هل نشر الاوراق البحثية ممكن لغير المختصين؟ في الحقيقة واثناء كتابة هذا المقال طالتني رغبة شديدة في البحث هل يمكنني كشخص مهتم بعلم النفس ان اكتب بحثاً يوماً ما بناءاً على شئ سأجده في هذا المجال بعد قراءة مكثفة؟  لي صديق أيضاً مختص بالميكانيك والكهرباء ويعمل بهما بينما هو مغرم بالجينات والوراثة. ماذا عن اولئك الذين لم يدرسوا؟ هل يمكنهم أن يكتشفوا اشياءاً او ان يساهموا بمواهبهم وقدراتهم في تطوير العلم؟

بالقراءة في معايير كتابة الابحاث لم اجد جامعة او مؤسسة تشير الى شهادة الكاتب[1] فيما بحثت به،  الكلام عن كتابة الابحاث هو في الغالب عن من يحق له ان يُكتب وهو من له المسؤولية الفكرية لكتابة الورقة البحثية اي من كتب افكاراً او بيانات قام باستحصالها او برهان استنتجه.

كلنا نعرف أن الطلاب يقومون بأبحاث من اجل انهاء مرحلة التخرج ولا مانع في ان تكون هذه الابحاث اعمال جديدة (Novel works) او ان تكون مراجعات (review works) هم انفسهم لا يمتلكون درجة علمية اثناء كتابتهم ومناقشتهم للبحث رغم كونهم قد درسوا المادة وينتمون الى مؤسسة، ثم سيستمر الامر نحو الشهادات الاعلى. اذاً من الممكن لطالب بكلوريوس (Bachelors) ان يكتب بحثاً علمياً وينشره وهو ما زال لا يمتلك الدرجة.

قد يكون عدم ذكر التخصص كشرط، هو بالاضافة لحالة الطلبة، هو أن التخصص سيفتح ابواباً اخرى للتدقيق في احقية الكاتب بكتابة بحث معين في مجال معين، والعلم لا يعرف هذه الحواجز ابداً وخصوصاً في وقتنا وبالاخص امام مسألة البحوث المشتركة بين عدة مختصين من مجالات متعددة او بحوث مجال معين تتصل بمجال آخر  مثلاً بحث جيولوجي يقوم به مختص بالتنقيب عن المستحثات. المجالات تتداخل فيما بينها وجعل التخصص شرطاً سيجعل عراقيلاً كثيرة امام ذلك الصنف من الابحاث.

لكن ماذا عن من يقومون بالاكتشافات؟ او يقدمون اختراعات معينة؟ لن نتكلم هنا عن نيوتن او اديسون او داروين والعلماء الاقدم حيث لم يكن هناك نظام لنشر الابحاث وها نحن اليوم نعيش في ظل اكتشافاتهم واختراعاتهم. لكن لنتكلم عن علماء في القرن العشرين لم ينالوا اي شهادة. مثلا:

  • ريتشارد ليكي (Richard Leaky)[2]: هو عالم مستحثات بشرية وابن لاحد علماء الاثار، ترك المدرسة الثانوية حتى وقضى حياته في الاستكشاف وقد اكتشف العديد من المستحثات البشرية ولو بحثنا عن اسمه في جوجل للابحاث (google.com) لوجدناه مشاركاً وكاتباً لكثير من الاوراق البحثية.
  • روبيرت ايفانس (Robert Evans):[3] سنجد وصفه في الموسوعة الحرة بأنه فلكي هاو له مشاهدات هامة للسوبرنوفا، لكن سنجده مشاركاً في احدى الاوراق المنشورة في جامعة هارفارد والتي دونت ملاحظاته عن السوبرنوفا

paper

  • جاك هورنير (Jack Horner)[4]: وهو غير حاصل على اي شهادة لكنه مكتشف لاحد انواع الديناصورات (الماياصورا) وقام بتسميته.

وعلى شاكلة هؤلاء سنجد الكثيرين ممن لهم ملاحظات وتدوينات لكننا لن نجد واضعي النظريات والفرضيات المثبتة في القرن العشرين دون دراسة او ممن يكتبون في غير دراستهم. سنجد منقبين كانت اسهاماتهم في ايجاد مستحثات، او اثار وعلماء فضاء وجدوا كواكباً، او ظواهر فضاء..الخ. لكن بالمقابل ليس جميع من كتبوا النظريات كانوا اساتذة حاصلين على الدكتوراه فمثلاً اينشتاين لم يكن حاصلا على الدكتوراه عندما وضع النسبية. الكثير من الاكتشافات بل نسبة كبيرة منها كانت على يد هواة، فهل انتهى الوقت الذي يمكن القيام به بذلك؟ بالتأكيد لم ينته. لكن نطاق الاشياء التي صار من الممكن ان تكتشف من قبل هاو صارت اقل بكثير، رغم ان المجال مفتوح في المستحثات مثلاً.

