قبل المضادات الحيوية، كيف عالج الأطباء الأمراض؟ ان تطور انتاج علاجات من المضادات الحيوية و مضادات المايكروبات الاخرى يُعد من اهم الإنجازات  في الطب الحديث. لكن، ان الاستعمال المفرط او السيء لتلك المضادات الحيوية قد يؤدي الى ظهور المقاومة في الكائنات الدقيقة التي تعالج بتلك المضادات. البكتريا المقاومة للبكتريا مثل البكتريا المقاومة للمثيسيلين (Staphylococcus aureus MRSA) , البكتريا المقاومة للڤانكومايسين (Enterococcus species (VRE وايضا بكتريا مقاومة للكاربابنيم (Enterobacteriae (CRE قد ظهرت بالفعل. خصوصا CRE التي تكون مقاومة لعدة انواع من المضادات الحيوية والتي يطلق عليها “Superbugs”في الأعلام.

قبل المضادات الحيوية، كيف عالج الأطباء الأمراض؟

قبل المضادات الحيوية، كيف عالج الأطباء الأمراض؟

بدائل عدة  من العلاج كانت قد استعملت لمعالجة الإصابات البكتيرية منذ العصور القديمة، لكن لم تكن تتضمن اي وسيلة معتمدة تعتبر فعالة و آمنة مقارنة بالمضادات الحيوية الحديثة.

لسوء الحظ، بسبب الزيادة الحاصلة في المقاومة لدى البكتريا الضارة و نقص التطور في وجود عوامل جديدة تستخدم في علاج تلك البكتريا، فان العودة لعصور ما قبل اختراع المضادات الحيوية وارد جدا.

إذن كيف كان يتم علاج البكتريا المسببة للامراض قبل تطور انتاج المضادات الحيوية في بداية القرن العشرين؟

الدم، العلق و السكاكين

استنزاف الدم كان من العلاجات الطبية المستعملة لمدة ٣٠٠٠ سنة. تعود أصول استعماله الى مصر حوالي ١٠٠٠سنة قبل الميلاد، و استمر استعماله الى منتصف القرن العشرين.

نصوص طبية تعود للعصور القديمة وصولا الى ١٩٤٠ توصي بإراقة الدم كعلاج في حالات مرضية كثيرة، و بالخصوص في حالة الإصابات البكتيرية. لغاية عام ١٩٤٢، ويليام اوسلر في كتابه المبادئ و والتطبيقات الطبية الطبعة الرابعة عشر والذي يعتبر تاريخيا الكتاب الابرز في الطب الداخلي، احتوى هذا الكتاب على إمكانية علاج الالتهاب الرئوي بواسطة اراقة الدم.

اراقة الدم وسيلة علاج استندت على نظرية طبية قديمة وهي: ان سوائل الجسم الأربعة ( الدم، البلغم، العصارة الصفراء، العصارة السوداء ) يجب ان تبقى في حالة توازن كمي داخل الجسم للحفاظ على صحة الانسان. لقد اعتقدوا بان الإصابات المرضية تحدث بسبب الزيادة في كمية الدم داخل الجسم، لذا كان العلاج بازالة الدم من جسم المريض. اراقة الدم كانت تتم بطرق والتي منها عمل قطع في الوريد او الشريان. الحجامة أيضاً كانت احد الطرق الشائعة والتي فيها يتم تسخين كوب من الزجاج بعدها يوضع على جلد المريض، بأحداث عملية شفط للجلد، يتم تمزيق أوعية دموية صغيرة لينتج ذلك نزف كبير أسفل الجلد. وايضاً اقل تلك الطرق انتشاراً هو استعمال العلق في اراقة الدم كوسيلة مختلفة اخرى.

من المثير للاهتمام، بالرغم من ان تلك طريقة اراقة الدماء كانت توصف من قبل الأطباء، الا ان تلك الطريقة كانت تستعمل من قبل الحلاقين. “ان العصا المخططة باللونين الأحمر و الأبيض للحلاقين ترجع اصولها الى قيامهم بعملية اراقة الدم، الأحمر للدم و الأبيض للمضادات.

قد يكون هنالك بعض الفوائد لتلك الممارسات خاصة لبعض الأنواع من البكتيريا وفي المراحل المتقدمة من الإصابة. العديد من البكتريا تحتاج للحديد لتتكاثر، وهذا الحديد يُحمِّل بواسطة خلايا الدم. حسب تلك النظرية فان اراقة الدم تودي الى تقليل خلايا الدم وبالتالي تقليل الحديد المتوفر لإدامة و تكاثرها.

الزئبق لمرض السفلس؟

تاريخيا، العديد من العناصر و المركبات الكيمياوية التي تنشأ بشكل طبيعي استعملت في علاج العديد من الإصابات المرضية، خصوصا للجروح و مرض السفلس. الاستعمال الموضعي لليود، البرومين و مركبات الزئبق كانت تستعمل في علاج الجروح الملتهبة و الغرغرينا خلال الحرب الامريكية الأهلية. البرومين كان يستعمل بشكل اكبر، لكنه كان مؤلم جداً عند استعماله على الجروح او حقنها به، وهو قد يسبب تمزق للأنسجة. ان تلك الطريقة  تثبط عملية تكاثر البكتريا، لكنها في نفس الوقت قد تسبب ضرر لخلايا الانسان السليمة.

