What Darwin's Theory of Evolution Reveals About Artificial Intelligence

على الرغم من انه سؤال فلسفي ، الا انه علمي في نفس الوقت . فهنالك العديد من علماء الفيزياء والحاسوب ينظرون له على انه سؤال جوهري وقد يقلب الموازين العلمية . فهو لا يتحدث عن كتابة الشعر فقط ، بل عن المجالات الابداعية التي يتميز بها ذكاء الانسان الطبيعي . ومصطلح ( ذكاء الانسان الطبيعي ) هو المعكوس ( لذكاء الحاسوب الاصطناعي ) ، فمهما بلغ الحاسوب من ذكاء ومن عمليات عالية الدقة والحنكة ، الا انه يبقى ذكاءا اصطناعيا . لنصل بذلك الى سؤال اكثر دقة ، هل سينافس الذكاء الاصطناعي للحاسوب الذكاء الطبيعي للانسان ؟! ولكن على الرغم من دقة السؤال الا ان اجابته تحتاج الى مجلدات . لذلك عبرت عن الذكاء الطبيعي بالـ ( شعر ) .. والذكاء الاصطناعي بالـ ( حاسوب ) .

وللاجابة على السؤال العام ، نعم ، قد نافس الذكاء الاصطناعي الذكاء الطبيعي للانسان ، وفي مجالات عديدة. ومن ابرزها مجال الالعاب ، الذي هو من اقدم المجالات العلمية في الذكاء الاصطناعي للحاسوب . ففي خمسينيات القرن الماضي بدأت اول الابحاث على كيفية تمكين الحاسوب وتعليمه لعبة الشطرنج ، واول هذه الخطوات الجبارة كانت على يدي ابو نظرية المعلومات كلاود شانون Cloud Shannon، وبحثه الشهير جدا (1950) الذي كتب به اساسيات خوارزمية Minimax  التي تستخدم لغرض تمكين الحاسوب من لعب اي لعبة ثنائية ، وقام ايضا بحساب تعقيد الشطرنج ، الرقم الهائل 10 123 . هذا الرقم الذي تم التعبير عنه على انه اكبر من عدد ذرات الكون المنضور  . وجاء في نفس تلك الفترة الان تيورنك Alan Turing مع الته واختباره الذي اثبت ان للحاسوب القدرة على لعب الشطرنج . وصامويل Samuale في(1959)  الذي كتب اول برنامج حاسوبي يتمكن من لعب لعبة الداما . وبين ان الحاسوب قادر في يوم ما من ان يهزم الانسان ولو بمستوى ضعيف . وبعد هذه الخطوات الكبيرة ، انقسم علماء الحاسوب والرياضيات والذكاء الاصطناعي الى قسمين ، منهم مؤيد الى ان يكون الحاسوب منافس قادم للانسان وخلال 10 سنوات من ذلك الحين . اي وبصورة ادق في ستينيات القرن الماضي . والقسم الاخر رفض بطريقة الدفاع عن ذكاء الانسان وعدم المساس به ، فقالوا لن يتمكن الحاسوب من مجارات ذكاء الانسان ، فكلما يقوم به مستقبلا هو فقط عملية تنفيذ لعمليات حسابية اعتيادية ، صحيح انها معقدة على الانسان ، ولكن وبما انه الانسان هو واهب هذه المعلومات له اذا لن يكون اذكى منه . في الواقع ، ولحد هذا اليوم اواجه بحياتي الخاصة اناس لهم نفس الرأي على ان الانسان سيبقى هو المسيطر ، مع العلم ان الادلة قد بينت غير ذلك !! .

فقد تم في الستينات وعلى يد لطفي زاده ايجاد المنطق الضبابي الذي كان شئ صعب الفهم في وقته ، والذي قرب الحاسوب خطوة من الانسان . فجعل القرارات الصادرة من الحاسوب تكون اكثر دقة من ان تكون فقط ( صح او خطأ مطلقين ) !! . وجاءت في بداية السبعينات على يد هولاند J. Holland فكرة رائعه قد دفعت بالذكاء الاصطناعي وعملية حل المشاكل المعقدة سنوات الى الامام ، من خلال عملية محاكاته لابسط اساسيات نظرية التطور Evolutionary Algorithm ، وهي من خلال ابتكاره الخوارزميات الجينية Genetic Algorithms . التي اعتمدت على انشاء كروموسومات تحتوي على الحالات الجيدة والسيئة بصورة عشوائية ولعدد كبير ، ومن خلال اختيار افضلها ومزاوجتها من الممكن ايجاد ابناء افضل ، على الرغم من بطئ عمل الخوارزميات الجينية الا انها اداة فعالة في البحث عن الحلول – وليس ايجاد الحل الامثل Optimal Solution  – ولها استخدامات عديدة في مجال تحسين الحلول Optimization. وقد تم جمع كل الخوارزميات التي اعتمدت على نظرية التطور في بداية الثمانيات لتكون تحت اسم الخوارزميات التطورية Evolutionary Algorithms  .

