الجينات الكاذبة موجودة في كل مكان ونجدها بوفرة في الجينوم. إذ كانت تسمى ب”الأحافير الجينومية” وتم التعامل معها بصفتها “مخلفات للحامض النووي منقوص الأوكسجين” لعدة سنوات. مع ذلك فقد تم الاعتراف بدورها الأساسي في التنظيم الجيني للجينات الموروثة من الأبوين، كما يتم نسخ العديد منها وتحويله إلى الحمض النووي الرايبوزي. قد تشكل نسخ الجينات الكاذبة حمضاً نووياً رايبوزياً متداخلاً أو تقلل تركيز الحمض النووي الريبوزي الميكروي. وهكذا تكون الجينات الكاذبة مسؤولة عن تنظيم مثبطات الأورام والمورثات الورمية. تجذب وظائفها الأساسية اهتمام مجموعة البحث في عملي الحالي على بروتين الصدمة الحرارية 90 (hsp90) كمرافق للمورثات الورمية. تستعرض الورقة البحثية ما نعرفه حتى الآن عن الجينات الكاذبة وتقيّم النتائج الأولية من بيانات المرافق. إن الجهود الحالية لفهم تفاعلات الجينات الكاذبة تساعد على فهم وظائف الجينوم.
لم تحتفظ الكائنات الحية بجينات كاذبة؟
إذن لمَ تحتفظ الكائنات الحية بجينات كاذبة وتدفع ثمنها من الطاقة؟ فتكرار هذه الجينات عبر الأجيال هو عملية بايوكيميائية غير ذات فائدة. لمَ لا تتم إزالة هذه الأجزاء المكلفة من الحمض النووي بعملية الانتقاء الطبيعي؟ وما هي الفوائد المحتملة من الإبقاء على تسلسلات جينية غير منتجة للبروتين؟ لماذا يزداد احتمال انتاج جينات كاذبة من قبل الجينات التي يتم التعبير عنها بكثرة؟ هل تقوم الجينات الكاذبة بتجميع كل انواع الطفرات من ضمنها تلك الضارة لحماية الجينات الوظيفية؟
إن عملية تضاعف الجينات تقود إلى تشعب وظيفي وتولّد جينات جديدة. كما أن الجينات الكاذبة غير المعالجة تحتوي على إنترونات وتسلسلات تنظيمية، وتتم مقاطعة تعبيرها بواسطة كودونات التوقف. وفيما تتجمع الطفرات في النسخ الإضافية من الجينات الوظيفية، فهذا الأمر يحافظ على فعالية الجين الأصلي. تضاعف الجين قد يؤدي إلى ظهور جين مختلف تماماً وذو وظيفة مختلفة أيضاً. وتشير الأبحاث الحديثة إلى أن بعض الجينات الكاذبة تمتلك أدواراً وظيفية كالتعبير الجيني وتنظيم الجينات. من الممكن مضاعفة الشفرة الوراثية للكائن الحي بواسطة نسخ الأخطاء، وهذه الجينات المضاعفة سيتم تمريرها من جيل لآخر. ولأن الجينات الكاذبة تجمع الطفرات على مر السنين، فإن عدداً من طفرات هذه الجزيئات الأحفورية ستوفر فكرة تقريبية عن عمرها. قد تعطينا الدراسات الإضافية على تطور الجينات الكاذبة رؤية حول آلية عملها.
الحفاظ على الطفرات
تمتلك الجينات الكاذبة المختلفة طفرات معينة محفوظة في الأنواع المختلفة من الكائنات الحية. إذ أجريت البحوث على حفظ الجينات الكاذبة في البشر، والشمبانزي، والفئران، والجرذان، والكلاب، والأبقار. جدير بالذكر أن الجينات الكاذبة التي تنتمي لأنواع مختلفة من الكائنات الحية يوجد لديها طفرات نقطية كما تمتلك أنواعاً محددة من الطفرات على مواقع محددة من الجين. ويُعتقد أن وجود الطفرات المشتركة بين الكائنات المختلفة يعتمد على وجود أصل مشترك أو سلف تطوري.
