أشترك في القائمة البريدية

اشترك في القائمة البريدية: 

 

العلاج النفسي المتمركز حول الشخص (Person Cantered Therapy): ملتقى العلم والانسانية

بواسطة | يوليو 28, 2025 | علاج نفسي | 0 تعليقات

في عام 1957 وبعد عقود من انطلاق مبدأ العلاج النفسي نشر كارل روجرز ورقة اكاديمية كانت البداية لتغيير مسار العلاج النفسي ليس في منهج روجرز الإنساني فحسب بل في جميع المناهج، بالإضافة إلى أثر أفكاره الأخرى. كان عنوان الورقة “العوامل الضرورية والكافية للتغير العلاجي للشخصية”. بمقياس اليوم من حيث عدد المرات التي تم الاستشهاد بهذه الورقة، يمكن اعتبارها احد أهم الأعمال في علم النفس بشكل عام. من بين الأجيال الأحدث ذات الطابع العلمي من مناهج علم النفس، مثل آرون بيك وكارل روجرز يمكن اعتبار أبحاث وكتب كارل روجرز من الأكثر تأثيراً في مجال العلاج النفسي ومما له أهمية كبيرة في الجانب الأكاديمي. فما الذي قدمه كارل روجرز لمجتمع العلاج النفسي ولعلم النفس بشكل عام عبر ورقته هذه وما تلاها ؟

تكمن أهمية أعمال كارل روجرز في أنها مثلت أول لحظة توقف لتقييم مسار العلاج النفسي من ناحية علمية بحتة بعد أن كان يسلك مساراً شبيهاً بالاجتهادات وبعد أن سلك جانب كبير منه منذ سيغموند فرويد مساراً غير علمي على الإطلاق. كان منهج التحليل النفسي قائماً على افتراضات فرويد والتي سواء صح بعضها أم لم يصح فهي لم تكن مبنية على أسس تجريبية. على الطرف الآخر كان المنهج السلوكي، النابع من أعمال سكينر، يمثل توجهاً يعطي للمعالج دوراً شبيهاً بالموجه ولعملية العلاج تمارين وإجراءات ثابتة يقوم بها الشخص للنهوض بحالته لكن دون التركيز على الجوانب الإيجابية في العلاقة بين المعالج والعميل أو الشخص، أو التعاطف الذي يمنحه المعالج. رغم النزعة العلمية لكل من المنهجين غير أن كارل روجرز انتبه لأول مرة لضرورة ذلك العامل الإنساني في عملية العلاج. لكن هل وجد لها دعماً في البحث العلمي؟

في ورقته عن العوامل الضرورية عام 1957 قدم روجرز فرضيته للمرة الأولى دون اسهاب في محاولة اثباتها من البحث العلمي. غير أنه عاد ليعمق تلك النظرة بأبحاثه وأبحاث آخرين من منهجه. ناقش روجرز الأدلة حول الشروط الست في كتابه “أن تصير إنساناً – نظرة معالج للعلاج النفسي” عام 1961 (تُرجم عنوان الكتاب خطئاً للعربية ليعزوه للتحليل النفسي فإحدى الترجمات الشائعة للعربية عنونته خطئاً بـ أن تصير إنساناً – العلاج بالتحليل النفسي). وتتضمن الشروط الست ما يلي:

  • أن يكون الشخصان، المعالج والعميل، في تواصل نفسي: يعد هذا الشرط بسيطاً جداً كما يشرحه روجرز حيث يجب أن يكون كلا الشخصين في وعي بأنه على علاقة مع الآخر لغرض العلاج.
  • الشخص الأول، العميل، يجب أن يكون في حالة عدم تطابق، كونه عرضة للقلق أو في وضع هش: يعد التكامل أو التطابق (congruence) عاملاً مهماً في منهج كارل روجرز ومفهومه بسيط أيضاً حيث يتمثل بالمقارنة بين صورة الشخص لنفسه وبين ما يقوم باختباره. قدم روجرز آثار عدم التطابق في العديد من أبحاثه وشرح هذا المبدأ علمياً وكيف لعدم التطابق أن يؤدي إلى الكثير من المشكلات النفسية.
  • الشخص الثاني، المعالج، متطابق أو متكامل في العلاقة.
  • يشعر المعالج بتقدير إيجابي غير مشروط تجاه الشخص.
  • يتمتع المعالج بفهم تعاطفي لإطار الشخص الداخلي ويحاول إيصال هذا الفهم للعميل.
  • يتم إيصال فهم المعالج التعاطفي وتقديره غير المشروط للعميل إلى حد أدنى مقبول.

