في الهند تحديدًا. ويعتقد أن هذا النوع  عاش منذ ( 700 – 200 ) ألف سنة.

 

التسمية

هومو: كلمة لاتينية معناها بشر أو إنسان، وهو نفس اسم الجنس الذي يتم إطلاقه على الإنسان الحديث، والذي يشير إلى العلاقة القريبة بين هذا الإنسان ونوعنا.

هايدلبرغنيسيس: نسبة إلى مدينة هايدلبرج بألمانيا.

 

التصنيف والعلاقة بالأنواع الأخرى

اُعتقِد في بادئ الأمر أن إنسان هايدلبرغ  ينتمي إلى الإنسان المنتصب، أو إنسان النياندرتال، أو ربما الإنسان البدائي. ورغم الاكتشافات الحفرية الحديثة التي وطدت هذا النوع كنوع منفصل، إلا أن هناك العديد من الباحثين الذين يقترحون أنه ينتمي إلى أواخر جيل الإنسان المنتصب، أو أوائل الإنسان الحديث (الإنسان البدائي). وعلى النقيض من ذلك، فهناك العديد من العلماء الذين يقبلون إنسان هايدلبرغ.

يُعتقد أن إنسان هايدلبرغ قد َطور اختلافات إقليمية (أي تكيفية حسب المنطقة والبيئة) والتي أدت في نهاية المطاف إلى نشوء نوعين من البشر. فقد تطور إنسان هايدلبرغ في أوروبا إلى إنسان النياندرتال، و في أفريقيا إلى الإنسان الحديث (الهومو سابينس).

ويجدر بنا الإشارة، أنه قد وُجدت حفريات بأوربا تشير إلى كونها حلقة وسطى بين إنسان هايدلبرغ والنياندرتال، وما زالت المناقشات حول تصنيفها إلى أي النوعين. ومن أشهر هذه الحفريات، حفرية شتاينهايم (steinheim). حيث أُكتشفت هذه الجمجمة  في ألمانيا عام 1933، و يظهر من خصائص الوجه أنها تعود  لإنسان هايدلبرغ، وإن كان أقل سمكاً، فقد يكون لأنثى بالغة. بينما تميزت  الجمجمة (القحف) بكونها أكثر استدارة من الخلف، وامتلك هذا النوع انخفاض بسيط في العظم القذالي (عظم مؤخرة الرأس) بمؤخرة الجمجمة مشابهاً بذلك النياندرتال.  

وهناك رأي ظهر حديثاً بخصوص الحفريات التي تم اكتشافها بـ جِران دُولِينا في أسبانيا. على الرغم من أن  العديد من الباحثين يعتبرون أن  تلك الحفريات تعود لأوائل إنسان هايدلبرغ، إلا أنه يعتقد  مكتشفي هذه الحفريات أنها مختلفـة كفاية بحيث يتم تصنيفها لنوع جديد، أسموْه الإنسان السالف – أو السابق. ويدّعون أيضاً بأنه آخر سلف مشترك بين الإنسان الحديث والنياندرتال.

 

 

Image may contain: one or more people and beard

الخصائص المورفولوجية

حجم وشكل الجسم:

تميزت أجسام ساكني أوربا من هذا النوع بكونها مُكتنزة ومضغوطة، لتقليل فقدان الحرارة. بينما تشير عظام الساق إلى أنهم كانوا على قدر كبير من الطول قد يصل لحوالي 180 سم. وتشير عظمة القصبة والنتوءات العظمية إلى البنية القوية لهذا النوع من أسلاف الإنسان.

متوسط الطول 173 سم

متوسط الوزن 65 – 80 كجم

 

المخ:

امتلك هذا النوع مخاً أكبر من سابقيه يصل لحوالي (1250) سم3، ممثلاً بذلك 1.9 ٪ من حجم الجسم. وازداد حجم الفصين الأماميين والداخليين ، مما قد يشير إلى زيادة في تعقيد المخ.

الجمجمة:

امتلك هذا النوع جبهة قصيرة ومائلة، مشابهاُ بذلك الأنواع المتقدمة من أسلاف الإنسان، بينما يمتلك الإنسان الحديث جبهة عمودية.وامتلك أيضاً فتحة أنف عريضة نسبياً،

الفكوك والأسنان:

تميز هذا النوع بفكوك قصيرة عن سابقيه، لذا فقد امتلك وجهاً بارزاً بدرجة طفيفة. وامتلك بعض أفراد هذا النوع فجوة خلف الضرس الثالث من كلا الفكين، سُمى الفراغ خلف الضرس. تميز الفك السفلي بامتلاكه عضلات مضغ قوية، وكما ذكرنا سابقاً فقد امتلك أسناناً أصغر من الأنواع المنصرمة، ولكن تظل أكبر من نظيرتها في الإنسان الحديث.

الأطراف:

امتلك سيقاناً أطول نسبياً، ويعتقد أنها طريقة تكيف للمساعدة في تبريد الجسم في المناطق ذات درجات الحرارة المرتفعة، وذلك بزيادة مساحة سطح الجلد. فتناسب الأطراف لدى إنسان هايدلبرغ مشابه لنظيره في الإنسان الحديث، وعلى النقيض من النياندرتال والذي امتلك سيقاناً أقصر.

