صورة جميلة تُظهر الدماغ بألوان جذابة وعنوان يذكر: تمكن العلماء من الكشف عن منطقة الاله في الدماغ (أو أي منطقة أخرى تحب أن تربطها بوظيفة). عندها ستشعر بالانجذاب لمقال كهذا وتبدأ بالقراءة ولكن بعد أسطر تكتشف أن “منطقة الاله” في عنوان المقال قد تحولت الى “مناطق” وربما الى “شبكات عصبية” متعددة ترتبط مع بعضها البعض والتي تمكن العلماء من أيجاد علاقة ما بين نشاطها وبين الشعور الروحي (نعم، الشعور الروحي وليس “الاله” فقط). لو دققت النظر أكثر ولو قرأت الدراسة الاصلية وراء مثل هذه المقالات، ربما ستكتشف أن المناطق او الشبكات التي حددها العلماء تشترك أيضاً بمختلف المشاعر، فلو فكرت بعاطفة تجاه الاخرين، مثل هكذا مناطق ستنشط، ولو تأملت الطبيعة، فأنها ستنشط أيضاً، ولو نظرت للوحة فأنها قد تنشط أيضاً. والان، هل ترتبط هذه “المنطقة” بالإله؟ وهل ترتبط تلك المنطقة بالجريمة؟ وهل ترتبط تلك الأخرى بالإبداع؟
ظهر هذا الهوس بربط المناطق مع وظائف محددة بعد أكتشافات وايلدر بينفيلد (Wilder Penfield) ذلك الجراح الكندي الشهير الذي غالباً ما أستخدم الأقطاب الكهربائية لتحفيز القشرة الدماغية لمرضاه اثناء العملية (عمليات للتقليل من حدة النوبات عند مرضى الصرع الذي لا يستجيب للأدوية). تمكن بينفيلد من تعيين مناطق دماغية مخصصة للحركة وللإحساس واستمر باكتشاف الوظائف التي تؤديها المناطق الأخرى من الدماغ، اذ يذكر بينفيلد أن بعضاً من مرضاه شعروا بخروج ارواحهم من أجسادهم عندما حفز مناطق معينة، وبعضهم فقد القدرة على الكلام عند التحفيز وأخرين بدأوا بتذكر طفولتهم. بينفيلد لم يذكر أن هذه المنطقة مخصصة فقط لوظيفة واحدة، ولكنه ذكر أن هذا الإحساس أو هذه الوظيفة قد تشترك هذه المنطقة أو تلك بحدوثها.
تعرضت مثل هذه الأفكار الى الزعزعة من الدراسات المتعددة التي تجرى في مجالات مختلفة، فمنطقة الاله تعرضت للزعزعة من قبل الدراسات التي أجريت على الرهبان وغيرهم من الممارسين للتجارب الروحية والتي أظهرت أن الفص الصدغي (Temporal lobe) ليس هو الجزء الوحيد المشترك في هذه التجارب بل أن القشرة ما قبل الجبهية (prefrontal cortex) هي الأخرى تلعب دوراً مهماً في مثل هذه التجارب.
وجد أحد العلماء، في مراجعة أجراها لـ1469 دراسة للتصوير الدماغي، أن هناك 10701 نشاط دماغي موزع على 968 بقعة دماغية. وبالمعدل، فأن البقعة الواحدة من الممكن أن تنشط بواسطة أربعة نشاطات عقلية مختلفة. ولو تم تقسيم الدماغ لـ66 جزءاً، فأن المنطقة الواحدة من الممكن أن تنشط بوساطة 9 نشاطات عقلية مختلفة. من هذه الدراسة نستنج أن من العبث أن نستخدم مصطلح “منطقة الاله، منطقة الجريمة، منطقة الفكاهة..الخ”. حتى أكثر المناطق تخصصاً وشهرة وهي منطقة بروكا (Broca’s area) قد وجد أنها تنشط عند محاولة فهم حركات الاخرين وللتخطيط للحركة.
ما البديل؟ البديل عن “المناطق” هو الشبكات الدماغية والتي تشمل أكثر من منطقة والعديد من الحُزم (tracts) التي تربط هذه المناطق. وهذا هو التوجه الحديث لعلم الاعصاب.
إقرأ أكثر:
Jarrett, C. (2014). Great myths of the brain. John Wiley & Sons.