هذه هي قراءة لي في كتاب كنت قد كتبتها منذ ما يزيد عن ثلاث سنوات وجدتها الان بينما كنت اقلب في مكتبتي الالكترونية العلمية اجد من المناسب اعادة طرحها هنا كما أسجل انني لست مع او ضد لكنني احببت عرض وجهات النظر حول الموضوع وابرز من تكلموا في هذا الجانب (اثيل فوزي)
كتاب فريد من نوعه من تاليف فرانس دي وول وهو كاتب معروف مختص بمجال الدارونية الاجتماعية الحديثة
صدر له حديثا كتاب The age of empathy وهو كتاب أكثر من رائع يتصف بالنقد العلمي لما يسمى بالميمات وفرضية البقاء للأصلح التي كرسها دوكنز في كتابه الجين الاناني التي يحاول تطبيقها الان المؤمنون بالدارونية الاجتماعية في مجالات الحياة والصناعة من خلال تحويلها الى نظام عمل تتصف بمبدا البقاء للاصلح
في كتابه The age of empathy يؤطر (فرانس دي وول) لخيارات جديدة بديلة عن (الطبيعة الوحشية ) المليئة بالدم والمخالب والاسنان التي تتسم بها مقولة البقاء للاصلح
ويطرح تساؤل مهم جدا وهو هل لرؤية جديدة لعالم اكثر (( تعاطفا )) قدرة على تغيير طريقة علاقتنا ببعضنا البعض ؟؟
في اقتباس مثالي يقول :ــ””” ( النتائج التي جاءت من تطبيق الدارونية الاجتماعية كانت :ــ ((انقراض جماعي ))!!!!!! هكذا قال الرئيس التنفيذي السابق لشركة انرون جيفري فهذه النتيجة مستلهمة من كتاب العالم البايلوجي دوكنز الجين الاناني حينما طبقت الشركة نظاما يسمى (rank and yank ) (( اصطف واطرد )) مستوحى من فكرة البقاء للاصلح وفقا لفرضية الجين الاناني والتي سعت فيها الشركة الى تطبيق دروس الطبيعة في المصانع المنتجة للطاقة او المنتوج “””””
يتم تقييم المهارات طبقا لهذا النظام كل 6 اشهر ويتم عندها اعطاء مكافاءات سخية لافضل 5 بالمئة من العاملين الحاصلين على اعلى درجات من المهارات بينما يتم طرد ال15 بالمئة القابعين في اخر التقييم الحاصلين على اقل درجات من المهارات
هذا النظام انهار في وقت قصير
هذا النظام المتقدم من المنافسة القاسية هي التي سوف يطلق عليها البعض بانها عمل لاشخاص مجنونين
اي عامل في (نظام انرون ) اذا ما ذهب لرئيس عمله للحديث عن تعويض معين له ولعائلته او اذا ما اراد التكلم معه بخصوص مضاعفة راتبه فانه لن يحصل الى على صراخ عال وبصاق في وجهه ووااااووو
رغم ذلك فان الامر الاكثر اثارة للقلق هو انه ووفقا لمجلة Time magazine, فان عشرين بالمائة من الشركات الامريكية تتبع نفس النظام الذي استخدمته شركة انرون الذي انهار على نفسه
نظام انرون للتدمير الذاتي ليس الا الاول على الصعيد الوطني والذي تتبعه 20 بالمئة من الشركات الوطنية في امريكا
في هذا الكتاب (عصر التعاطف دروس من الطبيعة لعالم أرحم)
يجادل فرانس دي وول بان الدارونية الاجتماعية ( المهارات كمثال ) قد تعلمت الدرس الخاطئ عن العالم الطبيعي
الوجود الوحشي الذي يهيمن عليه التنافس الوحشي المقرف في بعض الاحيان والاستغلال الذي لا يرحم والخداع الذي يصفه داوكنز هو بعيد كل البعد عن النمط الذي الذي تعيشه الحيوانات التي تحيا على شكل مجموعات اجتماعية ان هذا المجموعات تزدهر بسبب التعاون والتوافق وفوق هذا انها تزدهر بسبب التعاطف الذي تبديه تلك المجموعات بين اعضائها
الدعم والحماية التي يتلقاها افراد تلك المجموعات من اعضائها هو اكثر واهم من اي فائدة انانية قد تتحقق لاحدهم دون غيره
بعبارة اخرى ان ( الجين الاناني ) يكتشف النهج الافضل والاصح لضمان استمرار المجموعات الاجتماعية وهو التصرف بدون انانية وبنكران للذات
دي وول يجادل بان نظريته حول (عصر التعاطف ) هي اكثر ايغالا بالقدم من انواعنا التي نشئنا منها وهذا هو ما ينبغي ان نضعه في الحسبان حينما نريد ان نطبق دروس الطبيعة على واقعنا
