مصل الحقيقة في الإستجواب ودوره الفعلي . تأثير المواد المخدرة وعلاقتها بأعمال مكافحة التجسس. إن الدافع الاساسي وراء البحث عن هذه الادوية هو رغبة الانسان في معرفة الحقيقة من الاشخاص الغير متعاونين بدون اي طرق ملتوية.
خلال التحقيقات الجنائية يبذل الضباط وقت مضني وراء استعمال العنف الجسدي والتحقيقات المطولة ظنا منهم ان هذه الطرق المباشرة تأتي بنتائج اسرع. السيد جيمس ستيفن كتب في عام 1883 ,برر الامثلة المروعة لـ”ثلاثة مراحل ” من الممارسات للبوليس الهندي قائلا (انه من الافضل ان تجلس في الظل تلقي بالفلفل الاحمر في اعين المجرمين على ان تذهب لتحصل على الادلة الواهية في قرص الشمس) حديثا قام مسؤولوا الشرطة في بعض الدول بالتحول الى استخدام بعض الادوية كي تساعدهم لاستخراج الاعترافات من المتهمين، هذه الادوية تعمل على جعل المتهم مسترخيا للدرجة التي يبقى بها بلا وعي ويقول الحقيقة التي يحاول اخفاءها.
هذه الطريقة البديلة للعنف الجسدي لازالت تثير اسئلة جدية حول حقوق وحريات الانسان، في هذه الدولة [يقصد الولايات المتحدة] حيث بالكاد تحصل مثل هذه الادوية على قبول الا انها وبعد ربع قرن من استعمالها لا زالت تثير العديد من القضايا مرات عديدة .استخدام الدواء المسمى بـ(مصل الحقيقة) في مجالات العمل البوليسي تعد بنفس درجة استعمالها في اغراض التحليل النفسي الاختلاف الوحيد هو في الغرض الواقع وراء استخدام تلك الادوية، حيث يهدف الغرض البوليسي حول اظهار الحقيقة بشكل عشوائي واستعمالها ضد المتهم لذلك فأهمية استخدام هذا الدواء تعتمد على موافقة المحكمة القانونية .
كما يستخدم علماء النفس هذه الادوية في علاج وتشخيص المرضى النفسيين، وهي تعتمد على استخراج المشكلة النفسية وليس استخراج حقائق عشوائية، و لأن هلاوس المريض هي حقيقة بالنسبة اليه عندما تحدث، فمن الممكن جمع ماضيه من هذه الهلاوس والضلالات بحرفية بحيث يمكننا ان نعرف مشكلته وكيفية علاجه .
فكرة الأدوية القادرة على إضاءة الاماكن المظلمة من العقل، في الاساس تساعد على شفاء المرضى النفسيين تمنع او تعكس مشكلتهم في اخذ القرارات، وهذا قد فتح الباب امام الصحافة لكتابة العديد من المقالات .
والمسمى المغلوط لهذه الادوية (مصل الحقيقة) هو في الحقيقة ليس بمصل وانه ليس بالضرورة ان يأتي بالنتائج المطلوبة، ولهذا استمرت الصحافة في افساد هذا المسمى.
الفكرة هوا ان يأخذ الدواء شكل من النجاح المفترى، مما يؤدي لاستخدامه بشكل مبالغ فيه يتجاوز حدود ما هو مسموح في مجال التحقيقات .
وأي طريقة تستطيع استخراج الحقيقة من مصدر غير متفاهم تعتبر بطبيعة الحال عبقرية، إذا سمحت الحدود الاخلاقية في المجتمعات الغربية استخدام هذه الادوية في المخابرات فعليهم ان يعلموا امكانية ان تستخدم هذه الادوية من ناحية الاعداء ضدهم، ولذلك فعلينا ان نكون على دراية تامة بقوة وفعالية الادوية سلبياتها وايجابياتها حتى نتمكن من التصدي لها فيما بعد .
مادة السكوبالامين (مصل الحقيقة)
في مطللع هذا القرن قام العلماء باستعمال السكوبالامين مخلوطا بالمورفين والكلوروفورم لإحداث حالة من النوم العميق في مرحلة الولادة، فمادة الهنبان والسكوبالامين معروفة بدورها في الاسترخاء والتخدير والاضطراب وفقدان التركيز وكذلك نسيان ما حدث خلال فترة تعاطيها .
