علاج السرطان هو أمر نذر باحثون حياتهم من أجل الوصول إليه، لنسمع من يُسفه الأمر ويقول أنه ممكن بواسطة الاميغدالين أو فيتامين ب17 بكل بساطة؟

لنتخيل باحثاً قضى 30 سنة في بحوث تتعلق بنوع واحد من أنواع السرطان، ومثل هذا الباحث الاف في العالم وخلال قرن من الزمان. كل هؤلاء لم يبلغهم أن مادةً كهذه هي العلاج؟ وكل هؤلاء لم يعرفوا بهذه المادة؟ والاسوء، كل هؤلاء متآمرين؟ أمر مؤسف حقاً أن نجد عقولاً تفكر بهذه الطريقة.

لكن الكلام عن علاج السرطان لن يتوقف بخطورته عند حدود أسفنا من نمط تفكيرهم. بل أن الأمر يُعرض حياة هؤلاء الذين يصدقون به وبصيغته العلمية الزائفة الى الخطر.

علاج السرطان الزائف:  الاميغدالين – اللاتريل – فيتامين بي17

المختص بالكيمياء الحيوية ايرنست كيرب (Ernst T. Krebs) يعد أول من روج لهذا العلاج الزائف واشتهر به رغم أنه ليس أول من اختبره. ولكن القصة هنا تعود الى وقت أبعد، الى الخمسينات. لابد من الإشارة أولاً إلى أن الاميغدالين ليس فيتامين، بل هو مادة موجودة في نوى الخوخ إسمها العلمي (laevo-mandelonitrile-beta-glucuronoside) وتتواجد في عدة فواكه أخرى.

تم إختبار الاميغدالين في عام 1892 كمضاد للسرطان لكنه ترك لعدم فعاليته ولأنه سام. يفكك الاميغدالين الجلوكوز والبينزالديهايد (benzaldehyde) وسيانيد الهيدروجين، محرراً السيانيد في الأخيرة حيث يُزعم أنه بتحرير السيانيد سيتم قتل الخلايا السرطانية.

إحدى التجارب المشهورة لإختبار الاميجدالين هي تجربة غونزالس وقد شملت 178 مريضاً بحالة متقدمة من السرطان. فقط مريض واحد من المرضى الخاضعين للتجربة لاحظ توقفاً في نمو الورم لمدة 5 أسابيع ثم عادت حالته تزداد سوءاً، السئ في الأمر ليس بعدم فعالية الاميغدالين، بل ظهور حالات تسمم بالسيانيد لعدد من المرضى إتسمت بالشدة.

هناك تجربة أجريت على الاميغدالين شملت 67 مريضاً وقد أجراها المعهد الوطني للسرطان (National Cancer Institute) في عام 1978. فقط اثنان من التجربة شهدوا تأثيراً محتملاً، واربعة شهدوا تأثيراً جزئياً أما البقية فلم يتأثروا.

أما آخر مسمار في نعش الاميغدالين فقد كان في تجربة عام 1982. نشرت التجربة في دورية نيو انجلاند للطب (New England Journal of Medicine) ولم تجد التجربة أي تأثير يُذكر أيضاً، حيث تذكر التجربة أن هناك تأثيراً على الحيوانات ولكن على الإنسان فقد كان معدل ما يمنحه الاميغدالين للمرضى من وقت النجاة هو 4.8 شهر.

اللوز أيضاً يحتوي على الاميغدالين

اللوز أيضاً يحتوي على الاميغدالين

بورزينسكي وعلاج زائف آخر للسرطان

أوجد الطبيب ستانيسلو بورزينسكي (Stanislaw Burzynski) في السبعينات علاجاً آخر مثل مرحلة ثانية في الشهرة بعد فيتامين بي17. ولا زال بورزينسكي يمارس نشاطه منذ 4 عقود. في عام 1977 زعم بورزينسكي أنه قادر على معالجة الأنواع الخطرة من السرطان بعلاجه ذاك وبالأخص منها سرطان الدماغ. في 2010 أصدر بورزينسكي فيلماً يشرح فيه فكرته ويتهم كل الجهات العلمية بالأحتيال والسرقة والتزييف، وأعاد الكرة في 2013.

فيلم بورزينسكي حول علاج السرطان المزعوم - أخرجه وأعده اريك ميرولا ورالف موس وساعدا على انتشار الكذبة بقوة

فيلم بورزينسكي حول علاج السرطان المزعوم – أخرجه وأعده اريك ميرولا ورالف موس وساعدا على انتشار الكذبة بقوة

ولد بورزينسكي في بولندا عام 1943. ويروج لنفسه على أنه أحد هؤلاء المهاجرين الناجحين الذين وصلوا الى النجاح بشكل باهر. نجى من النازيين بفضل ثروة والدته، وبعد الحرب قتل الشيوعيون أخاه الذي كان يكتب ضدهم. درس في الاكاديمية الطبية بمدينة لوبلن (Lublin).

