الأوستيوباثي أو تقويم العظام هو أحد أنواع العلاج اليدوي، ظهر في أمريكا في القرن الثامن عشر، بدأ في الفترة الأخيرة بالانتشار في عالمنا العربي. حيث يدعي ممارسوه القدرة على معالجة 90% من الأمراض، ولا يقتصر على معالجة آلام الظهر فقط بل يتعداها الى حالات اخرى كالتهابات الأذن والربو وبكاء الأطفال ومشاكل التعلم  وبخلاف الأنواع الأخرى من الطب البديل تمكن الأوستيوباثي من تكوين مؤسسات وكليات تدعم استمراره وشيوع استخدامه تعالوا معنا لنتعرف عليه بشكل اوسع.

منشأ الأوستيوباثي ومبدأه

في ربيع عام 1864، شاهد أندرو تايلور ستل، وهو طبيب ممارس في أرياف ولاية كنساس الأمريكية، فشل أفضل الأدوية الموجودة حينها في علاج أطفاله الثلاثة من مرض التهاب سحايا الحبل الشوكي. ومع شعوره بالمرارة والأسى باشر ستل باختراع نظام معالجة بديل. حيث أسس نظامه الجديد على فكرة ترابط العقل والجسد والروح و إن الحالة المرضية تنتج من اختلال في تقويم او اعاقة عناصر تركيبية مختلفة في الجسم (كالعظام والعضلات والاعصاب) ان التقويم اليدوي للعمود الفقري من الممكن أن يُزيد من جريان الدم وبالتالي تحسن فرص الشفاء بالسماح للجسم بعلاج نفسه  واشتملت فلسفته ايضاً على جرعة علاجية من التوجيه الأخلاقي وكان يمنع مرضاه من شرب اي نوع من الكحوليات، وكنقطة فصل عن الممارسة الطبية السائدة في وقتها منع مرضاه من اخذ اي دواء. أسس ستل كلية لتدريس نظامه الجديد في الأوستيوباثي في ولاية ميسوري، مدينة كركسفل عام 1892.

في الفترة التي انشأ فيها ستل الأوستيوباثي، لم تكن هذه الفكرة غريبة عن الاعتقادات الطبية في تلك الفترة في المجتمع الأمريكي في الغرب الأوسط، ولم تكن فكرته الاسوء.

شهدت تلك الفترة ظهور ممارسات تقويمية أخرى تستهدف العمود الفقري كالكايروباثي التي أنشأها دانيال ديفيد بالمر، واستهدفت فك الانسدادات في الأعصاب بدلًا من الأوعية الدموية في الأوستيوباثي.. ويعتقد كثيرون أن هذا المبدأ مقتبس من الأوستيوباثي، حيث ان هناك الكثير من المشتركات بينهما.

إن نشوء هذه الأنظمة كان شائعاً في القرن التاسع عشر حيث فضل الأمريكيون المتدينون في الغرب الأوسط هذه السبل بدلاً عن النموذج الأوربي الاختزالي القائم على الطب المثبت مختبريًا والذي كان شائعًا في مناطق الساحل الشرقي الأمريكي والذي أصبح فيما بعد النظام المعياري لممارسة الطب.

إنتشار الأوستيوباثي

خلال القرن العشرين، أصبح الطب الممارس من قبل أساتذة الطب M.D  (او ما يعرف بالالوباثي) هو المسيطر على النظام الصحي الامريكي. وشهد هذا القرن كذلك انفصالًا بين الكايروباثي و الأوستيوباثي بعد أن كانا جزءاً من النظام الطبي الشامل، إتخذا طرقًا مختلفة. حيث حافظ ممارسو الكايروباثي على نظامهم في التركيز على التداول اليدوي للعمود الفقري. بينما قام ممارسو الأوستيوباثي، من جهة أخرى، بالعمل بجد على تبني كافة الطرائق العلاجية للطب الحديث وبهذا تقربوا اكثر من الالوباثي. فالمناهج التعليمية لإعداد دكاترة الأوستيوباثي مشابهة لتلك المتبعة في كليات الطب الاعتيادية، ماعدا اختلاف واحد، وهو بقايا تعاليم الأوستيوباثي التي بقيت وستبقى من أجل المظهر، فهي تعد ركيزة لكيان هذه الكليات. واليوم فإن ممارسو الأوستيوباثي في أمريكا مرخصون لوصف الأدوية والقيام بالعمليات الجراحية وتوليد الاطفال، اي هم يقومون بكل ما يقوم به الطبيب التقليدي حيث يعطون شهادة دكتور في الأوستيوباثي D.O. .

