تعرف عملية تولد الأوعية الدموية (angiogenesis) بأنها العملية التي تتشكل فيها أوعية دموية جديدة متفرعة من أوعية دموية موجودة مسبقاً. وحين نفكر بزيادة حجم أنسجة معينة مثل الأنسجة الدهنية أو العضلات، فلا بد من التفكير أيضاً بكيفية تغذية تلك الأنسجة وتزويدها بالأوكسجين وتدوير ما تطرحه خلاياها أيضاً. كل ذلك يجب أن يتم عبر الأوعية الدموية، والنسيج الأكبر هنا يتطلب أوعية دموية جديدة لتغطيته. تماماً مثلما نفكر بتوسيع منطقة سكنية وضرورة مد الماء والكهرباء لها. لكن ما هي العلاقة بالضبط، وهل يمكن أن تساهم الأوعية الدموية المتولدة في زيادة السمنة أو في التخلص من الدهون؟
من المعروف في العلم حاليًا أن تولد الأوعية الدموية يعزز السمنة وفقاً لإحدى الدراسات[1]. الأوعية الدموية المكوّنة حديثًا، وخاصة الخلايا البطانية (endothelial cells)، تفرز عوامل تؤثر على تنشئة الخلايا الدهنية قبل اكتمالها (pre-adipocytes)، فتعزز من قدرة النسيج الدهني على الاستمرار في النمو. هذا التفاعل الثنائي بين الخلايا الدهنية والخلايا البطانية يُنشئ نوعًا من الحلقة التكاملية التي تُغذي السمنة وتدعم توسعها. كما أن كثيرًا من الدراسات، خاصة على الفئران، أظهرت أن استخدام مثبطات تكوّن الأوعية يمكن أن يساهم في تخفيض وزن الجسم..
وجهة نظر كهذه تأخذ تولد الأوعية الدموية على محمل الجد كوسيلة لمعالجة السمنة، مثلما تقترح نفس الطريقة لمعالجة السرطان[2]. ماذا لو حرمنا النسيج الدهني، مثلما نحرم النسيج السرطاني من الغذاء ومستلزمات الحياة للخلايا؟ ستموت بالتأكيد.
لكن ماذا عن جانب آخر من الحقائق، وهو التوسع في توليد الأوعية الدموية الجديدة نتيجة للتمارين، سواء المقاومة أو التمارين عالية الشدة (HIIT)؟ وجدت تجربة أن كلاهما يساهمان في زيادة تولد الأوعية الدموية في أنسجة العضلات الهيكلية.[3] يمكن ملاحظة الفارق في الأوعية الدموية لدى شخص يمارس تمارين رفع الأثقال على سبيل المثال، على الرغم من وجود عوامل أخرى مثل خسارة الدهون لدى هؤلاء. وجدت دراسات[4] أيضًا بأن التمارين الرياضية يمكن أن تزيد من عامل للنمو يسمى (vascular endothelial growth factor) أي عامل النمو لبطانة الأوعية الدموية. إن انتشار عامل النمو هذا وزيادته يعني زيادة تكوين الأوعية الدموية في كافة أنواع الأنسجة، بما في ذلك الدهنية، لكن من الخطأ أن ننظر بطريقة أحادية، فمن المعلوم والثابت عبر الدراسات أن التمارين الرياضية تساهم في فقدان المزيد من دهون الجسم. كيف ننظر إلى تولد الأوعية الدموية إذن؟ وماذا عن الزيادة الموضعية في تولد الأوعية الدموية نتيجة للتمارين الرياضية؟ السؤال هذا نطرحه في ظل حمية متزنة ونظام غذائي جيد، مع مخزون للدهون يصعب التخلص منه مثل أسفل البطن. يختبر كثيرون تجربة كهذه دون شرط وجود البدانة.