بصفته طالب في كلية طب كان بورزينسكي يقوم بعمل رائع، فقد كان يدرس الببتيدات في الفطر ونشر 6 أوراق بحثية بإسمه. كما درس الأحماض الأمينية والببتيدات في بول ودم المصابين بالفشل الكلوي. ومنذ ذلك الحين إدعى بورزينسكي أن المصابين بالسرطان كان لديهم نسبة أقل من تلك المركبات في بولهم ودماءهم.

بصفته طالباً واعداً طلب منه الشيوعيون الإنضمام للحزب الشيوعي، وقد رفض ذلك. وعرف بورزينسكي أن عدم الإنضمام سيعني ذهابه للجيش وبالتالي نهاية أبحاثه، فهرب الى الولايات المتحدة بـ 20$ فقط في جيبه.

في الولايات المتحدة أقام مع عمه وسرعان ما حصل بورزينسكي على منصب في الأبحاث بكلية بيلور الطبية (Baylor College of Medicine). هذا ما يُعرف من مسيرة بورزينسكي العلمية التي انتهت عند هذه النقطة لتبدأ مرة ثانية بزعمه إيجاد علاج للسرطان.

دواء بورزينسكي المضاد للسرطان

ما قدمه بورزينسكي من الأدوية المسماة بالانتينيوبلاستونس (Antineoplaston) لم يكن لها أي تأثير يُذكر وقد بينت ذلك الأبحاث المختلفة عبر السنوات 1992، 2013، 2012، 2001. يختصر بورزينسكي الأمر بخلل في أجهزة الكيمياء الحيوية للجسم.

بمنأى عن الجهاز المناعي يُمكن لخلايا سرطانية “صائبة” وفق تعبير بورزينسكي أن تُعيد برمجة خلايا ضالة ليحدث السرطان. بورزينسكي كان يفصل الدم الخارج من البول ويختبر الخلايا بمواد مختلفة. اليوم هو يعطي لمرضاه ما يعرف بالـ (AS-2.1) والمعروف أيضاً بالأستوجينال (Astugenal) أو الفينجينال (Fengenal)، وكذلك بالمادة المعروفة بـ (A-10) الأتينجينال (Atengenal).

وفقاً لباحثين عدة (Saul Green 2001، 1992) وآخرون، فإن الاستوجينال يتكون من العملية الأيضية لملح الصوديوم لحامض الفينيلاكتيك (phenylacetic acid) والذي يعرف إختصاراً بالـ (PA). وهذا الملح هو مادة كيميائية سامة تنتج بالأيض الطبيعي وتتم إزالة سميتها في الكبد لتتحول الى فينولاكتيلجلوتامين (phenylacetylglutamine) (PAG).

لتبسيط الكيمياء فإن مادة اي اس 2.1 (AS-2.1) يكون غالباً عبارة عن مزيج من الحامض ومادة (PAG) التي ينتجها الكبد. بينما مادة اي10 او الاتينجينال فهي بشكل رئيسي تتكون من حامض الفيونلاكتيك (PA). تأثير هذا الحامض كمادة مضادة للسرطان هو أمر معروف دُرس كثيراً ولم يكتشفه بورزينسكي بل اكتشف قبله، لكن رغم تأثير هذه المادة فهي ليست ذات أثر على الأورام السرطانية والأورام السرطانية الدماغية بشكل خاص التي يزعم بورزينسكي علاجها بهذه المادة.

جمعية السرطان الوطنية (National Cancer Institute) قالت أن الانتي بلاستونس التي قدمها بورزينسكي لا تحمل أي تأثير أبداً. وبينما ظن الدكتور هيدايكي تسودا (Hideaki Tsuda) من معهد السرطان الوطني الياباني أنه حصل على نتائج واعدة بإستخدام مادة بورزينسكي، فقد استدرك لاحقاً في منشوره أن التأثيرات لم تكن مبهرة. باحثون آخرون وجدوا صعوبة في الحصول على النتائج التي قدمها بورزينسكي.

المشكلة الأخرى في بحوث بورزينسكي أنه متوقفة، كان يفترض أنها وصلت لمرحلة معينة في السبعينات، ثم نشر تجربة قام بها في عامي 2002-2003 وانتهى الأمر. العلم الذي يقدمه بورزينسكي متوقف بعد ان بدأ بدايته الأولى قبل ما يقارب الأربعين سنة.

