بقلم: ستيفن نوفيلا
بات فاغنر (أو السيدة النحلة كما يحلو لها ان تسمي نفسها) تعالج نفسها من مرض التصلب المتعدد (MS) من خلال لدغات النحل، وصف لها علاج سم النحل كعلاج وهي تعتقد أنه أنقذها من التصلب المتعدد.
هناك الآلاف من الناس الذين يديرون هذا النوع من العلاج لأنفسهم ولغيرهم، وفي الغالب في منازلهم الخاصة وبدون ترخيص ولا إستشارة طبيب، كما يتم إستخدامه في العلاج العادي بجرعات منتظمة، ولا يوجد اي دليل علمي يدعم نجاح تأثير إستخدامه. رغم ذلك يروج لهذا النوع من العلاج الآلاف من مرضى التصلب المتعدد وغيرها بفاعلية كبيرة.
طريقة العلاج بلسعات النحل ومختلف منتجاته الأخرى طريقة علاج شعبية قاعدتها الجماهيرية صغيرة نسبياً، لكنها أكتسبت زخماً كبيراً كحال كل أنواع العلاجات البديلة، بسبب سهولة إنتشار المعلومات عبر الانترنت، إلتف حولها كثير من مروجي وممارسي الطب البديل بإستخدام لغة تسويقية نموذجية – مزيد من المصطلحات الطبية للترويج للعلاج.
لكن حتى الان، لا تتوفر أدلة علمية مقنعة بدرجة كافية على فعالية العلاجات بإستخدام منتجات سم النحل لأي من الأمراض التي يروج لها أتباع هذا النوع من المعالجات. في هذه المقالة سنركز على مرض واحد، وهو التصلب المتعدد.
التصلب المتعدد
قبل كل شيء علينا فهم ما هو مرض التصلب المتعدد؟ مرض التصلب المتعدد أو التصلب اللويحي (Multiple Sclerosis) هو مرض يعتقد أنه ينتج من مهاجمة نظام مناعة الجسم للجهاز العصبي المركزي –الدماغ والنخاع الشوكي- حيث أن الخلايا العصبية في الدماغ والنخاع الشوكي تكون عادةً مغطاة بطبقة سميكة من الميالين (myelin) تشكل أشبه بالدرع حول الخلايا العصبية يساعدها على نقل الاشارات العصبية. بتآكل هذه الطبقة يتسبب التصلب المتعدد وينتج عنه أعرض مثل: تغيّر في الإحساس، مشاكل بصرية، ضعف عضلات، كآبة، صعوبات بالتنسيق والخطاب، إعياء حادّ، ضعف إدراكي، مشاكل بالتوازن، إرتفاع درجة الحرارة وألم.
هنالك ميزة هامة في مرض التصلب المتعدد لايمكن التنبؤ بها بسبب ظهور عشوائي للويحات المرض، وتكون الأعراض عرضة للإختلاف بشكل كبير وبسرعة بالإعتماد على عوامل مثل درجة حرارة الجسم.
وعليه، فأن مريض التصلب المتعدد معرّض بصورة كبيرة لتذبذب عشوائي بحالته الصحية لايمكن حتى لطبيبه أن يتنبأ بها. هذا سبب كفيل بدفع مرضى التصلب المتعدد للتشبث بوسائل الطب البديل لعلها تعطيهم أمل بالشفاء، وعلى الجانب الآخر يمثل فرصة للإقتناص ضحايا من قبل مروجي الطب البديل.
الحكايات وطبيعة الانسان
الغريب أنه لا توجد نتائج مسجلة عند الجمعية الامريكية لعلاج النحل (American Apitherapy Society)، وهي الجمعية التي تدّعي أنها تتابع 6000 من المرضى الذين يتداوون بلسعات النحل.
بالعادة يتأثر الناس بحالة شاهدوها، فمثلاً: قد يتعرّض أحدهم للسعة نحلة ثم يبرئ من أحد أعراض المرض الذي أصابه –لسبب آخر ربما- ثم تتكفل الطبيعة البشرية وأساليب تأويلها بالباقي. فمن طبيعتنا البشرية أن نربط بين الاحداث المتتابعة زمنياً كسبب ونتيجة، وهذا يوقعنا بمغالطات بأحكامنا، فمثلاً: من يتناول اللحم المشوي ثم يمرض، نستنتج عن ذلك أن اللحم رديء لكن هنالك إحتمال ان يكون الشخص مصاباً بفايروس قبل أن يتناول اللحم. (لمزيد حول هذا الموضوع مراجعة كتاب الطفرات العلمية الزائفة لتشارلز وين وأرثر ويجنز).