 

الأدوات الحجرية والنار

اسُتخدم إنسان هايدلبيرغ  الأدوات التي صنعها بنفسه في اصطياد وذبح الحيوانات. وتتشابه الأدوات التي استخدمها هذا النوع مع الإنسان العامل (إرغاستر)، حيث استخدموا الأدوات الأشوليـة – والتي يطلق عليها (Mode 2 technology) – من البلط والسواطير الحجرية. ثم بمرور الوقت اتخذ بعض الأفراد من إنسان هايدلبرغ أدوات من قرون الظباء والعظام والأخشاب وصنعوا منها المطارق والرماح.

يوجد لدينا دليل على استخدام هذا النوع للنار. كما يعتقد أنه تم ارتداء جلود الحيوانات، خاصة من ساكني  أوربا من هذا السلف من أسلاف الإنسان. ولكن ليس لدينا دليل مباشر على هذا الادعاء، حيث أن الجلود سريعة التلف.

 

الطعام

قام إنسان هايدلبرغ باصطياد الحيوانات الضخمة – للطعام وربما أيضاً للجلود – حيث تشير العظام المتحجرة أنه تم استهداف حيوانات مثل وحيد القرن وفرس النهر و الدببة والخيول والظباء. صِيدت الحيوانات بمهارة وإتقان، وذُبِحت بطريقة منظمة مما يشير أن إنسان هايدلبرغ قد عملوا في مجموعات متعاونة ومشتركة.

 

أشهر الحفريات المكتشفة

1- بوكس جروف 1 (Boxgrove 1) – قصبة ساق، تم اكتشافها عام 1993 بغرب سوسيكس في إنجلترا. وتُظهر القصبة أنها قُضمت من كلا طرفيها بواسطة مفترس قديم من آكلي اللحوم.  برغم ذلك  تظهر أن صاحبها كان ذو بنية جسدية أقوى من  الإنسان الحديث، حيث امتلك عضلات ساق قوية وكبيرة.

2- بروكن هيل 1 (Broken Hill 1 – Kabwe) – جمجمة، تم اكتشافها عام 1921 بزامبيا وقد يصل عمرها إلى 300 ألف سنة، وهى أول حفرية لسلف من أسلاف الإنسان تُكتشف بأفريقيا. تمتلك هذه الجمجمة العديد من الصفات البدائية مثل وجه عريض، وحواجب غليظة بارزة، وجبهة مائلة. وتصل سعة هذه الجمجمة إلى 1280 سم3. امتلك هذا الفرد تسوس خطير بالأسنان، بالإضافة إلى عدد من الخراريج التي أدت إلى تلف عظام الفك العلوي. والجدير بالإشارة أن مثل هذه التسوسات الخطيرة بالأسنان، كانت غير شائعة لدى أسلافنا، إلا أن تم تطوير الزراعة منذ ما يقرب من 10.000 سنة، مما أدى إلى تضمين المزيد من الأطعمة النشوية والسكرية في النظام الغذائي.

No automatic alt text available.

الموقع السابق

3- سالدانا (Saldanha) قُلنسوة جمجمة – تم اكتشافها عام 1953 في جنوب أفريقيا. و تشبه إلى حد ما جمجمة (بروكن هيل 1) في امتلاكها حواجب غليظة بارزة  و جبهة مائلة، ولكنها تتميز بمؤخرة جمجمة عمودية بدل من دائرية أو مائلة.

4- أراجو 21 و أراجو (Arago 21 & Arago)

5- موير 1 (Mauer 1) – أول حفرية تم اكتشافها لهذا النوع عام 1907 بالقرب من مدينة هايدلبرغ  في ألمانيا، ويعود عمر هذه الحفرية إلى (400 – 600)  ألف سنة.

 

المصطلحات

إنسان هايدلبيرغ (Homo heidelbergensis)

قرية موير (Mauer)

الإنسان البدائي (Archaic Homo sapiens)

أواخر الإنسان المنتصب (Late Homo erectus)

إنسان النياندرتال (Homo Neanderthal)

اختلافات إقليمية (Regional differences)

العظم القذالي (Occipital bone)

جران دولينا (Gran Dolina)

الإنسان السالف (Homo antecessor)

سلف مشترك (Common ancestor)

عظمة القصبة (Tibia)

النتوءات العظمية (Bony ridges)

الفص الأمامي (Frontal lobe)

الفص الداخلى (Parietal lobe)

فجوة (Gap)

الفراغ خلف الضرس (Retromolar space)

الإنسان العامل (Homo ergaster)

الأدوات الأشولية (Acheulean tools)

غرب سوسيكس (West Sussex)

آكلات اللحوم (Carnivores)

الخراريج (Abscesses)

قلنسوة جمجمة (Skull cap)

الظباء (Deers)

فرس النهر (Hippopotamus)

 

المراجع

Fran Dorey, “Homo heidelbergensis”, Australian Museum, September 25, 2015

MCCARTHY, E. M., “Homo heidelbergensis”, Macroevolution, July 24 , 2017

Hominidés, “Homo heidelbergensis“, July 24, 2017

University of Texas Austin, “Homo heidelbergensis”, efossils, July 22, 2017