إن ما يحدد تطور الجينات الكاذبة هو موضع إدخالها، فالإدخالات الضارة سيتم اختيارها وهذا يؤدي لفقدان الجين الكاذب، من ناحية أخرى، فإن الجينات الكاذبة التي تمتلك طفرات غير ضارة ستستمر وتتطور عبر الوقت. ويلاحظ أن الجين الكاذب المعالج يتطور بسرعة أكبر من نظيره الوظيفي ويشهد انحرافات وراثية تنتج طفرات عشوائية، وعمليات حذف وإضافة. قد تنتقل الجينات الكاذبة الثابتة للجيل التالي، وقد تتعرض للتضاعف جزئياً لتعطي نسخة ثانية من الجين الكاذب. وهكذا توفر الجينات الكاذبة وسيلة قوية للدراسات المتعلقة بالتطور للتحقق من تطور الجينوم.
آلية العمل
ما هي الفائدة المحتملة المترتبة على حفظ الجينات الكاذبة؟
توجد أدلة على أن اشتراك الجينات الكاذبة مع جيناتها الوظيفية له دور في تنظيم عمليات بايوكيميائية مختلفة في الخلايا. وقد يدفع هذا الثنائي في اتجاه التعبير الجيني الوظيفي المفرط للحمض النووي الريبوزي المراسل mRNA لعامل النسخ المرتبط بتعدد القدرات؛ فنسخة الجين الكاذب oct4 تثبط تمايز الخلايا، وعند إيقاف الحمض النووي الريبوزي المعاكس للشفرة Antisense RNA فهذا من شأنه رفع مستويات oct4 وجيناته الكاذبة. الأمثلة من هذه التجارب توفر أدلة على أن جمع نسخ الجين المعاكسة للشفرة مع النسخ المناظرة لها من شأنه تنظيم مستوى التعبير الجيني الوظيفي.
ينظم الحمض النووي الريبوزي المتداخل الصغير Small interfering RNA (siRNA) التعبير الجيني أيضاً، فقد ظهرت في الخلايا البيضية للفئران أن نسخ الجينات الكاذبة تلتفّ بهيئة تراكيب تشبه دبوس الشعر لتكوّن siRNA، وهذه التراكيب تكبح التعبير الجيني. وتبين التجارب أن فقدان البروتين المنتج لsiRNA والمسمى “دايسر Dicer” يسبب انخفاضاً في مستويات siRNA المشتق من جينات كاذبة وارتفاعاً في جينات التشفير mRNAs. وتدعم هذه التجارب فكرة التنظيم المعتمد على siRNA.
تتداخل آلية أخرى محتملة لوظيفة الجينات الكاذبة مع عوامل تنظم استقرار الحامض النووي الريبوزي المراسل mRNA، فتفاعلات الجزيئات العابرة مع التسلسلات المتماثلة من mRNA من شأنه تعزيز استقرار جزيئة mRNA. والجينات الكاذبة التي تمتلك تسلسلات متماثلة تشبه الجينات الوظيفية سوف تدخل المنافسة لأجل للتفاعل مع الجزيئات العابرة، هذه المنافسة تقلل من استقرار mRNA وقدرته على التعبير الجيني.
يؤثر الحامض النووي الريبي الميكروي Micro RNAs (miRNA) على استقرار الحامض النووي الريبي المراسل mRNA عن طريق ارتباطه بشكل أساسي مع الجزء غير المترجم من الحامض المراسل، مما يسبب تفكك الحامض المراسل وانخفاض مستويات التعبير. هنا سنتحدث عن “مماثل الفوسفاتيز والتينسن PTEN” الذي يعمل ككابح للأورام، والحفاظ على مستويات معينه من بروتين PTEN من شأنه منع تكوّن الورم. فالحمض النووي الميكروي المقترن يساعد في تنظيم كل من الجين PTEN والجين الكاذب PTEN1. إذ يرتبط الجين الكاذب PTEN1 مع miRNA فيخفف تركيز الأخير في الخلية، مما يسمح للجين PTEN بالهرب من التأثير المثبط لـmiRNA.
يُظهر الدليل المذكور آنفاً أن بعض الجينات الكاذبة تلعب دوراً أساسياً في تفاعلات الترجمة أو اشتقاق الحمض النووي الريبوزي المتداخل وأن هذا الدور من شأنه كبح التعبير الجيني. وفي المقابل، فإن mRNA المشفر للبروتين وجيناته الكاذبة المناظرة يمكنها أن تؤدي دوراً تنافسياً للحصول على عوامل الاستقرار و/ أو الحمض النووي الميكروي miRNA وهذا من شأنه تغيير مستويات التعبير الجيني للحمض النووي المراسل mRNA المشفّر للبروتين.
المصدر
Tutar, Yusuf. Advances in Pediatrics., U.S. National Library of Medicine, 2012, www.ncbi.nlm.nih.gov/pmc/articles/PMC3352212/.