لنعد الى الالعاب مرة اخرى ، ومع الحدث التاريخي الذي قد غير مفهوم الذكاء الاصطناعي ، وهو مباراة الشطرنج التي جرت بين كاري كازباروف وجهاز الحاسوب العملاق Deep Blue  التابع لـ IBM في عام 1997 ، انتهت في بدايتها بالتعادل ، ولكن كيف ؟ البطل التاريخي كازباروف يتعادل 3 : 3  ، حتى ان كازباروف نفسه قال انه في حركة ما قام الحاسوب بالرد عليه بطريقة لم يتوقعها شخصيا ، وانه لوكان انسان امامه لما تمكن من ايجاد هذه الحركة . وفي عام 2002 تم اعادة اللعبةمع النسخة المطورة من الحاسوب ضد كازباروف لينتصر الحاسوب هذه المرة معلنا بدأ عصر الذكاء الاصطناعي والحاسوب الذكي . وفي عام 2007 ، تم حل لعبة الداما نهائيا ، من خلال مشروع شينوك Chinok  الذي بدأ في 1989 ، ويستطيع هذا البرنامج من اللعب بطريقة متكاملة وصحيحه ضد اقوى لاعب بالعالم في لعبة الداما والفوز عليه ، او على الاقل تعادل ، وهذا مانسميه ( حل اللعبة ) .

بعد هذه الرحلة التاريخية السريعة ، تبين لنا ان الحاسوب ليس بمنافس فقط ، بل ومنتصر في بعض الاحيان ، فبعد ان كان الشطرنج مستحيل ، اصبح اقوى من الانسان نفسه ، فاذا اجلست لاعب دولي بمستوى Master  في الشطرنج في مباراة ضد حاسوب ولكن بطريقة مخفية ، اي ان هذا اللاعب لا يعرف ان الذي امامه حاسوب ، فانه سيتوقع ان الذي امامه لاعب دولي اخر بمستوى اعلى وبذكاء اكثر .

لكن ، كيف انتصر الحاسوب على الانسان في الشطرنج ؟! سأجيب بطريقة مختصرة . هذه الانتصار تم وببساطة بسبب ان الحاسوب لديه القدرة على البحث والتحليل الى بعد غير محدود ، فمثلا يمكن ان يقوم للبحث في العمق 30 من شجرة البحث الضخمة للشطرنج ، وايجاد افضل الحركات منها . بينما الانسان لا يستطيع ان يفكر ويبحث لاكثر من 8 اعماق وهذا في حالات اللاعبين المحترفين ، وطبعا من الممكن ان يكون غافلا عن بعض الحركات . ومن الجدير بالذكر ان العمق 8 يعني وجود (84998978956) احتمال . بينما عند العمق 30 ، الصراحة لا استطيع حسابها بالمضبوط على حاسوبي المتواضع .

الشئ الاخر هو امتلاك الحاسوب خوارزميات البحث المتوازي ، التي لها القدرة على البحث لاكثر من احتمال وايجاد الافضل بطريقة متوازية ، وعن طريق وجود اكثر من معالج . بينما الانسان لا يستطيع ان يفكر بطريقة متوازية ، فاذا طلبت من الانسان ان يقوم بتحريك اليد اليمنى عكس اليسرى فانه سيعاني كثيرا .

وبعد هذا كله ، عرفنا ان الحاسوب اصبح ينافس ذكاءه الاصطناعي ذكاء الانسان الطبيعي ، وبقدرات خارقة ايضا . ولنتخيل معا ان شاعر ما لو اراد كتابة قصيده ، فهو يجب ان يكون في مزاج معين يعتمد عليه نوع القصيده . فاذا كان الشاعر سعيدا ، كانت القصيدة مرحة وسعيده وتتسم بحب الحياة ، اما لوكان الشاعر حزينا على فراق مثلا ، سنجد انفسنا بعد البيت الثالث نبكي على ما اصاب الشاعر . هنا الامر يختلف مع الحاسوب ، فان الحاسوب سيكتب لنا قصيدة مؤلفة من الفين بيت شعري موزونة ومقفاة بنسبة  100% خلال ثانيتين . ولكن ، هل سنبكي مع الحاسوب ؟!

هذا السؤال يقودنا الى مفهوم عميق جدا ، وهو اول ما سيتبادر للقارئ عندما يقرأ عنوان هذا المقال . الا وهو الاحساس ، او المشاعر ، التي هي من الميزات الفريدة التي يتملكها الانسان . فمهما بلغ الحاسوب من ذكاء خارق ، الا انه لن يتمكن من الاحساس بالحزن او الفرح او الحب او الفراق . فهو سيكتب الشعر وبطريقة افضل من كتابة الانسان لها ، ولكن من دون اي مشاعر . لكن ، هنا قد حصل تناقض معين ..!! كيف ان الحاسوب لا يحس ، وهو يعرف درجة حرارة الجو بدقة متناهية ؟ وكيف انه لا يحس وهو يستطيع ان يعرف الانسان من صوته ، وجهه ، بصمة اصبعه  ؟ وكيف لا يشعر وهو يستطيع معرفة مزاج الانسان من نبرة صوته ؟ وكيف انه يستطيع تحديد الجو الملائم لك من ناحية الحرارة ويجعل جهاز مكيف الهواء يعمل على تلك الدرجة ؟ هل هذا عدم احساس ؟!

