بين فترة وأخرى نرى في وسائل النشر السطحية للمعلومات* أخباراً عن شعوب معمرة تسكن في مناطق معزولة (في بلدان الشرق غالباً) ويشترط أن يتبع هؤلاء نمطاً “طبيعياً” للحياة، مع تباين مفهوم “الطبيعية” المقصود هنا، فهو تارةً يشير الى الحياة القديمة كنوع مثالي للحياة وأن حياتنا الحالية مليئة بالعوامل الخطرة، وتارةً أخرى تستخدم هذه المقولات للترويج لعدد من المنتجات أو المواد بحجة أن الشعب الفلاني يستخدمها وهو معروف بأنه شعبٌ معمر.

قد يكون صحيحاً أننا نختبر الكثير من الأمور غير الصحية في حياتنا اليوم، لكن هذا لا يعني أن شعوب الأمس كانت أفضل حالاً منا، فبالأساليب الحديثة للزراعة صرنا أكثر بعداً عن ظروف المجاعة. وباختراع اللقاحات والمضادات الحيوية والكثير من الأدوية صارت الوفيات بالاوبئة أمراً أقل بكثير من الأمس. جانب آخر من هذه الأساطير هو الترويج لبعض المنتجات “الطبيعية” بحجة أنها تستخدم من الشعب الفلاني “المعمر”.

في كتاب (Life, Death, and Entertainment in the Roman Empire) الحياة، الموت والترفيه في الامبراطورية الرومانية وهو من اعداد عدد من الباحثين الذين درسوا جوانب غير شائعة في البحث التاريخي يُذكر أن الأطفال في الامبراطورية الرومانية (وهي رقعة متقدمة نسبياً في كافة المجالات في عهدها) كانوا على الأغلب لا يعاصرون أجدادهم وكان ذلك نوعاً من الندرة في المجتمع الروماني وذلك لوفاة الأجداد بعمر مبكر غالباً. كما يذكر الكتاب أن ثلث الأطفال في الامبراطورية الرومانية قد فقدوا آباءهم قبل البلوغ (يشير ذلك ربما على أقاليم محددة أكثر تقدماً في الامبراطورية بحيث أمكن الحصول على بعض الكتابات التي تشير لذلك) نتيجة للأمراض والحروب والأسباب المختلفة التي تؤدي إلى انخفاض متوسط العمر، في حين أن ثلثي السكان كانوا قد خسروا آباءهم ببلوغ الـ 25 سنة. ويذكر الكتاب صلة ذلك بالأهمية الكبيرة التي يعطيها المجتمع للكبار في السن نتيجة لذلك فصار المجلس الأقوى يعرف بمجلس الشيوخ وصار السيناتور يُسمى بالأب (pater) نظراً للأهمية الاجتماعية النابعة من قلة الكبار في السن والوفاة السريعة للآباء ويذكر أحد البحوث المستند عليها أن طريقة اعتماد أعضاء مجلس الشيوخ بعمر الـ 30 ذلك أن متوسط العمر كان كذلك (وهذا لا يعني بالتأكيد عدم وجود الشيوخ بل يعني كثرة من يموتون بأعمار صغيرة مما يقلل من المتوسط).

لا ننسى الأوبئة كالطاعون مثلاً الذي يُمكن القضاء عليه اليوم بأدوية بسيطة حتى أننا لم نعد نراه، وهو المرض الفتاك الذي لم يقضِ على أفراد ومجتمعات صغيرة فحسب بل كان مسؤولاً عن إبادة شعوب بأكملها أحياناً.

ولا نمضي بعيداً فنسبة الكبار في السن لم تصبح على ما هي عليه اليوم إلا في فترة متأخرة. فها هي الولايات المتحدة كان متوسط العمر فيها 49 عاماً في القرن التاسع عشر، أما اليوم فهو يصل الى 78 سنة[1]. مع أرقام مشابهة لبريطانيا حتى بدايات القرن العشرين وهي اليوم تقارب الـ 80 سنة[2].