الأبحاث المبكرة حول العلاقة العلاجية

ناقش كتاب “أن تصير إنساناً”تفاصيل هذه الشروط الست وما يدعمها من الدليل العلمي من أعمال روجرز وغيره. يلخص كارل روجرز دور المعالج في سؤال الكتاب الرئيسي: “كيف يمكن أن أوفر علاقة يمكن أن يستفيد منها الشخص لنموه الشخصي؟”. ما جعل المنهج الإنساني مؤثراً على جميع مدارس العلاج النفسي الأخرى هو تلك الفكرة في أن الفائدة من العملية بأكملها ترتبط بالعلاقة قبل أي شيء آخر. حول ذلك الأمر من تخصص علمي صلب قائم على الممارسات، مثل العلاج السلوكي المعرفي، أو تخصص غير علمي قائم على مزيج من تقاليد التخصص والمعرفة الأدبية بالنفس مثل العلاج النفسي التحليلي، إلى علاقة إنسانية بين شخصين يمكن أن تقتبس الكثير من إطار العلاقات الأسرية أو علاقات الصداقة ويمكن أن تكون مألوفة ودافئة أكثر للمرضى، الذين لم يعد روجرز يسميهم مرضى حيث سَن سُنة استخدام مصطلح العميل أو الشخص بدلاً من المريض. يقول كارل روجرز: “لقد وجدت أنني كلما كنت صريحاً وحقيقياً كان ذلك أكثر نفعاً للعميل”.

في الفصل الثالث من الكتاب، ناقش روجرز أبعاد وتفاصيل العلاقة المؤثرة بين المعالج والشخص وقد استشهد بالبحث العلمي المتوفر مما يدعم لفرضيته. حول المواقف (attitudes)، ذكر روجرز دراسات حول مواقف الوالدين إن كانوا ذوي طبيعة “متقبلة وديموقراطية” بالضد من أولئك الذين تبدو مواقفهم “رافضة بشكل مستمر” وكيف أن الأطفال في حالة العلاقة الأولى أقدر على تحقيق نمو دماغي وكانوا قد حققوا معدل ذكاء أعلى حتى. لينتقل روجرز بعد ذلك إلى مرضى الفصام وكيف أن الأطباء النفسيين، في احدى الدراسات، ممن حرصوا على تحقيق علاقة شخصية بالمرضى كانوا قد حققوا نجاحاً أكبر من أولئك الذين حرصوا على تقليل الأعراض.

في ذات الفصل ينتقل روجرز إلى بُعد آخر وهو ما يسميه “العلاقة المصنعة” (manufactured relationship) ويتكلم فيه عن كيف للمعالج أن يستخدم العلاقة لتحقيق المزيد مع الشخص مستشهداً في البداية بنظرية سكينير عن التحفيز الإيجابي ودورها في أمور بسيطة مثل الكلمات التي يستخدمها شخص ما تجاه أقوال وأفعال شخص آخر لتشجيعها. يمكن للتحفيز أن يتم عبر الإيثار فقط كما يشرح روجرز عن احدى التجارب التي حفزت مجموعة من مرضى الفصام في التجربة عبر اطعام قطة جائعة أو عبر الإيثار تجاه مريض آخر. أثبتت التجربة تلك تحسناً في حالة المرضى اثر ذلك، لكن حين تم تغيير ظروف التجربة نحو تحفيز أقل للإيثار فقد تم تسجيل تراجع في حالة المرضى. كانت تلك البداية فقط للمنهج الإنساني الذي استمر بالتفاعل مع مدارس العلاج النفسي الأخرى وبتقديم عناصر غيرت العلاج النفسي ككل. لكن ماذا عن العلاقة مع العلم والبحث العلمي؟