إن وهم السبب والنتيجة إضافة إلى تأثّرنا بالروايات الفردية، هو ما تعتمد عليه فكرة العلاجات البديلة ، حيث أن شخصاً مصاب بمرض التصلب المتعدد يصادف أنه مرّ بحالة تحسن بعد لدغة نحلة و سيروي قصته لغيره فتتحول إلى حجة يتبعها جمهور المرضى الآملين بالشفاء. أن تصادف ان يصاب مجموعة من المرضى بالتصلب
المتعدد بتحسن مفاجئ بعد لدغة نحل –هو أمر محتمل جداً- يمكن أن يدعم إدعاءات أتباع العلاج بلدغات النحل ويتحول المريض الى آلة دعائية للترويج لهم.
في الحقيقة، ذاكرتنا تعمل بإنتقائية كبيرة. نادراً ما تجد من يتحدث عن فترة طويلة لايعمل بها العلاج، لكن الجميع سيهلل عندما يتحسن، وإن بعد حين –ذاكرتنا إنتقائية ليس فقط في هذا المجال بل حتى بمجالات أخرى مثل الابراج الفلكية، فنادراً ما تجد من يتذمر من عدم تحقق تنبؤات برجه الفلكي، لكن عندما يتحقق أمراً ما، وهو شيئ محتمل، تجده يهلل ويذيع الخبر بكل مكان.
الحقيقة أن ما تم شرحه أعلاه من توهم السببية في الاحداث المتعاقبة والحكم بالملاحظات الشخصية هو من أهم ما يدعم أفكار مثل الطب البديل وبالخصوص العلاج بلدغات النحل .
تبقى مسالة صحة العلاج بسمّ النحل أمراً محتملاً –لكنه مستبعد- لأن سم النحل يحتوي على الكثير من المواد النشطة بايلوجياً، وقد يكون له تاثيراً أو فعالية كمضاد للإلتهابات، ولكن علينا أن لا نعتمد بإثبات ذلك على الأدلة القصصية والتجارب الشخصية.
هل المعالجة بمنتجات النحل تفي بمتطلّبات إختبارات الادوية؟
لاتوجد أبحاث مضبوطة لتجارب سريرية تدعم طرق العلاج بمنتجات النحل لمرض التصلب المتعدد. ومع ذلك قد يجادل البعض بأن المرضى الذين بلغ منهم المرض مأخذه ربما ليس لديهم ما يخسروه ، وبالتالي لا يجب منعهم من أي فرصة محتملة للعلاج. الحقيقة، أن تناول المرضى لعلاج غير مثبت فعاليته قضية أخلاقية خارج نطاق هذا المقال، وهناك عدة نقاط نود مناقشتها.
أولاً، مرضى التصلب المتعدد لديهم ما يخسرونه بالفعل، فالادوية جميعها تمتلك آثاراً جانبيةً وما يحرص المعالجون ان يفعلوه أن يكون أثرها العلاجي أكبر من تاثيرها الجانبي. فلسعات النحل بها تأثيرات سمّية تسبب حساسية، وفي بعض الاحيان تكون مفرطة لدرجة تؤدّي للموت.
في العقد الاخير ظهرت علاجات فعّالة لمرض التصلب المتعدد منها: Avonex , Betaseron Copaxone , و Rebif , وفي الآونة الاخيرة Tysabri. وهذه أدوية فعّالة وتقلل من تفاقم التصلب المتعدد بشكل كبير.
هذه الأدوية قوية وليست من دون آثار جانبية، ولكنها مفيدة بعلاج مرض التصلب ومدعومة ببيانات متنامية لتوعية الاطباء والمرضى بفوائدها وآثارها الجانبية. بينما لاتوجد مثل هذه البيانات لعلاج لسعات النحل ومن المستحيل أن تنظم جرعاته بالدقة التي تنظّم بها الجرع الصيدلانية. وغير خطر الأعراض الجانبية، فإن الخطر الحقيقي يكمن بتشتيت المرضى عن العلاجات الفعّالة، والضرر النفسي الناجم عن تزويدهم بأمل كاذب بعلاج لايعمل.
الأمر الثاني يتعلق بالإجراءات الطويلة والصارمة التي تخضع لها الأدوية قبل إطلاق إستخدامها على البشر، فهي تخضع للتجربة على الحيوانات لمعرفة آثارها الجانبية قبل أن تطّبق على عينات محدودة من البشر مع آليات كفيلة بإزالة أثر العلاج الوهمي (placebo) –أثر وهمي للعلاج تتسبب به كيمياء الجسم البشري عبر إفرازات من إنزيمات وغيرها تشعر الشخص بتحسن- ثم بعد ذلك يطبّق العلاج على مجموعات كبيرة ولفترات زمنية أطول لمعرفة الآثار الجانبية الأكثر ندرة وللتأكّد في ما إذا كان العلاج بالفعل آمن وفعّال قبل الموافقة الرسمية على إستخدامه. غير أن الامر لايقف عند هذا الحد فحسب، فتتبع الآثار الجانبية وفعالية العلاج تستمر حتى بعد التصريح بإستخدامه.
