وفقا لباحث اللغويات نعوم تشومسكي (Noam Chomsky) اننا جميعا نتكلم لغة واحدة بالنسبة لشخص قادم من المريخ، حيث قال أنه “من المعقول أن يقوم باستنتاج وجود لغة بشرية واحدة، وجميع الاختلافات هي هامشية فقط”.
بالنسبة لبعض الأشخاص الأرضيين هنالك الكثير من الاختلافات تعتبر هامشية، كما أنها تعتبر محدودة يجب تجاوزها. ولكن بالنسبة للكثيرين تعتبر حدوداً للسيطرة على الهويات يجب أن نبقى بعيدين عنها.
فبعد التصويت في الاستفتاء الذي أجرته المملكة المتحدة حول مغادرة الاتحاد الأوروبي، ظهرت عدد من الحوادث التي أثارت مخاوف حول رهاب الأجانب (xenophobic). فقد طعن طالب ذو أصول أجنبية في رقبته بواسطة زجاجة مكسورة بعد أن سمعه مجموعة من الرجال يتحدث بلغته الأم. ففي تصريح لصحيفة الاندبندنت (Independent) قال أحد الضحايا “أن ابنته التي تعيش في الزاوية وهو لا يرغب في أن تسمعنا نتحدث البولندية أمامها”.
من الممكن لشخص ما أن يستخدم القوة القاتلة لحماية ابنه من مجرد سماع لغة أجنبية، والانجراف مع تيار ليالي الصيف الحارة، بينما العالم المريخي سوف يتطلع لحياة ذكية. العلماء الأرضيون لا يمتلكون هذا الخيار، لديهم فقط وضع الفرضيات والنظريات من خلال المعتقدات والقيم الرائجة. بحوث اللغة يجب عرضها من خلال آثارها وما تسببه من مشاعر.
وقد استنتج الباحثون الشرارة بين بين القيم والبيانات. فقد قال عالم الانسان كريس نايت (Chris Knight)، ان استراتيجية تشومسكي راديكالية مثل سياسته. حيث أنه وضعها من أجل المحافظة على التزاماته السياسية اليسارية.
ففي كتابه الجديد قام نايت بفك شفرة تشومسكي، حيث قام بنقده بسبب يساريته الراديكالية. حيث قال أن على تشومسكي أن يفصل بين العلم والسياسة خلال عمله في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، وكذلك في مؤسسته التي يمولها الجيش الأمريكي.
قام تشومسكي ببناء نموذج مثالي للغة، حيث جردها من النسيج الاجتماعي وأبعدها عن يدي علماء الأنثروبولوجيا الذي قاموا بتقديم بيانات لغوية تقليدية. حيث قال نايت “إذا تمكنا من تمثيل اللغة بشكل رياضي فسنتمكن من دراسة اللغة بحيادية. كما يقوم الفيزيائي بدراسة رقاقة الثلج والفلكي بدراسة النجوم البعيدة”. ولتحقيق هذا يجب أن نفصل اللغة عن المجتمع تماما.
لحل هذا يجب ان يبعد معظم البشر عن كليات التجارب المشتركة للإنسان، ولكن تشومسكي لا يتردد في إنكار علة وجود اللغة التي هي الأغراض الاجتماعية بالنسبة له. حيث يعتبر اللغة “نظاماً للتعبير عن الفكر، وهي شيء مختلف تماما”. “لا يمكن اعتبار اللغة على نحو سليم كنظام للاتصالات”. ففي هذه النظرة للغة يعتبر الأشخاص الآخرين مجرد هامش. لكن بالنسبة لنايت تعتبر اللغة “وجدت لتحدث شخص واحد فقط- انت”. غير أنه لا ينكر دراسة الآثار الاجتماعية، لكنه اختار تركها غير معلنة.
ففي أحد البحوث الأكثر نشاطا في علم اللغة تم التحقيق في احتمال أن ثنائية اللغة تعزز كفاءة الدماغ وتحميه من التدهور في المراحل المتقدمة من الحياة. وأنها وضعت حول النظرية القائلة بأن دماغ الشخص الذي يجيد لغتين سوف يقوم بالاختيار بينهما باستمرار مما يعزز قدراته في ما يخص السيطرة.