بروزينسكي صاحب علاج السرطان الزائف

بروزينسكي صاحب علاج السرطان الزائف

تجارب علاج السرطان لبورزينسكي

عندما قدم بورزينسكي أول علاج من الانتي بلاستونس عام 1976 رفضت كلية بايلور الطبية أن يجري أبحاثاً سريرية على المرضى لأنه لم يكن قد حصل على الشهادة المطلوبة لتجربة الدواء حيث لم يكن يُعرف طبيعة ما يُقدمه أو كيفية عمله. لكنه نجح في الحصول على مكان للقيام بتجاربه في مستشفى بولاية تكساس الامريكية حيث كان هناك ثغرة قانونية في تكساس تسمح بذلك.

مع ذلك لم يكن بورزينسكي موفقاً في القيام بتجاربه إذ كان يحتاج الى كميات كبيرة من الدم والبول ليقوم بالتجربة، ويقال أنه كان يتوسل ويستجدي ليتم اعطاءه ما يريد حتى أن البعض كانوا يتجاهلونه ويدعون عدم معرفته.

تمر التجارب بأطوار تنظمها وكالة الغذاء والدواء الامريكية (FDA) بعد الطور الابتدائي الأول يكون هناك طور ثاني (Phase 2) ثم ثالث ليتم إقرار الدواء. فيما يتعلق ببورزينسكي فمن بين 61 تجربة قام بها ومنحته وكالة الغذاء والدواء فرصة القيام بالطور الثاني لم يكمل الطور الثاني سوى مرة واحدة، وفي تلك المرة الوحيدة لم ينشر نتائجه، ربما لأنها لم تكن كما يريد.

من بين تجاربه 50 تجربة لم تكن معروفة، 7 تم سحبها، 2 تم انهاؤها. ولم يحدث الطور الثالث ولا لتجربة واحدة.

معجزات أم ضحايا؟

رغم أن بورزينسكي لم ينل أي ترخيص من وكالة الغذاء والدواء الامريكية غير أنه نال دعماً سياسياً وناشطين هاجموا الوكالة في الإعلام ودعوا للسماح له بالقيام بالمزيد من التجارب. الكثير من المرضى ترددوا عليه طواعية وتظاهر الكثير من مسانديه جهلاً حاملين لافتات تندد بالوكالة.

أدرج بورزينسكي في موقعه قائمة من المرضى الذين شهدوا أنهم تم شفاؤهم بالعلاج الذين أخذوه منه. بمراجعة تلك الشهادات نجد أن كثيراً منهم أخذوا علاجاً فعلياً للسرطان كالجراحة أو العلاج الكيميائي او الاشعاع أو مرضى لم يكونوا يعانون من السرطان اًصلاً. وفي القائمة مرضى ماتوا أيضاً.

سالي جيسي رافائيل (Sally Jesse Raphael) استضافت ببرنامجها في عام 1988 في التلفاز أربعة مرضى قائلة أنهم تماثلوا للشفاء من السرطان بفضل علاج بورزينسكي. اثنان من هؤلاء ماتوا بعد 4 سنوات. والثالث توجه للعلاج الحقيقي. اما الرابع فلم يكن مصاباً بالسرطان.

آخر ضحايا بورزينسكي كانت كريستينا لانزوني (Christina Lanzoni) التي توفيت بعد أن ترددت على عيادته لتنال العلاج من السرطان.

لماذا لا يُعتقل؟ كيف أصبح مشهوراً الان؟

لم يُعط بورزينسكي الإذن لممارسة تجاربه، ولم يمارس عمله بشكل واضح كافي للإدانة، المكسيك أجازت بيع دواءه. أما لماذا صار مشهوراً فلعل الوثائقي الذي صنعه اريك ميرولا (Eric Merola) بالتعاون مع الكاتب رالف موس (Ralph Moss) هو السبب في إعطاءه هذه الشهرة الحديثة بصفته شخص وجد علاجاً للسرطان وتمت محاربته. موس هو كاتب فقط ولا ناقة له ولا جمل في العلم أو الطب، يصفه ميرولا في الوثائقي بالكاتب العلمي ليبرر استضافته وجعله يتكلم في هذا المجال.

في الختام

نأمل أن لا يضاف علاج السرطان الزائف الى قوائم وسائل استحمار البشر وقتلهم وامتهانهم في العالم العربي. ونأمل أن تصل الرسالة حول هذه الأساليب غير الفاعلة الى من يحتاجونها.

المصادر