1– فقدان الذاكرة عند الإصابة بالرأس:
من أشهر الخرافات التي قدمتها أفلام لا تٌحصى –بضمنها سلسلة كارتون توم وجيري- هي فقدان الذاكرة عن طريق الإصابة بالرأس، ثم أستعادتها بضربة أخرى في نفس المكان، و ما من حاجة للقول إلى أي مدى تُعد هذهِ الفكرة سخيفة وغير مقبولة علمياً.
مثال آخر عن الأفلام التي تناولت فقدان الذاكرة بصورة مغلوطة: فيلم خمسين موعد أول (50 first dates- 2004) حيث تظهر لوسي بطلة الفيلم (درو باريمور) كمصابة بفقدان ذاكرة بعد أن تعرضت لحادث مع والدها، جعلها تفقد على أثره ذاكرتها قصيرة المدى التي تكونت في النهار، فتستيقظ صباح اليوم التالي و قد نست كلّ أحداث الأمس. نعم، الإصابات القوية التي يتعرض لها الدماغ تسبب أحياناً خللاً في الذاكرة، قد يكون أحد أشكال هذا الخلل عدم إمكانية خزن الذكريات على مدى بعيد، لكن مثل هذهِ الإصابات تتميز بقصر فترة الإحتفاظ بالذكريات، إذ لا يمكن لإصابة مثل إصابة لوسي أن تمكنها من عيش يوم كامل عبر الذاكرة قصيرة المدى، لتنسى ذلك في الصباح، في الواقع لنْ تتمكن ذاكرة لوسي قصيرة المدى العمل إلا لدقائق معدودة بقدر الدقائق اللازمة لمشاهدة إعلان الفيلم، ثم تنسى ما حدث في تلك الدقائق، و لنْ تتمكن من مشاهدة فيلم كامل مع حبيبها!
من الحوادث الغريبة المرتبطة بهذا الفيلم، أنّ امرأة أدعت أنّها مصابة بنفس النوع من فقدان الذاكرة و أيضاً عقب حصول حادث لها، وهي الحالة الوحيدة المُسجلة، وقد شخصها الأطباء كفقدان ذاكرة غير عضوي –نفسيّ- لأن دماغ السيدة كان سليماً عندما فحصه الأطباء ولم يوجد أي خلل ممكن أن يسبب فقدانها لذاكرتها، ولأنها –السيدة المصابة- أقرّت أنها قبل الحادث بقليل كانت قد شاهدت فيلم خمسين موعد أول، مما يؤشر لخطورة إنتاج أفلام مماثلة دون أساس علمي.
2- نسيان الهوية الشخصية بعد التعرض لحادث:
معروف أن التعرض لصدمة نفسية قوية من الممكن أن يتسبب بفقدان ذاكرة مؤقت لبعض الأشخاص الذي أختبروا أحداثاً مؤسفة كتلك، وهذا النسيان هو وسيلة دفاعية نفسية لحماية الذات من الوقائع المؤلمة، و قد يكون فقدان الذاكرة هذا مرتبط بنسيان حدث واحد فقط، مثال على ذلك فيلم المسحورة (spellbound-1945) و الذي يصور امرأة مُتهمة بجريمة قتل يحاول طبيب نفسي مساعدتها على إستعادة ذكريات الحادث التي فقدتها نتيجة صدمتها من أجل إثبات برائتها. أما الشكل الآخر من فقدان الذاكرة بعد حادث ما فهو فقدان الهوية الشخصية؛ إذ ينسى المُصاب من هو و من يكون، و قد تم تصوير ذلك في فيلم الملّكي Majestic-2001 إذ يفقد البطل أي صلة بشخصيته السابقة بعد التعرض لحادث أثناء هربه من ملاحقة الشرطة له، ورغم أن الفيلمين يستندان على أسس علمية، لكنّ الأخطاء التي يقعان بها، كما وقعت فيها أفلام كثيرة تعرضت لحالات مماثلة إذ يتم تصوير إستعادة الذاكرة كاملة في لمحة بصر بمجرد رؤية شيء مرتبط بالماضي! لا يحدث هذا على أرض الواقع، إذ تكون إستعادة الذاكرة عقب حالات مماثلة بطيئة، كما لا يمكن للمصاب بعد أستعادة ذاكرته أن يتذكر ما حصل معه أثناء الفترة الضبابية التي فقد الذاكرة فيها، وهو أمر تصوره هذهِ الأفلام وغيرها ممكناً.