وجدير بالذكر ايضًا أن كليات الأوستيوباثي تقبل الطلبة بمعدلات دراسية اقل من مثيلاتها في كليات الطب الالوباثي، لذلك كان هناك ازدياد في أعداد الطلبة الدارسين فيها.

إن الانتشار في كليات تدريس الأوستيوباثي  لا يعني غض البصر عن الاساس الذي بنيت عليه ولايزال بعض ممارسيه وخصوصا خارج الولايات المتحدة يروجون له وهو العلاج اليدوي التقويمي والذي لايزال متبنى في الكايروباثي وهو مشابه لما يمارسه المعالجون الشعبيون (طب العرب في العراق) في بلداننا لعلاج آلام الظهر وغيرها من الامراض.

العلاج اليدوي التقويمي

يلجأ الكثير من الناس الى المعالجين اليدويين لعلاج الام الظهر بصورة أساسية بينما يدعي ممارسوه أن بإمكانهم علاج 90% من الأمراض، من التهاب السحايا والربو والأكزيما وآلام القولون والتهابات الأذن حالات التبول اللاإرادي ومشاكل التعلم والتصرف. حيث يعزون هذه الأمراض جميعا إلى انحرافات Subluxation في قوام الجسم ويتقاضى بعض ممارسو الأوستيوباثي أو الكايروباثي مبالغ مالية كبيرة على فرضية أن تعديلات يدوية منتظمة يمكن لها ان تبعد الامراض والالام، والبعض منهم بدأ بترويج هذه الادعاءات في أوساط الأمهات الحوامل والأطفال حديثي الولادة، وهم مجتمع يمكن التأثير على عواطفهم بسهولة، لكن هل يوجد دليل علمي على صحة هذه الادعاءات؟ وهل العلاج اليدوي فعال؟ وهل الاستيوباثي خالي من الأعراض الجانبية وآمن كما يروجون له؟

إذا اطلعت على صفحة أحد  ممارسي الأوستيوباثي ستقرأ بأن التقنيات التي يستخدمونها تهدف إلى إعادة الجسم إلى “توازنه الطبيعي” ليسمح له “بعلاج نفسه” وهذا هو محور الأوستيوباثي. إن هذه الفرضية لا يدعمها العلم. فضلًا عن انك ستقرأ عبارات مثل “العلاج الشامل  والعلاج الشخصي”، فمثل هذه العبارات تحمل من الغموض ما يكفي تؤشر على أنها ادعاءات علوم زائفة.

في عام 2009 قام تيموثي ميرتز، وهو ممارس كايروباثي سابق ويعمل الآن في قسم بحوث التعليم البدني في جامعة بيثون كوكمان في فلوريدا، وزملاء له بإعداد بحث موسع ووجدوا انه لا يوجد ولا شعرة من دليل يؤيد الادعاء القائل بأن سبب الأمراض بالجسم يعود إلى انحرافات في الجسم كما يدعي ممارسو الكايروباثي والاسوتيوباثي. حيث يقول ساخرًا “إن هناك دليل مادي على وجود سعدان أمريكا الشمالية والبغ فوت على الادعاء القائل بأن الانحرافات تسبب الأمراض.”

بالاضافة الى هذا، فان عدد قليل من الممارسين يعرضون الأوستيوباثي فقط في عياداتهم، في حين أن الغالبية تقدم انواعًا اخرى غير مثبتة علميًأ من طرق العلاج البديل العلاج بالابر الصينية ومعالجة المثلية Homeopathy والمداواة الطبيعية Naturopathy والعلاج بالمنعكسات Reflexology والعلاج بالطاقة Reiki او طب الذبذبات. فهذا يعطينا نافذة على العقلية العامة للاوستيوباثيين.