بعد المرحلة الثانية من التجريب – نقصد هنا مرحلة التجريب على عيّنات صغيرة من البشر- يمكن ان يعطى العلاج لمرضى بحالات متقدمة من المرض بأهداف إنسانية وتدرج ضمن التجارب السريرية للدواء. هنا يمكن للبعض ان يجادل بان العلاج بلسعات النحل يمكن أن يعطى للمرضى كذلك قبل ان يُجزم بفعاليته من عدمها.
(ينبغي الإنتباه للمفارقة بأن العلاج بلدغات النحل لم يخضع لتجارب على الحيوانات أو على عينات صغيرة من البشر لدعم فاعليته).
سوف يجادل أنصار العلاج بمنتجات النحل بالأبحاث الأساسية التي تشير الى إحتواء سم النحل على مركبات لعلاج الإلتهابات، والتي من المحتمل أن يكون لها فوائد لعلاج أمراض مثل التصلب المتعدد. وهناك إهتمام أيضا بعلاجات سمّية أخرى (كـ سم الافعى، شقائق النعمان على سبيل المثال) كمصادر محتملة لمضادات الالتهاب.
إن هذا النوع من المعلومات الأوّلية يقع بما قبل المرحلة الأولى من إختبارات العلاج –مرحلة التجريب على الحيوانات- وأمامه طريق طويل ليثبت فاعليته، وهناك نسبة صغيرة جداً من أمثال هذه المستحضرات ستدخل مراحل العلاج اللاحقة، تبعاً لعملية التوازن بين الفوائد والآثار الجانبية، وهو الأمر الحيوي جداً بعملية إنتاج الادوية.
الأبحاث الحديثة
قامت الجمعية الوطنية للتصلب المتعدد (NMSS) برعاية الدراسة التي نشرت بالتقرير التالي: Preliminary Test Results Of Bee Venom In Mice With Ms-Like Disease May 8, 1998.
بدراسة تأثير سم النحل على فئران تعاني من إلتهاب الدماغ التحسسي التجريبي (EAE)، نموذج معياري للتصلب المتعدد عند الحيوانات.
يؤكد الباحثون أن “في سلسلة من التجارب الصغيرة لم يكن للعلاج بسمّ النحل أي تأثير ضد إلتهاب الدماغ التحسسي للفئران، و سبق و إن مرّت بعض الفئران التي حقنت بسمّ النحل بحالات أسوء من تلك التي أحقنت بدواء وهمي، حيث أن سم النحل يحتوي على سموم ومواد بايلوجية. وهنالك دراسات جديدة حول ما إذا كانت هذه المركّبات منفردة قد تنفع بعلاج التصلب المتعدد. الباحثون يؤكدون أن تدهور بعض حالات الفئران يؤشر على أن العلاج بسمّ النحل قد يكوّن آثاراً مؤذية على المتداوين بلسعات النحل من البشر”.
على الجانب الآخر، تظهر أكثر الدراسات أن لا تأثير للعلاج بلسعات النحل على التصلب المتعدد. في الوقت ذاته تأتي نتائج الاختبارات السريرية سلبية للعلاج، وهي غير قطعية بالتاكيد، لكن تفيد بعدم فاعلية علاج لسعات النحل أو على الاقل تؤكد أن لا تأثيرات واسعة النطاق لعلاج التصلب المتعدد بواسطة لسعات النحل.
في الختام، نجد أنه لمن المؤسف أن تنتشر إدعاءات تأثير العلاجات الشعبية بصورة كبيرة في الأوساط الشعبية، وليس من سائل حول الأبحاث التي تدعمها ومدى كفائتها أو تأثيراتها الجانبية. وهي بالغالب مدعومة بمعتقدات روحية، الأمر الذي يدعم رواجها بين الناس.
( الحقيقة، أن أعظم أثر لتلك العلاجات الوهمية هو ليس الآثار الجانبية أو العلاج الوهمي الذي يفترض أن تؤدّيه، إنما زعزعة ثقة الجمهور بالعلوم الحقيقية التي تقف وراء رخاء البشرية والقضاء على أعتى أنواع الأمراض والأوبئة. نجد من المؤسف أن من يروّج لهذه العلاجات الطبيعية، يدّعي أن ليس لها أعراضاً جانبية على خلاف “الكيمياويات”، متناسين أن ما يتناولونه من ملح الطعام “الطبيعي” هو كلوريد صوديوم أو ما يلبسونه من “جينز” هو بالحقيقة سيللوز.
نحن عبارة عن آلات تعمل بالكيمياء، فليست خلايانا سوى معامل كيميائية معقدة تصنع تلك النوعية من البروتين التي تجعلنا نستمر بالحياة. نقطة مفصلية أخرى تتسم بها العلاجات البديلة وهي “إن لم تكن مقتنعاً بالعلاج فلن ينفع معك”، وهو عين أثر العلاج الوهمي (Placebo effect) وقد نسوا أولئك، أن حبة الباراسيتمول أو حقنة الفولتارين، لا تسأل مريضها عن معتقده أو إيمانه .. المترجم)
رابط المقال: http://www.sciencebasedmedicine.org/bee-venom-therapy-grassroots-medicine/