نعود للأدلة التي تنشرها المجلات والجامعات لكتابة الأبحاث والتي لم اجد فيها ما يشير الى الشهادة وهو برأيي يرجع لسببين اولهما ان الامر صار من شبه البديهي انه مرتبط بشهادات وتخصصات معينة لكي يستطيع الشخص ان يكتب بحثاً ومن جهة ثانية فإن الأمر رغم بديهيته فما زالت هناك احتمالية صغيرة تمنع تحديد الامر بالمختصين. لنفترض انك كتبت بحثاً ونال بحثك التدقيق والموافقة من شخص مختص (وهو أمر ضروري لا يمكن مناقشته) ثم تم نشره بعد تدقيق المجلة نفسها فما الذي سيعترضه:

  • كونك غير مختص سيتعرض البحث الذي كتبته للتشكيك وقد لا ينال الاستشهادات من قبل بحوث اخرى وبالتالي سيكون بحثاً مغموراً.
  • استناداً للنقطة الاولى قد لا تُخاطر مجلة بالنشر لك سواء كتبت التخصص او الشهادة العليا في شروطها ام لم تكتبه. كثير من المجلات اليوم صارت تتعاقد مع باحثين لامعين في مجالاتهم لتتولى النشر الحصري لهم وذلك بهدف زيادات الاستشهادات منها وبالتالي زيادة تصنيف المجلة بعامل تأثيرها.
  • حتى في حال موافقة احدى المجلات المبدئية على النشر لكن الخطوة التي تسبق ذلك وهي الموافقة والتدقيق من استاذ مختص على الاغلب لن تكون ممكنة سواء من ناحية ان المختص هذا قد لا يرحب بالعمل لاسباب بيروقراطية رسمية او لعدم قبوله العمل خارج اطار المؤسسات الاكاديمية.
  • كونك غير مختص ستعاني من جهود مضاعفة في فهم المادة والوصول اليها ومن ثم بلوغ مرحلة القدرة على الكتابة العلمية. حتى الباحثون انفسهم قد يستغرقون ما يصل الى سنوات ضمن الوسط الاكاديمي حت يبدؤون بالكتابة ويصلون الى النقطة التي ينظرون فيها الى ما هو موجود في مجالهم بنظرة شاملة يمكن من خلالها الشروع بعمل جديد مثل التجارب لتطوير نقطة معينة في التخصص.
  • كونك غير مختص ستعاني من الوصول الى المواد المطلوبة للدراسة، فالجامعات توفر الكتب المنهجية والتدريسيين اثناء الدراسة وتوفر كثير منها الوصول للمصادر البحثية لما بعد الدراسة وهذا غير متاح لغير المنتمي الى مؤسسة. رغم وجود شئ من المواد المفتوحة على الانترنت.

عموماً عندما تكتب اي كلمة ذات صلة بشئ خضع للابحاث في محرك بحث الابحاث العلمية (scholar.google.com) ستجد اسماءاً من الباحثين تقابلهم ارقام بالالاف من عدد مرات الاستشهاد بالبحث، قد ترى لوهلة انك امام نجوم ونوع من المنافسة في جانب من النجومية بعيدا عن الرياضة والفن، من سيهتم ببحث كتبه شخص غير مختص؟ من سينشره اصلا؟ هذا ان وجد من يدققه. و ان استطاع شخص ان يبني خبرته العلمية بشكل متكامل ودقيق بعيداً عن المؤسسات التي رغم بيروقراطيتها غير انها ستجبرك على قراءة امور لا تحبها ولا تدرك اهميتها، لاسيما وسط البحور الشاسعة من الحقائق والبيانات في كل تخصص علمي موجود اليوم، فمعظم ما كان يمكن ان يكتشفه البشر بالوسائل البسيطة تم اكتشافه اليوم وسقف المعرفة صار عالياً لبلوغ ما هو جديد.

[1] https://hms.harvard.edu/about-hms/integrity-academic-medicine/hms-policy/faculty-policies-integrity-science/authorship-guidelines

[2] http://www.leakey.com/bios/richard-leakey

[3] https://en.wikipedia.org/wiki/Robert_Evans_%28astronomer%29

[4] http://dyslexia.yale.edu/horner.html