كشفت أبحاث جديدة أن اللغة مازالت تشكل عائقًا رئيسيًا أمام دراسة العلوم. حيث تعد اللغة الإنجليزية الآن هي اللغة المشتركة (lingua franca) في تدوين الأبحاث العلمية، فبالرغم من أن المجلات العلمية الرئيسية تحوي بحوثًا من جميع أنحاء العالم إلا أنها تنشرها باللغة الإنجليزية.

بيد أن، هناك دراسة جديدة تشير إلى أن ما يزيد على ثلث الأبحاث العلمية الجديدة تُنشر بلغات أخرى خلاف الإنجليزية.

يذكر باحثون من جامعة كامبردج: أنه  فضلاً عن أن اللغة تُفقد المجتمع الدولي الكثير من الأبحاث الهامة، فإنها تعيق الباحثين في المجال نفسه من الوصول لنتائج جديدة. ومتى نُشرت الأبحاث بلغة واحدة فقط، بما فيها الإنجليزية، نشأت الحواجز التي تعترض نقل المعرفة.

– ولقد زار الباحثون المجلات العلمية، والجامعات ومؤسسات التمويل؛ لنشر الملخصات الأساسية من النتائج الرئيسية لدراستهم بعدة لغات، وأيضًا لتشجيع الترجمات كجزء من معايير التقييم والتوعية الخاصة بهم.

ذكر الدكتور (تاتسويا أمانو Tatsuya Amano) – الباحث بقسم علم الحيوان في جامعة كامبردج (Cambridge’s Department of Zoology) – أنه برغم من إدراك أهمية اللغة المشتركة، ومساهمة اللغة الإنجليزية في نشر العلوم، لا يجب على المجتمع العلمي أن يفترض نشر جميع المعلومات الهامة بالإنجليزية فقط. فما زالت الحواجز اللغوية تشكل عائقًا أمام تجميع وتطبيق المعرفة العلمية.

وأشار الباحثون إلى وجود خلل في نقل العلوم للبلدان التي ليست الإنجليزية فيها هي اللغة الأم: فالكثير من الأبحاث التي بدأت هناك، وفي أماكن أخرى متوفرة فقط باللغة الإنجليزية وليس بلغاتهم المحلية. ويسبب ذلك مشكلة خاصًة في المسائل الحيوية ذات الخبرة المحلية كالعلوم البيئية.

تضمنت الدراسة التي نُشرت في كانون الأول/ديسمبر 2016 بمجلة (PLOS Biology) الأبحاث المتعلقة بالمحميات الطبيعية في إسبانيا. فحدد أكثر من نصف الباحثين اللغة، كعقبة أمام استخدام أحدث الدراسات في إدارة الموائل الطبيعية.

وأجرى الفريق أيضًا استطلاع لمعرفة أي اللغات أكثر استخدامًا في نشر الدراسات العلمية. وشملت عملية البحث ضمن دراسة 16 لغة للأبحاث المتعلقة بالتنوع البيولوجي التي نُشرت خلال عام 2014، منصة ويب جوجل الباحث العلمي  (Google Scholar)، والتي تعد واحدة من أكبر المصادر العامة للوثائق العلمية.

شمل الاستطلاع أكثر من 75,000 من الوثائق العلمية من المقالات المنشورة في المجلات، والكتب، والأطروحات الجامعية. فكانت حوالي 35,6% منها لم تُنشر باللغة الإنجليزية. وكانت الأغلبية  باللغة الإسبانية 12,6%، والبرتغالية 10,3%، والصينية المبسطة 6%، والفرنسية 3%.

كما وجد الباحثون أيضًا آلاف الأبحاث المحفوظة ضمن الوثائق العلمية المنشورة حديثًا، مدونة بلغات أخرى منها الإيطالية، والألمانية، واليابانية، والكورية، والسويدية. وأظهرت عينة عشوائية، أنه تم إدراج العناوين أو الملخصات باللغة الإنجليزية فقط في نصف عدد الوثائق المدونة بلغات أخرى. ويعني هذا أن 13,000 من الوثائق العلمية التي نُشرت عام 2014 لم تكن قابلة للبحث عنها باستخدام كلمات إنجليزية. يعتقد الباحثون أن هذا قد يؤدي إلى تغيير المعرفة العلمية الحالية المعروفة بالمراجعات المنهجية (systematic reviews) المنحازة إلى الأبحاث التي تصدر باللغة الإنجليزية. وهذا بدوره، يؤدي إلى التمثيل المفرط للنتائج الإحصائية المؤكدة التي يعد ظهورها أكثر احتمالاً في المجلات العلمية عالية التأثير high-impact التي تنشر بالإنجليزية.

