نحن نترك أجزاء من الحمض النووي الخاص بنا في كل مكان نذهب اليه. حيث يمكن أن يُستخدم هذا الحمض النووي للتنبؤ ببعض السمات، مثل لون العين، الجلد، الشعر. وقريبا قد يكون من الممكن إعادة بناء وجهك بالكامل من هذه الآثار.
هذا هو عالم “المظهر الموروث للحمض النووي”، إعادة بناء السمات المادية من البيانات الجينية. البحوث والدراسات وبعض الشركات مثل شركة “23andMe” في بعض الأحيان تتبادل البيانات الوراثية التي كانت “مجهولة المصدر” عن طريق إزالة الأسماء. لكن هل يمكنا ضمان خصوصيتنا إذا كان بإمكاننا التنبؤ بوجه صاحبها؟
في هذا المقال سوف تتمكن من معرفة ما وصل اليه العلم في الوقت الحاضر، وإلى أي حد يمكن أن يصل في المستقبل.
توقع لون العين والشعر والجلد
كان المظهر الموروث للحمض النووي من المجالات النشطة في الأبحاث التي قام بها الأكاديميون منذ عدة سنوات. الباحثين في علم الأحياء الشرعي مانفريد كايسر (Manfred Kayser) وسوزان والش (Susan Walsh) وآخرين، قاموا بدور ريادي في العديد من أساليب المظهر الموروث للحمض النووي.
ففي عام 2010، طوروا نظام “IrisPlex”، الذي يستخدم 6 علامات للحمض النووي لتحديد ما إذا كان الشخص لديه عيون زرقاء أم بنية. وفي عام 2011، تم تضمين علامات إضافية للتنبؤ بلون الشعر. وفي العام الماضي أضيفت علامات للون الجلد. وتم توفير هذه الاختيارات عبر موقع ويب يسمح لأي شخص يمكنه الوصول للبيانات الوراثية من تجربته.
وتم استخدام تنبؤات السمات لحل عدد من الاسئلة. ففي الآونة الأخيرة، على سبيل المثال، اعتقد أن “الإنسان شيدر-Cheddar Man” (أقدم هيكل عظمي كامل للإنسان في المملكة المتحدة) ربما كان يمتلك بشرة داكنة أو سوداء مع عيون زرقاء/خضراء. تبنى النماذج التنبؤية في الغالب من مجموعات أوربية حديثة، لأننا يجب ان نكون حذرين عند تطبيق الاختبارات على مجموعات أخرى (خاصة القديمة).
الصورة الكاملة
لقد تطورت الأبحاث الخاصة بالمظهر الموروث للحمض النووي بسرعة في العام الماضي مع تطبيق نهج التعليم الآلي، ولكن لا يزال نطاق قدرتنا الحالية محل جدل ساخن.
في العام الماضي، قام الباحثون في مجال الوراثة من شركة كريغ فينتر (Craig Venter) الخاصة بتعمير الإنسان، بإجراء قياسات مفصلة للسمات البدنية لنحو 1000 شخص. تم ترتيب تسلسل الجينوم الكامل (رمزنا الوراثي الكامل) وقاموا بجمع البيانات لإنشاء نماذج تمكننا من التنبؤ بهيكل ثلاثي الأبعاد للوجه وكذلك للصوت والعمر البيولوجي والطول والوزن ومؤشر كتلة الجسم ولون العين ولون البشرة.
تلتقت الدراسة ردة فعل قوية من قبل علماء بارزين، ومن ضمنهم يانيف إرليخ (Yaniv Erlich)، المعروف بأسم (قرصان الجينوم). بدت الدراسة بتوقع متوسط الوجوه على أساس الجنس والنسب، بدلا من الوجوه المحددة للأفراد. كما تم انتقاد طريقة الحكم على التنبؤات في المجموعات الصغيرة المختلطة عرقيا.
وحتى مع وجود تنبؤات دقيقة للوجه، أشار إرليخ إلى أنه بالنسبة لهذا النهج قريب من تحديد شخص ما في العالم الحقيقي، يقول إرليخ:
“على الشخص أن ينشئ قاعدة بيانات ذات مقياس سكاني تشمل الطول، مع وجود علم التشكل، البصمة الصوتية الرقمية وبيانات ديموغرافية لكل شخص يراد تحديده “.
لإنه بدون قاعدة بيانات لن نتمكن من جلب بعض الصفات الجسدية وكذلك الأسم.
قاعدة بيانات للمطابقة؟
اتضح أن الحكومة الاسترالية في طور بناء قاعدة بيانات كهذه. (نظام القدرة The Capability) هو نظام مقترح للتعرف على القياسات الحيوية والوجه الذي سيطابق نظام “CCTV” للمعلومات من جواز السفر ورخصة القيادة. في البداية وصفت كتدبير لمكافحة الإرهاب، وهنالك تقارير فعلية بأن هذه الخدمة قد تم توفيرها مقابل رسوم للشركات.
في الوقت نفسه، بدأ مكتب الضرائب الأسترالي بخدمة التعرف على الصوت. فمن السهل تخيل كيف يمكن دمج هذا النوع من النظام مع (نظام القدرة).
وليس فقط أستراليا هي من تؤسس نظام القدرة على أن تصبح دولة مراقبة بيومترية، تتعرف على الوجه. فالهند أيضاً تنشر نظام “Aadhar”، والصين تقود العالم في التعرف على الوجوه.