كما لاحظ العلماء ان السيدات تحت تأثير المخدر اعطت اجوبة صريحة على كل الاسئلة كما اضافت بعض المعلومات ايضا .وفي عام 1922 فكر روبرت هاوس طبيب النساء والتوليد في تكساس بان هذه الطريقة يمكن استخدامها في التحقيقات الجنائية، وقام بتطبيق ذلك على سجينين في سجن دالاس اللذان لم تستطع التحقيقات التوصل لتأكيد التهم عليهم، وتحت التخدير كلا المتهمين انكرا التهم الموجه وقد تم اثبات فيما بعد انهما غير مذنبان فعليا، وقد تحمس الطبيب لهذه النتائج واختتم ذلك بقوله ان المريض تحت تأثير السكوبالامين لا يمكنه احداث اي كذبه، فهو ليس لديه القدرة على التفكير او التحليل، هذه التجربة جذبت اهتمام العديد من الاشخاص واثارت تجاهها الرأي العام .
جملة (مصل الحقيقة) يبدو انها ظهرت لأول مرة في مقال للطبيب هاوس في مجلة لوس انجلوس ريكورد في 1922 هاوس رفض هذا المسمى لوهلة ولكن عاد لاستخدامه مجددا بعد فترة. فقد تم نشر ما يقارب 11 مقال عن السكوبالامين في سنين ما بين 1921 – 1929 مما أثار حماسة جدلية شديدة ذلك الوقت .
فما بدأ كحقيقة علمية قد انتهى اليوم الى حملة مخصصة بالنيابة عن(الاب الروحي لمصل الحقيقة) الذي كان سعيداً وفخوراً جدا بما حققه مهما كان بسيطا .
ولأن السكوبالامين كان له العديد من الاثار الجانبية (النعاس والهلاوس) تم تجنب استخدامه كمصل للحقيقة .
الباربيتيورات
في عام 1916 استخدم كطريقة للتعامل مع المرضى الثائرين عصبيا لتهدئتهم، قام لوفنهارت ومساعديه من جامعة ويسكونسين بتجربة هذا الدواء على مريض لديه تشنج عصبي عضلي شديد وكانت المفاجأة بأن ساعده الدواء على الاسترخاء التام وفتح عينيه وكذلك اجابة بعض الاسئلة في اوائل 1930 قام بعض الاطباء النفسيين بتجربة الدواء كمادة مساعدة الى جانب ادوية اخرى لعلاج التشنجات .وفي هذا الوقت ضل مسؤولوا الشرطة يولون اهتمامهم بهذا الدواء كمساعد للتحقيقات الجنائية. قام كلارنس عام 1935 رئيس المعمل الجنائي في شرق لانسيتج باستخدام مادة الباربيتيورات لاستجواب المتهمين، عرف هذا الدواء لاول مرة 1903 كأقدم دواء في تاريخ الادوية الحديثة وأقوى المثبطات العصبية، وتم تحضير حوالي 2500 مشتق منه وقد تم استخدام اكثر من حزمتين من هذه الادوية في مجالات مختلفة في الطب .
يؤثر الدواء عموما على الوظائف العليا للمخ القشرة المخية، والدماغ (يقوم الدواء بتثبيط جميع الخلايا العصبية بدون تمييز بين وظائفها، فيقوم بتثبيط معظم العقد العصبية المسؤولة عن وظائف المخ في الانسان) .
الجرعات الصغيرة منه تثبط وظائف القشرة المخية عن طريق تثبيط الاعصاب الصاعدة (الحسية) للمخ .ولكن جرعات اعلى منه قد تثبط وظيفة المخيخ ايضا بالاضافة الى القشرة المخية وهذا يجعل المريض في حالة من عدم الاتزان فإذا تمت زيادة الجرعة عن هذا الحد فقد تؤدي الى فقدان الوعي تماما، ثم توقف التنفس ومن ثم الوفاة .
بعض علماء الادوية يشرح ذلك في 4 مراحل :-
- مرحلة المهدئ
- مرحلة فقدان الوعي مع ردود فعل عالية
- مرحلة فقدان الوعي بدون ردود فعل عالية وفقدان الاحساس باللألم
- الوفاة
وهذا يعتمد كليا على الجرعة المتعاطاة من الدواء والسرعة التي بها الدواء يؤخذ.
