أشترك في القائمة البريدية

اشترك في القائمة البريدية: 

 

أثر حركة العين على الذاكرة ومعالجة الصدمات النفسية

بواسطة | ديسمبر 17, 2025 | علاج نفسي, علم الأعصاب | 0 تعليقات

في الوقت الذي توصل البحث العلمي إلى فاعلية علاج حركة العين وإزالة الحساسية فإن أبحاث العلاج النفسي وعلم النفس ليست المجال ذو الاختصاص في التوصل للسبب وراء فاعلية تلك الطريقة بل يقع الأمر على عاتق علم الأعصاب. اكتشفت مؤسسة طريقة العلاج بحركة العين السريعة وازالة التحسس (EMDR) فرانسين شابيرو (Francine Shapiro) أثر حركة العين على معالجة الذاكرة في حالة الذكريات المؤلمة دون معرفتها بالسبب وراء ذلك مثل الكثير من الأمور التي عرف البشر فاعليتها قبل معرفة أثرها. ترك ذلك انطباعاً بأن العلاج بحركة العين هو علم زائف. لكن بالانتقال إلى علم الأعصاب يمكن أن نرى حقيقة أخرى.

 

في بالبدء يجدر القول أن هناك الكثير من الكلام غير العلمي وغير المنطقي حول حركة العين وما تقوله عن التفكير. على سبيل المثال الصورة الشائعة حول اتجاه النظر ودوره في الكذب أو قول الحقيقة. اتجاه النظر اثبت صلته ببعض العمليات الادراكية لكن ليس أنها جهاز كشف للكذب. وبذلك فنحن بهذا المقال لا نؤكد كل ما يشاع عن حركة العين بل سنذكر ما تم تأكيده في العلم.

من مزايا حركة العين في البحث العلمي أنها ليست مرتبطة بإبلاغ شفوي او قول شيء باللغة لذا فهي قابلة للاستخدام مع الحيوانات أو الأطفال الرضع أو ضمن سياق تجربة لا يعلم بها الشخص أنه يشارك في تجربة وبالتالي فلا يؤثر ذلك على سلوكه. وقد ثبت علمياً وجود علاقة بين حركة العين والذاكرة العلائقية (relational memory) والتي تعطينا الروابط في الذاكرة بين الأشياء، الأشخاص، الأماكن والأحداث. كما ثبت علمياً وجود علاقة بين حركة العين وكل من الذاكرة الصريحة (explicit memory) والتذكر الواعي (conscious recollection). والذاكرة الصريحة هي القدرة على استرجاع الحقائق والأحداث والمبادئ الماضية بشكل واعي. أما التذكر الواعي فهو مبدأ مشابه لكنه يتضمن النية والجهد للاسترجاع أي أنه عملية الاسترجاع عن قصد لمعلومة معينة من خلال جهد واعي. [1]

تؤثر عمليات الذاكرة، وفق الأدلة المتوفرة حالياً من البحث العلمي، على حركة العين. على سبيل المثال وجدت إحدى التجارب أن تكرار عرض الوجوه على المشتركين في التجربة مع مراقبة العين يظهر انخفاض وقت فحص الوجه الذي تم عرضه بالعينين مما يشير لأثر الذاكرة على العين. لا نعيد النظر طويلاً فيما نتذكره بشكل جيد فيما نطالع بعناية ما يعد جديداً بالنسبة لنا31.

تظهر التجارب أيضاً أن حركة العين لا ترتبط بالذاكرة في القضايا التي نكون واعين فيها فحسب، بل في اللاوعي أيضاً. على سبيل المثال، أظهرت احدى التجارب أن النظر يطول في شكل ما حين يحدث تغيير في الصورة حتى عندما يعجز المشاركون في التجربة عن رصد ما الذي تغير. ما حدث أن المعالجة في اللاوعي أدركت حدوث تغير في الصورة رغم عدم القدرة على تعيين التغير بالضبط31. لكن ماذا عن الاتجاه الآخر؟ هل يمكن لتحريك العين اثناء استعادة الذكريات أن يغير طبيعة استعادتنا للذكريات؟