العلاج النفسي والعلم من وجهة نظر كارل روجرز

قدم كارل روجرز بعض الأدلة من الأبحاث لدعم فرضياته في العلاج النفسي، وفي نفس الوقت ساهم في تحويل عملية العلاج النفسي إلى عملية قابلة للدراسة أكثر من خلال تسجيل جلسات العلاج وإشاعة ذلك الأمر والبدء بدراستها. روجرز وتحديداً في الفصل العاشر من كتابه يناقش العلاقة بين دوره كعالم ودوره كمعالج بطريقة تُظهر وجود مفارقة.

في ذات الكتاب الذي يتناول فيه روجرز بعض الدليل العلمي الداعم لفرضياته يقول أنه يجد وظيفة العالم تتعارض مع وظيفة المعالج وفق وجهة نظره عن عمله كعالم وكمعالج. يجد روجرز أنه حينما يكون في ذهنية البحث العلمي فإنه يكون بعيداً جداً عن كونه معالجاً. أما حين يجد نفسه بأفضل أداء له كمعالج فإنه يكون بعيداً جداً عن كونه عالماً. روجرز يجد أن عملية العلاج النفسي تتمركز حول علاقة شخصية بالشخص. لا يعني ذلك أن عملية العلاج النفسي غير قابلة للدراسة، لكنها كما يصفها روجرز “ظاهرة معقدة”.

إن كون العلاج النفسي، وتحديداً ما يركز عليه روجرز في كونه علاقة، هو ظاهرة معقدة فإن ذلك لا يعني أنه غير قابل للدراسة. لم يتمكن روجرز من إرساء نظرية كما يذكر في كتابه، لكنه وضع فرضيات واضحة قابلة للدراسة والإثبات علمياً منها: “إن تقبل الشخص من قبل المعالج يؤدي إلى زيادة تقبل الذات لديه” على سبيل المثال. ويقترح روجرز هنا أن يكون هناك استبيانات لتقييم هذا الأمر ومقارنة درجة تقبل المعالج للشخص والشخص لنفسه كل على حدة، قبل وبعد العلاج النفسي. غير أن جوهر تلك العملية بحسب روجرز، وبالأخص وفق وجهة نظر العلاج المتمركز حول الشخص، تجعل الدراسة الموضوعية وإيجاد تفسير دقيق لما يجري أمراً صعباً جداً لكنها ليست مستحيلة وقد أجرى روجرز وزملاءه تجارب عديدة في ذلك الاتجاه.

العلاج المتمركز حول الشخص والبحث العلمي

قدم روجرز اطاراً كاملاً لتقييس عملية العلاج النفسي ووضع المعايير لاختيار المجموعة الخاضعة للدراسة ومراقبتها قبل العلاج النفسي وبعده وقبل ذلك بفترة مناسبة وبعده أيضاً. كما شرح روجرز ضرورة حصر المتغيرات الخاضعة للدراسة بين المجموعة الخاضعة للدراسة ومجموعة التحكم. وقد شرح الأبحاث التي قام بها بهذه الطريقة في جامعة شيكاغو في الاربعينات والخمسينات من القرن العشرين. وقد يكون روجرز بذلك أول من اقترح وسائل تقييس العلاج النفسي بهذه الطريقة.

إحدى الدراسات التي قام بها زملاء لروجرز (سيمان ورسكن[1]) تضمنت استماع مجموعة من الحكام المحايدين لجلسات علاج نفسي وفق منهج العلاج المتمركز حول الشخص قاموا اثناءها بتقييم التغير في الشخصية من خلال مجموعة من المعايير التي تم تحديدها مسبقاً. كانت المعايير تتضمن أن قيم الشخص تتغير وفق تجربته الخاصة. كان الحكام يقررون التغير في تلك الخصائص بتدرجات تتراوح من 1 إلى 4.