التجارب السريرية والعملية
في المجتمعات الغربية يسود طابع الاشمئزاز من استخدام تلك الادوية لفكرة انها تجعل الانسان يفعل اشياء بغير ارادته ويبدو من التحقيقات ان حوالي 136 مدينة اوروبية تستعمل تلك الادوية في حين ان روسيا ما زالت تعتمد الوسائل القديمة في الاستجواب والتحقيقات في مخابراتها .
بعض التجارب اثبتت فعالية مادة (اميثال الصوديوم) كذلك في الاستجواب، في البداية لم تظهر الفعالية القصوى للدواء ولكن في غضون لحظات قليلة قام المتهمون بالاعتراف بأسباب جرائمهم ومحاولاتهم للخداع .
قام جيرسون وفيكتوروف باستعمال مادة اميتال الصوديوم مع حوالي 17 مريض نفسي وجندي وقاما بإعطاءهم الدواء والانتظار حتى يعمل الدواء، ولم يتم وضعهم تحت اي ضغوط عصبية، بل طلب منهم التحدث عموما عن حياتهم العائلية ودخولهم للجيش، ولكن بعد دقائق معدودة تم عمل المادة المخدرة وقاما بوضع المريض في حالة شبيهة بالنوم مع فترات استيقاظ متقطعة لاستجوابه، وبدأ سؤال المريض عن نفس الاسئلة التي سبقت في مرحلة وعيه التام قبيل ان يتم سؤاله عن الجريمة وقبيل الاعتراف .وهذه العملية تختلف عن وضع التحليل النفسي من حيث الغرض ونوع المريض، والفترة الذهبية لاقتناص الاعتراف لا تتجاوز 5 الى 10 دقائق حيث يكون المريض في حالة من عدم القدرة على حرية التصرف ويمكن هنا ايقاظه او تنويمه مجددا .
العديد من المرضى اصابوا بالهلاوس والضلالات المتعددة، والهياج العصبي والذي يمكن ان يتم تفريقه عن الحقيقة. ولكن في بعض الاحيان يختلط بالحقيقة ولا يمكن للطبيب تفرقته الا بالرجوع الى مصادر اخرى موثوقة .
مع احترام النتائج الناتجة من الاختبار اشار الطبيب جيرسون ان هذه النتائج قد تقل مصداقيتها مع تكرار التجربة ولكن لا تنعدم نهائيا .فهناك تجربة واحدة اثبتت ان الشخص قد يستطيع الكذب وهو تحت التأثير الكامل للباربيتيورات.
الاختلافات واردة
قام العالم بيتشر ومساعديه بعمل تجاربهم واثبات ان الاشخاص الذين اعترفوا تحت تأثير الاختبارات السابقة حوالي نصفهم او ثلثهم قد تناولوا البلاسيبو (اي حبوب كاذبة لا تحتوي على مخدر) فوضعوا تحت تأثير نفسي واستعداد لقول الحقيقة .
الدفاعات
لا بد من أخذ الاحتياطات تجنبا لحدوث اي حالات ادمان للمخدر، كما ان المتهم المعترف تحت تأثير المخدر قد ينكر كل ما قاله عندما يستفيق من تأثيره .
ولا نغض الطرف عن الاثار الجانبية للدواء .
الخاتمة
أهم ما نتوصل اليه الان انه لا يوجد دواء مسمى بمصل الحقيقة وان تلك الادوية مهما بلغت فعاليتها فإنها قد تعمل احيانا واحيانا اخرى تعطي نتائج مشوبة بالهلاوس والضلالات، وأن افضل ما تفعله هذه الادوية هي وضع المريض تحت تأثير نفسي انه مجبر لقول الحقيقة ولا يستطيع غير ذلك، فيبدأ المريض بالاعتراف لعامل نفسي لا علاقة له.
المصدر (موقع وكالة الاستخبارات المركزية الامريكية): https://www.cia.gov/library/center-for-the-study-of-intelligence/kent-csi/vol5no2/html/v05i2a09p_0001.htm
تدقيق: عباس الفتلاوي
سؤال غريب ولاكن هل يمكن استخدام مصل الحقيقة او اميتال الصوديوم ازرع ذكريات في عقل شخص ما او اضافة مشاعر له
ارجو عدم فهم تعليقي غلط، هذا بدافع الفضول فقط ?
اقرأ مقالنا عن الذكريات المزيفة، يمكن غرس الذكريات نوعاً ما دون استخدام عقار كهذا ولم نبحث سابقاً عن الذكريات الوهمية او الزائفة في ظل العقاقير هذه.