قبل المضادات الحيوية، كيف عالج الأطباء الأمراض؟

قبل المضادات الحيوية، كيف عالج الأطباء الأمراض؟ أحد الوسائل المؤلمة والمدمرة كان الزئبق

مركبات الزئبق كانت تستعمل في علاج مرض السفلس من عام ١٣٦٣ الى ١٩١٠. تلك المركبات من الممكن ان توضع على الجلد او تعطى عن طريق الفم او تحقن. لكن اثارها الجانبية تتمثل في تلف شديد للجلد و الأنسجة المخاطية، ضرر للكلية و الدماغ و حتى الموت. ارسفينامين، احد مشتقات الزرنيخ كان يستعمل كعلاج لعدد من الإصابات حتى منتصف القرن العشرين. بالرغم من فعاليته في العلاج، كانت له اثار جانبية ضارة والتي تتضمن التهاب الاعصاب البصرية، الصرع، الحمى، إصابات كلوية و الطفح الجلدي.

الشكر للبنسلين الذي حل محل تلك العلاجات منذ عام ١٩٤٣ لعلاج السفلس وصار الخط الاول لعلاج هذا المرض عند جميع مراحله.

البحث في الحديقة

عبر القرون، العديد من العلاجات العشبية تطورت لعلاج الإصابات المرضية، لكن القليل جدا منها تم تقويمها وفق تجارب سريرية مسيطر عليها.

واحد من أشهر العلاجات المشتقة من الأعشاب هو الكينين والذي استعمل لعلاج الملاريا. لقد تم عزل هذه المادة من لحاء شجرة الكينيا وهي شجرة اصلها أمريكا الجنوبية. اليوم نحن نستعمل تركيبة من الكينين لعلاج هذا المرض. قبل ذلك، كان لحاء تلك الشجرة يجفف ويطحن الى مسحوق يضاف له الماء و يسقى منه المريض. ايضا كان هنالك استعمال للحاء شجرة الكينيا لعلاج الحمى والذي كان يوصف من قبل المبشرين اليسوعيين في القرن السادس عشر، مع ذلك يعتقد انه كان يستعمل من قبل السكان الأصليين قبل ذلك التاريخ بكثير.

ارتمايسين، والذي كان يصنع من Artimisia annua (نبات الشيح الحلو ) كعلاج فعال لمرض الملاريا أيضاً. عالم صيني، دكتور تو يويو و فريقه قاموا بدراسة نصوص صينية طبية قديمة وعلاجات شعبية، حددوا مشتقات من Artimisia annua تعمل بشكل فعال علو تقبيط تكاثر طفيليات الملاريا في الحيوانات. تو يويو فاز مشاركةً بجائزة نوبل في الفسلجة او الطب لاكتشافه الارتمايسين.

من المحتمل انك تمتلك علاج مشتق نباتي ضد الجروح في المطبخ. استعمال العسل في تطبيب الجروح يعود الى السومريين في ٢٠٠٠ قبل الميلاد. المحتوى العالي للسكر ممكن ان يجفف خلايا البكتيريا بينما الحامضية ممكن ان تثبط نمو و انشطار العديد من البكتريا. العسل ايضا يحتوي على أتزين أوكسيديس الكلوكوز والذي يقلل الأوكسجين الى الهيدروجين بيروكسيد الهيدروجين الذي يقتل البكتريا.

يعتقد ان عسل مانوكا هو أفضل عسل طبيعي فعال والذي يشتق من ازهار شجرة tea bush. هذا العسل يمتلك صفات اخرى تعمل على قتل البكتريا.

الصراع مع مقاومة المضادات الحيوية

بينما تثبت  بعض تلك العلاجات القديمة فعاليتها بشكل كاف والتي لا زالت تستعمل لحد الان، على العموم هي ليست مضادات حيوية جيدة حديثة لمعالجة الإصابات المرضية. للأسف، الفضل  يعود للاستعمال السيء او المفرط للمضادات الحيوية في جعلها اقل فعالية في معالجة الأمراض.

كل عام في الولايات المتحدة على الأقل مليونا أمريكي يصابون ببكتريا تعتبر مقاومة للمضادات الحيوية، وعلى الأقل ٢٣٠٠٠ يموت كل عام والسبب المباشر لذلك هو الإصابة بتلك البكتريا المقاومة.

بينما تعتبر البكتريا المقاومة الأكثر شيوعاً، فان المقاومة ممكن ان تنشأ في كائنات دقيقة اخرى ، يشمل ذلك الفطريات، الفايروسات والطفيليات. ازدياد حالات المقاومة في الكائنات الدقيقة، طرحت إمكانية حصول إصابات معينة تكون غير قابلة للعلاج بالمضادات الحيوية التي نمتلكها اليوم.

السباق جاري لإيجاد علاجات جديدة لتلك الإصابات المرضية والباحثون عاكفون على اكتشاف علاجات جديدة او مصادر جديدة للمضادات الحيوية.

بجانب ذلك، ان استعمال المضادات الحيوية بشكل مباشر يجب ان يكون للحاجات الضرورية فقط. يمكنك ان تتجنب الإصابة بشكل أساسي مع وجود مناعة مناسبة، ممارسات صحية عند التعامل مع الغذاء و غسل اليدين.

متابعة الإصابات المرضية المقاومة لنتعلم اكثر عنها و عن مخاطرها، بالاضافة الى ذلك تقنين الاستعمال للمضادات الحيوية للإنسان و الحيوان ممكن ان تساعد في كبح مخاطر البكتريا المقاومة.

المصدر:

http://www.livescience.com/53596-in-a-world-with-no-antibiotics-how-did-doctors-treat-infections.html