يقول المتخصص في علم الأدوية ديفد كلوكوهون David Cloquhoun: “حتى في حالات آلام الظهر، التي يشتهر الأوستيوباثي بالتخصص في مداواتها، هنالك القليل من المنطق ليجعلنا نعتقد بأن التقويم اليدوي فعال. حيث يتحسن الأشخاص بنفس الوتيرة، باختلاف نوع العلاج” ويورد ايضًا انه ” في خلال ال120 عامًا على ظهور الأوستيوباثي والكايروباثي لم يظهر أي دليل مقنع على فعاليتهما”

هناك العديد من الدراسات التي يعتمد عليها مروجو هذا النوع من العلاج والتي تظهر ان لهذا النوع من العلاج فائدة ايجابية، لكن عند مراجعة هذه الدراسات تظهر أنها دراسات صغيرة أو أنها ذات رصانة علمية واطئة. وعند جمع كل هذه الدراسات وتحليلها تنقلب المعادلة حيث تظهر الدراسات أن الدليل العلمي لفعالية هذه الممارسات على المدى القريب هو قليل إلى متوسط، وان عملية العلاج اليدوي التقويمي ليست افضل من اي نوع اخر من العلاج، ومن ضمنها البلاسيبو.

ويورد موقع  NHS Choices (هيئة الخدمات الصحية الوطنية) “بأن استخدام الأوستيوباثي لا يعتمد دوماً على الدليل العلمي” وتورد ايضًا “لا يوجد دليل علمي أو يوجد دليل ضعيف لدعم كون الأوستيوباثي كعلاج فعال للربو والدورة المؤلمة وبكاء الاطفال الشديد والتهاب الأذن الوسطى ومشاكل الفك وانحناء الظهر غير الطبيعي” حيث يدعي ممارسو الأوستيوباثي في قدرتهم على شفاء جميع هذه الأمراض.

ومن الجدير بالذكر ايضًا أن المعهد الوطني للصحة وتفوق الرعاية (NICE)  في المملكة المتحدة لم يعد يضع المساج والعلاج اليدوي كخط علاجي أول لآلام الظهر بسبب ضعف نوعية الدليل المساند. واستبدلها بالتمارين الرياضية والفعالية الحركية الأكثر فعالية و الأرخص تكلفة.

ومن ناحية الامان، فيمكنك أن تتخيل معالج الكايروباثي ببدلته البيضاء وهو منحن فوق المريض موجها نحوه لويات قصيرة وحادة عاصرة للرأس. ولا ننسى أن هذه طريقة جيمس بوند المفضلة في قتل أعدائه عندما وجدهم في غرفته في الفندق.

ويورد موقع  NHS أعراض جانبية أخرى للأوستيوباثي كالصداع والإرهاق والألم والحرقة في موضع إجراء العلاج اليدوي.. ويضيف لها أعراض جانبية أخرى مثل تمزق جدران الشرايين مسببة الجلطة التي تؤدي الى اعاقة دائمة او الى الموت.

يقول فيلبس سيل وهو جراح عمود فقري يعمل في ال NHS أن العلاج اليدوي للرقبة غير مناسب على الاطلاق، فالدوران المفاجئ للرأس لأحد الجوانب قد يسبب جلطات دماغية في بعض الأحيان vertebrobasilar stroke، لذلك لا ينصح باستخدامه. لان المخاطر تفوق الفوائد المقترحة.

اما المخاطر الأخرى للاوستيوباثي لا تتعلق بعملية العلاج اليدوي فحسب، بل بالأمراض التي تدعي القدرة على شفائها بدون دليل علمي فالاعتماد على الأوستيوباثي بعلاج الأمراض كالربو قد يشكل خطورة كبيرة على الأطفال.

يتواجد الأوستيوباثي اليوم على حافة العلوم الزائفة، لأنه من ناحية الوظيفة يقف في محل مقارب لابن عمه “العلاج الطبيعي” لكنه متمسك لحد الان بفلسفة مؤسسه المدعية والمملوءة بمؤشرات العلوم الزائفة والتي تعد أساس كيانه ووجوده.

 

المصادر