في دول الغرب الصناعية والعديد من دول العالم يتوفر الغذاء بصورة أكثر من مُرضية، لذا فإن وجود وباء يعد السُمنة امر طبيعي ويرتبط به مرض السكري من النوع الثاني، حيث يوجد اليوم أكثر من 300 مليون مصاب بالسُكري عالمياً، ومن المتوقع ان يزداد هذا العدد خلال العقد القادم، متبوعاً بعدد المصابين بالسمنة. تتضمن الأعراض المرضية للمصابين بالسُمنة، الأمراض القلبية، الفشل الكُلوي، العمى، ضعف علاج الأطراف التي تقود الى البتر، والعطب العصبي، في عام 2011 بلغت عدد الوفيات بالسكري النوع الثاني حوالي 4 مليون وهذه العدد قابل للارتفاع خلال السنوات اللاحقة، لذلك من المهم ان نفهم مرض السُكري وعلاقته بالسمنة، لإيجاد عوامل تمنع تفاقم المرض واضراره.

ما هو الاديبونيكتين؟

هو هرمون بروتيني  يتكون من (224 حمض اميني) يُنتج حصراً من قبل النسيج الدهني بالجسم، والذي يعمل بصفته ادينوكين (بروتين هدفه التواصل بين الخلايا  في النسيج الدهني). يحمي الاديبونيكتين الجسم من تصلب الشرايين، ويوقف الاستجابة الالتهابية الناتجة عن :التصاق خلايا الدم البيض (الوحيدة)، و تحول الخلايا البلعمية، وتوالد وانتشار الخلايا الملساء للاوعية الدموية، وكذلك يؤثر بقوة   حيث يزيد من امتصاص الحمض الدهني الموجود بالدم من قِبل الخلايا العضلية، ويتحكم بسرعة اكسدة الحمض الدهني في العضلات، كذلك يقوم بكبح تصنيع الحمض الدهني وتوليد الجلوكوز من قِبل خلايا الكبد، ويحفز على امتصاص وتقويض الجلوكوز في العضلات والكبد.
كل هذه العمليات آنفة الذكر هي عمليات غير مفهومة وغير مباشرة، الا ان هناك  من يتوسط كل هذه العمليات وهو الـ AMPK   [وحدة انزيمية فسفورية]  وهي عبارة عن ادينوسين احادي الفوسفات والتي تعتبر وحدة الخزن للطاقة الناتجة من مختلف العمليات الأيضية بالجسم، ويكمن دور الاديبونيكتين في تحفيزها أيضاً، وبهذا الفعل يتحكم الاديبونيكتين في تغيير المسار الأيضي من البناء الحيوي إلى توليد الطاقة، وهذا محور دور العمليات الايضية التي تعمل بمسارين الأول هو البناء الحيوي للخلايا والذي يستهلك طاقة والأخر هو محور الهدم  والذي يتلخص بتفكيك العناصر الغذائية الداخلة إلى الجسم كالدهون والسكريات وتحويلها الى مصادر للطاقة لإتمام الفعاليات الحيوية التي يحتاجها الجسم. وعند تفعيل هذه الوحدة الانزيمية تقوم بفسفرة البروتينات الهامة في عملية تأييض الدهون والكربوهيدرات والتي تؤثر في أيض الجسم بصورة عامة[1].

علاقة الاديبونيكتين بالأنسولين

ان الفئران التي لديها خلل جيني في الاديبونيكتين تكون أقل تحسساً للأنسولين من الفئران ذات المستوى الطبيعي منه، وهذا يعني ان تلك الفئران تُظهر تقبلاً ضعيفاً للجلوكوز بمعنى ان الغذاء المهضوم ذو الطبيعة الكربوهيدراتية يؤدي الى ارتفاع مزمن في نسبة السكر بالدم.

وهذه الأعراض تشابه تلك الموجودة لدى البشر المصابين بالسكري النوع الثاني، حيث ان تصفية الدم من الجلوكوز يكون ببطء . وهذا واضح لدى السمان والذين يعانون من السكري نوع 2 حيث ان مستوى الاديبونيكتين لديهم يكون منخفض وهذا يؤدي الى اثبات ان الاديبونيكتين يربط بين السكري نوع 2 والسمنة[2].

المتلازمة الأيضية والسمنة:

في مرض السُكري من النوع الثاني، يتصرف الجسم كما لو أنه يتضوّر جوعاً، وفي نفس الوقت نرى أن 80% من المصابين بالسُكري يعانون من السُمنة، وتحديداً؛ تلك السمنة حيث تخزن الدهون بنسبة كبيرة في منطقة التجويف البطني فما السبب في ذلك؟

يلجأ الباحثون الى استخدام مصطلح المتلازمة الايضية للإشارة إلى مجموعة من الاعراض التي تتضمن السمنة ومقاومة الأنسولين والتي تبدو مترابطة.

هناك 40% من الأمريكان فوق سن الـ60، تتشابه لديهم اعراض التي تطابق وصف المتلازمة الايضية وأولئك الذين يطورون هذا النوع من الاضطراب يكونون مصابين بالسكري/النوع الثاني، وقد يحدث لديهم تصلب الشرايين وارتفاع ضغط الدم؛ الذي قد يؤدي بهم الى الإصابة بالذبحة الصدرية.

