موسوعة من جزئين تحكي في تسلسل زمني باسلوب روائي شائق ,ولغة علمية دقيقة وسهلة ,تاريخ تطور العلم وحياة العلماء في سياق العصر الحديث”الغرب”على مدى خمسة قرون من النشأة في الغرب وحتى العام 2001 ,مع فصل ختامي عن المستقبل .
والمؤلف “جون غريبين”هو احد كبار الكتاب المعنيين بتبسيط العلم وله مؤلفاته واسعة الانتشار ,التي اثارت الاعجاب بقدرته الفائقة على تبسيط اعقد الافكار مع اثارة حس الدهشة بغرابة الكون لدى القارئ.
اما المترجم المتمكن “شوقي جلال”فوضع في مقدمته للكتاب بعض النقاط الخاصة بنقد الثقافة العلمية العربية واعتمادها على اجترار امجاد الماضي حيث نراه يقول :”لنتأمل كيف نفكر في موضوع تاريخية العلم,اعتدنا نظرة مجتزأة ,تردد مقولة صحيحة جزئيا وهي ان العلم يمثل اساسا للحضارة العربية الاسلامية , وان هذه الحضارة ثورة علمية ,ولكن ننسى الحركة الجدلية في امتدادها التاريخي السابقة على الحضارة العربية واللاحقة لها ,نزهو بان الغرب اخذ عن وانتحل انجازات الحضارة العربية ,وننسى ان الغرب اضاف واحدث ثورة في الفكر العلمي ومنهجية البحث والانجازات التقانية ,انه بمعنى ما امتداد ابداعي للحضارات السابقة عليه ومنها العربيةولكن في صورة ارتقائية”
يرى مؤلف الكتاب “جون غريبن”في سياق فلسفة العلم ان العلم يتحرك قدما مرحليا,ولكن السؤال :كيف؟هل هي حركة تراكمية خطوة خطوة ,ام بناء على طفرات وثورات ؟يؤكد غريبين ان العلم يتطور على مدى مسيرة تراكمية متصلة , وان ثورة الكوانتم هي الحالة الوحيدة التي تجسد “ثورة”في العلم ,ويفسر غريبين مظاهر التقدم الاخرى في العلم مثل نظرية الجاذبية عند نيوتن ,بانها انجاز مؤسس على مظاهر تقدم سابقة كما يوضح لنا ذلك ايضا مثال دارون والفريد والاس ,ان التقدم العلمي ينبني خطوة بعد خطوة فانه حيث تنضج وتكتمل ظروف الزمن تسنح الفرصة لشخص او اثنين لكي يخطو الخطوة التالية وكل منهما مستقل عن الاخر وربما تكون ضربة حظ او مصادفة تاريخية هي السبب في ان يذكر التاريخ اسما بذاته باعتبار صاحبه هو المكتشف لظاهرة جديدة .
وراي غريبين هذا هو مغاير لراي توماس كون صاحب كتاب “بنية الثورات العلمية”الذي يرى ان العلم يتقدم في صورة طفرات او ثورات “revolutions” وليس تطورا تراكميا مطردا”evolutions”الذي يعتمده غريبين
العام 1543
هناك مصادفة سعيدة حدثت في هذا العام المفصلي في تاريخ البشرية ,الذي يضعه غريبين كبداية الانطلاقة للثورة العلمية التي ادت بداية الى تحول اوربا ثم العالم بعدها ففي هذا العام صدر كتابان الاول هو “عن بنية جسم الانسان”لمؤلفه اندرياس فيساليوس والثاني هو “عن دوران الاجسام السماوية” لمؤلفه كوبرنيكوس ان هذا العام هو بداية قصة متلاحمة البنية مع بداية واضحة من حيث الزمان والمكان لتطور النظرة الى العالم والتي تمثل لب فهمنا للكون ومكاننا فيه اليوم.وهذه النظرة هي التي جعلت صورة الحياة البشرية لا تختلف عن اي نوع اخر من صور الحياة على ظهر الارض.
ومع رسوخ اعمال دارون والفريد والاس خلال القرن التاسع عشر اصبح كل ما نحن في حاجة اليه لبيان كيفية تمايز الكائنات البشرية عن الاميبا هو فقط عملية التطور عن طريق الانتخاب الطبيعي في زمان ممتد
العام 1687
هذا العام هو ايضا عام مفصلي مهم يضعه غريبين كنهاية لتاريخ عصر النهضة ففي هذا العام اصدر اسحق نيوتن سفره العظيم “المبادئ الاساسية الرياضية للفلسفة الطبيعية”وقد عبر عن هذا البابا اسكندر بقوله:”غمرالنور كل شيء”
يضع غريبين هدفا للكتاب وهو ان يقدم للقارئ المامة كاملة وسريعة عن العلم الذي انطلق بنا من فهم ان الارض ليست مركز الكون وان البشر ليسوا استثناء داخل المملكة الحيوانية ووصل بنا الى نظرية الانفجار العظيم ثم الى خريطة الجينوم البشري على مدى 450 سنة فقط!