التطور من خلال السلوك الغير الاناني كان واحدا من اكثر المواضيع جدلا في تاريخ العلوم بدأ ذلك مبكرا ففي عام 1650 الفيلسوف الانكليزي (ثوماس هوبي ) كان يحتج بان الطبيعة كانت عالما من اللارحمة من اجل البقاء فقط الاقوى فقط السلطة القوية والمركزية قادرة على منع مرض خطير اسمه الديمقراطية (بحسب رؤيته بان الملكية هي الحل من خلال الملك تشارلز الاول ) السلطة المركزية هي القادرة على منع العالم من الغرق في فوضى الديمقراطية
في السنوات التي تلت نشر دارون لكتابه اصل الانواع ثوماس هنري هوكسلي المعروف بلقلب (( دارون بولدوغ( (( كلب دارون المدلل) هوكسلي علق قائلا بان الاصطفاء الطبيعي ما هو الى مسرح للمقاتلين وللقتال انه ( جلادييتير شو ) (gladiator’s show)وهي حرب الفرد على الكل ولحد ذلك الوقت فالشخص الوحيد الذي رفض هذا المبدا انذاك هو عالم الطبيعيات بيتر كروبوتين
كانت نظرية كروبوتين حول تبادل المنفعة مرفوضة من كل التطورييين البايلوجيين انذاك وكان على
نظريته ان تنتظر اكثر من 100 سنة لكي تفحص وتختبر مختبريا
اذا كان داوكنز هو سليل افكار هوكسلي فان دي وول هوسليل افكار كروبوتين بلا شك
بينما يرى دوكنز بان البيلوجيا سوف تساعد بمفهومها المقتنع به في بناء مجتمع تسوده العدالة وفق متبنياته الطبيعية فان دي ول اقل اقتناعا باننا فعلا في حالة حرب مع الطبيعة كما يرى دوكنز
ويضيف دي وول قائلا انه من الغريب ان لا نعتبر حالات الايثار العفوي والتكاتف المجتمعي على اعقاب احداث 11 سبتمر او عقب اعصار كاترينا هو خارج عن نسق الطبيعة وطبيعتها الميمية
“”””علم النفس الحديث وعلم الاعصاب يفشلان في العودة الى متبنيات البقاء للاصلح “”””” هكذا علق دي ولل وكتب اننا مبرمجون للنجاة
التعاطف هو رد فعل مبرمج لكل شيء خارج نطاق سيطرتنا ويهدد مستقبلنا الجماعي
يمكننا قمع التعاطف لكن بحدود قليلة لكن الاغلبية تميل مع العاطفة والتعاطف مع الاخرين
لكن فيما عدا نسبة قليلة من البشر يمكنهم ان يقمعوا العاطفة بالكامل الا وهم المرضى النفسييون
يمكننا ان نجد هذا واضحا في الرئيسيات وخاصة في الانسانيات primates فقد درسها على مدى 20 عاما
دي ول كان على تماس ومقربة من مئات الحالات للرئيسيات والتي كان لها رد فعل حساس تجاه ما نسميه بالكرم والايثار بما يتشابه مع الكرم والايثار في الحالات الانسانية
كمثال على هذا الكرم والايثار القرد واتشو التي ينتمي لعائلة الشمبانزي والذي خاطر بحياته وعبر خندق مائي في سبيل ان ينقذ انثاه التي التف حول عنقها سلك كهربائي كاد ان يخنقها
في حادثة اخرى ((بيوني القردة المسنة التي تعاني من التهاب مفاصل اقعدها على الارض قامت مجموعتها بحمل الماء بافواهها وقاموا بسد رمق القردة المريضة من الماء
الحادثة الاخرى والاخيرة التي اكتفي بسردها هو القرد الشمبانزي الذي التف سلك كهربائي حول عنقه حيث قام القرد الاكبر سنا بالمخاطرة بحياته في سبيل انقاذ القرد وازال السلك الكهربائي من عنقه
هذه الامثلة وكانها تتحدى طبيعة العالم من خلال اللطف الذي تظهره تلك الحيوانات فيما بينها
لكن هذه الامثلة ليست فردية فقد جمع فرانس دي ولل امثلة وادلةكثيرة وموثقة وعديدة جدا وعلى عدة مستويات تؤيد ما يقول به من نظرية
هذه الخلاصة الوافية تم نشرها خلال عدة نشرات واذكر منها نشرة نيتشر العلمية وكذلك Michael Tomasello’s summary in the journal Nature
في حين ان فرانس دي وول لا يطرح اطارا جديدا للتطور العاطفي لكن كتبه ونشراته ودراساته تعد ترياقا مفيدا لطغيان الجين الاناني وفرضية البقاء للاصلح من خلال الصراع الفردي الذي يقول بها داوكنز
الان تم الطعن بالنظرة الداونكزية ليس فقط بالمفهوم المسيحي فقط بل بالنظرة البايلوجية من خلال الذين يقولون بان الصورة التي يبيها داونكز للعالم الطبيعي لا تتسم بالدقة من خلال المشاهدات الكثيرة التي ابداها عدد من علماء البايلوجيا التطورية والدارونية الحديثة