لكن في الآونة الأخير تم الطعن في ادعاءات أن هنالك مميزات لثنائيي اللغة، حيث أنها أصبحت محل نزاع في “أزمة إعادة القيام بالتجربة” (مصطلح يشير حول صعوبة أو استحالة إعادة التجربة في حالات كثيرة من التجارب العلمية) والذي وضع جميع استنتاجات علم النفس موضع تساؤل. حيث الآن تعتبر الحقائق أيضاً مثيرة للجدل وليس فقط الافتراضات.
قامت مجلة كورتيكس (journal Cortex) بنشر سلسلة من الأوراق البحثية بشكل متوالي فيها الكثير من المعلومات. حيث قالت أحد المعارضين كينيث بآب (Kenneth Paap) من جامعة سان فرانسيسكو، والتي قامت مع زملائها بوضع أسس لاعتقادها، أن “هنالك عيوب في مزايا ثنائية اللغة إن أخذنا المزايا الشخصية والاقتصادية والاجتماعية والأبعاد الثقافية”. كما أن هنالك مقال صدر من جامعة فلوريدا الدولية في ميامي ذكر فيه مناظرة بين الإيحاءات الاجتماعية والسياسية.
أظهروا أن بإمكان أي شخص دعم ثنائية اللغة ولكن لا يمكن اعتبار ذلك له أساس علمي سليم، فلا يوجد لديك خيار سوى أن تكشف على الأقل تلميحا من القيم في خطابك العلمي. وكذلك اقترح العلماء المعارضين أن نعترف بتلميح ضمن السياق الاجتماعي.
كاثيركول تذكر كيف في أوائل القرن العشرين نمت القومية في الولايات المتحدة مما أدى إلى ضغوط سياسة معاداة ثنائية اللغة، وكيف أضاف الباحثون إلى أن ضغط متطلبات ثنائية اللغة والذي يسبب “التشويش الذهني” (mental confusion) بين المهاجرين. ففي قضية واحدة غير معلنة ولازالت محل جدل، لاحظت ان ثنائية اللغة “في الصحافة الإيجابية” فيها فوائد معرفية.
مهما كانت اهتمامات الباحثين أو نواياهم حول أهمية “مميزات ثنائية اللغة” يجب أن تؤخذ بعيدا عن السياسة. إذ كنت أقترح أن يستفيد المجتمع من وجود أكثر من لغة، قد يثير ذلك بعض المعارضة والاستياء والغضب. لكن إذا كنت ممن يقولون أن استفادة الدماغ من وجود أكثر من لغة، ولا سيما أهميتها للحد من الخرف، فلا أحد باستطاعته التصدي لذلك، وهو أمر غير مرغوب فيه.
التحسينات في الصحة والأداء الإدراكي أشياء جيدة، وكذلك هو ملحوظ سياسيا، على الرغم من ظهوره بعيدا عن السياسة. إذا أصبح مثبت علميا، سيقابله حجج أولئك الذين يعترضون على ثنائية اللغة لأسباب أخرى.
وإذا لم يكن كذلك سأصاب بخيبة أمل. ولكن لقد اتخذت راحة لكي استعد للمشككين وكذلك للتأكيد من مزايا ثنائية اللغة في المجالات الأخرى.
كان نقد نايت لتشومسكي حاد ومقنع، فهو من قلة العلماء الذين يتبعون كل وسيلة لرؤية العلم متحداً مع السياسة. ولكن ربما لن تؤذي الباحثين عندما يلمحوا بقيمهم الشخصية. بعد كل شيء، علماء المناخ يعرفون جيدا من المشتبه به في التحيز وعدم الدقة عندما يتعلق الأمر بالبيانات.
المصدر:
Marek Kohn, “When politics fills the language gap, can science be neutral?”, newscientist.com, 2 November 2016