إضافة إلى ذلك، عند البحث بكلمات إنجليزية، يمكن إغفال معلومات بشأن بعض المناطق التي لم تكن اللغة الإنجليزية فيها هي اللغة الأم. ومعرفة هذه المعلومات هامة، ليس فقط للعلوم البيئية ذات الصلة بالأنواع المحلية، والمواطن الأصلية، والنظم الإيكولوجية، لكنها تنطبق أيضًا على العلوم الطبية والأمراض. على سبيل المثال: الأبحاث الصينية التي تناولت بداية إصابة الخنازير بفيروس أنفلونزا الطيور، التي لم يلاحظها أحد من المجتمع الدولي سواء منظمة الصحة العالمية أو الأمم المتحدة؛ وذلك لنشرها باللغة الصينية.

ويذكر الباحث (أمانو) أن: “الأبحاث العلمية التي نشرها غير الناطقين بالإنجليزية تعد حتماً تمثيلا ناقصًا، لاسيما في المجلات الأكاديمية التي تسود فيها اللغة الإنجليزية، وهذا قد يجعل الأبحاث  المحلية الأصلية غير متوفرة باللغة الإنجليزية. وتعد المشكلة الحقيقية للحواجز اللغوية في نشر الأبحاث العلمية، أن القليل فقط حاول حلها، كما يفترض الناطقون باللغة الإنجليزية أن جميع الأبحاث الهامة متاحة فقط بلغتهم. لكن هذا ليس صحيحًا كما تبين في الدراسة. من ناحية أخرى، يعتقد غير المتحدثين بالإنجليزية أن الأولوية في كتابة الأبحاث يجب أن تكون بتلك اللغة، وغالبًا ما ينتهي الأمر بتجاهل الأبحاث المنشورة بغير الإنجليزية، وتجاهل رسالتها.”

وأضاف: “أعتقد أن الأوساط العلمية بحاجة للبدء بجدية في معالجة هذه المسألة. فبالرغم من أن أنشطة التوعية مؤخرًا تتجه نحو الأبحاث العلمية، إلا أنها نادرًا ما تضمنت سُبل الاتصال عبر الحواجز اللغوية.”

يرى (أمانو) والباحثون معه، أنه عند إجراء مراجعات منهجية، أو تطوير في قواعد البيانات العلمية على نطاق عالمي، يجب إدراج مجموعة واسعة من اللغات الأخرى ضمن المناقشات: فعلى الأقل إدراج اللغات التي تغطي- من الناحية النظرية- الغالبية العظمى من الأبحاث غير الإنجليزية، مثل: الإسبانية، والبرتغالية، والصينية، والفرنسية.

ويؤكد (أمانو) على ضرورة تشجيع الباحثين، والمجلات، وممولي الأبحاث، والمؤسسات العلمية على توفير ترجمات لملخصات الأبحاث بغض النظر عن اللغة الأصلية التي نُشرت بها.

يرى الباحثون أيضًا أن الجهود المبذولة للترجمة يجب أن يتم تقييمها بطريقة مماثلة كغيرها من أنشطة التوعية مثل مشاركة الجمهور، لاسيما إذا كانت الدراسة تغطي قضايا على نطاق عالمي، أو مناطق ليست الإنجليزية فيها لغة أصلية.

كما يذكر(أمانو): “فضلا عن أن هذا يعد تحديًا، لكن يجب أن نرى أنه فرصة للتغلب على الحواجز اللغوية. فذلك يساعد على التقليل من الإنحياز المعرفي، ويعزز من تطبيق الأبحاث العلمية على الصعيد العالمي.”

– ودعمًا لذلك، قدم الباحثون في هذه الدراسة موجزاً عنها باللغات الإسبانية، والبرتغالية، والصينية، والفرنسية، واليابانية. وطوروا الموقع الإلكتروني (conservationevidence)

كمرجع لحفظ الأبحاث. كما أسسوا  فريق دولي لاستخراج أفضل الأوراق العلمية المنشورة بغير اللغة الإنجليزية، ومنها اللغات البرتغالية، والإسبانية، والصينية.

مصادر:

1- University of Cambridge, “Languages still a major barrier to global science, new research finds“,PLOS Biology, DOI: 10.1371/journal.pbio.2000933,  December 29, 2016

2- http://www.conservationevidence.com/

ترجمة: إسراء بدوي