كان على الحكام أن يقيموا من بين تصريحات الأشخاص كون تلك التصريحات تعود لمصدر قيمهم (قيم الآخرين مثل التقاليد، الدين، التربية، أو تجربة الشخص نفسه). صنف الحكام تصريحات الأشخاص الخاضعين للعلاج من حيث مصدر القيم الذي تتبعه ومن حيث أن الأشخاص كانوا يميلون إلى تجربتهم أو إلى القلق بشأن قيم الآخرين. تصريح أحد الأشخاص في إحدى جلسات العلاج كان “لقد كنت اتسائل دوماً كان يجب علي اتباع ما يفكر به الآخرون. ألا يجدر بي أن أكون ما أنا عليه بدلاً من ذلك؟”.

جاءت التجربة أولاً بنسبة مرتفعة للتوافق بين الحكام حول طبيعة التصريحات مما يشير إلى موضوعية التحكيم على الجمل التي قالها الأشخاص في العلاج. ارتفعت معدلات انزياح الأشخاص من التفكير بما يقوله الآخرين وبقيم الآخرين نحو ما يعتقدونه وفقاً لتجاربهم الشخصية، وهذا هو جوهر العلاج المتمركز حول الشخص. تغيرت القيم لمجموعة من 10 اشخاص بين 1.9 كمعدل إلى 2.7 أي من الميل أكثر نحو ما يقوله الناس إلى الميل نحو تجاربهم الشخصية، ولمجموعة أخرى من 2.1 إلى 3.3 في آخر الجلسات.

أجرى باحثون آخرون[2] تجربة مجموعة من الطلبة قبل وبعد العلاج النفسي المتمركز حول الشخص ومجموعة أخرى لم تخضع للعلاج النفسي. كانت التجربة تتضمن اجراء اختبارات تؤدي إلى إحباط الطلبة في الوقت الذي يكونون فيه مرتبطين بمؤشرات عدة لقياس نبض القلب والتنفس والنشاط الكهربي الجلدي. خضعت المجموعتان للفحص ولم يكونوا يعلمون أن ذلك مرتبط بخضوع احدى المجموعتين للعلاج حيث ظنوا أن الأمر مستقل عن العلاج النفسي. كانت الاختبارات تتضمن عرض أرقام يُطلب من الطلاب تذكرها ثم تظهر إشارة تدل على فشلهم في الاختبار مما يؤدي إلى إحباطهم ثم يعاد الأمر مرتين بعد فترة استراحة. ولأن العينة المشاركة هم من الطلبة فقد كان الإحباط المتعلق بمعدل الذكاء أعلى لديهم. ما الذي نتوقعه عن النتائج؟

كان الطلبة الذين خضعوا للعلاج قد حققوا معدلاً أعلى للتعافي في فترة الاستراحة وذلك مما يتم قياسه من المؤشرات البيولوجية، في حين أن أولئك الذين كان التعافي لديهم ابطأ في الجولة الثانية من الاحباطات. تقرب هذه التجربة أيضاً مفهوم “الشخص” وعملية النمو التي يمر بها أثناء العلاج النفسي المتمركز حول الشخص بحيث يكون أقل عرضة للظروف المؤدية إلى الإحباط وأكثر قدرة على التعافي منها. ينفصل كارل روجرز المؤسس لمنهج العلاج النفسي هذا عن دوره كمعالج حين يقدم هذه التجارب وتجارب أخرى عديدة وحين يقترح المنهج التجريبي لاختبار طريقته أو أي طريقة للعلاج النفسي. لكنه يعود ليخلع ثوب العالم حين يؤدي دوره كمعالج ويتخلى عن تلك الموضوعية ويحاول أن يكون في تفكيره “مع الشخص” بدلاً من أن يكون تفكيره “عن الشخص” ليحقق بذلك مزيجاً نادراً في تاريخ العلم بين النزعة الإنسانية وبين السعي لإثباتها علمياً بصرامة.

خصائص العلاقة والمعالج: التعاطف، التطابق، التحالف العلاجي

هناك الكثير من الخصائص التي يمكن اعتبارها أساسية في العلاقة بين المعالج والشخص وأيضاً في كونها أساسية لتحقيق نتائج أفضل عبر العلاج النفسي. لكن ليس من السهل قياس هذه الخصائص وإدراجها ضمن الخصائص الأكاديمية بل يمكن تصنيفها كأخلاقيات للمهنة مثلما يتوفر الأمر ذاته في الطب وقد ينبع تشريع تلك القواعد من مصادر فلسفية أخلاقية أكثر من كونها حقائق علمية.