رجال عصر النهضة
عصر النهضة هو العصر الذي سقطت فيه عن الاوربيين رهبتهم من القدماء وادركو انهم -سواء بسواء-مثل الاغريق والرومان في القدرة على الاسهام في بناء الحضارة والمجتمع وليس اللغز ,كما تراه الاعين في العصر الحديث,ان ما حدث كان لابد ان يحدث ,بل اللغز هو ان يستغرق هذا كل الوقت حتى يتخلصوا من عقدة الدونية !
لقد كان طبيعيا بالنسبة للعقول البسيطة في القرون الوسطى ان يقبلوا تعاليم الفلاسفة الاقدمين من امثال ارسطو واقليدس باعتبارهما نوعا من النصوص المقدسة التي عليهم قبولها دون السؤال عنها او الشك فيها.
اناقة ودقة كوبرنيكوس
كان كوبرنيكوس شخصية وسطية في اطار الثورة العلمية وتمثلت فكرته العظمى في جوهرها الخالص انها فكرة,او مايمكن ان نسميه اليوم تجربة فكرية ,والتي تعرض اسلوبا جديدا وبسيطا لتفسير نمط السلوك نفسه للاجرام السماوية والذي سبق ان فسره بطليموس وفق منظومة تصورها وتتصف بانها اكثر تعقيدا.
وقد ظهرت مشكلات مثيرة للحيرة فيما يتعلق بالارض المتحركة ,اذا كانت الارض تتحرك اذن لماذا صوت صريرالرياح التي تهب عاتية من حولنا بشكل ثابت ؟لماذا لا تتسبب الحركة في اراقة مياه المحيطات على ضفافها محدثة امواجا عاتية تغطي الشواطئ؟بل لماذا في حقيقة الامر لا تهز الحركة الارض وتجعلها تتصدع؟
وحري بنا ان نتذكر ان كلمة الحركة في القرن السادس عشر كانت تعني اعتلاء صهوة جواد يعدو سريعا او ركوب عربة تجرها الخيل فوق طريق مملوءة بالتعاريج والاخاديد .
وواجه كوبرنيكوس اسئلة اخرى تخرج بالكامل عن نطاق معارف القرن السادس عشر ,اذا كانت الشمس تحتل مركز الكون ,اذن لماذا لا تسقط كل الاجرام بداخلها؟
ان واحدا من اهم الدروس المستفادة على مدى القرون منذ كوبرنيكوس هو ان النموذج العلمي ليس ملزما بالضرورة بتفسير كل شيء لكي نقول عنه انه نموذج جيد.
فيساليوس الجراح وعالم التشريح ولص المقابر
لقد بنى اندريا فيساليوس اعماله على اعادة اكتشاف اعمال غالين”كلوديوس غالينوس”التي لم ينلها الضياع اذ كانت معروفة لدى الحضارتين البيزنطية والاسلامية حتى اثناء عصور الظلام في اوربا الغربية ان فيساليوس وكذا كوبرنيكوس اعتقدا انهما يمسكان بخيوط تصلهما بالمعارف القديمة للبناء عليها بدلا من اسقاط تعاليم القدماء والبدء من جديد ,وهكذا كانت العملية برمتها اقرب كثيرا من كونها تطورية لا ثورية,خصوصا في القرن السادس عشر ولكن الثورة الحقيقية تكمن في تغيير الذهنية التي
جعلت الباحثين في عصر النهضة ينظرون الى انفسهم باعتبارهم اكفاء اندادا للقدماء واهلا للتحرك قدماالى الامام متجاوزين تعاليم امثال بطليموس وغالينوس ,اعنب انهم ادركوا ان امثال بطليموس وغالينوس هم بشر مثلنا وسوف نرى انه فقط تأسيسا على اعمال غاليلو ونيوتن وبخاصة اعمال نيوتن امكن لعملية بحث العالم كلها وفي شمولها ان تتغير تغيرا ثوريا حقيقة بعيدا عن اساليب الفلاسفة القدامى لتبني اساليب العلم الحديث.
ان اهمية كتاب فيساليوس المعنون “حول نسيج الجسم البشري “والمعروف باسم النسيج fabricaتكمن في دقة وصفه للجسم البشري وتأكيده على ان يؤدي الاستاذ المعلم بنفسه العمل الذي يراه بغيضا الى نفسه او قذرا واكد الكتاب على اهمية التسليم بالبينة التي يشهدها المرء بعينه دون التصديق في صمت على كلمات تلقاها وراثة عن اجيال مضت حيث السلف ليسوا معصومين من الخطأ.