من أشكال اضطراب الهوية الشخصية التي تصورها السينما كثيراً هي حالة أضطراب الهوية التفارقي- عُرف سابقاً بإسم أضطراب تعدد الشخصيات- إذ يُصاب الشخص بخلل في الذاكرة، و فقدان للوقت، يكون خلال فترات فقدان الوقت يتصرف على أساس كونه شخصية أخرى، دون أن يتذكر ما يحدث معه بعد العودة إلى ذاته الأصلية، ورغم أنّ السينما تُحب هذا الموضوع كثيراً وتم تصويره في عدد لا يُحصى من الأفلام، إلا أن هذهِ الحالة عوضاً عن ندرتها، لا تزال غير محسومة إذ تُثير الكثير من الجدل واللغط، خصوصاً لإستخدامها المفرط في المحاكم لتبرئة المجرمين، ويحدث كثيراً أن يتم عندها الإكتشاف أنّ المريض المزعوم –المجرم- أما كان ممثلاً مخادعاً مُتأثراً بما قدمته السينما، أو قد تم تشويشه وخداعه بواسطة مُعالج نفسي. كما تصور الأفلام حالات الانفصامات هذهِ بصورة مُبالغ بها إلى حد الإسفاف، كما في فيلم انفصام Split-2016 إذ تكون أحدى الشخصيات التي يتقمصها مريض الفصام شخصية مُصاب بالسكري يأخذ حقن الأنسولين، فيما المريض لا يعاني من السُكريّ؛ كما لو كان المريض لديه بنكرياسين أثنين في جسده! في الواقع، حقن الانسولين هذهِ التي ما مِن داعٍ لها، كانت لتؤدي بالتأكيد إلى هبوط السكر الحاد ووفاة المريض في أيّ شخصية كان!
3- نسيان ذكريات مُعينة بطريقة أختيارية:
مَن مِنا لا يود نسيان حادث مؤلم في حياته، نسيان أذى تعرض لهُ في مرحلة ما مِن حياته، أو نسيان حب فاشل بلا أيّ تأثير على باقي وظائف دماغه، وبدون التعرض لحادث؟ هكذا فقط بلمح البصر تنسى الحدث المؤلم وتُكمل حياتك كأنّك لم تمر به! أمر يحلم بهِ الكثيرين طبعاً، لكن هذا علمياً مُستحيل مهما تم الترويج له عن طريق الأفلام، أو عن طريق الإعلانات الدوائية الكاذبة. السبب بسيط: فالذاكرة وإن كان مكانها مُحدداً في منطقة تحت المهاد (الهايبوكاموبس) لكن الذكريات تتوسع على طول الخارطة الدماغية! فما إن يحدث لكَ حدث لا يتم خزنه بشكل صورة مجردة، إذ يرتبط بمواقع الشم، و اللمس و غيرها، فالذكرى ليست نقطة في دماغ الإنسان يمكن تحديدها ورسم خارطة لها ثم صقع مكانها بتيار كهربائي ليتم محوها هكذا! وحتى إن توفرت في يوم ما الإمكانية لرسم خارطة للذكريات فمن غير الممكن أن تقوم صعقة كهربائية واحدة في المكان بحدذفها، وحتى وإن تم حذفها في الصعقة الإفتراضية تلك، فلن تسلم الخلايا الدماغية التي توزعت عليها ذكرياتك التي تود حدذفها عندها من العطب! لابد أنّك عزيزي القارئ أدركت أنني أتحدث عن واحد من الأفلام المفضلة لدى الكثيرين وهو فيلم:
Eternal Sunshine of the Spotless Mind -2004 ورغم أنني أشارك هؤلاء إعجابي بالفيلم المميز، إلا أنّ الفيلم مع هذا مبني على سلسلة طويلة من الخرافات!
المصدر:
الكورس الدراسي المُقدم من جامعة ويسليان الأمريكية عبر منصة كورسيرا:
Understanding Memory: Explaining the Psychology of Memory through Movies , By: John Seamon Professor of Psychology Emeritus