سنناقش في المقال دوافع وأسباب نشوء هذه الأساطير وكما يلي:

لا احصائيات حول معمري تلك المناطق في بلدانهم

إحدى الأساطير الشائعة حول الشعوب المعمرة هي لشعب الهونزا في باكستان، الهونزا يعيشون في وادي يحمل الإسم نفسه وهناك مزاعم أنهم يصلون الى عمر 100 سنة بشكل اعتيادي، حيث يفترض أن هناك الكثير من كبار السن قد تجاوزوا المئة. الاسطورة بدأت من السكان أنفسهم إذ كان البريطانيون في القرن التاسع عشر مع تواردهم الى تلك المناطق يسألون الناس عن أعمارهم وكان السكان يقولون أن الشخص الفلاني بعمر كذا والشخص الفلاني بعمر كذا وعلى هذا النحو.

غير أن البريطانيين مثل جون كلارك الذي زار المنطقة لاحظوا أن هؤلاء الرجال قد يكونون بأعمار تتراوح بين السبعينات والثمانينات ليس أكثر، كما لم يجدوا بياناتٍ حولهم ووجدوا أيضاً أن مجموعة من هؤلاء لم يكونوا من ساكني المنطقة وأنهم قد قدموا لاحقاً للمنطقة. لكن أكبر ما وثقه جون كلارك هو عدد الأطفال الذين أحصاهم وقد خسروا أفراداً من عوائلهم بشكل مبكر فضلاً عن الأمراض المنتشرة الكثيرة ومعدل متوسط العمر المنخفض في وادي الهونزا هذا فضلاً عن سوء التغذية الذي لاحظه جون كلارك وعالج الكثير من الناس الذين يعانون منه أثناء تواجده في المنطقة.

المفاخرة أمام الشعوب

ننقل من أحد المواقع  ما يذكره عن المفاخرة أمام الشعوب وأنها هي إحدى الأسباب في الزعم بوجود قدرات خارقة لدى أفراد الشعب المفاخر. فيذكر أن الأسكيمو كانوا وحتى القرن العشرين يقولون أنهم بلغوا القمر وأن شاماناتهم (الطبيب الشعبي) يُمكنهم الصعود للقمر بسهولة يُروى ذلك عن الرحالة والباحث فيلهامور ستيفنسون (Vilhjalmur Stefansson). ويذكر أن لشعب الهونزا في الباكستان هذا النوع من المفاخرة في فلكلورهم فكانوا يقولون أن أرضهم مثالية وأنهم مجتمع مثالي وأنهم كانوا يطمحون لإخضاع الرجل الأبيض لقيادتهم. ويُذكر أن هذا السلوك شائع بين الشعوب البدائية.

طرق غير دقيقة وغير منطقية لحساب الأعمار

تروي ريني تايلر (Renée Taylor) في كتابها عن الهونزا وهي التي تدافع عن اساطير الصحة الجيدة والمجتمع المثالي لشعب الهونزا في باكستان أن أحد الزعماء هناك أخبرها بأنهم لا يقيسون العمر بالتقويم بل بالحكمة والتجارب والمنجزات وتؤكد تايلر أنهم أخبروها بمقاييسهم للعمر (ومع ذلك فهي تصدق بوجود شئ غير اعتيادي لديهم) فمثلاً وجدت رجلاً يلعب كرة الطائرة وهو بصحة جيدة وقد أخبرها أن عمره 145 سنة!

الترويج لخرافات أخرى

من الغريب أن الخرافات تتلاقى مع بعضها فمع الأسطورة غير المثبتة التي تقول أن شعب الهونزا لا يصاب بالسرطان نرى أن مروجي كذبة فيتامين 17 يلتقون هناك ويقولون أن شعب الهونزا يأكلون نوى الثمار التي تحتوي على الاميجدالين وبالتالي فهم لا يصابون بالسرطان!

مجموعة من الخرافات تحاك أيضاً حول جزيرة أوكيناوا في اليابان التي يُزعم أن فيها أكبر نسبة للمعمرين، كتب ووصفات ومقالات كثيرة تصف نمط الطعام والنظام الغذائي لسكان هذه الجزيرة، لكن المفاجأة أنك ستتفاجئ في التضارب بين وصف طعام أهل الجزيرة والأغرب أنك لن تجد نباتيين من بين معمري الجزيرة ويفترض وفق أغلب من وصفوا طعام أهل اوكيناوا أنهم من النباتيين. هذه المدونة (stan-heretic.blogspot.com) قد جمعت العديد من الآراء العلمية والتصريحات حول النظام الغذائي لأوكيناوا ويُمكن أن تعرفكم بالمزيد حول الأمر.