اذن ، فالحاسوب قريب ايضا من نقطة الاحساس ، ولكن ليس بالمفهوم المعتمد على المشاعر الانسانية ، وانما المعتمد على كلمة اعمق بكثير ، وهي كلمة ( المعنى ) . فماهو المعنى ؟!  ماهو المقصود من شئ معين ؟ ماهو المطلوب من ذلك الشئ ؟

لو نظرنا الى الاطفال ، كيف يتعلم الطفل ؟ في سنة ال3-4 سنوات يبدأ الطفل بالاسئلة ، الاسئلة ، الاسئلة … الاسئلة .. فهو دائما ما يريد معرفة كل شئ، وفي دماغه الصغير يحاول ربط ما يعرفه ولكن سرعان ما ينسى والسبب صغر حجم عقله . وكذلك عندما يتعلم النطق ، فهو يستخدم الطريقة الرياضية المعروفة Try and Error  ، حيث ينطق الكلمة كما يسمعها من الاخرين وبشكل عفوي من دون ان يعرف مامعنى هذه الكلمة او هل صحيح طريقة لفظه لها ؟  وعندما يتم توجيه التصحيحات من الاخرين فانه يقوم بالتعديل على قاعدة البيانات التي يمتلكها لغرض استخدام الكلمة بعد التصحيح مستقبلا . ولكن ، ماذا عن الترابط بين المصطلحات ؟

اقصد بـ  ( الترابط بين المصطلحات ) الحالة التي يتعلم فيها الطفل مصطلح معين ليستعمله في كل الحالات التي يرى فيها هذا المصطلح موجود . مثلا ، نتيجة للعب الاب مع الطفل في فترة الطفولة المبكرة ، فان اول كلمة يتعلمها غالبا هي ( بابا ) ، وعندما يبلغ قليلا تسأله عن اسمه الكامل ، يقول فلان بابا فلان .. اي انه لا يستطيع ان يميز اسم ابوه مع العلم انه عرف التسلسل الصحيح للاسم الثلاثي ولكن المشكلة كانت مع كلمة بابا . او من الممكن انه يتعلم مصطلح الشارب ، فعندما يريد ان يعبر عن شعر الحاجب يقول ( شوارب عينك ) .. وهذه حالة حصلت وتحصل كثيرا .

اذن نستنتج من حالة الاطفال اعلاه ، ان الطفل وبعقله البسيط في اول سنوات حياته ،لا يتمكن من تمييز كل شئ مع العلم انه يستعمله ، الى ان يمارس هذه المصطلحات كثيرا مع الاسئلة فانه يبني قاعدة معارف Knowledge Base  قوية . تمكنه مستقبلا من التكلم بطلاقة وبناء جمل صحيحه ومفهومة للاخرين . ومن هنا تجري عملية محاكاة تفكير الطفل الى الحاسوب ، فماذا لو تم بناء قاعدة معارف للحاسوب وجعله يكتسب الخبرة من الافراد ؟ هنا سيبدأ الحاسوب من تمييز بعض الكلمات . ولكن مع تمرين لسنوات لن يصل الى طفل ذو 3 سنوات ، والسبب ان طريقة التفكير التي تجري داخل عقل الانسان هي طريقة صورية ، بينما الطريقةالتي يتبعها الحاسوب هي طريقة نصية تعتمد على النصوص والبيانات لغرض الحصول على النتائج . فعندما يذكر اما شخص ما كلمة BMW  فانه مباشرة سيتذكر شكل هذه السيارة حسب الوصف الذي رسمه في خياله ، بينما حاسوبيا ، هذه العملية تختلف ، فعندما تريد ان تكتب له BMW  فانه سيبحث عنها بشكل نصي وليس صوري ، وهذا ما سيؤدي الى فشل في عملية فهم الكلمة . وكما قيل في المثل الصيني ، الصورة افضل من الف كلمة .

اخيرا وبعد هذا المقال المطول ، اقول انه لايمكن ان يكون هنالك مجال ، الا والحاسوب قد دخله ، او سيدخله مستقبلا ، حتى ادق الاعمال للانسان ، فانه سيقوم بها ، وخلال السنوات القادمة . وقد عرفنا من خلال هذا المقال ان الحاسوب منافس قوي للانسان ، وانه قد انتصر عليه في الشطرنج وفي الداما ، والان الحاسوب هو الذي يقود الطائرات والصواريخ  ، وهو الذي يقوم بقراءة نتائج فحوصات ادق العمليات الجراحية . اذن لم يتبقى الكثير .. لكي يكتب الحاسوب الشعر ..

تحياتي العطرة ..

سنان محمد صالح ..