بالنظر إلى جانب آخر من الأبحاث، وإلى الحقيقة بأن الدورة الدموية بكل آثارها على الأنسجة لا تقتصر فقط على تزويد الخلايا الدهنية بالمزيد من الدهون الثلاثية لتُخزَّن؛ يمكن أيضًا، فيما لو كان توازن الطاقة يميل نحو فقدان الدهون، أن نفقد الأحماض الدهنية الحرة من الأنسجة الدهنية والجليسرول إلى مجرى الدم. زيادة ضخ الدم إلى الأنسجة الدهنية يؤدي في التمارين الرياضية إلى تحرير المزيد من الأحماض الدهنية[5]. غير أن أبحاثاً كهذه لا تتطرق بالضرورة إلى تولد الأوعية الدموية. إنها فقط ترينا تلك العلاقة التي من المنطقي رؤيتها مثل سيف ذو حدين. من المعروف أيضًا أن مناطق مثل الأنسجة الدهنية في الخصر والبطن تعاني من قلة نسبية في كثافة الأوعية الدموية. ذلك الأمر يمكن أن نرى أن دراسات كثيرة تقول بما هو عكسه، أي أن تقليل الدورة الدموية سيساعد في خفض الدهون، لكن مرة أخرى نقول إننا نتكلم عن حالة محددة، وهي أننا في حالة فقدان للدهون، لكن هناك مناطق مستعصية.
تشرح دراسة من مؤسسة القلب البريطانية (BHF) أن ضعف الدورة الدموية في الأنسجة الدهنية يُحوّلها إلى حالة “ضارة”، حيث تبدأ بإفراز إشارات التهابية تسهم في تطور السكري وارتفاع ضغط الدم والكوليسترول. جميعها عوامل تؤدي إلى تصلب الشرايين والإصابة بأمراض القلب. وقد ذكر الباحثون المفارقة الصحية للسُمنة، لاسيما الفئة من الأشخاص المصابين بالوزن الزائد، لكن دون علامات مرضية كنسبة سكر أو كوليسترول مرتفعة — ما تم وصفه بـ”fat but fit” أي بدين لكن صحي. وقد اقتُرح أن السبب وراء ذلك قد يكون توريدًا دمويًا أفضل إلى الأنسجة الدهنية، ما يحافظ على وظيفة الأنسجة ويحمي من مشاكل القلب والأوعية على المدى الطويل.
حلقة أخرى نضيفها لهذا الموضوع، وهي أن تولد الأوعية الدموية يمكن أن يحدث موضعياً في العضلة، حيث تشير دراسات عديدة أُجريت على العضلات وعلى تولد الأوعية الدموية إلى هذا الأمر. وسواء عبر تولد الأوعية الدموية أم عبر آليات أخرى، فإن البحث العلمي يقف إلى جانب الخسارة الموضعية، فيما لو استهدفنا منطقة كالبطن بالتمارين الهوائية تحديدًا بدلاً من التمارين الهوائية العامة كالركض[6].
كنت آمل أن أجد ما يدعم الخسارة الموضعية للدهون في المناطق المستعصية، لكن وبما أننا “العلوم الحقيقية”، فسنترك هذه الخطوة لبحث آخر في المستقبل أو بحث آخر لم نستطع تغطيته. نستطيع جمع كل هذه الخيوط لكن لا نستطيع التأكيد اذا ما كان لتولد الاوعية الدموية دور في خسارة الدهون الموضعية. ما نستطيع قوله: أن الخسارة الموضعية ممكنة في حال التمارين الهوائية التي تستهدف المنطقة المراد خسارة الدهون منها، وأن تولد الأوعية الدموية يحدث أثر التمارين، وأن تولد الأوعية الدموية هو سيف ذو حدين بالاعتماد على النظام الغذائي الذي نعتمده قد يكون حلاً لهدم الانسجة الدهنية وخسارة الدهون لو تم إيقافه وقد يساعد في خسارة الوزن.
[1] Nijhawans, Priya, Tapan Behl, and Shaveta Bhardwaj. “Angiogenesis in obesity.” Biomedicine & Pharmacotherapy 126 (2020): 110103.
[2] Targeting Angiogenesis to Lose Weight, Michael Greger M.D. FACLM · July 26, 2023 · Volume 62
[3] Tryfonos, Andrea, et al. “Exercise training enhances angiogenesis-related gene responses in skeletal muscle of patients with chronic heart failure.” Cells 10.8 (2021): 1915.
[4] Ferrara, Napoleone. “Vascular endothelial growth factor.” Arteriosclerosis, thrombosis, and vascular biology 29.6 (2009): 789-791.
[5] Deyhle, M. R., Christine Mermier, and Len Kravitz. “The physiology of fat loss.” IDEA Fit J (2014): 37-44.
[6] Brobakken, Mathias Forsberg, et al. “Abdominal aerobic endurance exercise reveals spot reduction exists: A randomized controlled trial.” Physiological reports 11.22 (2023): e15853.