اسباب الاخطاء الطبية المميتة. قبل أشهر قليلة مضت، قمت بالعناية بشخص كبير السن مريض والذي سأدعوه هنا بأسم سيد جونز. جونز يعيش وحيداً وفي احدى الأمسيات، وجده احد الجيران بحالة صحية صعبة فقام بنقله الى قسم الطوارئ في المستشفى. تم تشخيص إصابته التهاب رئوي، بعدها تم ادخاله الى المستشفى وبدأ كورس علاج يعتمد بشكل أساسي على المضادات الحيوية. في الصباح التالي، ازدادت حالته سوءاً وتم نقله الى وحدة العناية المركزة، هناك استمر صراعه مع المرض حتى مات بعد ٧٢ ساعة. انزعجت لموت رجل يبدو في صحة جيدة، تحدثت الى ابنته التي تعيش في كاليفورنيا. ولقد ذكرت انه أُدخل لمستشفى اخر قبل شهرين من الان، ايضاً بسبب الالتهاب الرئوي. ولقد أخبروها في ذلك المستشفى ان التهابه الرئوي هذا حدث بسبب بكتريا غير عادية تكون حساسة فقط لعدد قليل من المضادات الحيوية- والتي لم نستعمل اي منها في مستشفانا. وبعد عدة أيام، أكد مختبرنا ان جونز أصيب بنفس نوع تلك البكتريا التي سببت له التهاب رئوي.
تقرير حالي في الدورية الطبية البريطانية (British Medical Journal (BMJ قدر عدد الأمريكان الذين يموتون بسبب الأخطاء الطبية بحوالي ٢٥٠٠٠٠ كل سنة. هذا التقرير اثار عاصفة كبيرة. دعم المشككون بالوثائق لماذا قد يكون هذا الرقم خاطئ. بينما قدر اخرون عدد الموتى بسبب الأخطاء الطبية بحوالي ١٠٠٠٠٠، هناك العديد من العاملين في المجتمع الطبي يعتقدون بان الرقم اقل من ذلك بكثير. الحقيقة تعتمد بشكل كبير على السؤال الأكثر أهمية : ما هي الأخطاء الطبية ؟
بعض الحالات للأخطاء الطبية تكون واضحة جداً. مثلاً يحصل المرض على جرعة دواء مضاعفة خمسين مرة عن الجرعة المطلوبة بسبب خطأ مطبعي، او يتم ازالة الكلى الخطأ. تلك القضايا تضيف عشور رقمية بسيط جداً الى عدد الأموات بسبب الأخطاء الطبية. معظم الحالات التي تشكل الجزء الأكبر من عدد الأموات بسبب الأخطاء الطبية يعود الى حالات العدوى المكتسبة من المستشفيات ( يأتي مثلاً لاستبدال ركبته، يغادر المستشفى بالتهاب رئوي). النقاد العاملون على دراسات الأخطاء الطبية يجادلون في ذلك ويقولون ان العديد من تلك الحالات لا يمكن تجنبها ولا يمكن اعتبارها اخطاء. ويستمرون في جدالهم بالقول ان تلك الأخطاء تعتبر ثمن لاستعمال التكنولوجيا المتقدمة للعناية بالمرضى. بالطبع، لديهم وجهة نظر مقبولة الى حد ما.
في عام ٢٠١٦، نحن نعيش في عالم الطب البالغ التعقيد- لدينا اليوم الآلاف من الإجراءات الطبية التي بامكانها إنقاذ العديد من الحالات التي كان من المستحيل انقاذها قبل عدة عقود مضت. في هذا العالم، القول بان الأخطاء الطبية تعتبر السبب الثالث المؤدي للموت لا يبدوا صحيحاً. ان في هذا تلميح الى وجود إهمال وارتباك عند الأطباء والممرضون الموجودين في المستشفيات، يقومون بعمليات جراحية خاطئة او لا يولون الاهتمام الكثير للادوية التي يصفوها للمرضى. لا شيء ممكن ان يكون ابعد عن الحقيقة. الأطباء والممرضون يعملون بجد للتعامل مع سيل المعلومات التي تواجههم. انا اعتني بشكل روتيني مع مرضى يتناولون حوالي ٢٠ نوع من الدواء في بيوتهم- واجتهد في التعامل مع الاوجه المتعددة لامراضهم المزمنة حتى أتمكن من حمايتهم من أكثرها حدة وضرر. العناية الطبية اليوم عبارة عن ادارة التعقيد وفيها النظام لا يعمل بشكل جيد. المسألة لا تتعلق بالارتباك الفردي، انه يتعلق بارتباك النظام. من هذه الزاوية، فان عدد الموتى بسبب الأخطاء الطبية (٢٥٠٠٠٠) يبدوا معقولاً. لكنه لا زال يعتمد على مفهومنا لما نسميه الأخطاء الطبية.
