في الألعاب يعرف مفهوم لعبة المجموع غير الصفري باللعبة التي لا يعني فوز أحدهم فيها خسارة الآخرين أو خسارة أحدهم فوز الآخرين بل يمكن ان يتحقق الربح المشترك للجميع. بالتأكيد نحن لا نعرف لعبة شائعة من هذا النوع بين الألعاب الكثيرة المشهورة، لكن معضلة السجناء التي يتم فيها سؤال المتهمين بحيث يمكن أن يربحا لو تعاونا او ان يخسرا سوية لو لم يتعاونا بالأجوبة هي مثال على هذا النوع من الألعاب، إذاً فهي لعبة بالمفهوم وليست لعبة بالضرورة. أيضاً يرى البعض أن اقتصاد السوق الحرة يمكن أن يكون لعبة مجموع غير صفري يربح بها الجميع. لكن اللعبة الأكبر من نوعها قد تكون مفهوم التعاون والأخلاق في مجتمعات البشر وفقاً لبحث تجريبي نشر في العام 2019 بمجلة الانثروبولوجيا المعاصرة (Current Anthropology).
ذكر الباحثون أصناف التعاون والتي تشمل: توزيع الموارد للاقارب؛ التعاون لمنفعة متبادلة؛ التبادل الاجتماعي وحل النزاعات عبر اظهار سلوك الحمائم والصقور؛ التملك والتقاسم. والتي يشرح كل صنف من التعاون صنفاً من السلوك الأخلاقي وهي: القيم العائلية، الولاء للجماعة، التبادل، الشجاعة، الاحترام، العدل، وحقوق الملكية. ثم قاموا باختبار تلك القيم على 60 مجتمع مختلف.
سبب اختيار هذا العدد من المجتمعات في الدراسة واختيار مجتمعات متباينة من كافة انحاء الأرض هو لتجنب ما يعرف بمعضلة غالتون في الدراسات الاجتماعية والانثروبولوجية العابرة للثقافات. ومعضلة غالتون تنسب الى اعتراض العالم السير فرانسيس غالتون على السير ادوارد تايلور في استنتاج جاء به الأخير حول الزواج في عدد من المجتمعات، اعتراض غالتون كان بخصوص القدرة على افتراض الترابط الاحصائي بين ظاهرةٍ ما واشارات عدة تتسبب بها وعدم القدرة على عزل تلك الإشارات وتأثيراتها حيث يمكن افتراض أن أي إشارة من الإشارات قد تكون هي المسبب. لكن مما يساعد في التعامل مع معضلة كهذه هو زيادة عدد العينات المدروسة مثلما حدث في هذه الدراسة حيث تم ادخال 60 مجتمعاً فيها تباينات كبيرة.
لكن كيف تمت دراسة تلك المجتمعات؟ اعتمد الباحثون على موسوع تعرف بملفات منطقة العلاقات البشرية (eHARF:Human relations area files)، وهذه الموسوعة هي احدى أكبر مصادر المعلومات حول الثقافات البشرية وتعد مصدراً ثميناً في البحوث الانثروبولوجية. اشترط الباحثون وجود أكثر من 1200 صفحة حول المجتمع المراد دراسته، ووجود انثروبولوجيين سابقين ذهبوا الى تلك المجتمعات وعاشوا بين أهلها لأكثر من سنة وأتقنوا لغتها. وهكذا فقد انتهى الباحثون بالعمل على مئات الصفحات مما كتب عن المجتمعات المستهدفة في الدراسة ثم تم البحث عن كل ما يمت بصلة للتعاون مما ورد في تلك الملفات، ثم قاموا بتصنيف البيانات التي جمعها الى أصناف التعاون المذكورة آنفاً والسلوكيات الأخلاقية المرتبطة بها.
من بين 961 حالة وردت للتعاون تم تصنيف الحالات الى سلبية او إيجابية، والى الأصناف المذكورة آنفاً من التعاون. وجد أن هناك حالة سلبية واحدة فقط في شعب لدى ميكرونيزيا والذي يرى أن السرقة العلنية أمر جيد انطلاقاً من كونها من صفات الصقور أو من صفات الرجولة بثقافتنا العربية (تذكرت في كتاب لعلي الوردي يصف ظاهرة مشابهة في المجتمع البغدادي في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر). وبذلك تعزز النتائج التي تم التوصل اليها مصداقية نموذج الأخلاق – تعاون.
لا يقترح البحث بالضرورة طريقة وحيدة للنظر لموضوع الأخلاقيات، لكنه يرسخ لقاعدة تتبناها جميع ثقافات البشر ووفقاً لنظرية الألعاب، أي، من خلال الطريقة التي ينظر بها الى التعاون وبكونه أمراً أخلاقياً بالنسبة لجميع الثقافات ويقدم طريقة لاختبار ذلك ولترسيخ مبدأ ان الاخلاق في أساسها هي التعاون.
البحث:
Curry, Oliver Scott, Daniel Austin Mullins, and Harvey Whitehouse. “Is it good to cooperate? Testing the theory of morality-as-cooperation in 60 societies.” Current Anthropology 60.1 (2019): 47-69.