مهما ذكرت الدراسات من فوائد للعديد من ممارسات العلاج النفسي ومناهج العلاج النفسي فإن العلاج النفسي يبقى مجالاً حافلاً بالزيف والاحتيال أكثر من أي ممارسة صحية أخرى. إن صعوبة دراسة الدماغ البشري وصعوبة دراسة الجانب النفسي من البشر يُعد من الأسباب التي جعلت علم النفس متأخراً عن غيره بشكل عام ويتبع العلاج النفسي ذات القاعدة ما لم يكن أكثر تأخراً بحكم كونه لا يتطلب فهم السلوك فحسب بل تحقيق تغيير علاجي في الشخص. مع ذلك فقد ناقشنا في كتاب العلاج النفسي كيف نواجه المعاناة النفسية عبر العلم عدداً كبيراً من الممارسات التي تعد انتصاراً للعلاج النفسي ولعلم النفس بشكل عام. يجدر أيضاً التحذير من الهراء في العلاج النفسي فهو، ونظراً لعدم وضوح التشريعات، صار في كثير من البلدان مرتعاً للمحتالين بمختلف أصنافهم. فما هي أبرز أنواع الاحتيال والزيف تحت غطاء العلاج النفسي؟
تجدر الإشارة إلى أن هناك مئات الأنواع من العلاج النفسي، بعضها ليس سوى تنوع من ممارسة علاجية ناجحة مع إضافات بسيطة. لكن هناك الكثير من الممارسات والمناهج الزائفة كلياً والتي لا تمتلك أي إسناد من المجتمع العلمي والتي لا تُعد غير مفيدة فحسب بل قد تكون ضارة.

نشر المقال في كتاب العلاج النفسي كيف نواجه المعاناة النفسية عبر العلم
مثلما تتطفل بعض العلوم الزائفة مثل الريكي وهالات الطاقة على الطب لتدّعي معالجة بعض الحالات فإن هذه المجالات تتطفل على العلاج النفسي أيضاً وبشكل أوسع. لا يوجد أي أساس علمي للطاقات أو الريكي أو التشي كما لا يوجد أي منطق لذلك ولا أي آلية لقياس أو فحص ما تدعيه هذه المجالات. ومثلما يبدو فإن هناك فروعاً زائفة من العلاج النفسي تستخدم هذه العلوم الزائفة.
هناك أيضاً علوم زائفة مثل العلاج بمساعدة الخيول (Equine assisted therapy) لمعالجة اعتلالات الصحة النفسية. وتوجد إصدارات من علوم زائفة أخرى للعلاج بالحيوانات الأليفة. لا يمكن نفي فائدة اقتناء حيوان أليف لكن في نفس الوقت لا يمكن منطقياً ولا يوجد دليل أن شخصاً من الممكن أن يتعافى بإجراء طقوس معينة للتواجد حول حيوان ما.
التنويم الايحائي هو مجال آخر من مجالات العلم الزائف والتي ثبت عدم وجود أي فائدة لها في العلاج النفسي[4] فضلاً عن عدم وجود أي فائدة لها في المجالات الأخرى.
من الصعب إحصاء ممارسات العلم الزائف فهي تبدو وكأنها لا تنتهي أحياناً، لكن سنتوقف عند البرمجة اللغوية العصبية. البرمجة اللغوية العصبية هي علم زائف[5] [6] شهير ليس له دعم علمي أو اكاديمي أو منطقي كما أن فيها الكثير من المغالطات المنطقية. تزعم البرمجة اللغوية العصبية وجود روابط بين النطق، السلوك والعمليات العصبية في الدماغ. لكن من قال ذلك؟ أشخاص لا علاقة لهم بالعلم قرروا وضع تلك الأنماط لبيع مجالهم. إذا قرأت أي من هذه المصطلحات فهي إشارة كافية للابتعاد عن الشخص صاحب الادعاء بأنه معالج نفسي أو أن ما يقدمه يعد علاجاً نفسياً.
من جهة أخرى فإن منهج التحليل النفسي الذي إستشهد به كارل بوبر بصفته علماً زائفاً [7] ما يزال يعد بالكثير من أشكاله علماً زائفاً لكن تجدر الإشارة إلى أن التحليل النفسي اليوم هو ليس التحليل النفسي لدى فرويد. تغير التحليل النفسي رغم بقاء بعض الاشكال التقليدية منه ورغم وجود أشكال أكثر بعداً عن العلم من التحليل النفسي التقليدي مثل توجه جاك لاكان. تُعد الديناميكيات النفسية اليوم الحفيد أو الابن للتحليل النفسي ويحاول العاملون فيها تقديم دراسات حول الفاعلية وتقييم عملهم بطريقة تشبه بقية تخصصات العلاج النفسي. ربما ما يشفع للتحليل النفسي فقط هو أنه لا يدعي أنه علم في كثير من الأحيان. لخصنا في العلوم الحقيقية اصداراً من مجلة نفسية تحليلية حول علاقة التحليل النفسي بالعلم وأوضحنا كيف أن هناك إجماع لمن كتبوا في ذلك الإصدار على أن التحليل النفسي ليس علماً. [8]
لا يعني ذلك أن التعامل مع التحليل النفسي ينبغي أن يكون طبيعياً بمجرد أن المحللين النفسيين يقولون أنه ليس علماً. كما نشرنا في كتاب العلاج النفسي (الرابط أعلاه) فإن الساحة العلمية تحفل بالكثير من مجالات العلاج النفسي العلمية التي تجعل الشخص بغنى عن تخصص ذو خلفية غير علمية ما زال يحاول اثبات جدارته سواء من خلال التحرر من مبادئه غير العلمية واتباع بعض الطرق العلمية أو من خلال نفي صفة العلم عن المجال كلياً.
المراجع
[4] Flammer E, Bongartz W (2003). “On the efficacy of hypnosis: a meta-analytic study” (PDF). Contemporary Hypnosis. 20 (4): 179–197
[5] Sharpley, Christopher F. (1 January 1987). “Research findings on neurolinguistic programming: Nonsupportive data or an untestable theory?”. Journal of Counseling Psychology. 34 (1): 103–107. doi:10.1037/0022-0167.34.1.103
[6] Witkowski, Tomasz (1 January 2010). “Thirty-Five Years of Research on Neuro-Linguistic Programming. NLP Research Data Base. State of the Art or Pseudoscientific Decoration?”. Polish Psychological Bulletin. 41 (2). doi:10.2478/v10059-010-0008-0
[7] Thornton, Stephen, “Karl Popper”, The Stanford Encyclopedia of Philosophy (Winter 2023 Edition), Edward N. Zalta & Uri Nodelman (eds.)
[8] عمر المريواني، ” هل التحليل النفسي علم؟ ماذا يقول المحللون النفسيون”، العلوم الحقيقية، ديسمبر 27, 2022
مصادر أخرى:
Psychotherapy And Pseudoscience: Five Indicators Of Dubious Treatments, mentalhealth.com, Sep 25th 2024
Jonathan N. Stea Ph.D., R. Psych, “Mental Health Misinformation and Pseudoscience Are Rampant”, Psychology Today, June 25, 2024
DINEEN, TANA. “Psychotherapy as Pseudoscience.” The Skeptic Encyclopedia of Pseudoscience:[2 volumes] (2002): 384.
Seligman, Martin EP. “The effectiveness of psychotherapy: The Consumer Reports study.” American psychologist 50.12 (1995): 965.