العالم الاول
يرى غريبين ان غاليلو هو الاحق بلقب “العالم الاول”وذلك لانه لم يطبق فقط في عمله ما يمثل جوهريا المنهج العلمي
الحديث ,وانما ايضا فهم فهما كاملا ما كان يفعله وارسى قواعد القوانين الرئيسية في وضوح كامل لكي يقتدي بها الاخرون .
ان اهم القسمات المميزة لعمل غاليلو انه اعتاد دائما اجراء تجارب لاختبار الفروض ويعمل على تعديل او استبعادالفروض اذا لم تأت نتائج التجارب وفق النبؤات المقررة .
لقد كتب غاليلو رايه في شأن ايمانه بنموذج كوبرنيكوس ولكن عند سؤاله عما اذا كان ذلك يتعارض مع النص المقدس ,اجاب
غاليلو:”عندما يثار خلاف في الرأي بشأن ظواهر طبيعية,يتعين علينا حينئذ الا نبدأ بمرجعية النص المكتوب بل بمرجعية التجربة الحسية والراهين الضرورية التي تثبت صحة ذلك”.
ذبابة ديكارت
رينيه ديكارت الفيلسوف المعروف له اسهامات كثيرة وكبيرة في الاوساط العلمية وخصوصا اكتشافه للاحداثيات الديكارتية ,وان قصة الاكتشاف الطريفة تبين مدى العبقرية لدى الكثير من العلماء الذين يستنتجون الغيرمألوف من الاشياء العادية المألوفة ,فاثناء وجوده في غرفته ظل ديكارت يراقب بتكاسل ذبابة تطن حوله في احداركان الحجرة ,وادرك فجأة ان وضع الذبابة في اي لحظة من الزمن يمكن تمثيله بثلاثة اعداد تحدد مسافتها بعيدا عن كل الجدران الثلاث التي تلتقي عند الزاوية .
ورأى في لحظتها هذه الصورة في ابعاد ثلاثة واصبحت هذه الرؤية معروفة آلان لكل تلميذ في المدرسةرسم خطا بيانيا ,اذ ان اي نقطة على الخط البياني يمثلها عددان يتطابقان مع المسافات على امتداد المحور” x “وفوق المحور “y”ونحن نجد كذلك في اي ابعاد ثلاثة المحور “z”كذلك وتسمى هذه الاحداثيات اليوم باحداثيات ديكارت وان اصداء هذا الاكتشاف تواصلت لنرى تأثيرها بعد ذلك في استحداث النظرية النسبية ونظرية الكوانتم في القرن العشرين.
الثورة النيوتنية
ثمة توافق مهم واصيل حصل في ميلاد نيوتن ,اذ ولد نيوتن في عام 1643 بعد 100 عام بالتمام والكمال من تاريخ نشر كوبرنيكوس كتابه “عن دوران الاجسام السماوية”مما يوضح لنا بجلاء مدى سرعة التقدم العلمي ورسوخه منذ ان اصبح جزءا لا يتجزأ من النهضة .
وحكى نيوتن بنفسه حادثة التفاحة الشهيرة اذ قال انه خلال سنوات شيوع الطاعون وبينما كان جالسا رأى تفاحة تسقط من اعلى الشجرة وتعجب متسائلا :هل تأثير جاذبية الارض يمكن ان يمتد ليصل الى اعلى الشجرة ,ان كان كذلك فأن بالامكان ان تمتد الجاذبية لتصل الى القمر ,واجرى الحساب وقتذاك لحساب القوة اللازمة للحفاظ على القمر في مداره وكذا القوة اللازمة لاسقاط التفاحة من اعلى الشجرة ورأى ان الاثنين يمكن تفسيرهما على اساس جاذبية كوكب الارض>
نيوتن وكتابه …”برنكيبا ماتيماتيكا”المبادئ الرياضية:
نشر نيوتن كتابه الملحمي المؤلف من ثلاثة مجلدات في العام 1687 “الذي يعتبره غريبين سنة مفصلية في تاريخ العلم ,وارسى فيه نيوتن أسس الفيزياء برمتها ,ولم يقتصر الكتاب على بيان دلالات قانون التربيع العكسي للجاذبية وقوانين الحركة الثلاثة التي تصف سلوك كل شيء في الكون ,وانما عمد الى توضيح قوانين الفيزياءهي في الحقيقة قوانين كونية وكلية شاملة تؤثر في كل شيء
لقد ادرك العلماء من خلال كتاب نيوتن “برنكيبا”ان العالم يعمل بالضرورة وفق مبادئ ميكايكية يمكن للبشر فهمها.
شكرا جزيلا على هده المعلومات القيمة
إضافة رااائعة … شكرا لك
كنت ابحث من فترة عن مثل هذه الكتاب
لك تقديري