اخطاء ادارية وحسابات غير دقيقة

في كثير من الدول لم يكن تسجيل الولادات دقيقاً حتى وقت متأخر، فبينما أكتب هذا المقال ضج العراق بفضيحة فساد إداري لنساء تم ترشيحهن عبر القرعة للذهاب الى الحج وقد كانت أعمارهن قد تجاوزت الـ 100 سنة والأغرب أنهن أنجبن أولاداً وهن بعمر يتجاوز الـ 60 عاماً، في اليوم التالي نشرت هيئة الحج والعمرة العراقية فيديو لمقابلة مع 3 أشخاص وهم الذين ولدتهم أمهاتهم المعمرات بعمر يفوق الستين عاماً وقد وضحوا للناس أن ذلك ناجم من خطأ اداري ناتج من عدم الدقة في تدوين المواليد مع تأسيس الجمهورية العراقية وحتى الخمسينات.

في الولايات المتحدة وفي عام 1999 كان هناك ما يقارب الـ 2700 شخص ممن يفوقون المئة عام بين أعوام 1980 و 1999، لكن ووفقاً للجهات الإدارية فإن 355 من هؤلاء فقط لديهم بيانات مؤكدة.

أما في الصين فلفترة طويلة كانت السنوات تقاس بدورات الحيوانات التي تتكون من 12 سنة والتي يشوبها الكثير من الزيادات في الوقت عن التاريخ الفعلي المتبع في العالم.

أكبر رجل في العالم (سناً) الياباني شيغيشيو ايزومي (Shigechiyo Izumi) الذي كان يفترض أن عمره 113 سنة وُجد أن عمره 105 عند وفاته. وأحد أشهر الزاعمين بكبر سنهم شارلي سميث (Charlie Smith) المتوفي سنة 1979 كان يزعم أنه عبد سابق (أي أنه عاش في منتصف القرن التاسع عشر قبل الحرب الأهلية) وجد أن عمره عندما مات كان 100 سنة فقط.

ولا تعتمد الأرقام الحكومية للمعمرين على الاخطاء فقط، فالسوفييت مثلاً روجوا للمعمرين في القوقاز للإشارة الى النمط الصحي للحياة “السوفيتية”[3].

الأديان والقصص الدينية والشعبية

تضم الكثير من القصص الدينية والشعبية بحسب الدين والشعب قصصاً عن أشخاص يعيشون لمئات السنين وتسير معظم القصص الدينية والشعبية على نفس المنحى الشعبي للظن بأن الأقدمين كانوا أفضل صحة (هذا إن لم يكونوا الأفضل في كل شئ)، وقد يكون ذلك جزءاً من عادات البشر في احترام الأسلاف الذي يصل لدى شعوب الشرق مثلاً إلى عبادة الأسلاف. شيوع هذه القصص الشعبية والدينية يخلق أحياناً قصصاً معاصرة أيضاً من قبل تلك الشعوب، فما حدث في الأمس يُمكن أن يحدث اليوم أيضاً.

هذا من جهة، ومن جهةٍ أخرى فإن بعض الأديان والطوائف تقترح نظاماً غذائياً معيناً وتزعم أنه الأفضل لإطالة العمر، وأحد أشهر هؤلاء هم كنيسة اليوم السابع – السبتيون (Seventh day adventists) الذين زعم أحد المراكز الصحية لهم أن عمر السبتيين يزيد بأربع الى 10 سنوات من عمر مواطنيهم من نفس البلد وهم يعزون ذلك للحمية النباتية المتبعة. لكن وبحسب موقع تابع للطائفة فإن أكبر دراسة أقيمت على السبتيين في الولايات المتحدة وكندا كان فقط 8% من المشاركين فيها نباتيون[4].

مصادر

[1] DAVID LEONHARDTSEPT, life expectancy data, The New York Times,

[2] Gallop, Adrian, and Finlaison House. “Mortality improvements and evolution of life expectancies.” Seminar on Demographic, Economic and Investment Perspectives for Canada. Office of the Superintendent of Financial Institutions Canada. 2006.

[3] Young, Robert D., et al. “Typologies of extreme longevity myths.” Current gerontology and geriatrics research 2010 (2010)..

[4] DEANNA MOORE, “unwrapping the myth of healthy adventists”, adventistreview.org, 2013