العالم بالبايلوجية التطورية وعلم الحشرات في جامعة بنغامبتون في ولاية نيويورك يجادل بان الايثار والتعاون يمكن ان يفسر بشكل افضل من خلال الانتخاب المتعدد المتسويات multilevel selection الانتخاب متعدد المستويات تقوم هذه الفكرة على ان تحقيق النجاح في اللعبة الوراثية يقوم بالاساس على المجاميع وليس فقط على الافراد
دارون ناقش هذه الفكرة اي فكرة الانتخاب الجماعي في كتابه (the descent of man ) سنة 1871
مقاربة اخرى ونهج اخر جاء من خلال الاحيائي جون روف جاردن ( جامعمة ستانفورد ) من خلال كتابه (The Genial Gene proposes) والانتقاء الجماعي كبديل عن الانتقاء الفردي
المشكلة في الانتقاء او الانتخاب الفردي يعزوه العلماء لا لكونه خاطئا بل لكونه لا يعطي تفسيرا للقصة بكاملها
الجين الاناني هو في النهاية تعبير حول كيفية نقل الجينات نفسها الى الجيل القادم ولكن الحيوانات ليست مستلقة تماما فاعضاء المجموعة هم جزء لا يتجزا من المجموعة ضمن نسيج العلاقات الاجتماعية والاجراءات يمكن ان تساعد او تؤذي البقاء على قيد الحياة لجميع الافراد بشكل جماعي
كمثال على هذا الدوريات التي تقوم بها عدد من اللبوات في مجموعة الاسود للحفاظ على منطقتها بينما تتنعم اللبوات الاخرى بالاسترخاء واخذ ساعات قيلولة وراحة تخزن فيه االطاقة لكي تصطاد وتاكل بينما تجد الاخريات التي ضمن الدورية منهكات ومتعبات
اكيد ان الفائدة الكبرى ستعود على تلك اللبوات المستلقيات تحت ظلال الاشجار وهي فائدة فردية لهن
لكن في حقيقة الامر ان المجموعة ككل لا يمكنها الاستمرار ولن تحضى بفرصة للبقاء لولا هذه الدوريات
الموافقة على الاستفادة الفردية من نظام ما هي شيء جيد لكن حينما لا يفكر اي فرد من افراد المجموعة بحماية النظام الكامل للمجموعة فان النظام سينهار
وما قال العالم الكبير ويلسون ويلسون في تعليقته الربع سنوية الشهرية في علم الاحياء(( الانانية تدق عنق الايثار في المجموعات )والمجموعات ذات روح الايثار تدق عنق المجموعات الانانية )) وكل شيء غير هذا هو ايل للانقراض
بنفس هذه الطريقة يجادل دي ول بان التطور التعاطفي هو المنتج النهائي للانتقاء الطبيعي للجماعات التي تمتلك روح الايثار فحينما تساعد قردة الشمبانزي الغرباء باعطاءهم الطعام او حين تحمل الدلافيين اقرانها المصابة الى مكان امن فانهم يستجيبون لتلك الدفعة التطورية التي منحها اياهم اجداداهم فالدارونية الاجتماعية قد تختلف عما كنا نعتقده
ويتعين علي ان اقول ومن منظور داروني لا بد لي من ان اتوقع ان الدافع الاجتماعي ضمن المجموعات في الكائنات الحية كفيل بان يضمن لها عدم الانقراض واستمرار انواعها بشكل جيد
فرانس دي ولل اكد لنا رؤية تطورية بديلة لما يمكن ان تحتويه قائمتنا الدارونية
وهو يطلب منا اعادة النظر في الاسئلة التي تصب باتجاه ما معنى ان تكون مهيمنا في سلم الارتقاء
الواقع هو انه بااضافة الى مملكة النحل والنمل فان مملكة الانسان هي اكبر مملكة اجتماعية ضمن مملكة الحيوانات
دي وول اراد ان يبين بان ابناء عمومتن االتطوريين يظهرون نفس القدر من التعاطف والايثار وانهم يسعون لهذه الصفات ولا يفعلونها لاجل الانانية والجشع
نحن البشر ورثة هذه المهارات الاجتماعية من اسلافنا الرئيسيين . من خلال التركيز فقط على الجوانب الانانية للطبيعة هل نحن نركز على الجانب الصحيح من الطبيعة ؟
في النهاية اقول مع ازدياد ترابط الشعوب والاقتصاد على كوكبنا نحن نواجه مخاطر غير مسبوقة
السوال المهم هو ما هي افضل طريقة للعمل معا من اجل الصالح العام ان هذا السوال ذو اهمية عميقة
دي ول في كتباه هذه وصل الى اجابة دقيقة ويامل ان نصل اليها على ارض الواقع في وقت قريب