عوامل عدة في هذه المتلازمة تشير إلى ارتباط السمنة المفرطة بالسُكري. ومن يُعانون من هذه المتلازمة يميلون الى تكون السمنة الحشوية (تجمع الدهون في منطقة الخصر-الارداف)، حيث يظهر لدى هذا النوع من السمنة سلوك هرموني يختلف عن السلوك الهرموني للسمنة  التي تتكون تحت الجلد، حيث ينخفض مستوى هرمون الاديبونيكتين (الذي يحفز فعالية الأنسولين) في هذه السمنة، بينما يرتفع هرمون الرسستين (الذي يكبح إطلاق الأنسولين).  سبب آخر لحدوث الارتباط بين مقاومة الأنسولين والسمنة [المتلازمة الأيضية] وهو سُميّة الدهون، حيث ان المستويات العالية من الحمض الدهني المأخوذ من الغذاء تؤدي الى تراكم الدهون في النسيج العضلي، بالإضافة الى النسيج الشحمي.

وهذا يترافق مع عدم تفعيل احدى نواقل الانسولين (GLU4)، وكذلك الى صد امتصاص الجلوكوز، وتراكم الاحماض الدهنية ودورانها بالدم، ومع كل ذلك تتحفز دورة توليد الجلوكوز في الكبد؛ مما يؤدي إلى ارتفاع السكر بالدم، واستجابة إلى ارتفاع السكر بالدم تقوم خلايا بيتا البنكرياسية بزيادة إطلاق الأنسولين، وهذا ما يؤدي الى ارهاق هذه الخلايا حتى الموت، ويُسمى “ارهاق خلايا بيتا”.

مهما كانت العلاقة بين المتلازمة الايضية والسمنة، فإنه من المؤكد ان تتحسن الأعراض عند فقدان الوزن، إذا ما تغير أسلوب الحياة من طبيعة الأكل والحركة لم تؤثر، فإن المتلازمة الايضية يمكن علاجها بنفس الادوية التي تعالج السكري/النوع الثاني، لأنها تكون محفزة للأنسولين[3].

ما الذي يهيئ المصابين بالمتلازمة الايضية للاصابة بالسكري من النوع الثاني؟

وفقاً لفرضية السمية الدهنية فإن الـ PPARƔ  [أحد عوامل النقل التي تتحفز بواسطة الروابط الدهنية و التي تغير التعبير عن جينات معينة وتحديداً تلك المسؤولة عن ترميز الإنزيمات التي تقوم بتخليق وتفكيك الدهون]  الموجود بالخلايا الدهنية يُبقي الخلية جاهزة لتصنيع و خزن الدهون الثلاثية. الخلية الدهنية تتحسس الانسولين وتقوم بإنتاج اللبتين، وهذا يقود الى الاستمرار بالتخزين للدهون الثلاثية داخل الخلايا، ولذلك فإن زيادة السعرات الواردة في الأشخاص البدناء يتسبب في امتلاء الخلايا الدهنية بالدهون الثلاثية، وهذا يجعل النسيج الدهني غير قادر على استقبال أي طلب إضافي لخزن الدهون الثلاثية.

النسيج الدهني المُثقل بالدهون الثلاثية سوف يؤدي الى اطلاق عامل بروتيني يجذب الخلايا البلعمية [أحد أنواع خلايا الدم البيضاء المسؤولة عن الإحاطة بالأجسام الغريبة التي تدخل الجسم وبلعها وتفكيكها كوسيلة مناعية دفاعية] التي تخترق النسيج الدهني وهذا يؤدي الى استجابة التهابية حيث سوف تشكل الخلايا البلعمية 50% من حجم النسيج الدهني في هذه الاستجابة المناعية هذه، تقوم الخلايا البلعمية بإضعاف الدهون الثلاثية مما يُطلق زيادة من الحمض الدهني الحر بالدم، وهذه الأحماض الدهنية تدخل الى الكبد والخلايا العضلية حيث تتحول الى دهون ثلاثية والتي بدورها تتجمع وتتحول الى قُطيرات دهنية (تكوين الدهون خارج الخلية)، وهذا التجمع من الدهون الثلاثية يقود إلى  فقدان التحسس تجاه الأنسولين. باختصار حدوث العلامة المميزة السكري نوع 2.

علاوة على ذلك، بحسب هذه الفرضية، فإن زيادة خزن الأحماض الدهنية والدهون الثلاثية يسبب تسمماً بالكبد والعضلات، وأن بعض الأفراد غير مجهزين جينياً للتعامل مع عبء الدهون الخارجية، يكونون أكثر عرضة لحصول تحطم خلوي يقود الى تطوير السكري من النوع 2.

تشتمل مقاومة الأنسولين على إتلاف بعض الآليات التي يسلكها الأنسولين بالعمليات الايضية، والتي تتضمن التغير في مستويات البروتين، التغير في عمل الإنزيمات، واستنساخ العوامل الإنزيمية. وعلى سبيل المثال؛ فإن كلا من مستوى توليد الاديبونيكتين في الخلية الدهنية، و مستوى الاديبونيكتين بالدم، يتناقص عند السمنة، ويزداد عند انخفاض الوزن[4].

المصادر:

[1][2] Lehninger Principles of Biochemistry, 6th Edition

[3] Essential Biochemistry, CHARLOTTE W. PRATT KATHLEEN CORNELY, 3rd edtion.  (p:525)

[4] Lehninger Principles of Biochemistry, 6th Edition (p:970)