من أول الخصائص تلك هي إظهار التعاطف (empathy) والشعور بالتعاطف وقد وضع كارل روجرز هذا كشرط أساسي للعلاقة العلاجية. كما أضاف روجرز مفهوم الأصالة (genuineness)  الذي عده عاملاً أساسياً في العلاقة من المعالج للعميل وصفة يجب أن يتحلى بها المعالج. أما مفهوم التطابق فهو في الأساس مفهوم في الرياضيات والهندسة ويعني أن يكون جسمان بنفس القياس والحجم أو أن يكون لجسم ما ذات القياس والحجم لجسم آخر معاكس له. ما علاقة ذلك بعلم النفس وبالعلاج النفسي؟ أوجد كارل روجرز المصطلح ضمن سياق العلاقة العلاجية، من الممكن تلخيص خصائص العلاقة وخصائص المعالج التي أشار لها روجرز بأن المعالج يجب ألا يختبأ خلف الكبرياء أو خلف جدار من الحواجز الاجتماعية أو حاجز كونه سلطة. كما أن المعالج يجب أن يقوم ببذل ما بوسعه لتوصيل خبرته مع العميل وإلى العميل. يعد التطابق صفة للعلاقة وللمعالج في نفس الوقت وكذلك الحال مع الأصالة أما التعاطف فهو ما يجب أن يظهره المعالج. [3]

من الخصائص الأخرى ما يعرف بالتحالف العلاجي (therapeutic alliance) والتي تعرف بأنها أمر مشترك بين المعالج والعميل يتضمن اهدافاً مشتركة وقبولاً للمهام التي سيؤديها كل شخص في العلاقة وارتباطاً معيناً بين الإثنين. يقترح بعض الباحثين إمكانية قياس هذه الخاصية وإثبات أثرها في نتائج العلاج النفسي. [4]

ربما من الممكن تصنيف التطابق وخصائص أخرى من هذا النوع بأنه نصيحة من مختص أكثر من كونه حقيقة علمية حيث أن هناك تحديات لقياس هذه الصفة أو إدخالها في البحث التجريبي[5]. مع ذلك فقد قام البعض بدراسة أثر خصائص كارل روجرز الثلاث: التطابق، التعاطف والأصالة بطرق عدة قائمة على الاستبيانات المقدمة لكل من المعالج والعميل بشكل يؤكد ضرورة تلك الخصائص ويقترح ممارسات دقيقة لإيصالها للعميل من خلال جلسات العلاج[6].

العلاج المتمركز حول الشخص في خلاصة

بالرجوع إلى النقاط الأساسية الست التي وضعها كارل روجرز في خصائص منهجه العلاجي يمكن تلخيص العلاج المتمركز حول الشخص أو العلاج المتمركز حول الشخص بأنه علاج نفسي يتمحور في طريقة تحقيقه لأهداف العلاج من خلال العلاقة بين المعالج النفسي (المستشار counsellor كما أسماه كارل روجرز) والشخص. يوفر الشخص الأصالة في العلاقة، التقبل التام، والتعاطف والتفهم. ويؤدي كل ذلك إلى الهدف الذي يلخصه كارل روجرز بتحقيق الذات بالنسبة للعميل.

ربما تبدو هذه العبارات بالنسبة لنا بسيطة ومألوفة وربما يعد بعضها مثل “تحقيق الذات” جزءاً من الثقافة الشعبية اليوم، لكن لماذا؟ جانب من السبب في شيوع هذه المفاهيم والمصطلحات هو المنهج الإنساني ذاته ممتداً من ابراهام مازلو وكارل روجرز وآخرون. اما الأبعاد الفلسفية والإثباتات العلمية لأثر تلك العوامل في العلاقة بين شخصين فقد كانت نتيجة لجهود روجرز وآخرين أيضاً.