هناك دراسات حول الفعالية لعلاج حركة العين وإزالة الحساسية (EMDR) والتي بدورها تثبت نتائج عملية العلاج بشكل عام. لكن من جانب آخر فإن هناك دراسات في مجال استرجاع الذاكرة درست تفصيل حركة العين الرمشية (تعرف أيضاً بحركة العين السكادية saccade) وأثرها على استرجاع الذاكرة. يعرف ذلك المجال بتحسين الاسترجاع عبر الحركة الرمشية (Saccade-induced retrieval enhancement). وتلك الحركة تحديداً هي ما يستخدم في العلاج المعروف بعلاج حركة العين السريعة وازالة التحسس (EMDR).

في إحدى التجارب[2] عُرضت على المشاركين صوراً ومعلومات حول جرائم، ثم عرضت عليهم معلومات زائفة في ذات الصدد. بعد ذلك أجرى المشاركون حركة رمشية محركين أعينهم عبر المجال البصري من اليسار إلى اليمين، أو قاموا بإجراء مهمة غير ذات صلة كتحكم في التجربة، ثم طلب منهم سرد المعلومات حول الجريمة التي شاهدوها سابقاً. كانت المجموعة التي أجرت الحركة الرمشية قادرة على سرد المعلومات دون التأثر بالمعلومات الزائفة التي عرضت لاحقاً كما عززت الثقة بالمعلومات الحقيقية. يشرح الباحثون ما قدمته أبحاث أخرى حول دور حركة العين بهذا الشكل في تعزيز التفاعل بين جانبي الدماغ الأيمن والأيسر وتلك نظرية واردة لشرح دور حركة العين السريعة في الذاكرة. أما النظرية الثانية التي يشرحونها فهو في دور حركة العين تلك في تفعيل أجزاء من الدماغ ترتبط بتوزيع الانتباه (allocation of attention) وبتفعيل تلك الأجزاء من الدماغ تزداد مساهمتها في المهام الإدراكية بما في ذلك استعادة الذكريات. ما يلفت الانتباه أن الباحثين لاحظوا أن تلك الوظيفة تتحسن لدى الأشخاص يميني اليدين في حين أنها قد تحدث أثراً عكسياً لدى الأشخاص يساري اليدين حتى أنهم قد يقحمون كلمات لم تكن ضمن ما تم عرضه عليهم ضمن ذكرياتهم.

اقترح باحثون صينيون أن حركة العين أثناء استرجاع ذكريات الصدمة النفسية تتسبب في تعطيل تمثيل تلك الذكريات. قام الباحثون بقياس مؤشرات جسدية عديدة بعد استرجاع مشهد مؤلم تم عرضه على المشاركين في الدراسة حيث أجرى المشاركون حركة العين السكادية بالمقارنة مع من لم يجرونها. انخفضت المؤشرات المتعلقة بكهربائية الجلد وحجم بؤبؤ العين بعد إجراء حركة العين. [3]

نلاحظ إذن أن حركة العين لها دور مهم في العلاج بالتعرض من جهة وفي عملية استرجاع الذكريات من جهة أخرى. وبينما هناك أبحاث تدعم كل من الاتجاهين فما تزال بعض الأسئلة[4] قيد الإجابة في البحث العلمي والتجارب لكنها لا تغير من مصداقية طريقة EMDR وأهميتها.

المصادر

[1] Hannula, Deborah E., et al. “Worth a glance: using eye movements to investigate the cognitive neuroscience of memory.” Frontiers in human neuroscience 4 (2010): 166.

[2] Lyle, Keith B., and Noah E. Jacobs. “Is saccade-induced retrieval enhancement a potential means of improving eyewitness evidence?.” Memory 18.6 (2010): 581-594.

[3] Xu, Zhenjie, Jie Hu, and Yingying Wang. “Bilateral eye movements disrupt the involuntary perceptual representation of trauma-related memories.” Behaviour Research and Therapy 165 (2023): 104311.

[4] Christman, Stephen D., et al. “Bilateral eye movements enhance the retrieval of episodic memories.” Neuropsychology 17.2 (2003): 221.