يعود هذا بِنَا الى موضوع السيد جونز. هل كان موته خطأ طبياً ؟ ان طبيبه المعالج في المستشفى لا يعلم عن دخوله السابق الى مستشفى اخر بسبب الالتهاب الرئوي. حتى ولو عرف ذلك، يبقى من الصعب عليه الحصول على النتائج المختبرية بخصوص البكتريا المسببة خلال ساعات. إذن هو قدم افضل ما يستطيع تقديمه، إذن من الصعب ان نعتبر ذلك خطأ طبياً. مع ذلك، فان القول بانه لا يمكن انقاذه خطأ ايضا. السبب في ذلك النظام بصورة عامة. النظام الذي صمم لإدارة كل ذلك التعقيد يفترض به ان ينبهنا بان جونز قد ادخل لمستشفى اخر في وقت سابق. هذا الامر قد يسمح لنا بمراجعة النتائج المختبرية، وهذا سيعطينا فرصة افضل لاختيار المضاد الحيوي منذ البداية- الخيار المناسب لهذا المريض وليس لكل مريض بصورة عامة.
جونز لم يدخل لمستشفانا من قبل لذلك المعلومات الطبية المتوفرة عنه عندنا كانت بسيطة. لكن في العادة انا أعاني من عكس تلك المشكلة، عندما أعاين مريض كان قد دخل المستشفى ٥٠ مرة قبل ان يأتي الي. هذا الامر يتطلب عدة أيام لمراجعة كل تلك السجلات الطبية بحذر، لذلك فاني أطلع عليها بسرعة واصلي أني لم أغفل اي شيء مهم فيها. النظام الذكي هو الذي يصمم لاستعمال خوارزميات تؤكد أني قد اطلعت على كل المعلومات المتعلقة بالمريض. تلك الخوارزميات موجودة في كل مكان خارج نظام الرعاية الصحية- مثلاً غوغل يعرف عن ماذا ابحث قبل ان اكمل جملة البحث- لكن في نظامنا المخصص له ٣ ترليون دولار لا توجد اولوية لتصميم مثل تلك الخوارزميات.
كل هذا يطرح السؤال، لماذ نظمانا مرتبك ومشوش بهذا الشكل ؟ الجواب : لانه يمكن ان يكون. السبب ان تكاليف الأخطاء الطبية مخفية. لا مسؤول كبير في المستشفى او صانع قرار في واشنطن سمع بقضية موت سيد جونز. حتى وان كانت الأخطاء اكثر وضوحاً، فان العواقب المالية على المستشفى تكون صغيرة. وحتى الوصول الى التحول الجذري في بنية الحوافز للنظام الذي فيه تنال الأنظمة الاكثر عناية وأمانا مكافأة مجزية ( وصاحب الأداء السيء يعاقب)، لن يذهب كل هذا الارتباك في النظام بعيداً.
إذن نعود مرة اخرى لتقرير المعد من قبل BMJ- هل هناك ٢٥٠٠٠٠ الف حالة وفاة بسبب الأخطاء الطبية ؟ نحن لا نعرف ذلك، لكن جميع البيانات تشير الى ان هذا الرقم كبير جداً. نظامنا الصحي يخذل العديد من الناس كل يوم- خلال اخطاء اللجان واخطاء السهو- ان هذا الرقم ليس خارج حدود اللامكانية. القاعدة العامة هنا كلما نظرت اكثر، كلما وجدت اكثر. في معظم الدراسات، لن يتم اعتبار موت السيد جونز كخطأ طبي. لكن هو يستحق الأفضل. إذن سواء اقلنا عنه خطأ طبي، فشل النظام، او عدم الارتقاء الى ما نجده ممكناً- مئات الآلاف من الأمريكان يعانون بسبب تلك الإخفاقات ونحن نعلم بانه بإمكاننا ان نفعل افضل من ذلك.
http://blogs.scientificamerican.com/guest-blog/the-real-cause-of-deadly-medical-errors/