شروط القيمة (conditions of worth) هي مبحث مهم طرحه وناقشه كارل روجرز ويتضمن المبدأ السائد بأن الشخص سيكون ذو قيمة في مجموعته، كالصف أو الجامعة أو محل العمل، إذا ما حقق كذا وكذا. ما يهدف إليه العلاج الإنساني ومن جملة ما يدركه الشخص حين يحقق ذاته هو أن لا تكون لديه شروط لكي ينال قيمة وأن يختبر احتراماً غير مشروط للذات، مثل ذلك الذي يناله من قبل المعالج.[7]

بالضد من العلاج النفسي الفرويدي يقول كارل روجرز عن العلاج المتمركز حول الشخص أن العلاقة العلاجية تكون مختلفة عن “الاقتران السلطوي الفرويدي” حيث لا يحاول المعالج أن يكون سلطة أو أن يعيد تمثيل دوراً سلطوياً في حياة الشخص. وفي نفس الوقت فإن عملية العلاج والتقدم الذي يتم احرازه خلالها يعزى بشكل رئيسي للعميل وفقاً لمنهج كارل روجرز.

لا يمتنع المنهج الإنساني عن ممارسات بعينها مثل تحليل ماضي وطفولة الشخص لكنه لا يأبه بها كأساس للعلاج. على سبيل المثال، ذكر كارل روجرز عملية الانتقال (transference) في كتبه وأبحاثه كوسيلة لرؤية بعض العلاقات بين الشخص والمعالج، لكنها ليست أمراً محورياً. وقد علق روجرز في المرة الوحيدة التي تطرق بها للانتقال في كتابه الأهم، أن تصير أنساناً حين وصف الظاهرة في العلاقة العلاجية: “الظاهرة هذه بالتأكيد ليست علاقة انتقال وانتقال مضاد (countertransference) [كيفية شعور المعالج تجاه الشخص بإسقاطات العلاقات السابقة للمعالج]. بعض النفسانيين من ذوي الخبرة ممن كان لهم الفرصة في ملاحظة تطور العلاقة بالحالات التي ذكرتها كانوا أول من عارض استخدام مصطلح الانتقال لوصف هذه الظاهرة. كان تعليقهم بأن ما يجري كان مشتركاً ولائقاً في حين أن الانتقال والانتقال المضاد هي تسميات لظاهرة أحادية الاتجاه وغير لائق لواقع المشكلة”.

وبينما لا يتضمن العلاج المتمركز حول الشخص بالضرورة إجراءات وتمارين ذهنية كالتي يقدمها العلاج السلوكي الإدراكي فإنه أيضاً لا يمانع تضمن مسار العلاج.

يمكن النظر إلى العلاج النفسي الإنساني، أو العلاج المتمركز حول الشخص من وجهة نظر اختلافاته مع مناهج العلاج النفسي الأخرى. لكن في النهاية يمكن النظر إليه على أنه محاولة لتثبيت نمط طبيعي دافئ من العلاقات دون أي تعقيدات أدبية أو أكاديمية. وقد نجح في ذلك بالفعل.

المصادر

[1] Seeman, Julius, and Nathaniel J. Raskin. “Research perspectives in client-centered therapy.” (1953).

[2] Thetford, William N. “An objective measurement of frustration tolerance in evaluating psychotherapy.” (1952).

[3] Kolden, Gregory G., et al. “Congruence/genuineness.” Psychotherapy 48.1 (2011): 65.

[4] Summers, Richard F., and Jacques P. Barber. “Therapeutic alliance as a measurable psychotherapy skill.” Academic Psychiatry 27.3 (2003): 160-165.

[5] Klein, M. H., Kolden, G. G., Michels, J. L., & Chisolm-Stockard, S. (2002). Congruence. In J. C. Norcross (Ed.), Psychotherapy relationships that work: Therapist contributions and responsiveness to patients (pp. 195–215). Oxford University Press.

[6] Kolden, Gregory G., et al. “Congruence/genuineness.” Psychotherapy 48.1 (2011): 65.

[7] Rogers C (1959) ‘A Theory of Therapy, Personality, and Interpersonal Relationships, As Developed in the Client-Centered Framework’, in Koch S (ed) (1959)