صورة شخص عن طريق الحمض النووي
في الوقت الحاضر، تعتمد معظم تقنيات تحديد هوية الحمض النووي الشرعي على علامات “مجهولة” تطابق الهوية بقاعدة بيانات، ولكنها لا تكشف عن أي شيء آخر بخصوص المشتبه به. مع التقدم في التكنولوجيا الجينومية، يتجه علم الوراثة الشرعي نحو اختبارات يمكن أن تخبرنا أكثر بكثير عن شخص ما.
هنالك عدد من الشركات التي تقدم خدمات المظهر الموروث للحمض النووي مقابل رسوم. تدعي احدى الشركات المسماة بارابون نانولابس (Parabon NanoLabs)، أنها قادرة على التنبؤ بدقة بالمظهر المادي لشخص مجهول من خلال الحمض النووي. وتستخدم قوات الشرطة الاسترالية خدمات هذه الشركة بالفعل، بما في ذلك شرطة كوينزلاند في قضية حديثة لمغتصب متسلسل في جولد كوست.
يعتمد نظام شركة بارابون أيضا على نموذج تنبؤي. من خلال تطبيق أدوات التعلم الآلي على قاعدة بياناتها المرجعية الجينية/المميزة. وتتوقع الشركة لون البشرة، لون العين، لون البشرة، النمش، النسب، وشكل الوجه من عينة الحمض النووي. وتستخدم هذه التوقعات، وما لها من ثقة، من إعادة بناء التي قام بها الطبيب الشرعي لإنشاء ملف تعريفي.
هنالك شكوك حول قدرات بارابون. فمن الصعب تقييم نظامها نظرا لان الرموز الحاسوبية غير متاحة، ولم يتم نشر منهجها لمراجعته من قبل الأقران (اقرأ عن مراجعة الأقران – Peer review في العلوم الحقيقية).
كما هو الحال مع أي نوع من أدلة الحمض النووي، هنالك خطر حدوث حالات لا تتحقق العدالة فيها، وخاصة إذا تم استخدام الأدلة بشكل معزول. قد تكون فائدة المظهر الموروث للحمض النووي في هذه المرحلة في استبعاد الاحتمالات البعيدة أكثر من قدرته التنبؤية. وتوضح بارابون أن التنبؤات يقصد استخدامها للمقارنة مع المعلومات الاستقصائية الأخرى لتضييق قائمة المشتبه بهم المحتملين [لا لإيجاد المتهم بذاته دون قائمة مسبقة].
أين سينتهي كل هذا؟
نحتاج فقط للنظر إلى التوائم المتطابقة لنرى كم ان وجهنا يتشكل من خلال حمضنا النووي. والسؤال حول ما مدى العلاقة بين الحمض النووي والخصائص الفيزيائية الخاصة بنا وهل سنكون قادرين على فتح المستقبل؟ وما هي المدة التي سنستغرقها للوصول إلى هنالك؟
من السهل نسبيا التنبؤ ببعض الميزات. على سبيل المثال، يمكن استنتاج لون العين من بعض المتغيرات الجينية القليلة نسبيا. في حين أن الصفات الأخرى ستكون اكثر تعقيدا لأنها “متعددة جينيا”، وهذا يعني أن هنالك العديد من المتغيرات الجينية تعمل معا لإنتاج ميزة محددة.
فعلى سبيل المثال، قامت دراسة حديثة حول لون الشعر الوراثي، بدراسة لون شعر 300 ألف شخص اوربي. ووجد الباحثون 110 علامة جينية جديدة مرتبطة بلون الشعر، ولكن التنبؤ ببعض الألوان (أسود، أحمر) هو أكثر موثوقية من غيرها (الأشقر، البني).
فقد تختلف الطريقة التي يرمز فيها حمضنا النووي إلى مميزاتنا الفيزيائية حسب مجموعات أسلافنا المختلفة. حاليا، ستكون قدرتنا على التنبؤ بالأوربيين المعاصرين أفضل من المجموعات الاخرى، لأن قواعد البيانات الجينية الخاصة بنا يهيمن عليها أشخاص ذوي أصول أوربية [نظرة لكثرة وجود العناصر الأوربية في قواعد البيانات الجينية].
بينما نوظف أساليب تعلم آلية متطورة على قواعد بيانات أكبر (وأكثر تمثيلا من الناحية العرقية)، من المحتمل أن تتحسن قدرتنا على التنبؤ بالمظهر من الحمض النووي بشكل كبير.
تأتي خدمات Parabon مع إخلاء المسؤولية بأنه لا ينبغي استخدام عمليات إعادة البناء مع أنظمة التعرف على الوجه. لكن دمج التقنيات ليس مستحيل في المستقبل، ومع ذلك فإن الأمر يثير أسئلة حول توسيع نطاق استخدام هذه التقنيات.
ماذا يعني هذا لخصوصيتنا الوراثية؟
على الرغم من الجدل القائم حول إمكانياتنا الحالية، فإن علم المظهر الموروث للحمض النووي سيتحسن. ما يوضح تطور حقل الديناميكي للحمض النووي وما له من تأثير على تطور ما نستطيع استخراجه من معلومات شخصية بواسطة بياناتنا الجينية.
قد تعني حماية خصوصية بياناتنا الجينية في المستقبل أنه يجب علينا التوصل إلى طرق مبتكرة لإخفاء ذلك، على سبيل المثال، إخفاء الجينوم، أو تشفيره.
وكلما زادت معرفتنا بالشفرة الوراثية، كلما زادت صعوبة حماية خصوصية بياناتنا الجينية.
المقال الأصلي:
James Hereward, “How Accurately Can Scientists Reconstruct A Person’s Face From DNA?”, smithsonianmag.com,